إسرائيل

مركز “بيجن السادات” الإسرائيلي: عملية حارس الأسوار “نصر تكتيكي وهزيمة استراتيجية”

عرض – هبة شكري

نشر مركز “بيجن- السادات للأبحاث الاستراتيجية” الإسرائيلي تقريراً تحت عنوان “عملية حارس الأسوار: نصر تكتيكي وهزيمة استراتيجية“، أعده دورون ماتزا، الباحث المشارك بالمركز، والذي شغل سابقًا مناصب عليا في جهاز المخابرات الإسرائيلي.

وأعتبر التقرير أن إسرائيل حققت إنجازات تكتيكية مثيرة للإعجاب في الحرب على غزة، لكن على المستوى الاستراتيجي فان هناك إخفاقا حادا. وفي هذا الصدد، قارن التقرير وضع إسرائيل بوضع الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب على فيتنام، إذ حققت خلالها إنجازات كمية في الوقت الذي انهزمت فيه استراتيجياً في ذلك الصراع.

وأضاف التقرير، أنه بعد 11 يومًا من القتال، انتهت الحرب الرابعة بين إسرائيل وحماس، منذ استيلاء الحركة الإسلامية على قطاع غزة عام 2007، مثل سابقاتها، دون تحقيق نصر واضح.  لكن الانطباع الرئيسي هو أن هذا الصراع يختلف تمامًا عن جولات القتال السابقة من حيث اللغة المماطلة وأنماط التفكير لدى كل من حماس وإسرائيل، مما يعكس تباينًا مفاهيميًا واسعًا بين الطرفين.

ففي الوقت الذي أظهرت فيه إسرائيل استنادها إلى منطق الكم التكتيكيً أثناء القتال، كان تفكير حماس إستراتيجيًا نوعيًا.  وكان ذلك واضحًا في الخطاب الإسرائيلي الداخلي، الذي ركز على الإنجازات الكمية للحملة مثل عدد الأهداف التي استهدفتها إسرائيل، وعدد القتلى من أعضاء حركة حماس، وكمية الصواريخ التي تم إطلاقها أو تدميرها، بالإضافة إلى عدد الأنفاق التي تم تدميرها وعدد المباني متعددة الطوابق التي تم تدميرها، وهكذا.

  ومن هذا المنطلق، عززت طبيعة الحملة – التي تتألف أساسًا من الضربات الجوية – المفهوم الإسرائيلي الذي ارتكز على الآمال في تحقيق أكبر عدد ممكن من الأهداف من خلال مهاجمة الأهداف.

وأشار التقرير في هذا الصدد، إلى أن أداء الجيش الإسرائيلي كان جيدًا بالفعل، حيث تمت الحملة بشكل جيد بالتنسيق بين الجيش الإسرائيلي والشاباك (جهاز الأمن العام)، وحتى المستوى السياسي المنقسم، نجح في الحفاظ على الانسجام والتعاون الجدير بالثناء.

واستطرد، :”لقد تعرضت حماس بلا شك لضربة قاسية وواسعة النطاق من وجهة نظر عسكرية – وهنا تكمن المشكلة؛ إذ أن منطق إسرائيل التكتيكي الكمي ساعد في منعها من الوصول إلى نتيجة عسكرية واضحة لا جدال فيها، في الوقت الذي استخدمت فيه حماس منطقًا مختلفًا تمامًا ركز على الأهداف الاستراتيجية المنهجية.

 من هذا المنظور، حققت حماس نجاحًا أكبر مما كان متوقعًا. حيث أن الحملة لم تبدأ فقط بإطلاق الصواريخ في يوم عطلة بالقدس بمناسبة “يوم القدس”، وبالتالي فاجأت صناع القرار السياسي والعسكري الإسرائيليين (وفقاً لتقديرات كبار مسؤولي جيش الدفاع)، و تمكنت أيضًا من خلق آثار مضاعفة للحرب خارج حدود قطاع غزة، وتجسد ذلك في الخلاف الذي ظهر في العلاقات اليهودية العربية في إسرائيل وما صاحبها من أعمال شغب في المدن المختلطة ، فضلاً عن الاضطرابات في الضفة الغربية والتي كانت جميعها انعكاساً للحرب في غزة.

واعتبر التقرير أنه للمرة الأولى، نجحت حماس في تلاحم الجسم السياسي الفلسطيني بأسره سواء في غزة أو الضفة الغربية أو حتى داخل إسرائيل، وساهمت في تفجر الإرهاب والعنف.

علاوة على ذلك ، شنت حماس حملتها من منظور إقليمي ودولي واسع، على عكس الجولات السابقة، حيث جعل الحصار على غزة منها مركزًا للقتال وأهدافه، وحولت حماس في الجولات القدس إلى بؤرة رمزية. 

وذكر التقرير :”وهكذا تولت حماس قيادة معسكر الإرهاب و المقاومة الإقليمي حتى على حساب حزب الله، الذي كان عليه الرضوخ لإطلاق الصواريخ على إسرائيل من الأراضي اللبنانية من قبل الفصائل الفلسطينية المتمردة، وهو ما يمكن أن يصبح ظاهرة مستمرة.

وأكد التقرير، أن حماس حددت أجندتها في خلال الحملة الأخيرة، إذ لم يعد الصراع في غزة هو قتال محلي مع إسرائيل، بل أصبح إلى جانب ذلك، أكبر من مواجهة بين نظريتين إقليميتين. الأولى هي النظرية الاقتصادية البراغماتية العقلانية، حيث أخذت إسرائيل زمام المبادرة جنبًا إلى جنب مع الدول التي تكره المخاطرة في المنطقة، وتتبنى تلك المدرسة سياسة الترويج لأجندة اقتصادية وقد دعمت “اتفاقات إبراهام”، وكذلك ظاهرة منصور عباس، وكان هذا التوجه هو السبب المنطقي خلف صفقة القرن لإدارة ترامب.

أما النظرية الثانية، فهي النظرية العاطفية التي يتبناها معسكر المقاومة، المستند إلى سياسات هوية المدرسة القديمة القائمة على الرؤى المثالية والمطلقة التي تعطي الأولوية للمستقبل على الحاضر.  وبينما اكتسبت المدرسة البراغماتية خلال العقد الماضي ميزة واضحة في المنطقة تحت وصاية الولايات المتحدة،لكن يبدو أن حملة غزة تحدتها، بفضل ثلاثة عوامل:

  • تغيُّر الإدارة الأمريكية، حيث تخلى الرئيس بايدن وحاشيته عن سياسة سلفه تجاه الشرق الأوسط.
  • ضعف النظام السياسي الإسرائيلي، وضعف موقف نتنياهو الذي كان يُنظر إليه على أنه يلعب دورًا استراتيجيًا رئيسيًا في الردع.
  • نظرة “معسكر المقاومة” إلى الدول الغربية وإسرائيل نظراً لما أسفرت عنه أزمة فيروس كورونا من  وسط الفوضى الداخلية داخل تلك الدول.

وأشار التقرير إلى أن العقد الماضي قد شهد استقراراً أمنياً بشكل نسبي في المنطقة، وضعف خلاله معسكر المقاومة  وتراجع بروز القضية الفلسطينية.  لكن الصراع في غزة قد غيّر هذا الواقع وعزز مناصري سياسات الهوية داخل غزة، وبين عرب إسرائيل وفلسطينيي الضفة الغربية.، وكانت المواجهة الأخيرة في غزة بمثابة صدام استراتيجي بين نظريات ومقاربات ووجهات نظر عالمية مختلفة.

 من هذا المنطلق ، كان لدى إسرائيل فرصة غير عادية لتحويل غزة وحماس إلى درس يمكن تلقينه على الصعيدين الإقليمي والدولي، وبالتالي يمكنها استعادة التوازن السابق وإعادة تأسيس الأجندة الاقتصادية البراغماتية.  لكن القيام بذلك كان سيتطلب مراجعة استراتيجية الجيش الإسرائيلي تجاه غزة ومجموعة مختلفة من الأهداف العملياتية، مما يؤدي إلى حملة مصممة لهدم أسس القوة العسكرية لحماس. ولتحقيق ذلك، كان من الممكن أن يستلزم ذلك التخلي عن استراتيجية الحملة الجوية في مقابل حملة واحدة تجمع بين الضربات الجوية والمناورة البرية.  لكن يبدو أن الفجوة في اللغة بين نهج إسرائيل التكتيكي الكمي ومنهج حماس الاستراتيجي النوعي تعكس صعوبة إسرائيل في فهم الطبيعة والأهمية الفريدة لهذا الصراع الأخير في غزة فيما يتعلق بأسلافه وفي تقدير السياق الأوسع الذي يتم فيه شن العملية.

واستنكر التقرير استخدام إسرائيل نفس المنطق العسكري العملياتي الذي استخدمته في الجولات السابقة، وما ترتب على ذلك من اعتبار إسرائيل للحرب على أنها واحدة من مواجهاتها المزمنة مع المنظمات الإرهابية في غزة. وبناءً على ذلك، أنهت العملية بإنجازات تكتيكية مثيرة للإعجاب ولكن تزامناً مع تراجع حاد على المستوى الاستراتيجي، وتوقع التقرير أن يكون هناك تداعيات واضحة على سياسات الشرق الأوسط في على كافة الأصعدة.

واختتم التقرير بالتأكيد أن النظرية العاطفية الآن لها اليد العليا، حيث تمكنت حماس من جعل نفسها لاعبا استراتيجيا مهما خارج الساحة الفلسطينية، كما نجحت في تقويض النموذج الاقتصادي البراغماتي لصفقة القرن، فضلاً عن إثارة الصراع بين اليهود والعرب في إسرائيل ومنح الجماعات الإرهابية في المنطقة سببًا وجيهًا لمواصلة مواجهة إسرائيل. وهو ما ينعكس سلبياً على أتباع النظرية العقلانية، أولئك الذين يحبون الحياة في الشرق الأوسط. ولمواجهة هذا الاتجاه الناشئ، فهناك ضرورة لاستيعاب الأهمية الحقيقية للحرب الأخيرة، ولا سيما نتائجها الحقيقية بصورة عاجلة، حسبما ورد بالتقرير.

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

هبة شكري

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى