أوروبا

“انفصال اسكتلندا”.. صداع جديد في رأس بريطانيا

ما أن تنفست النخب البريطانية الصعداء عقب الانتهاء من زلازل بريكست/الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، حتى جاءت نتائج الانتخابات البرلمانية الأسكتلندية مايو 2021 لتعلن انتصار التيار القومي والجمهوري الداعم لتنظيم استفتاء لانفصال اسكتلندا عن بريطانيا.
الحزب الوطني الأسكتلندي برئاسة رئيسة الوزراء نيكولا ستورجون، استطاع زيادة مقاعده في البرلمان، وكذا حزب الخضر، وكلاهما داعم لاستقلال اسكتلندا، في حين حصدت الأحزاب الداعمة للبقاء تحت التاج البريطاني خسائر طفيفة او قاسية كلاً حسب درجة قربه من الوزارة البريطانية برئاسة بوريس جونسون.
وعلى ضوء نتائج انتخابات مايو 2021، سوف تسعى رئيسة الوزراء نيكولا ستورجون لتنظيم استفتاء ما بين البقاء او الانفصال/الاستقلال عن مملكة بريطانيا، وهو نفس الاستفتاء الذي جرى العقد الماضي، ولكن وقتذاك كانت بريطانيا عضوة بالاتحاد الأوروبي، ولكن اليوم الوضع اختلف مع الخروج البريطاني، حيث تسعى الدوائر القومية والجمهورية في النخب الأسكتلندية إلى الاستقلال عن بريطانيا ثم الالتحاق بالاتحاد الأوروبي.
يذكر أن اسكتلندا إبان التصويت لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، قد صوتت لصالح البقاء داخل الاتحاد، ما خلق ازمة داخلية في اسكتلندا التي خرجت من الاتحاد الأوروبي بأصوات المصوتين في انجلترا نظراً لأنها في حالة اتحاد هزيل مع لندن.
انفصال اسكتلندا الذي أصبح أقرب من أي وقت مضى، هو زلزال جديد سيضرب بريطانيا وأوروبا، أقوى من بريكست في تداعياته، لان المسألة هنا ليست خروجاً من الاتحاد القاري أو عودة إليه ، ولكنها تتضمن تقسيم بريطانيا وإعلان إقليم اسكتلندا الاستقلال، وايضاً فكرة اعلان النظام الجمهوري في إقليم يخضع للنظام الملكي، كلها أمور مقلقة لزعماء أوروبا.
ومصدر القلق هنا أن كافة دول القارة الأوروبية تضم حركات انفصالية، ما بين شمال إيطاليا وكتالونيا في اسبانيا والمناطق الألمانية في فرنسا وحتى بعض الولايات الألمانية وصولاً الى الأقاليم البلجيكية، وهكذا فأن اسكتلندا إذا ما نفذت استقلال ناجح ومقبول للاتحاد الأوروبي فأن دومينو الانفصال سوف يضرب القارة الأوروبية وينتج خارطة جديدة للحدود التي استقرت عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، كما ان استقلال اسكتلندا عن بريطانيا سوف يشجع ايرلندا على استئناف المطلب ذاته والخروج من عباءة التاج البريطاني، على أمل الانضمام الى ايرلندا الشمالية وإعلان قيام جمهورية ايرلندا الكبرى.
كما أن فكرة تخلص اسكتلندا من النظام الملكي وإعلان النظام الجمهوري، سوف يشجع الأصوات المماثلة الداعية لإسقاط النظام الملكي الاسباني وإعلان الجمهورية الاسبانية وكذا دعم الحركات الجمهورية في مملكتي بلجيكا وهولندا، ما يعني ان أنظمة أوروبا لن تواجه حركات انفصالية وقومية فحسب ولكن ايضاً الحركات الجمهورية سوف تنشط في الدول الملكية ما يهدد بموجة من الاضطرابات والأزمات السياسية في أوروبا.
وقد حاول بعض اقطاب السياسية في أوروبا استباق هذا الجدل بالقول ان طلب اسكتلندا للانضمام الى الاتحاد الأوروبي إذا ما انفصلت عن بريطانيا هو طلب مرفوض، وفى محاولة لقطع الطريق امام قبلة الحياة الأسكتلندية للحركات الانفصالية والجمهورية في أوروبا، ولكن هذا المقترح واجه معارضة اسكتته بشكل فوري، اذ انه من مصلحة أوروبا ان يتم معاقبة بريطانيا على خروجها من الاتحاد الأوروبي عبر سلخ إسكتلندا من التاج الملكي، كما ان الاقتصاد الأوروبي بحاجة الى اسكتلندا جغرافياً وتجارياً.
وحال استقلال اسكتلندا عن بريطانيا، سوف تخسر إنجلترا وباقي الأقاليم البريطانية الأسواق التجارية الأسكتلندية والايدي العاملة الأسكتلندية، بالإضافة الى نقل عشرات المقرات الاقتصادية والمصرفية من اسكتلندا الى بريطانيا، ما يعني ضربة اقتصادية موجعة جديدة لبريطانيا التي لازلت تحاول التعافي من الاثار الاقتصادي للبريكست وكورونا.
كما ان العشرات من ساسة بريطانيا سوف يفقدون الجنسية البريطانية وبالتالي لا يحق لهم العمل السياسي في إقليم إنجلترا، وعلى رأسهم جوردون براون رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ما بين عامي 2007 و2010، والذى يسعى حال استقلال ادنبرة الى ان يصبح اول رئيس للجمهورية الاسكتلندية على اعتبار ان الجمهورية المرتقبة سوف تتخذ من النظام البرلماني منهجاً لها، وتحتاج الى احدى رجالات الدولة ذو الخبرة ليشغل منصب رئيس الدولة ذو الصلاحيات الشرفية – كما الحال في البرتغال وإيطاليا على سبيل المثال – عكس منصب رئيس الوزراء الذى من المتوقع ان تشغله رئيسة الوزراء الحالية نيكولا ستورجون حال استقلال اسكتلندا.
ومع ذلك من المستحيل الجزم بأن التصويت حال عقده هو محسوم لتيار الاستقلال بنسبة 100 % رغم ان المراكز البحثية الأوروبية تشير الى ان ضواحي وربوع وريف اسكتلندا تموج بجيل جديد من الشباب يرغب في الالتحاق بأوروبا ولا يرى نفسه بريطانياً، ولكن التاريخ يذكر لنا حراك مماثل قبل استفتاء 18 سبتمبر 2014 والذى جرى حول الامر ذاته، هل يجب ان تكون اسكتلندا دولة مستقلة؟، وكانت المفاجأة ان 55.3 % من الشعب الاسكتلندي رفض الفكرة وفضل الحفاظ على ارث المملكة المتحدة مع إنجلترا.

إيهاب عمر

باحث سياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى