سياسة

قراءة في المؤشرات الدولية والاقليمية للتعليم “ما قبل الجامعي”

تتعدد وتتنوع المؤشرات الدولية والاقليمية لتقييم التعليم ما قبل الجامعي، ويفسر صدور بعض المؤشرات عن منتديات ومؤتمرات اقتصادية ومنظمات وهيئات أممية أهمية الاستثمار في الجانب البشري وخاصة الاستثمار في التعليم، فالتعليم يمثل الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة (SDGs)، لذا يخضع لأسس تقييم متباينة ومتعددة تختلف باختلاف المؤشر. ويتناول هذا المقال قراءة في بعض المؤشرات الدولية للتعليم ما قبل الجامعي، ويستشرف مستقبل المؤشرات التربوية في ظل ما فرضته جائحة “كورونا” من متغيرات على السياسات التعليمية إقليميا وعالميا.

منهجية مؤشرات التعليم:

يعد التعليم حقا إنسانيا للجميع دون تمييز، لذلك سعت العديد من المنظمات والهيئات والمؤسسات والكيانات الدولية إلى بناء مؤشرات للتعليم تعكس صورة دورية لتطور السياسات التعليمية في الدول المختلفة، من خلال مراقبة أنظمة التعليم وقوانينها، ومراجعة الخطط الاستراتيجية، وقياس الخدمات التربوية.

وتساهم هذه البيانات في الحكم على مدى تحقق مجموعة من الأهداف أو المعايير، وقياس حجم التغير في بعض النتائج، ولا تستهدف المؤشرات بشكل مباشر إجراء مقارنات وتصنيفات بين مؤسسات أو دول لان خصائص قياس التعليم تخضع لابعاد فردية أحياناً قد تتواجد في دول محددة ولا تتكرر في دول أخرى. وتختلف المؤشرات الدولية في منهجية بنائها، فبعضها كيفي (نوعي)، وبعضها كمي يمثل درجة؛ أو حجم؛ أو عمق؛ أو معدل؛ أو تراكم؛ أو غير ذلك من الأبعاد الكمية المستهدف قياسها، وبعضها مركب يجمع ما بين الكيفي والكمي.

وتكاد تتفق معظم المؤشرات الدولية الخاصة بالتعليم ما قبل الجامعي على بعض البنود كحجم الموارد المالية المخصصة للتعليم، ونسب الالتحاق بالتعليم ما قبل الجامعي، وإعداد المعلمين، وتمثل قاعدة بيانات مؤشرات التعليم التي تنتجها منظمة اليونسكو من خلال معهد اليونسكو للإحصاء (UIS) أهم مصدر للبيانات الاقليمية والدولية، حيث يصدر المعهد 14 مؤشرا رئيسيا منها: مؤشر الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة، ومؤشر خاص للتعليم في أفريقيا، وتمويل التعليم، ومؤشر للأطفال خارج التعليم، والموارد البشرية المخصصة للتعليم، ومؤشر عن التعليم العالي، وغيرها، ولكل مؤشر من المؤشرات الرئيسية مجموعة من المؤشرات الفرعية، ويعد مؤشر تنمية التعليم للجميع الصادر عام 2015 لمتابعة تقييم الأهداف الإنمائية من المؤشرات التي تنال اهتمام ومتابعة دولية، ويرتكز هذا المؤشر على أربعة محاور رئيسية هي: حجم التعليم الابتدائي، تكافؤ فرص التعليم بين الجنسين، محو أمية الكبار، وجودة التعليم، أما فيما يتعلق بالتصنيفات الدولية في التعليم فقد أصدر معهد اليونسكو للإحصاء التصنيف الدولي الموحد للتعليم (ISCED) عام 1997، وتم تطوير مستوياته عام 2011، ليشمل ثلاثة مستويات لمجالات العلم تبدأ بالمستوى الأعلى ويضم 11 مجالا واسعا؛ ثم المستوى الثاني ويضم 29 مجالا ضيقا؛ واخيراً المستوى الثالث ويضم 80 مجالاً تفصيلياً للتعليم والتدريب، حيث تم تخصيص مجالات المستوى الثالث للتعليم الثانوي والجامعي، ويستخدم هذا التصنيف في توحيد البيانات الاحصائية للدول لأغراض دراسات المقارنات الدولية لقياس توافر أنواع مجالات التعليم والتدريب.

شكل (1) مؤشرات معهد اليونسكو للإحصاء (UIS)

شكل (2) مستويات التصنيف الدولي الموحد للتعليم (ISCED)

بالإضافة إلى معهد اليونسكو للاحصاء ينتج  برنامج الامم المتحدة الانمائي  (UNDP)التابع لمنظمة الامم المتحدة مؤشرا للتنمية البشرية يتضمن مؤشرا للتعليم ويضم ثلاثة محاور رئيسية، حيث يقيس المحور الأول التحصيل العلمي من خلال حصر نسبة الحاصلين على التعليم الثانوي، ومعدل الأمية، ونسب الالتحاق بالتعليم الابتدائي والثانوي والجامعي؛ ويضم المحور الثاني قياس نوعية التعليم من خلال مقاييس أداء الطلاب بالتعليم ما قبل الثانوي في بعض المواد الدراسية مثل القراءة والعلوم والرياضيات، ونسبة الرضا العام عن نظام التعليم، ونسبة المعلمين المدربين بالتعليم الابتدائي، بينما يتضمن المحور الثالث نسب المساواة في الحصول على التعليم ما قبل الجامعي والتعليم العالي وآثارها على نسب تمكين المرأة.

على صعيد آخر تصدر بعض المنظمات والهيئات الاقتصادية الدولية مؤشرات لقياس التعليم منها البنك الدولي (WBI) ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، والمنتدى الاقتصادي العالمي الذي يصدر مؤشر دافوس لجودة التعليم، وتهتم هذه المنظمات بتقييم التعليم إقليميا ودوليا لما له من آثار مباشرة على سوق العمل، فاحصاءات التعليم تتحكم بشكل مباشر في برامج الدعم والقروض التي يقدمها البنك الدولي، لذلك أصدر مؤشر رأس المال البشري للصحة والتعليم، الذي يضم  30 مؤشرا للتعليم ما قبل الجامعي بالاعتماد على بيانات معهد الينسكو للاحصاء. أما منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فقد أصدرت في نهاية الثمانينيات مؤشرات لنظم التعليم، تعاقبت مراحل تطويرها واختزالها تارة وتفريعها تارة أخرى حتى وصلت إلى 4 مؤشرات رئيسية هي: المخرجات التربوية وأثر التعلم ويضم 7 مؤشرات فرعية؛ الحصول على التعليم ويضم 7 مؤشرات فرعية؛ الموارد المالية المستثمرة في التعليم ويضم 6 مؤشرات فرعية؛ واخيراً المعلمون والبيئة التعليمية وتنظيم المدارس ويضم 5 مؤشرات فرعية، وبالرغم من شمول هذا المؤشر إلا ان نتائجه وتقاريره تفتقر إلى التحيل النوعي وتستحوذ عليه البيانات الاحصائية الكمية. أما مؤشر دافوس للتعليم فهو جزء من مؤشر التنافسية العالمية لعدد 137 دولة يصدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي ويتضمن مؤشرات تقيس جودة نظام التعليم الابتدائي والتعليم العالي والتدريب، وجودة مناهج العلوم والرياضيات في مراحل التعليم ما قبل الجامعي، ونسب الالتحاق بالتعليم الثانوي، وجودة الادارة المدرسية، ونسب توافر الانترنت بالمدارس، ونسب المعلمين المدربين، وجودة برامج تدريب المعلمين.

أما على الصعيد العربي فقد أصدر المرصد العربي للتربية التابع لمنظمة الألكسو ((ALECSO مؤشر للتعليم ما قبل الجامعي  يضم 6 ابعاد رئيسية هي:  نسب الالتحاق بالتعليم، تكافؤ الفرص، وجودة التعليم، والفاعليةُ, والجدوى، نسبة الاقتصاد المعرفي, بيد أن البيانات الصادرة عن مؤشر المرصد العربي تعاني نقصا في تحديث الاحصاءات الدورية لبعض الدول، علاوة على تباين أساليب احتساب بعض المؤشرات، وعدم استجابة بعض الدول العربية لتطبيق بعض استبيانات المؤشر.

شكل (3) مؤشر الألسكو الإحصائي للتربية في الدول العربية

نحو مؤشر منصف في ظل الجائحة:

فرضت جائحة فيروس كورونا تغيرات جذرية على السياسات التعليمية جاءت في مقدمتها إغلاق كامل للمدراس في 188 دولة في مطلع انشار الفيروس المستجد ابريل 2020، ثم تطبيق التعلم عن بعد كصيغة تربوية اثناء الجائحة من خلال أجهزة التلفزيون؛ أو الراديو؛ أو التعلم الالكتروني عبر المنصات التعليمية، الأمر الذي يعظم نتائج اللامساواة في التعلم، خصوصاً مع تباين امكانات الدول للوصول إلى تقنيات تطبيق التعلم عن بعد، علاوة على تضخم حجم الانفاق على التعليم مع ظهور بنود انفاق جديدة لتعقيم المدارس والمؤسسات التعليمية، وتوفير مخصصات للحجر المؤقت، وتوفير الادوات الطبية اللازمة لتسجيل درجة حرارة الطلاب والعاملين.

وعليه أصبح من المجحف الاعتماد على مؤشرات التعليم التي تم استعراضها انفاً لقياس تطور التعليم في الدول خلال الجائحة، فمؤشر نصيب الطالب من مساحة الفصل لم يعد منصفا لتقييم التعليم في ظل إغلاق المدارس خلال الجائحة سواء كان اغلاق جزئي أو كلي.

لذا تحتاج المنظمات المحلية والاقليمية والدولية الى مناقشة تطوير مؤشرات التعليم ما قبل الجامعي بحيث تراعي رصد مؤشرات جديدة تتسق وأهداف التعليم في ظل الجائحة، وتراعي تحديد ديناميكيات الأنظمة التعليمية من خلال حصر احصائيات الاغلاق الجزئي والكلي للمدارس والمؤسسات التعليمية، ومدة الاغلاق، ونسب الحضور وتناوب العاملين في المؤسسات التعليمية، والخطط العلاجية لتعويض فقد المناهج أثناء اغلاق المدارس، ومدى توافر خطط استراتيجية لاادارة الأزمات، ونسب الاختبارات التي تم تنفيذها، ونسبة الطلاب المصابين بالفيروس، ومعدلات تعديل خطة الدراسة، والاستجابات المحلية لخطط ادارة التعليم خلال الجائحة، الرضا العام عن نظام التعليم خلال الجائحة، الاستعداد الشعبي لتنفيذ الخطط.

علاوة على ذلك يجب أن تراعي مؤشرات التعليم خلال الجائحة حصر نسب المنصات والوسائط التعليمية المتاحة للجميع دون تمييز، ومعدلات بنوك المعارف الالكترونية، وأنواعها (مرئية ومسموعة ومصورة وتفاعلية وغيرها)، ونسب المناهج الدراسية المرقمنة، ومدى توافر البنية التحتية التكنولوجية بالمدارس والمنازل، ونسبة التنور “محو الأمية” التكنولوجي، كذلك يتحتم على مخططي المؤشرات التربوية مراعاة حجم الاضطرابات الناتجة عن الوباء، ومنها الاثار الاقتصادية على وجه التحديد والتي تؤثر بشكل مباشر على موازنات التعليم المالية، وحجم الانفاق على التعليم، كذلك ارتفاع نسب الفقر والتي تؤثر بدورها على نسب التسرب من التعليم وزيادة نسب عمالة الأطفال، ومن اثار النتائج السلبية للجائحة على المدى البعيد ارتفاع نسب العجز في الطاقم الطبي ومعاونيه، مما يستدعي التخطيط  لتشجيع الطلاب على الالتحاق بالتعليم الطبي والمهني “التمريض” ضمن استراتيجيات التعافي والتخطيط لوظائف المستقبل.

مجمل القول:

يستوجب على الحكومات المحلية والمنظمات الدولية الدعوة إلى مبادرات تدعم الرصد الإحصائي للتعليم ما قبل الجامعي، وتناقش مؤشر تربوي منصف، صادق، موضوعي، يراعي الظروف المحلية لكل دولة، ويعزز الالتزام بالمعايير الدولية المتفق عليها لاحصاء التعليم ما قبل الجامعي من أجل تحقيق الغايات المرجوة من الأهداف التنموية للتعليم. كما يجب أن تراعي المنظمات الدولية توفير الدعم اللازم للدول التي تعاني من صعوبات في جمع بيانات التعليم وخاصة الدول التي بها مناطق تعاني ويلات النزاع او الحروب.

د. إسراء علي

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى