أفريقيا

انفراجة في العلاقات الصومالية الكينية بعد محادثات بوساطة قطرية

أعادت جمهورية الصومال الفيدرالية العلاقات الدبلوماسية مع كينيا، الخميس الماضي، السادس من مايو 2021، وقد اتفق البلدان على حماية علاقات الصداقة بينهما على أساس الأعراف الدبلوماسية الدولية، وحماية الاستقلال السياسي والسيادة، وعدم تدخل طرف في شأن طرف آخر. نجد أن هذه الخطوة قد جاءت تتويجًا لجهود الوساطة التي قامت بها قطر، فقد تواصلت قطر مع الدولتين لإعادتهما إلى طاولة الحوار. 

وتٌحاول هذه الورقة تسليط الضوء على الأسباب التي دفعت الصومال للإعلان عن عودة العلاقات الدبلوماسية مع كينيا بعد انقطاعها منذ ديسمبر2020، إثر اتهام مقديشو لنيروبي بالتدخل في شؤونها الداخلية، ومعرفة الدور القطري في رأب الصدع بين كينيا والصومال، وتحاول الورقة استعراض ردود الأفعال الإقليمية والدولية إزاء عودة العلاقات الدبلوماسية بين الصومال وكينيا. 

آفاق العلاقات الصومالية- الكينية 

شهدت العلاقات الدبلوماسية بين الصومال وكينيا تطورات دراماتيكية نهاية العام الماضي، فقد أعلن الصومال قطع علاقاته الدبلوماسية مع كينيا، الثلاثاء 15 ديسمبر2020.  وقد بادرت الحكومة الفيدرالية الصومالية لقطع علاقاتها مع كينيا لتدخلها في الشأن الداخلي الصومالي.

وفيما يتعلق بالأسباب التي كشف عنها الصومال في ذلك التوقيت لاتخاذ القرار المُتعلق بشأن قطع العلاقات مع كينيا، الذي جاء كنتيجة لممارسات كينية نالت من سيادة الصومال على أراضيه والاستقلال بقراراته الداخلية والمصيرية، لا سيما، فيما يتعلّق بإدارة ولاية جوبالاند الصومالية. فالأزمة بين البلدين تفاقمت بعدما استضافت كينيا قادة “الصومالي لاند”، فقد قام رئيس جمهورية ما يسمّى بـ”أرض الصومال”، موسى بيحي عبدي، الأحد 13 ديسمبر2020، بزيارة العاصمة الكينية نيروبي، تلبية لدعوة من الرئيس الكيني أهورو كينياتا. وتم إبرام اتفاقات بين الطرفين؛ بينها فتح قنصلية تابعة لأرض الصومال في العاصمة الكينية نيروبي دون موافقة الحكومة الفيدرالية الصومالية. وقد اعتبرت الصومال استضافة كينيا لرئيس جمهورية أرض الصومال، موسى بيحي انتهاكًا لسيادتها الوطنية وتدخلًا سافرًا في شؤونها الداخلية، وقامت بقطع العلاقات مع كينيا منتصف شهر ديسمبر2020.

حدث تحول في السياسة الخارجية الصومالية، فهي التي أعلنت قطع العلاقات مع كينيا وهي التي بادرت بالإعلان عن عودة العلاقات بين البلدين، فقد أعلنت وزارة الإعلام الصومالية، في بيان لها، في السادس من مايو2021، “إنها تستأنف العلاقات الدبلوماسية مع كينيا تماشيًا مع مصالح حسن الجوار”.  وذكر البيان أن الحكومتين الصومالية والكينية اتفقتا على الحفاظ على العلاقات الودية بين البلدين على أساس مبادئ الاحترام المتبادل للسيادة ووحدة الأراضي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر والمساواة والمنفعة المتبادلة والتعايش السلمي.

ونجد أن الصومال اتخذ قرار  إعادة العلاقات الدبلوماسية مع كينيا بفضل  جهود الوساطة التي قامت بها دولة قطر، فقد صرح نائب وزير الإعلام الصومالي، عبد الرحمن يوسف، بأن العلاقات بين نيروبي ومقديشو عادت بفضل الجهود القطرية، وقد أكد بيان الخارجية الكينية الذي صدر في السادس من مايو الجاري ذلك، مشيرًا إلى إن وزارة الخارجية الكينية تقدّر بالدعم المستمر الذي يقدمه المجتمع الدولي، ولا سيما حكومة قطر، في جهود تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين الصومال وكينيا، وأكد البيان أن  هناك حرصًا كينيًا  لتعزيز تطبيع العلاقات مع الصومال بما في ذلك علاقات التجارة والاتصالات والنقل والعلاقات الاجتماعية والتبادلات الثقافية.

الدور القطري في رأب الصدع بين كينيا والصومال

لعبت قطر دورًا في استعادة العلاقات الدبلوماسية بين الصومال منذ بداية شهر مايو الجاري. فقد أرسل أمير قطر الشيخ تميم آل ثاني الدكتور مطلق بن ماجد القحطاني المبعوث الخاص لوزير خارجية دولة قطر لمكافحة الإرهاب والوساطة في حل النزاعات لدولتي الصومال وكينيا، وقد سلّم القحطاني في الثالث من مايو2021, رسالة خاصة إلى رئيس الصومال، محمد عبد الله فرماجو, في مقديشو.  وسلّم القحطاني الرئيس الكيني أوهورو كينياتا، في السادس من مايو 2021، رسالة من أمير قطر الشيخ تميم آل ثاني.

وقد هنأ أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الرئيسين الصومالي والكيني على ما وصفه بقرارهما الحكيم والشجاع بإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، معربًا عن تمنياته للصومال وكينيا وشعبيهما بالأمن والاستقرار، وأكد أن قطر ستبقى دائمًا ساعية في سبيل الخير وصانعة للسلام.

وهناك تساؤلات بشأن السعي القطري للقيام بدور الوساطة لحل الأزمة الدبلوماسية بين الصومال وكينيا، ويتضح لنا أن توقيت استعادة العلاقات بين البلدين يتزامن مع الأزمة الداخلية في الصومال المُتعلقة بالصراع على السلطة بين المعارضة السياسية والرئيس الصومالي المُنتهية ولايته محمد فرماجو الذي تدعمه قطر. 

وترغب قطر من خلال القيام بعملية الوساطة بين الصومال وكينيا، تهدئة الأوضاع في الداخل الصومالي؛ إذ تحظى كينيا بعلاقات وثيقة بالمعارضة السياسية في الداخل الصومالي، ولذلك تسعى قطر من خلال استعادة العلاقات بين البلدين تهدئة الصراع بين الرئيس الصومالي المُنتهية ولايته والمعارضة الصومالية، مما يُمكّن للرئيس المنتهية ولايته والذي تدعمه قطر من ترتيب أوراقه حتى يستطيع السيطرة على المشهد الصومالي. 

الجدير بالذكر، أن قطر تتبنى سياسة التمدد في منطقة القرن الإفريقي لتحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية، وتعمل على ترسيخ نفوذها من خلال إطلاق المشاريع الإنمائية، ويلعب صندوق قطر للتنمية دورًا في دعم مشاريع البنية التحتية في الصومال. وكذا، نجد أن هناك استثمارات قطرية في قطاع النفط بدولة كينيا من خلال شركة قطر للبترول التي تشارك في أعمال الاستكشاف والمشاركة بالإنتاج في ثلاث مناطق بحرية قبالة شواطئ شرق كينيا، ونجد أن هناك نزاعًا بحريًا بين الصومال وكينيا، ولذلك من مصلحة قطر عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والعمل على حل النزاع.  

لاشك أن  نجاح الوساطة القطرية في إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الصومال وكينيا، يبرز  مدى النفوذ القطري  في منطقة القرن الإفريقي، فقد  استطاعت لم شمل الأطراف المُتنازعة، وذلك على الرغم من الجهود الإقليمية التي بُذلت لتهدئة العلاقات بين الصومال وكينيا، سواء من جانب منظمة الاتحاد الإفريقي و”الايغاد”، حيث انعقدت القمة غير العادية الثامنة والثلاثين لمؤتمر رؤساء دول وحكومات الهيئة الحكومية للتنمية الأفريقية “إيغاد”، في جيبوتي يومي 20 و21 ديسمبر 2020، لمناقشة عدد من القضايا أبرزها الخلاف الدبلوماسي بين الصومال وكينيا، فإن هذه الجهود لم يُكلل لها النجاح في إعادة العلاقات بين البلدين.

ردود الأفعال الإقليمية والدولية

بعد إعلان الصومال الخميس الماضي استعادة علاقته الدبلوماسية مع كينيا توالت المواقف الإقليمية والدولية، للتعبير عن تأييدها وترحيبها بهذه الخطوة.

على الصعيد الإقليمي، رحبت جامعة الدول العربية بالإعلان عن عودة العلاقات الدبلوماسية بين الصومال وكينيا، ودعت إلى العمل على إعادة جسور الصداقة والتعاون بين الدولتين في سياق مبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل والروابط الممتدة بين شعبيهما. وأشادت الجامعة العربية في بيان لها، بكافة الجهود والمساعي الحميدة التي بُذلت من أجل إعادة العلاقات بين الصومال وكينيا وإزالة كل ما كان يعكر صفوها، وقد أشادت بالجهود التي اضطلعت بها دولة قطر والتي أدت إلى الإعلان عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين. ودعت الجامعة العربية الحكومتين الصومالية والكينية إلى مواصلة العمل نحو التطبيع الكامل للعلاقات بما يحقق مصالحهما المشتركة ويساهم في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.

من ناحية أخرى، رحب الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الدكتور نايف فلاح مبارك الحجرف، بإعلان الصومال وكينيا استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة بينهما، باعتبار أن هذه الخطوة ستعود بالخير والازدهار على شعبي البلدين، وتحقق الأمن والاستقرار فيهما، وأشاد الأمين العام لمجلس التعاون بجهود ووساطة دولة قطر بين الصومال كينيا، من خلال تقريب وجهات النظر ومد جسور العلاقات بين البلدين، مما يساهم في تعزيز الأمن والاستقرار والسلام الدوليين.

بالإضافة إلى ذلك، أشادت تركيا باستئناف الاتصالات الدبلوماسية بين الصومال وكينيا. وأصدرت وزارة الخارجية التركية بيان يرحب بالتطورات المُتعلقة باستئناف العلاقات الدبلوماسية بين الصومال وكينيا، وأشاد البيان بجهود قطر في هذه العملية، كما أعلن البيان إن تركيا ستواصل دعم جهود حل النزاعات في منطقة القرن الأفريقي تماشيًا مع الحوار والتوافق.

وعلى الصعيد الدولي، رحب السيد أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، بجهود الوساطة التي قامت به دولة قطر لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين الصومال وكينيا، وأشاد المتحدث الرسمي باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجريك، باستعادة العلاقات الودية الكاملة بين كينيا والصومال والتي تعتبر ضرورية للاستقرار والتعاون في المنطقة.

وفى الختام، يمكن القول إن عودة العلاقات الدبلوماسية بين الصومال وكينيا هي خطوة في سبيل استقرار منطقة القرن الإفريقي؛ إذ سيساعد عودة العلاقات بين البلدين تحقيق التعاون لمواجهة حركة الشباب الإرهابية؛ إذ تشارك كينيا ضمن قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي المتواجدة في الصومال، فكينيا لديها أكثر من 3600 جندي ضمن هذه القوات بهدف مواجهة حركة الشباب الإرهابية. 

وعلى الرغم من هذه الخطوة الإيجابية، نجد أن الاستقرار الحقيقي في العلاقات بين البلدين يتحقق بحسم القضايا الخلافية، والتي تتمثل في الحد من التدخل الكيني في الانتخابات الصومالية المقبلة، ومٌعالجة ملف النزاع القائم بينهما على مناطق في المحيط الهندي الغنية بالنفط.

وتجب الإشارة هنا إلى هناك خلافات حدودية بين الدولتين، حيث يوجد نزاع على مناطق بحرية غنية بكميات هائلة من الغاز والنفط، وهذا النزاع يشمل أيضًا منطقة واسعة على الحدود البرية بين البلدين والتي تمتد على طول 800 كيلومتر، ولا تعترف الصومال بتبعية أجزاء منها لكينيا وخاصة المنطقة التي يقطنها الصوماليون بشمال شرق كينيا. وأحالت الصومال ملف النزاع مع كينيا إلى محكمة العدل الدولية عام 2014، بينما تعهدت السلطات الكينية بعدم التفريط فيه.

أسماء عادل

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى