دول الخليج العربي

ما هي دلالات تسريبات المُحادثات السعودية الإيرانية في بغداد؟

تتسم العلاقات السعودية الإيرانية بالتوتر، ويتضح ذلك جليًا في تناقض رؤى الدولتين حيال معظم القضايا الإقليمية ومن أبرزها الأزمة اليمنية، كما أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منقطعة منذ عام 2016، على إثر قيام المملكة العربية السعودية بإعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر في الثاني من يناير 2016، وردًا على ذلك تم اقتحام سفارة المملكة العربية السعودية في طهران. وعلى الرغم من التوتر بين البلدين نجد أن هناك أنباء تم تداولها  مطلع الشهر الجاري أبريل 2021، عن محادثات غير علنية  عُقدت في العراق بين الجانب السعودي والجانب الإيراني، وتفيد هذه الأنباء عن قيام دولة العراق بوساطة بين الدولتين وتهيئة المناخ للوصول إلى تفاهمات من شأنها تُفضي إلى استقرار الأوضاع في الإقليم. 

وفي ضوء ما سبق، نجد أن انطلاق المُحادثات غير العلنية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية يطرح العديد من التساؤلات حول توقيتها ودوافعها، ودلالات استضافة العراق جولة المُحادثات السعودية الإيرانية، وما هي فرص حدوث تقارب سعودي إيراني؟  

تفاصيل  التسريبات المُتعلقة بالمُحادثات السعودية الإيرانية

استضافت العراق مُحادثات بين إيران والسعودية يوم 9 أبريل 2021، وقد ترأس الوفد السعودي رئيس جهاز المخابرات العامة خالد بن علي الحميدان، وقد ضم الوفد الإيراني مسؤولين مفوضين من قبل الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني.  ونجد أن تلك التسريبات كشفت عنها  صحيفة ذي فاينانشال تايمز  بتاريخ 18 أبريل 2021، وتمت مُناقشة أبرز القضايا الخلافية، وعلى رأسها  الهجمات الأخيرة من قبل الحوثيين في اليمن ضد المواقع السعودية، وبحسب الصحيفة فالحوار بين الجانبين كان إيجابيًا، ومن المُتوقع  إجراء جولة  مُحادثات جديدة بين البلدين بوساطة من جانب دولة العراق.  

وفيما يتعلق بردود الفعل الرسمية السعودية والإيرانية تجاه التسريبات بشأن المُحادثات غير العلنية التي تمت بوساطة العراق، نجد أن المملكة قد نفت تلك التسريبات، في حين أن الرد الرسمي الإيراني رفض تأكيد التسريبات المتداولة أو نفيها، كما أعربت إيران عن ترحيبها بإجراء مُحادثات مع السعودية، وذلك بحسب تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة، الاثنين، أن إيران ترحب بالحوار مع السعودية، وذلك بعد تداول الأنباء عن استضافة العراق محادثات سعودية إيرانية. 

والجدير بالذكر أن، وساطة الحكومة العراقية لتقريب العلاقات بين السعودية وإيران تطرح عدد من التساؤلات حول أسبابها ودلالاتها، فنجد أن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي يتمتع بصداقة قوية مع الجانبين السعودي والإيراني، وهو ما دفعه للقيام بوساطة والسعي لاستضافة بلاده المُحادثات بين الجانبين لتهدئة التوتر وحل القضايا العالقة بين البلدين، وهو ما سيؤثر على الاستقرار بشكل إيجابي في العراق. 

دوافع انطلاق المُحادثات السعودية الإيرانية

إذا كانت التسريبات المُتعلقة بانعقاد مُحادثات السعودية والإيرانية صحيحة، فيمكن القول أن هناك مجموعة من العوامل التي دفعت المملكة العربية السعودية وإيران للحوار، بهدف تقليل التوتر والتوصل إلى تسوية القضايا الخلافية بين البلدين، ويمكن الإشارة إلى تلك العوامل على النحو التالي:  

  • فوز بايدن ومُحاولة إحياء المعاهدة النووية:  يمكن القول أن هناك مُستجدات طرأت على تفاعلات الساحة الدولية وهى وصول  الرئيس الديمقراطي جو بايدن للبيت الأبيض ورحيل إدارة الرئيس  السابق دونالد ترامب الذى كان ينتهج سياسة مُتشددة إزاء إيران، وقام بالانسحاب من الاتفاق النووي في مايو 2018، وفرض عقوبات مُشددة على إيران،  ولكن نجد  أنَّ سياسة بايدن تختلف عن توجه ترامب إزاء ايران، فهو  يتبنى سياسة الانخراط في المُفاوضات مع إيران، للعودة إلى الاتفاق النووي، ومنع إيران من الحصول على سلاح نووي، وتُرجمت تلك السياسة من خلال انطلاق مُفاوضات غير  مباشرة مع طهران مطلع شهر إبريل في فيينا من أجل التوصل لحل وسط بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بشأن رفع العقوبات عن إيران التي فرضتها إدارة ترمب في مقابل عودة ايران لالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي الموقّع عام 2015  بين إيران والدول الكبرى متمثلة بالدول دائمة العضوية في مجلس الأمن إلى جانب ألمانيا المعروفة بمجموعة 5+1.

وفي ضوء ما سبق، نجد أن انطلاق المُفاوضات النووية لها تداعيات على منطقة الخليج، ولذلك ترغب الدول الخليجية وعلى راسها المملكة العربية السعودية في المُشاركة في هذه مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني التي تتخوف من رفع العقوبات المُفروضة على إيران دون وجود ضمانات كافية تلزم إيران بالامتثال للاتفاق النووي، وعدم توقف إيران عن نشاطها المزعزع للاستقرار في المنطقة.

  • إنهاء الأزمة اليمنية: تحرص المملكة السعودية على إنهاء الحرب في اليمن ضد جماعة “الحوثيين”  المدعومة من إيران، والتي تشن هجمات ضد المنشآت النفطية في المملكة بالصواريخ وبالطائرات المسيرة، وهو ما يكبد المملكة خسائر لتوقف إنتاجها من النفط جراء الهجمات الإرهابية، ولذلك نجد  أن أحد العوامل التي دفعت المملكة للانخراط في مفاوضات مع الجانب الإيراني هو تسوية  الأزمة اليمنية من خلال التوصل لتفاهم مع الجانب الإيراني  للتوقف عن  دعم جماعة الحوثيين في اليمن  وضمانة حرية الملاحة والتدفق الحر للنفط وحماية المنشآت الحيوية. 
  • التوقف عن سياسة التدخل في الشؤون الداخلية العربية: هناك حاجه لخفض مستوى التوتر في المنطقة، ووقف التدخل الشئون الداخلية للدول العربية من خلال انتهاج إيران لسياسة دعم الانقسام الطائفي في عدد من الدول العربية وتوظيفها لتحقيق أهداف سياسية لصالح إيران، ولذلك الحوار بين السعودية وإيران من شِأنه التوصل لصيغة مقبولة للتراجع عن تلك السياسة التي تتبناها إيران حيال الدول العربية.         
  • مُحاولة إيران تحسين علاقاتها مع الدول الخليجية:  لاشك أن إيران مقبله على انتخابات رئاسية في شهر يونيو المُقبل، وهناك سعى من الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني الفوز بولاية رئاسية مرة أخرى، ولذلك يحاول التقرب من الدول الخليجية وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية للخروج من سياسة العُزلة الإقليمية، وهو ما يعود بالنفع على ايران من خلال تجنب اعتراض الدول الخليجية على  المفاوضات النووية الجارية مع القوى الكبرى ورفع العقوبات المفروضة على ايران والتي أدت إلى إضعاف الاقتصاد الإيراني، وما ترتب على ذلك من تداعيات سلبية على مستوى معيشة المواطن الإيراني ، ولذلك يحاول حسن روحاني تهدئة مخاوف الدول الخليجية من خلال الانخراط في مفاوضات مع السعودية من جانب ومُحاولة التوصل للتفاهمات مع القوى الكبرى لرفع العقوبات الاقتصادية من جانب أخر،  وهذه الجهود إن حققت أهدافها، فيمكن للرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني أن يوظفها للفوز بولاية ثالثة في الانتخابات الإيرانية المُقبلة. 

وفي الختام، يمكن القول أن هناك تحديات تقف أمام حدوث أي تقارب سعودي إيراني فهناك إشكالية تتعلق بعدم توافر الثقة بين الجانبين، فعلى الرغم من التصريحات الإيجابية الصادرة من الجانب الإيراني التي ترحب بحدوث حوار وتعاون مع الدول الخليجية، نجد أن التصرفات الإيرانية مغايرة لتلك التصريحات، فهي تدعم المليشيات التي تزعزع أمن المملكة العربية السعودية، كما تحرص إيران على فرض هيمنتها في المنطقة، ونشر مذهبها الشيعي على حساب المذاهب الفقهية الأخرى، كما أن إيران لا ترغب في أشتراك السعودية في المباحثات الجارية مع القوى العالمية بشأن الاتفاق النووي لعام 2015، فالرياض تعتبر أن أي ترتيبات جديدة في المنطقة  لابد من الانخراط فيها، كما أنها عبرت عن قلقها  إزاء نية إيران البدء في تخصيب اليورانيوم بدرجة نقاء 60 بالمئة، واعتبرت  إن مثل هذه الخطوة لا يمكن اعتبارها جزءا من برنامج نووي سلمي، وهو من شأنه سيؤدى إلى خلل في  موازين القوى في المنطقة.

أسماء عادل

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى