سياسة

“قناطر أسيوط الجديدة” … واحدة من أكبر المشروعات القومية على نهر النيل

يحظى نهر النيل باهتمام بالغ من قبل الحكومات المتعاقبة على مصر، فظلت مشكلة التحكم في سريان النهر وتنظيم إدارة موارده وضبط سريان مياهه والتحكم في مناسيب المياه الشغل الشاغل للقائمين على إدارة الموارد المائية لعصور، وكان من أبرز الأدوات التي يتم اعتمادها لإدارة هذا الأمر منذ عهد محمد علي باشا، إقامة القناطر، والذي أنشأ أول قناطر كبرى (القناطر الخيرية) عام 1833. 

http://www.sis.gov.eg/Content/Upload/Editor/Image1_720183110179.png

وتمتلك مصر 12 قنطرة على النيل وفرعيه بـ 7 مواقع و19 قنطرة فم كبرى تتغذى مباشرة من النيل و45 قنطرة حجز كبرى على الرياحات والترع الرئيسية.

ومشروع قناطر أسيوط يعد واحدا من أهم المشروعات المائية التي نفذتها وزارة الري والموارد المائية على نهر النيل بمصر، بل هو مشروع متكامل يتضمن مشروعات للـ (الري، والكهرباء، والطرق)، فيضع أسيوط على خريطة المناطق الاستثمارية فهو أكبر مشروع مائي على نهر النيل في مصر، بعد السد العالي، وقناطر نجع حمادي. بدأ العمل في المشروع 2 مايو 2012، واستغرق إنشاء المشروع 6 سنوات.

“(وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل) مفهومها عندي مختلف شوية، الناس فكراها القوة بس .. القوة العسكرية، لا دي القوة الاقتصادية، والقوة الثقافية، والقوة الفكرية، والقوة المعنوية، دا كله إعداد .. الدولة مش قوة عسكرية بس؛ لكن قوى متكاملة”. جاء ذلك خلال حديث الرئيس السيسي في حفل افتتاح المجمع المتكامل لإصدار الوثائق المؤمنة والذكية بالعاصمة الإدارية الجديدة، حول أزمة سد النهضة ومدى تأثيرها على امدادات المياه بمصر.

وفي هذا الصدد، أخدت القيادة السياسية وأجهزة الدولة على عاتقها تنفيذ برنامج طموح للحفاظ على الموارد المائية وتقليل الفاقد، من خلال مشروع تبطين الترع، ومشروع انشاء وتدعيم القناطر ومرافق الري ومحطات الرفع، وذلك وفق استراتيجية التنمية المستدامة: رؤية مصر 2030.

تأمين الاحتياجات المائية المستقبلية

قناطر اسيوط (11)

الهدف الأول منه تأمين الاحتياجات المائية للحاضر والأجيال القادمة، والحفاظ على كل قطرة مياه من الهدر، فهو يوفر 10 مليارات متر مكعب من المياه المهدرة، وذلك عن طريق بوابات حديثة تعمل بنظام هيدروليكي للفتح والقفل، حيث تم تصنيع هذه البوابات في مصانع مصرية، هذا فضلا عن التحكم في مياه الري، وتحسين حالته بإقليم مصر الوسطى في 5 محافظات. 

هذا إلى جانب توفير فرص عمل لمختلف القطاعات تصل إلى أكثر من ٣ آلاف فرصة يومية بجانب حوالي ألف مهندس وعامل وفني يعملون بشكل ثابت.

وتمت إقامة المشروع ليكون بديلا لقناطر أسيوط القديمة التي مر على إنشائها ١١٥ عامًا، وللاستفادة منه فى أعمال الزراعة، والري، ومفيض لحجز المياه، وتوليد الكهرباء من خلال محطة الكهرباء، فضلا عن الاستفادة منه في أعمال الملاحة النهرية، والتنشيط السياحي من خلال الأهوسة الملاحية وأعمال الطرق والنقل.

مراحل البناء تشهد حدث تاريخي 

بدأ العمل على إنشاء القناطر الجديدة بعد انتهاء العمر الافتراضي للقناطر القديمة التي تم تشييدها بين عامي 1898 و1903، وكانت عبارة عن مجموعة سدود على نهر النيل في مدينة أسيوط بصعيد مصر، تم تصميمها من قبل المهندس البريطاني الشهير السير ويليام ويل كوكس الذي صمم وبنى سد أسوان. وبدأت أعمال دراسات الجدوى للمشروع عام 2008. وتم وضع حجر أساس المشروع عام 2012 على نهر النيل على بعد نحو 400 متر خلف القناطر القديمة، وتم بناءها بأيدي 3000 عامل ومهندس مصري وبمشاركة خبرات اجنبية (اتحاد شركات فينسى (فرنسا)). 

ومن الأحداث التاريخية التي شهدها المشروع هو تحويل مجرى نهر النيل يونيو 2017 وهو حدث تاريخي، ويعد هذا التحويل الثالث الذي تشهده مصر لمجرى نهر النيل، حيث كانت المرة الأولى أثناء بناء السد العالي والثانية أثناء بناء قناطر نجع حمادي الجديدة فضلا عن إزالة 7 فتحات من إجمالي 20 فتحة بالقناطر القديمة، من الناحية الشرقية، وذلك لعمل هويسين ملاحيين للمساهمة فى رفع معدلات التنمية وتيسير حركة النقل بين البلدان الإفريقية.

فضلًا عن أعمال قطع وإزالة السد الدائري المؤقت والحفر لأعمال الحمايات بالقاع بالكامل خلف القناطر الجديدة وأعمال الحمايات على الميل الأيمن لجزيرة بني مر، وأثمر المشروع عن إعادة تأهيل جزيرة (بني مر) برفع منسوبها لأعلى منسوب للمياه خلف القناطر الجديدة ليتمكن المزارعون من زراعتها طوال العام بعد أن كان يتم زراعتها لموسم واحد وتغمرها المياه باقي العام.

 وأعمال التركيبات الخاصة برصيف رسو السفن بالبر الأيمن بالخلف والأمام، إضافة إلى رفع بوابات القناطر القديمة وإزالة البغال من منسوب (٨٤- ٩٤) وحتى منسوب (٤٥.٠٠).

كما تم صب الخرسانة المسلحة للوصلة بين الأهوسة الملاحية الجديدة والقناطر القديمة وصب نفق الكابلات على محور (١) والواصل حتى حوش المفاتيح إلى جانب نهو أعمال الخرسانة المسلحة بأسقف المبنى الإداري وأعمال المباني بالأدوار المختلفة.

وكذلك تم صب الخرسانة العادية والمسلحة للمسجد ونهو الأعمال لبوابات الأهوسة بالأمام والخلف وبوابات الأنفاق وأنظمة تأمين السفن، بالإضافة إلى إنهاء جميع الاختبارات الجافة لجميع البوابات والملحقات والانتهاء من عمل اختبارات التشغيل لحاجز السفن للهويس وعمل الاختبارات النهائية لحاجز السفن بالهويس وضبط نهاية المشاوير لوحدة الرفع الرئيسية بالونش القنطري وعمل اختبارات الضغط للأوناش القنطرية بالأهوسة الملاحية، وإلى إجراء اختبارات تشغيل بوابتي الهويس بالأمام وعلب التجفيف أمام بوابتي الهويسين بالأمام وبوابات الأنفاق بالأمام وبوابة الصيانة الخاصة بالأنفاق في الخلف بالهويسين وبوابة النفق بالهويس رقم ١ بالخلف وبوابة النفق بالهويس رقم ٢ بالخلف وبوابات الصيانة أمام الهويسين بالخلف ويتم العمل بنظام SCADA ؛ لربط منظومة التحكم الخاصة بالأهوسة والمفيضات بالمبنى الإداري وذلك تحت إشراف الهيئة العامة للنقل النهري؛ لفتح الأهوسة الجديدة أمام حركة الملاحة النهرية والسماح بمرور جميع الوحدات النهرية طيلة العام دون توقف.

كما تم تدعيم قنطرة فم ترعة الإبراهيمية وإعادة تأهيلها بالإضافة إلى تغيير البوابات ببوابات حديثة تعمل بنظام هيدروليكي للفتح والقفل والجزء المتبقي من نهر النيل والتابع للمشروع عبارة عن سد مصمت يقفل الجزء المتبقي من النهر بطول حوالي ٣٥٠ مترًا. 

تم خلال انشاء القناطر استخدام 60 ألف طن حديد و500 ألف متر مكعب خرسانة، إلى جانب 3 مليون متر مكعب حفر وردم، وأعمال التدبيش والحمايات بالأحجار تبلغ 560.000م3، اعمال حفر جاف تقدر بـ 1.000.000م3، ستائر بلاستكية بـ 98 ألف متر مربع، حوائط قاطعة تحت المنشآت تقدر بـ 18.200م2، هذا إلى جانب نزح مياه جوفية تقدر بـ 360 مليون متر مكعب.

مكونات المشروع 

وأقيم المشروع بالشراكة ما بين الحكومة المصرية والحكومة الألمانية، ممثلة في بنك التعمير الألماني، وتبلغ تكلفة المشروع 4 مليارات جنيه مصري وقت توقيع التعاقد.

ويتمثل برنامج الحوافز التي قدمتها الحكومة الألمانية للمشروع قرض اقتصادي ميسر بمقدار 296 مليون يورو جزء منه قرض لوزارة الري، وقرض صغير لوزارة الكهرباء لإنشاءات وتوريد التوربينات، والمولدات، وأعمال الكهرباء، بالإضافة إلى 40 مليون يورو ضمن اتفاقية مبادلة الديون بين الحكومة المصرية والألمانية، بالإضافة إلى 3 ملايين يورو لأعمال الدراسات البيئية، أما المكون المحلى الذى تساهم به الحكومة المصرية الممثلة فى بنك الاستثمار القومي بإجمالي استثمارات مليار و150 مليون جنيه مصرى، فضلا عن 100 مليون جنيه مصرى من استثمارات وزارة الكهرباء.

ويتكون مشروع قناطر أسيوط الجديدة من سلسلة مشروعات متكاملة، وأول مكونات المشروع وأهمها المفيض، وتصميمه بطريقة حديثة ونظام تحكم يسمح بالتحكم في تصرفات المياه ورفع المناسيب وضخ المياه فى الترعة الإبراهيمية لتصل لآخر قطعة أرض في الجيزة، ومرور المياه من خلال البوابات بنسب معينة لباقي مصر حتى دمياط ورشيد لضخ المطلوب اليومي لمياه الشرب والصناعة والزراعة، والمشروع مصمم بطريقة تمكنه من تمرير أكبر تصرف مياه فى حالة الفيضان او الطوارئ تصل إلى 7000 متر مكعب في الثانية في حالة الطوارئ.

فتخدم القناطر الجديدة زمام مليون وستمائة وخمسون ألف فدان فى 5 محافظات هي (الجيزة – الفيوم – بني سويف – المنيا – أسيوط)، بما يعادل نحو 20% من المساحة المنزرعة بمحافظات الجمهورية

ويضم المشروع 2 هويس من الدرجة الأولى لخدمة أغراض الملاحة وتسهيل حركة الملاحة النهرية والتجارة في مجرى نهر النيل، ويبلغ عرض الواحد 17 مترا فى طول ملاحى 156 مترا. بغاطس لا يقل عن 3 أمتار، يسمح بمرور كل الوحدات الملاحية طوال العام، وذلك ضمن خطة الدولة لتطوير الملاحة النهرية من أسوان حتى البحر المتوسط، وعلى الصعيد الإقليمى من بحيرة فيكتوريا حتى البحر المتوسط.

كما يسهم المشروع في إنشاء 4 مراس للسفن لوضع المحافظة على خريطة السياحة النيلية بما يسمح للسياح بالتوقف والتجوال داخل معالم محافظة أسيوط الأثرية وهو ما لم يحدث من قبل وسيسهم في رواج البرامج السياحية، خاصة أن أسيوط تضم بين جنباتها جميع الآثار من الفرعونية والمسيحية والإسلامية.

كما ساهمت في إنشاء محطة لتوليد طاقة كهرومائية نظيفة، حيث تنتج الكهرباء من المياه وليس الوقود الحيوي وتوفر نحو ٥٠ ألف طن من الوقود، وبالتالي فالتكلفة قليلة جدا، فالمحطة يصل عمقها لنحو 10 أدوار أسفل مياه نهر النيل، ويتم انتاج الكهرباء من خلال 4 توربينات، قدرة كل وحدة منها 8 ميجاوات وتبلغ قدرتها الإنتاجية “32 ميجا وات”، وتوفر نحو 15 مليون دولار سنوياً. فحجم المنتج من الكهرباء يكفي لإنارة مدينة بحجم أسيوط الجديدة. والمحطة تلبي احتياجات الذروة وقادرة على تحميل الكهرباء على الشبكة الرئيسية خلال دقيقتين فقط.

تم ربط إنتاج محطة أسيوط الكهرومائية مع محطة محولات المعصرة بمركز الفتح وربطها على الشبكة القومية؛ لتستطيع إنارة محافظة أسيوط بالكامل في حالة وجود أعطال كهرباء.

كما تم إنشاء كوبري علوي دائم، أعلى قناطر أسيوط الجديدة مكون من 4 حارات حمولة 70 طنا، يربط ضفتي النيل الشرقي والغربي، ويضفى سيولة مرورية لمدينة أسيوط. وهو ما يخلق محور مروري جديد بأسيوط يسهم في نقلة حضارية وبيئية لأبناء المحافظة من خلال صياغة مساحة تربو إلى ٢٣ فدانًا كأحد مكتسبات المشروع لتكون متنفسًا جماليًّا وسياحيًّا للمدينة بالإضافة إلى مردودها الاقتصادي.

ففي النهاية مشروع قناطر أسيوط الجديدة واحدة من حلقات تجسيد القدرة والإرادة المصرية في تنفيذ المشروعات القومية العملاقة لتنمية مواردها واستغلالها الاستغلال الأمثل، وتجسيدا وتسجيلا لملحمة التضحية والعطاء لاستكمال البناء، استقبلت قناطر أسيوط الجديدة 30 فنانا تشكيليا وبمشاركة كبيرة من فناني أسيوط التشكيليين بـ “ملتقى سلسبيل النيل” الذين رصدوا بريشتهم لوحات فنية بديعة لكل كبيرة وصغيرة في المشروع، حيث تم رصد وتسجيل المشروع وترجمته في أكثر من 45 لوحة فنية.

هبة زين

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى