أوروبا

لماذا أُتهمت المملكة المتحدة بـ”تقويض” حقوق الإنسان؟

أثار أسلوب مواجهة الحكومة البريطانية لوباء فيروس كوفيد-19 بواعث قلق على صعيد حقوق الإنسان. واتهمت منظمة العفو الدولية في تقريرها السنوي بريطانيا بتقويض حقوق الإنسان، وأدانت إخفاقات الحكومة في مواجهة الوباء، واستخدام الشرطة للقوة المفرطة ضد المحتجين، واستئناف تجارة الأسلحة، ووصفت سياسة الحكومة بشأن الإسكان والهجرة بأنها تسارُع نحو حافة الهاوية، كما انتقدت تصميم الحكومة الواضح على إلغاء حق المواطنين في الطعن على قرارات الحكومة أمام القضاء.
أكدت منظمة العفو الدولية إن موقف بريطانيا العدائي المتزايد تجاه تشريعات حقوق الإنسان والحفاظ عليها يثير “القلق الشديد”. إذ قالت كيت ألين، مديرة منظمة العفو الدولية في المملكة المتحدة: “تحركت بريطانيا على مدى سنوات في الاتجاه الخاطئ فيما يتعلق بحقوق الإنسان، لكن الأمور تزداد سوءًا الآن بشكل متسارع، وتحاول الحكومة الأن، بعد توالي أخطائها القاتلة أثناء مواجهة الوباء، تجريدنا من حق الطعن القانوني على قراراتها بغض النظر عن مدى ضعف تلك القرارات”.
وفيما يلي بعض القضايا الرئيسية التي انتقدت بها منظمة العفو الدولية سجل حقوق الإنسان في المملكة المتحدة:
قمع الاحتجاجات
سلط منظمة العفو الدولية الضوء على رد فعل الشرطة على احتجاجات “حياة السود مهمة” في صيف 2020، حيث استخدت الشرطة في لندن القوة المفرطة والخيول لتفريق الاحتجاجات، واعتقلت عدد كبير من المتظاهرين واحتجزتهم في مكان ضيق. وفي أيرلندا الشمالية، أصدرت الشرطة ما يقرب من 70 مخالفة لقيود كوفيد-19 ضد المحتجين السلميين خلال مظاهرات حركة “حياة السود مهمة” وشرعت في إجراء تحقيقات جنائية ضد المنظمين. كما واجهت الأقليات العرقية تمييزًا من قبل الشرطة. ورأت المنظمة أن البيانات المتعلقة بالغرامات الصادرة لعدم الامتثال للإغلاق المتعلق بـ كوفيد-19 كشفت عن تغريم السود والآسيويين بشكل غير متناسب.
ارتفاع معدل الوفيات بسبب الوباء
انتقدت منظمة العفو الدولية ارتفاع معدل الوفيات في بريطانيا نتيجة الاصابة بفيروس كورونا، وانتقدت التأخير في الحصول على معدات الحماية الشخصية الأساسية (PPE) للعاملين في الخطوط الأمامية. وأكد التقرير أن الحق في الصحة والحق في الحياة لكبار السن في دور الرعاية قد تم انتهاكه إذ أخفقت الحكومة في توفير معدات الوقاية الشخصية الكافية وعدم إجراء الاختبارات بانتظام وإخراج المرضى بعد شفائهم من المستشفيات إلى دور الرعاية مباشرة أدى إلى مزيد من المخاوف. وفي يونيو2020، تبين في تحقيق رسمي أن الأشخاص المنتمين إلى عرقية سوداء أو آسيوية تضرروا بشكل غير متناسب من فيروس كوفيد-19. وعلى وجه الخصوص كانت نسبة العاملين الصحيين السود والآسيويين مفرطة بشكل ملموس بين حالات وفاة العاملين الصحيين المرتبطة بفيروس كوفيد-19.
نقص الحماية للمهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء خلال الجائحة
تقاعست الحكومة خلال تفشي الوباء عن إجراء تعديلات وافية على سياسات وممارسات الهجرة لحماية الصحة العامة، إذ استمر احتجاز الأشخاص في مراكز الاحتجاز التابعة لدائرة الهجرة بهدف إبعادهم من المملكة المتحدة، برغم ارتفاع خطر الإصابة في الاحتجاز، والعقبات التي تعترض تنفيذ الإبعاد. وقد لزم تقديم مطالبات اللجوء شخصياً.
وأصدر البرلمان قانوناً جديداً للهجرة في نوفمبر الماضي منح سلطات تشريعية واسعة بشكل استثنائي لوزير الداخلية وأنهى حقوق حرية التنقل بموجب قانون الاتحاد الأوروبي. وظل الأطفال الذين يستحقون الحصول على الجنسية البريطانية يمنعون بموجب سياسة وممارسة الحكومة من تسجيل أحقيتهم. وبات أطفال مواطني الاتحاد الأوروبي معرضين للخطر بصفة خاصة بسبب خسارتهم لحقوق حرية التنقل في المملكة المتحدة.
عقد صفقات سلاح تقوض حقوق الإنسان العالمية
انتقدت منظمة العفو الدولية قرار الحكومة باستئناف الصادرات العسكرية إلى السعودية بقيمة 1.4 مليار جنيه إسترليني، تزامنا مع خفض المساعدات الخارجية إلى اليمن، وذلك عقب صدور حكم عن المحكمة، في يونيو 2019، اقتضى من الحكومة تعليق إصدار تراخيص جديدة لبيع المعدات العسكرية إلى السعودية.
ورداً على الاستخدام المفرط للقوة ضد المحتجين المنتمين إلى حركة “حياة السود مهمة”، دعا أعضاء في البرلمان، وعدة منظمات – من بينها منظمة العفو الدولية – المملكة المتحدة إلى وقف صادرات معدات السيطرة على الحشود مثل قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي إلى أجهزة إنفاذ القانون في الولايات المتحدة. وفي سبتمبر، ذكرت الحكومة أنها أعادت تقييم تراخيص التصدير لمثل تلك المعدات إلى الولايات المتحدة الأمريكية، استجابةً لهذه الأحداث وخلصت إلى “عدم وجود خطر واضح” لإساءة الاستخدام.

إدانة أممية لتزايد العنصرية في المملكة المتحدة


أدان خبراء من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تقرير لجنة تقييم العنصرية “الصادم”، والذي كلف بوريس جونسون بتشكيل اللجنة وإصدار تقريرها، وجاء في التقرير البريطاني أنه يجب اعتبار بريطانيا “مثالاً يحتذى للدول الأخرى ذات الأغلبية البيضاء” وهو الاستنتاج الذي أثار غضب منتقدين محليين ودوليين وصفوه بأنه “تستر” على القضايا العرقية. وجاء في بيان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة “من المذهل عام 2021 أن نقرأ تقرير عن التفاوت العرقي يعيد الصور النمطية العنصرية إلى الواقع ويحرف البيانات ويسىء تطبيق الإحصاءات والدراسات”.
أضاف بيان مجلس حقوق الإنسان “يستشهد التقرير بأدلة مشكوك فيها لتقديم ادعاءات تبرر تفوق البيض باستخدام الحجج المألوفة التي تبرر دائمًا التسلسل الهرمي العرقي، وهذه محاولة لتطبيع السيادة البيضاء على الرغم من الأدلة على وجود عنصرية مؤسسية وتضييع مؤسف لفرصة للاعتراف بفظائع الماضي”.
خلص بيان المجلس بالقول: “في الواقع فإن الأشخاص الذين ينحدرون من أصول أفريقية في بريطانيا مازالوا يعانون من نتائج اقتصادية واجتماعية وصحية سيئة إلى حد كبير”. وطالب المجلس بحل اللجنة وإعادة تشكيلها لإعطاء الأولوية لإجراء فحص حقيقي ودقيق بدلاً من محو مسيّس للواقع العنصري الذي يعاني منه البريطانيون السود.
وطالبت عدد من المنظمات الحقوقية رئيس الوزراء بضرورة إعلان رفضه لتقرير الحكومة بشأن الاختلاف العرقي في بريطانيا، واتهموه بالتقليل من أهمية العنصرية في المملكة المتحدة. كما تقدمت مؤسسة أبحاث المساواة بين الأعراق، ومجموعة الحقوق المدنية، ومبادرة Ubele الاجتماعية للمغتربين الأفريقيين، وحركة “حياة السود مهمة” برسالة مفتوحة إلى رئيس الوزراء قالوا فيها إن التقرير تغاضى عن التحديات اليومية التي تواجه الأقليات وزاد حالة الشكوك والاستياء. كما اتهم عدد من الخبراء تقرير الحكومة بالتقليل من أهمية الأدلة المتوافرة بشأن وجود تمييز في مجالات مختلفة كالصحة والتعليم والتوظيف والعدالة الجنائية.
كما كشف تحقيق بريطاني عن أن مئات الآلاف من العسكريين السود والآسيويين الذين توفوا خلال الحروب البريطانية لم يتم إحياء ذكراهم رسميًا بنفس الطريقة التي يحتفل برفاقهم من البيض بسبب ما وصفه التحقيق قرارات تستند إلى “العنصرية المتفشية”.

مراجعة بريطانية بشأن العنصرية


أجرت لجنة الحكومة البريطانية المعنية بمناقشة العنصرية والاختلافات العرقية ببريطانيا، مراجعة واقترحت إجراء إصلاحات كبيرة في التعليم واتخاذ إجراءات أكثر صرامة تجاه مواقع التواصل الاجتماعي، فيما شككت في ربط البعض بين العنصرية وزيادة الوفيات نتيجة الإصابة بفيروس كورونا بين الأقليات العرقية. وفيما يلي أهم ما جاء في المراجعة:
الجريمة والشرطة
حذرت المراجعة من وجود عدم ثقة على مدار التاريخ لدى المجتمعات المحلية تجاه المؤسسات الرئيسية مثل الشرطة، إذ تسلط البيانات الضوء على تمثيل الأقليات العرقية بشكل مفرط للمجرمين وضحايا لجرائم الكراهية وجرائم العنف والمخدرات.
ترى المراجعة ضرورة توجيه شباب الأقليات العرقية، الذين يتم إلقاء القبض عليهم لتعاطي المخدرات من الفئة (ب)، إلى الانضمام إلى برامج مكافحة المخدرات بدلاً من محاكمتهم.
دعت المراجعة قوات الشرطة لانتهاج حلول “الصحة العامة” للحيلولة دون تهديد مستقل الشباب للخطر على خلفية الإضرار بسجلات الحالة الجنائية لهم.
دعت مراجعة اللجنة، المؤلفة من 264 صفحة، ايضا إلى النهوض بعمليات “الإيقاف والتفتيش”، وزيادة الانخراط بين قوات الشرطة والأقليات، والتركيز بشكل أكبر على توظيف الضباط في مناطق إقامتهم، والحرص على إضفاء التنوع بين صفوف العاملين بها.
التعليم
دعت المراجعة إلى المساعدة في سد الفجوة في التحصيل بين التلاميذ الأثرياء والفقراء، ودعت وزير التعليم إلى التفكير بشكل عاجل في تمديد طول اليوم الدراسي. وهو ما سيتطلب تمويل كبير والتركيز على المناطق الأكثر احتياجاً قبل تطبيقها على نطاق أوسع.
أوصت المراجعة إلى تركيز المناهج الدراسية بشكل أكبر على فترة الإمبراطورية، وتوفير المزيد من الموارد التعليمية حول كيفية تشكيل بريطانيا لمنظمة الكومنولث، كما اقترحت إنشاء قاموس للكلمات البريطانية المعروفة التي ظهرت للمرة الاولى في الهند.

العنصرية الممنهجة


قالت المراجعة إنه على الرغم من وجود العنصرية بشكل واضح في بريطانيا، إلا أن هناك تقدم كبير في مواجهتها خلال السنوات الخمسين الماضية، وأشارت إلى الاستخدام المتكرر لتهمة “العنصرية المؤسسية”، ومشددة على ضرورة استخدامها فقط بعد وجود أدلة على وجود عنصرية ممنهجة. كما حثت المراجعة الهيئات العامة على التوقف عن استخدام مصطلح BAME( (black Asian minority ethnic.
اعترفت المراجعة بأن تظاهرات “حياة السود مهمة” كانت الدافع وراء إجرائها وإصدار تقريرها، وخلصت إلى أن الجغرافيا والعائلة والثروة والثقافة والدين أصبحوا من أهم العوامل الهامة والمؤثرة في حياة الأقليات العرقية.
منصات مواقع التواصل الاجتماعي
سلطت المراجعة الضوء على منصات وسائل التواصل الاجتماعي كبيئة تنتشر فيها العنصرية باستمرار دون رادع، ولفتت إلى نتائج دراسة أجراها مركز أبحاث British Future، التي أشارت إلى تعرض 13 % من أبناء البشرة البيضاء للعنصرية أو سوء المعاملة عبر الإنترنت، مقابل 19% للأشخاص من خلفيات باكستانية و 22 % للسود.
فيروس كورونا والصحة العامة:
رفضت المراجعة “الروايات المفرطة في التشاؤم” بشأن ربط البعض ارتفاع الوفيات بين الأقليات العرقية خلال جائحة كورونا بالعنصرية. بل وأوضحت أن أبناء الأقليات السود والجاليات الآسيوية أقل عرضة للوفاة.
محل العمل
اقترحت اللجنة أن يتخلص أرباب العمل من التحيز والتمييز بين العاملين، وتوصي بتوفير مزيد من التدريب ودعم المهارات لتوظيف أشخاص من خلفيات مختلفة، وتصميم مناهج جديدة تجريبية في الخدمة المدنية.
فيما يتعلق بالرواتب، خلصت المراجعة إلى تقليص فجوة الأجور بين جميع الأقليات العرقية والأغلبية البيضاء إلى 2.3 % بشكل عام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى