آسيا

سباق التسلح بين “بيونج يانج” و”سول” يهدد توازن السلام في شبة الجزيرة الكورية

عرض- نسرين الشرقاوي

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية شرحًا تحليليًا عن السباق الحادث بين الكوريتين في عمليات التسلح، والتوازن الحادث إلى حد ما بتعزيز الولايات المتحدة الأمريكية لكوريا الجنوبية، والمخاوف المحتملة من احتمالية كف أيدي واشنطن عن دعم كوريا الجنوبية في حال تعرضها هي أيضًا لهجوم نووي من كوريا الشمالية.

واستهلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية تحليلها بأنه في وقت سابق من هذا الشهر، تحقق حلم كوريا الجنوبية في بناء طائرتها المقاتلة الأسرع من الصوت عندما كشفت عن الطائرة KF-21″”، التي تم تطويرها بتكلفة 7.8 مليار دولار. كما كشفت الدولة مؤخرًا خطط لشراء العشرات من طائرات “الهليكوبتر القتالية الأمريكية الجديدة”؛ فعندما زار رئيس كوريا الجنوبية مون جيه وكالة تطوير الدفاع التابعة لوزارة الدفاع العام الماضي، قال إن بلاده “طورت صاروخًا باليستيًا قصير المدى بواحد من أكبر الرؤوس الحربية في العالم”.

وعلى عكس كوريا الشمالية، فإن الجنوب يفتقر إلى الأسلحة النووية. ولكن في السنوات الأخيرة عززت كوريا الجنوبية إنفاقها العسكري، وشراء طائرات “الشبح الأمريكية” وبناء صواريخ تقليدية قوية بشكل متزايد بحيث تكون قادرة على استهداف منشآت الصواريخ الكورية الشمالية ومخابئ الحرب.

وقد استغلت كوريا الشمالية هذه التحركات لتبرير توسيع ترسانتها الخاصة، وهددت بتوجيه صواريخها قصيرة المدى برؤوس حربية نووية وجعل اعتراضها أكثر صعوبة، وقد حذر الخبراء من أن سباق التسلح الذي أعقب ذلك بين البلدين يهدد التوازن الدقيق للسلام في شبه الجزيرة الكورية.

وقال جانغ تشول وون، المحلل في المعهد الكوري للدفاع الوطني: “بينما يتصرف الطرفان ويتفاعلان من خلال تكديس الأسلحة باسم الدفاع الوطني، فإن ذلك سيخلق حلقة مفرغة ستقوض في النهاية دفاعهما وتعمق معضلتهما الأمنية”؛ فلطالما انخرطت الكوريتان في سباق تسلح دائم، لكن القدرات النووية المتزايدة لبيونغ يانغ عاصمة كوريا الشمالية، إلى جانب الخوف من انسحاب القوات الأمريكية من كوريا الجنوبية في عهد الرئيس دونالد ترامب زادت من هذه التوترات.

وبناءً على هذا التخوف زود الرئيس مون جيه أثناء توليه منصبه من الإنفاق العسكري السنوي لكوريا الجنوبية بمعدل 7٪، مقارنة بمتوسط ​​4.1٪ لسلفه، وذلك بعد فشل الدبلوماسية في القضاء على الترسانة النووية لكوريا الشمالية، واضطر الرئيس مون جيه إلى طمأنة الكوريين الجنوبيين بأن بلادهم لم تكون مكتوفة الأيدي في إشارة بأنها قادرة على الرد على أي هجوم أو مصدر خطر.

وبعد فترة وجيزة من زيارة مون جيه لوكالة تطوير الدفاع، ذكرت وسائل الإعلام الكورية الجنوبية أن السلاح الذي أشار إليه هو “Hyunmoo-4″، وهو صاروخ تم اختباره العام الماضي، ووفقًا لخبراء الصواريخ يمكن لـ Hyunmoo-4″” الطيران لمسافة 497 ميلًا، وهو ما يكفي لاستهداف كوريا الشمالية بأكملها؛ فحمولتها التي تزن طنين – كبيرة بشكل غير عادي بالنسبة لصاروخ قصير المدى – مما يمكّنها من أن تدمر قواعد الصواريخ الشمالية تحت الأرض.

وعما إذا كان يمكن أن تدمر المخابئ العميقة التي سيتراجع فيها كيم جونغ أون زعيم كوريا الشمالية في زمن الحرب؟ فذلك يعتمد على مدى عمق دفنها، فوفقًا لخبراء الصواريخ من المحتمل أن تحتاج كوريا الجنوبية إلى أسلحة نووية تخترق الأرض من الولايات المتحدة لتدمير مثل هذه الأهداف الثمينة.

وحتى لا يتم تجاوزها، أطلقت كوريا الشمالية في 25 مارس صاروخًا باليستيًا جديدًا وقالت إن السلاح طار لمسافة 372 ميلًا برأس حربي 2.5 طن، ودفعت التجربة الرئيس مون إلى الادعاء في اليوم التالي أن كوريا الجنوبية لديها “قدرات صاروخية عالمية، تكفي للدفاع عن أنفسنا مع الالتزام بالتزامنا بجعل شبه الجزيرة الكورية خالية من الأسلحة النووية”.

وقد حاولت واشنطن منع انتشار الصواريخ في شبه الجزيرة الكورية منذ عقود بموجب المبادئ التوجيهية التي تم تبنيها لأول مرة بين واشنطن ومدينة سيول عاصمة كوريا الجنوبية في عام 1979، حيث مُنعت كوريا الجنوبية من تطوير صواريخ باليستية يصل مداها إلى أكثر من 187 ميلًا وحمولة تزيد عن 1100 رطل، ولكن بعد أن قصفت كوريا الشمالية جزيرة كورية جنوبية بوابل من الصواريخ في عام 2010، فمن حينها طالبت كوريا الجنوبية واشنطن بتخفيف القيود حتى تتمكن من بناء صواريخ أكثر قوة. حيث قال تشون يونج وو، مستشار الأمن القومي في ذلك الوقت: “لقد ألمحنا إلى أننا قد نلغي الإرشادات الصاروخية من جانب واحد”، “وأخبرنا الأمريكيين أنه إذا لم نتعامل مع القلق بشأن التهديد النووي والصاروخي المتزايد لكوريا الشمالية، فإن المزيد والمزيد من الكوريين الجنوبيين سوف يدعون لبناء قنابل نووية لأنفسنا”.

وفي عام 2012، وافقت واشنطن على السماح لكوريا الجنوبية بنشر صواريخ باليستية بمدى يصل إلى 497 ميلاً طالما التزمت بحد الرؤوس الحربية البالغ 1100 رطل، وقالت أيضا إن كوريا الجنوبية يمكن أن تتجاوز حد الحمولة بعدة مرات على الصواريخ ذات المدى الأقصر.

ومنذ ذلك الحين، اختبرت كوريا الجنوبية صواريخ ذات نطاقات متزايدة ورؤوس حربية أكبر، بما في ذلك “Hyunmoo-2A” و “Hyunmoo-2B” و “”Hyunmoo-2C، وبمجرد أن أطلقت كوريا الشمالية أول صاروخ باليستي عابر للقارات في عام 2017، رفع السيد ترامب حد الحمولة بالكامل، مما أفسح المجال لصاروخ “Hyunmoo-4”.

علمًا بأن كيم رئيس كوريا الشمالية منذ توليه السلطة قبل عقد من الزمان، حاول بناء صواريخ باليستية عابرة للقارات قادرة على الوصول إلى الولايات المتحدة، وهدد أيضا بقلب ميزان الصواريخ ضد كوريا الجنوبية.

وبالفعل في يناير، أشار إلى أن بلاده قامت بالفعل ببناء صواريخ نووية قصيرة المدى تستهدف كوريا الجنوبية وتعهد بتحسينها من خلال جعل الرؤوس الحربية “أصغر حجمًا وأخف وزنًا وتكتيكية”، في حين استندت استراتيجية الردع لكوريا الجنوبية على الاعتقاد بأن أفضل فرصة لديها ضد كوريا الشمالية بدون أسلحة نووية هي بناء دفاع صاروخي تقليدي ونشر “صواريخ تحصينات” أكثر قوة لجعل كيم يخشى حياته.

وعندما اختبرت كوريا الشمالية صاروخها الباليستي العابر للقارات في عام 2017، ردت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بإطلاق صواريخهما الباليستية الخاصة لإثبات قدراتهما على “دقة الضربة العميقة”، وفي كتابه “Rage”، كتب الصحفي بوب وودوارد أن الصاروخ الأمريكي قطع المسافة بالضبط بين نقطة إطلاقه والموقع الذي شاهد الرئيس كيم اطلاقه للصواريخ الباليستية العابرة للقارات.

وترتب على ذلك إيقاف رئيس كوريا الشمالية جميع التجارب الصاروخية في عام 2018، وهو العام الذي عقد فيه أول لقاءين للقمة مع الرئيس الأمريكي ترامب، وبعد انهيار محادثاتهما، استأنفت كوريا الشمالية الاختبارات في عام 2019، حيث أطلقت ثلاثة صواريخ باليستية قصيرة المدى مصممة لمواجهة قدرات الحلفاء المضادة للصواريخ.

يذكر أن أسطول كوريا الشمالية القديم من صواريخ “سكود ورودونج” يستخدم الوقود السائل ويفتقر إلى الدقة. حيث يستخدم الجيل الجديد من الصواريخ في البلاد الوقود الصلب مما يجعل إطلاقها أسرع وأسهل في النقل وأكثر صعوبة في الاستهداف. كما أن لديهم دقة أكبر وقوة مناورة ومراوغة يمكن أن تربك أنظمة الدفاع الصاروخي في الجنوب.

وقال تشانغ يونغ إن الصاروخ الباليستي الجديد الذي يعمل بالوقود الصلب والذي اختبرته كوريا الشمالية في مارس قد تهرب على الأرجح من رادار الحلفاء خلال مناوراته على ارتفاعات منخفضة، مما دفع الجيش الكوري الجنوبي لتقدير مداها عند 280 ميلاً، وليس 372 ميلاً كما ادعت كوريا الشمالية. كما قال تشانغ إن الصاروخ يمكن أن يزيد على الأرجح من المدى ووزن الرأس الحربي لأنه كان يعمل بواسطة “أكبر محرك صاروخي يعمل بالوقود الصلب تم تطويره واختباره في كوريا الشمالية حتى الآن”.

ولا تزال حتى الآن الصواريخ الباليستية العابرة للقارات التابعة لكوريا الشمالية تستخدم الوقود السائل، والذي يستغرق ساعات للتحميل قبل الإطلاق مما يجعلها عرضة للضربات الاستباقية الأمريكية. لكن في خطابه في يناير تعهد كيم ببناء صواريخ باليستية عابرة للقارات تعمل بالوقود الصلب، مما يمثل تحديًا أكبر للدفاعات الصاروخية الأمريكية.

ولهذا فإن مثل هذه الاحتمالات تعمق الخوف بين بعض الكوريين الجنوبيين من أن واشنطن ستكون أقل احتمالا للتدخل إذا واجهت هي أيضا هجومًا نوويًا كوريًا شماليًا محتملاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى