“العقوبات الأمريكية على روسيا”.. هدوء يسبق العاصفة
أعلنت الإدارة الامريكية حزمة جديدة من العقوبات على روسيا، فيما تعد أقوى قائمة عقوبات أمريكية بحق موسكو منذ عام 2014 حينما بدأت إدارة باراك أوباما في سن العقوبات الأمريكية بحق روسيا في ضوء تصويت البرلمان الروسي لصالح قبول ضم جمهورية القرم الأوكرانية إلى روسيا الفيدرالية.
وتشمل الحزمة الجديدة 16 كياناً روسياً، و16 شخصية بدعوى التدخل في انتخابات الرئاسة الأمريكية المنعقدة في نوفمبر 2016، بالإضافة إلى طرد 10 دبلوماسيين روس علاوة على عقوبات ضد 5 شخصيات روسية، و3 كيانات بسبب أزمة شبه جزيرة القرم.
عقوبات إدارة جو بايدن تأتي في إطار وجود جناح داخل تلك الإدارة يسعى إلى إعادة نهج إدارة باراك أوباما (يناير 2009 – يناير 2017) فيما يتعلق بالعلاقات الامريكية الروسية عقب أربع سنوات من التهدئة بين موسكو وواشنطن عبر إدارة دونالد ترامب (يناير 2017 – يناير 2021)، وللمفارقة كان يجيب أن يأتي التصعيد مع روسيا على حساب التهدئة مع الصين، ولكن مع وجود جناح ثان داخل إدارة بايدن يرى أن ترامب لم يكن على خطأ حيال التصعيد مع الصين، فأن أمريكا في الأشهر الأولى لإدارة بايدن دخلت في خلافات متشددة مع روسيا والصين معاً للمرة الأولى منذ حقبة السبعينات حينما نجحت إدارة ريتشارد نيكسون في التهدئة مع الصين والتفرغ لمجابهة الاتحاد السوفيتي في سنوات الحرب الباردة.
هذا المسار المزدوج في الصراع الدولي مثار قلق وحيرة في دوائر نخبة واشنطن السياسية، على ضوء عدم قدرة أمريكا على مواجهة “أباطرة الشرق” دفعة واحدة، الى جانب أن هذه الاندفاعة الامريكية تجبر الصين وروسيا على التقارب، إضافة إلى تقارب ايران مع موسكو وبكين.
واخيراً فأن التردد الذي أبدته واشنطن حيال قضايا الشرق الأوسط، أعاد لأذهان المراقبين مبدأ أوباما في ترك الشرق الأوسط يتفاعل مع فوضى الربيع العربي والإسلام السياسي دونما التدخل ولكن في سنوات أوباما تلك الاستراتيجية أدت لخسارة أمريكا نفوذها في الشرق الأوسط لصالح روسيا، وللمفارقة فأن سنوات بايدن تشهد للمرة الأولى منذ عقود اهتماما روسيا بالملف اللبناني ممثلاً في تشكيل حكومة سعد الحريري والملف الإثيوبي ممثلاً في أزمة السد وزيارة سيرجي لافروف إلى القاهرة للتباحث مع القيادة السياسية المصرية في تفعيل هذا الملف بمجلس الأمن.
ويحاول فريق داخل الإدارة الامريكية الجديدة عدم الوصول بالعلاقات الأمريكية الروسية إلى حائط السد الذي وصل إليه أوباما عام 2016، وذلك عبر دفع الرئيس بايدن بالتواصل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين من أجل عقد قمة حاسمة بين الرئيسين، وسارعت فنلندا بالإعلان عن رغبتها في احتضان هذه القمة، كما عودتنا هلسنكي في سنوات الحرب الباردة ايضاً.
هذا الصراع الداخلي بين أجنحة ومجموعات داخل الإدارة الأمريكية، بعد أن كان العالم ينتظر خطوات سريعة من إدارة بايدن، قد أدى في واقع الأمر إلى تكبيل وعرقلة الإدارة الامريكية، لتصبح بطة عرجاء في محيط السياسة الدولية، ويعيد للأذهان حقيقة أن إدارة باراك أوباما قد شهدت أقوى تصاعد للنفوذ الروسي والصيني في العالم بوجه عام وفي الكتلة الشرقية بوجه خاص بما في ذلك تقسيم أوكرانيا وانضمام شرقها وجنوبها إلى الحماية الروسية وكذلك غرب وشمال سوريا الذي شهد التدخل الروسي بداية من عام 2015 أثناء ولاية أوباما الثانية.
وتتعامل روسيا مع إدارة جو بايدن كما تعاملت مع سنوات أوباما، وقد استغل أوباما خلفيته الاكاديمية بوصف بوتين في أغسطس 2013 بأنه “بوتين أحيانًا يمكن أن يبدو كطفل غير مبال يجلس في آخر الحجرة الدراسية” الى إشارة الى لامبالاة بوتين حيال العقوبات والتصعيد الأمريكي بوجه الكرملين.
ويرى المراقبون أن نقطة البداية الحقيقة في الخلافات الأمريكية الروسية سوف تدور حول الانسحاب الأمريكي من أفغانستان على ضوء تيقن موسكو من محاولة واشنطن لتفجير أفغانستان بوجه آسيا الوسطي وروسيا كما جرى سابقاً في سنوات الحرب الباردة، وان الانسحاب الأمريكي سوف يواكبه تفاهمات بين إدارة بايدن والجماعات الإسلامية في أفغانستان، ما بين تنظيم طالبان والحزب الإسلامي، وتحاول موسكو سباق الزمن في هذا المضمار عبر عقد اجتماع حاسم في موسكو بين الفصائل الأفغانية للتنسيق بين تلك الفصائل والكرملين في مرحلة ما بعد الجلاء الأمريكي.