إيران

لا تريد فقدان ورقة “نطنز”: لماذا أعلنت إيران سريعاً رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60% ؟

لا تصدق إسرائيل أن الأنشطة النووية الإيرانية سلمية أو أن طهران لا تسعى لامتلاك سلاح نووي. وتعتبر أغلب الأوساط السياسية في إسرائيل إيران، أو بشكل أكثر دقة النظام الإيراني الحالي، تهديداً وجودياً وأن امتلاكها سلاحاً نووياً يضع هذا التهديد قيد التنفيذ.

لذا، تحاول إسرائيل بشتى الطرق عرقلة البرنامج النووي الإيراني ومنع “اقتراب” إيران بالأساس من الحصول على سلاح نووي. وربما هذا هو ما يفسر اشتعال “الحرب النووية الباردة” خلال الأشهر الماضية بين الطرفين، إيران وإسرائيل. فقد تم استهداف عدة مواقع في إيران خلال السنوات القليلة الماضية، بلغت ذروتها العام الماضي ولا تزال، وكان من أبرز المواقع التي تعرضت إلى هذا النوع من الهجمات المماثلة مفاعل “نطنز” النووي الواقع في محافظة اصفهان وسط إيران.

إن الاستهداف المتكرر لمفاعل نطنز على وجه التحديد، حيث تعرض لأكثر من عملية استهداف في الآونة الأخيرة كان من بينها إقرار طهران في أغسطس 2020 بتعرضه لهجوم وصفته بـ”التخريبي”، لا يجب أن يمر دون تدقيق. فـنطنز يمثل عملياً محور النشاط النووي الإيراني القائم على تخصيب اليورانيوم، ولذا فإن تعطليه أو استهدافه يمثل ضربة قوية للمشروع النووي الإيراني ككل، بل إن استهداف نطنز ربما يمثل لدى إيران ضربة لا يقل حجمها عن استهداف من كان يوصف بأنه “رأس البرنامج النووي الإيراني” وهو محسن فخري زاده الذي قتل في 27 نوفمبر الماضي في مدينة آبسرد بمحافظة طهران.

وعلى أية حال، يعطل استهداف نطنز المشروع النووي الإيراني بأكمله، وهو ما يعني عرقلة أو تأخير توصل إيران إلى سلاح نووي. وهنا ينبغي الإشارة إلى أن الاستهداف المتكرر لنطنز من أي جهة خارجية، إسرائيل أو غيرها، يحمل في طياته دلائل تؤكد أن الأنشطة النووية الإيرانية دخلت مرحلة الخطر.

إن كان استهداف نطنز، على وجه التحديد، يعني تعطيل المشروع الإيراني في أي وقت، مثل الاستهداف الذي جرى يوم الأحد 11 أبريل 2021، فإن تعرضه لهجوم في هذا التوقيت آيضاً يحمل دلالة سياسية إضافية أخرى هي بالأساس ناتجة عن هذا التأخير المُشار إليه، ألا وهي إضعاف موقف إيران في المفاوضات النووية المرتقبة.

فقد نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية يوم 13 أبريل الجاري عن مصدر استخباراتي قوله إن إيران بحاجة إلى 9 أشهر لاستئناف عملية تخصيب اليورانيوم في منشأة نطنز النووية بعد تعرضها للهجوم الذي قيل إنه تم عن طريق تهريب عبوة ناسفة إلى داخل المنشأة النووية ثم تفجيرتها عن بعد.

وأوضحت الصحيفة، نقلاً عن المصدر ذاته، أن انفجار نطنز الأخير أحدث أضراراً جسيمة بأنظمة الكهرباء الأساسية والاحتياطية داخل المفاعل. واتهمت إيران إسرائيل بالوقوف وراء الهجوم، معتبرة إياه يرمي إلى تقويض المفاوضات الجارية في فيينا حول إعادة صياغة الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015.

ولكن على الرغم من عدم توضيح إيران ما تقصده بـ”تقويض” المفاوضات، أي هل تعني عدم إطلاقها بالأساس أم تأجيلها أم لهدف آخر لا يشمل بوجه عام عدم البدء؟، إلا أنه ينبغي الإشارة إلى أن إسرائيل لا ترفض التوصل إلى “اتفاق نووي إيراني”. فبالتزامن مع المفاوضات التي قادت إلى اتفاق  2015، اقترحت إسرائيل آنذاك وضع شروط صارمة من أجل التوصل إلى اتفاق نووي نهائي مع إيران، كان من بين شروطه على سبيل المثال، تفكيك شبه كامل للبنى التحتية النووية الإيرانية.

وعلى أية حال، يرجّح أن هناك هدفين اثنين من وراء الهجوم الأخير الذي استهدف يوم الأحد الماضي منشأة نطنز الإيرانية :

الأول، وهو الأهم: منع إيران من امتلاك سلاح نووي، وهي استراتيجية شاملة طويلة الأمد تتبناها إسرائيل وأصبحت أكثر إلحاحاً بعدما ثارت مخاوف حقيقية مؤخراً من إمكان استغلال طهران لعدة متغيرات طبيعية وسياسية طرأت على البيئة الدولية والمحلية خلال الأشهر الماضية ساعدتها على تطوير أنشطتها النووية. وكان من أبرز هذه المتغيرات:

  •  تزايد نفوذ الأصوليين في المشهد السياسي الإيراني خاصة بعد سيطرتهم على البرلمان العام الماضي.

  • تزايد حدة الصراع بين الأصوليين والإصلاحيين في إيران بالتزامن مع انتخابات الرئاسة المقرر إجراؤها في يونيو المقبل.

  • انشغال الساحة الدولية خلال العام الماضي، ولا تزال، بجهود مكافحة انتشار فيروس كورونا.

الثاني: إضعاف الموقف الإيراني في المفاوضات النووية التمهيدية الجارية حالياً في فيينا وتلك النهائية المرتقبة التي تتعلق بالعودة إلى الاتفاق النووي. فقد رغبت إيران من استئنافها أنشطة نووية جديدة وتركيب أجهزة طرد مركزية أكثر قوة تتبع الجيل السادس (IR6) خلال الأشهر الماضية، خاصة الفترة التي تلت مباشرة دخول إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن البيت الأبيض، في تعزيز عناصر الضغط وزيادة أوراق المساومة السياسية في جولة المفاوضات المرتقبة، وكان مفاعل نطنز يمثل إحدى أبرز وسائل الضغط الإيرانية هذه.

ولكن بعد تعرض نطنز لهجوم والتقارير الاستخباراتية التي أكدت عدم قدرته على العودة إلى استئناف أنشطته قبل 9 أشهر، فإن إيران لن تستطيع إذاً الحصول على نفس الامتيازات أو المكاسب التي كانت تخطط لها قبل هذا الحادث، ما يعني آيضاً الحد من قدرتها على المساومة وقبولها بشكل للاتفاق غير ذاك الذي كانت ترمي إليه قبل هجوم نطنز.

ويستطيع هذا التحول الأخير أن يفسر لنا بشكل جلي لماذا أعلنت طهران بشكل سريع عن زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60% عقب هجوم نطنز، والإجابة هي أنها لا تريد أن تفقد ورقة “نطنز” في المساومات والمفاوضات السياسية القادمة خاصة مع بدء المفاوضات في فيينا مؤخراً، أي أن الحادث تزامن مع بدء حقيقي لمشاورات انطلاق المفاوضات.

وبما أن زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60% لا يمكن لها أن تكون لأغراض مدنية، فإن إيران تتوقع من هذا الإعلان أن يعوض خسارتها السياسية التفاوضية التي واجهتها إثر تعطيل مفاعل نطنز بعد الهجوم الأخير.

علي عاطف

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى