
نيويورك تايمز: تخريب نطنز يبدو أنه إسرائيلي ويعقد مهمة إيران في مباحثات الاتفاق النووي
عرض – نسرين الشرقاوى
نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تقريرًا، وصفت خلاله انقطاع التيار الكهربائي في مجمع نطنز النووي الإيراني بأنه “إرهاب نووي”، والذي تزامن مع انعقاد محادثات في فيينا لاستعادة الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1 عام 2015.
وذكرت الصحيفة أن انقطاع التيار الكهربائي في موقع نطنز لتخصيب اليورانيوم يوم الأحد بدا أنه نجم عن تفجير مخطط له عمدًا، ووصفه مسؤولون إيرانيون بأنه عمل تخريبي تقف وراءه إسرائيل. وأدى هذا الانقطاع في التيار الكهربائي إلى حالة جديدة من عدم اليقين بشأن الجهود الدبلوماسية التي بدأت الأسبوع الماضي لإنقاذ الاتفاق النووي 2015 الذي انسحبت منه إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
فموقع تخصيب اليورانيوم شديد التحصين في نطنز والذي كان هدفًا لعمليات تخريبية سابقة، لم تذكر إيران على وجه التحديد سبب انقطاع التيار الكهربائي فيه. ورفضت إسرائيل رسميًا تأكيد أو نفي أي مسؤولية لها في الضلوع في هذا العمل التخريبي، لكن مسؤولي استخبارات أمريكيين وإسرائيليين قالوا إن هناك دورًا إسرائيليًا في هذا العمل؛ إذ قال اثنان من مسؤولي المخابرات اللذين تم إطلاعهما على الأضرار إن الانقطاع نجم عن انفجار كبير دمر بشكل كامل نظام الطاقة الداخلي المستقل –والمحمي بشدة- الذي يزود أجهزة الطرد المركزي التي تخصب اليورانيوم تحت الأرض.
وقال المسؤولون الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم لوصف عملية إسرائيلية سرية إن الانفجار وجه ضربة قاسية لقدرة إيران على تخصيب اليورانيوم، وأن الأمر قد يستغرق تسعة أشهر على الأقل لاستعادة إنتاج نطنز. وإذا كان الأمر كذلك، فإن نفوذ إيران في المحادثات الجديدة التي تسعى إليها إدارة بايدن لاستعادة الاتفاق النووي يمكن أن يتعرض للخطر بشكل كبير. فيما قالت إيران إنها ستتخذ إجراءات متزايدة القوة بموجب الاتفاقية حتى يتم إلغاء العقوبات التي فرضها الرئيس دونالد ترامب.
لم يتضح على الفور مقدار الكلمة المسبقة – إن وجدت – التي تلقتها إدارة بايدن بشأن عملية نطنز، والتي حدثت في نفس الصباح الذي كان وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن الثالث، يزور إسرائيل. لكن المسؤولين الإسرائيليين لم يخفوا سرًا استياءهم من رغبة الرئيس الأمريكي جو بايدن في إحياء الاتفاق النووي الذي تخلى عنه سلفه في عام 2018.
ووصف علي أكبر صالحي، رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، التعتيم بأنه عمل من “الإرهاب النووي” وقال إن المجتمع الدولي يجب أن يواجه التهديد. وقال صالحي، وفقًا لوسائل الإعلام الإيرانية، إن “العمل ضد موقع التخصيب في نطنز يظهر هزيمة أولئك الذين يعارضون التطور النووي والسياسي لبلدنا والمكاسب الكبيرة لصناعتنا النووية”. “فالحادث يظهر فشل أولئك الذين يعارضون إيران في التفاوض على تخفيف العقوبات”.
وأشارت نيويورك تايمز إلى أن إسرائيل التي تعتبر إيران خصمًا شديدًا قامت من قبل بتخريب العمل النووي الإيراني بتكتيكات تتراوح بين الهجمات الإلكترونية والاغتيالات المباشرة. ويُعتقد أن إسرائيل دبرت عمليات اغتيال للعديد من العلماء النوويين الإيرانيين في السنوات الأخيرة، بما في ذلك كمين على مطور رئيسي لبرنامجها النووي في نوفمبر الماضي. وإسرائيل، من حيث السياسة، لا تؤكد ولا تنفي مثل هذه الأعمال.
ووقع الانفجار في نطنز بعد أسبوع تقريبًا من مشاركة الولايات المتحدة وإيران، في أول مباحثات دبلوماسية مهمة لهما تحت إدارة بايدن، في المحادثات الجديدة في فيينا بهدف إحياء الاتفاقية النووية التي تخلى عنها ترامب الذي وصفها بأنها أسوأ صفقة. ومن المقرر أن تستأنف المحادثات لإنقاذ الاتفاقية، المعروفة باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، هذا الأسبوع.
ولم يتضح على الفور كيف يمكن أن تؤثر حادثة نطنز على ذلك. لكن إيران تواجه الآن حسابات معقدة حول كيفية الرد، خاصة إذا خلصت إلى أن إسرائيل هي المسؤولة. وقال هنري روما، محلل شؤون إيران في مجموعة أوراسيا، وهي شركة استشارية للمخاطر السياسية: “تواجه طهران توازنًا صعبًا للغاية”. “ستشعر بأنها مضطرة للرد لإبلاغ إسرائيل بأن الهجمات ليست بالمجان”.
فيما قال بهروز كمالوندي، المتحدث باسم البرنامج النووي المدني، للتلفزيون الإيراني الرسمي، إن الكهرباء انقطعت عن منشأة نطنز. وقال إنه لم تقع إصابات أو أضرار. لكن إيران عرضت في بعض الأحيان مثل هذه التقييمات في أعقاب التخريب مباشرة، لتقوم بمراجعتها لاحقًا. وقال مالك شريعتي نياسار، النائب الإيراني الذي يشغل منصب المتحدث باسم لجنة الطاقة في البرلمان، على تويتر إن انقطاع التيار الكهربائي “مريب للغاية”، وأثار احتمال “التخريب والتسلل”.
وذكرت الصحيفة الأمريكية أن انقطاع التيار الكهربائي جاء بعد أقل من عام من حريق غامض دمر جزءًا آخر من منشأة نطنز، على بعد حوالي 155 ميلًا جنوب العاصمة طهران.
وقد قلل المسؤولون الإيرانيون في البداية من تأثير الحريق، الذي دمر منشأة فوق الأرض لتجميع أجهزة الطرد المركزي، لكنهم اعترفوا لاحقًا بأنها تسببت في أضرار جسيمة.
ومما زاد الشكوك، أن انقطاع التيار الكهربائي جاء بعد يوم من إشادة المسؤولين الإيرانيين بافتتاح أجهزة طرد مركزي جديدة ومتقدمة في موقع تم تشييده في أعقاب حريق نطنز. ونفى بعض الخبراء الإيرانيين التكهنات الأولية بأن هجومًا إلكترونيًا قد يكون سببًا في فقدان الطاقة. حيث يحتوي مجمع نطنز على شبكة الطاقة الخاصة به وأنظمة النسخ الاحتياطي المتعددة وطبقات الحماية الأمنية التي تهدف إلى منع مثل هذا الهجوم من إيقاف تشغيل نظامه بشكل مفاجئ.
ودليل ذلك ما قاله علي فايز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية: “من الصعب أن نتخيل أنها كانت هجومًا إلكترونيًا”. فالسيناريو المحتمل هو أنها إما استهدفت المنشأة بشكل غير مباشر أو من خلال التسلل المادي. وقال مسؤولو المخابرات إنه كان بالفعل تفجيرًا للمتفجرات.
وفي الوقت الحالي حيث لايوجد حوار مباشر بين إيران والولايات المتحدة في المحادثات في فيينا، فإن المشاركين الآخرين في الاتفاقية (بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا برئاسة الاتحاد الأوروبي) تتباين مواقفهم؛ إذ تركز إحدى مجموعات العمل على كيفية رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارة ترامب، بينما تبحث مجموعة أخرى كيف يمكن لإيران العودة إلى الشروط التي تضع قيودًا على اليورانيوم المخصب وأجهزة الطرد المركزي اللازمة لإنتاجه. وقالت إيران إن طموحاتها النووية سلمية. وقالت أيضًا إنه بينما تعتزم استئناف الأنشطة النووية المحظورة بموجب الاتفاق بشكل مطرد، يمكنها بسهولة عكس مسارها إذا تم إلغاء العقوبات.
وفي طهران،احتفل الرئيس الإيراني حسن روحاني يوم السبت بأجهزة الطرد المركزي الجديدة التي تختصر الوقت اللازم لتخصيب اليورانيوم، لكن روحاني أصر أيضًا على أن جهود إيران لم تكن تهدف إلى إنتاج أسلحة. حيث قال روحاني في تصريحات نقلتها وكالة مهر للأنباء الإيرانية: “إذا نظر الغرب إلى الأخلاق والمعتقدات الموجودة في بلادنا، فسيجدون أنه لا ينبغي أن يكونوا قلقين وحساسين بشأن تقنيتنا النووية”.
وتم تدشين أجهزة الطرد المركزي الجديدة فيما تسميه إيران باليوم النووي الوطني، وهو حدث سنوي لعرض التقدم الذي حققته البلاد في مجال التكنولوجيا النووية على الرغم من عزلتها الاقتصادية، وتضمنت الاحتفالات حتى ظهور مقطع فيديو موسيقي يظهر غناء علماء يرتدون ملابس بيضاء يقفون بجانب أجهزة طرد مركزي ويحملون صورًا لزملائهم الذين اغتيلوا.
وفي تلك الأثناء، كان وزير الدفاع الأمريكي في إسرائيل يوم الأحد لإجراء محادثات مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع بيني جانتس. ولم يتضح ما إذا كانا ناقشا هجوم نطنز. وقال جانتس في الاجتماع: “سنعمل عن كثب مع حلفائنا الأمريكيين، لضمان أن أي اتفاقية جديدة مع إيران ستؤمن المصالح الحيوية للعالم والولايات المتحدة، وتمنع حدوث سباق تسلح خطير في منطقتنا وتحمي دولة إسرائيل”. وأن للولايات المتحدة وإسرائيل تاريخا من التعاون السري، يعود تاريخه إلى إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، لتعطيل برنامج إيران النووي.علما بأن العملية الأكثر شهرة في إطار هذا التعاون، والتي أطلق عليها اسم “الألعاب الأولمبية”، كانت هجومًا إلكترونيًا تم الكشف عنه خلال إدارة أوباما ، والذي عطل ما يقرب من 1000 جهاز طرد مركزي في نطنز. ويعتقد أن هذا الهجوم تسبب في انتكاسة لأنشطة التخصيب الإيرانية لعدة أشهر.