تركيا تتصدر القائمة في انتهاك حقوق الإنسان وتلاحق معارضيها خارجيا
شهد العقد الأول والثاني من القرن الواحد والعشرين في دولة تركيا تقلبات كثيرة في أوضاع حقوق الإنسان , وجاء ذلك نتيجة رغبة النظام السياسي التركي بقيادة ” رجب طب أردوغان ” في ترسيخ أواصر حكمه السياسي , وبعد الانقلاب الذي لم يحقق مسعاه في تركيا عام 2016 م ، اتخذ ” أردوغان ” عملية الانقلاب تلك ذريعة وستارا وهميا لفرض حالة الطوارئ في البلاد والبدء في عمليات ممنهجة ومنظمة لمحاربة المنظمات الحقوقية التركية والنشطاء الحقوقيين وجميع السياسيين المعنيين بقضايا حقوق الإنسان في تركيا ، لم يقتصر الأمر فقط داخل حدود تركيا بل امتد إلى خارج تركيا ليتم ملاحقة وتصفية المنظمات الحقوقية التركية والنشطاء الحقوقيين خارج تركيا , ومنذ ذلك الحين تعرضت منظمات المجتمع المدني لضربة موجعة بسبب حالة الطوارئ ، حيث تم إغلاق 1719 مؤسسة وجمعية حقوقية ، ومصادرة ممتلكات 166 مؤسسة إعلامية بعد إغلاقها ، وحجب أكثر من 100.000 موقع الكتروني منذ عام 2017 م .
وتشير إحصاءات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان للعام القضائي 2018 إلى أن الدولة التركية انتهكت المادة العاشرة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان الخاصة بحماية حرية الفكر والتعبير عن الرأي خلال 40 دعوى قضائية , وفيما يخص انتهاك بنود مختلفة من المادة السادسة المتعلقة بحق المحاكمة العادلة احتلت تركيا المرتبة الثانية بواقع 53 إدانة.
وتصدرت تركيا القائمة من حيث انتهاك مواد الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان خلال 140 دعوى قضائية، وحتى اليوم قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بانتهاك تركيا لمادة واحدة من موادها على الأقل خلال 3 آلاف و128 دعوى قضائية.
وأشار كل من تقرير الأمم المتحدة عام 2018 م وتقرير منظمة العفو الدولية عام 2017 إلى أن فرض حالة الطوارئ في تركيا كان ستارا لارتكاب انتهاكات جسيمة بحق المواطنين والحقوقيين والمفكرين، وناشدت الحكومة التركية بالتراجع عن تلك الانتهاكات والحد منها.
مصير المنظمات الحقوقية التركية
تعرضت منظمات المجتمع المدني لضربة موجعة بسبب فرض حالة الطوارئ منذ عام 2016 ، حيث تم إغلاق 1719 مؤسسة وجمعية حقوقية ، ومصادرة ممتلكات 166 مؤسسة إعلامية بعد إغلاقها ، وحجب أكثر من 100.000 موقع إلكتروني , ومارس ممثلو المجتمع المدني وكذلك عامة الشعب الرقابة الذاتية على نطاقٍ واسع حيثما قاموا بحذف ادراجاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي وامتنعوا عن الإدلاء بأي تعليقات عامة خوفا من فصلهم من وظائفهم أو إغلاق مؤسساتهم وجمعياتهم أو الملاحقات القضائية الجنائية لهم.
وأُقيمت آلاف الدعاوى الجنائية إما بموجب القوانين التي تحظر التشهير أو بالاستناد إلى اتهامات ملفقة تتعلق بالإرهاب ذلك على خلفية ممارسة الأفراد السلمية لحقهم في حرية التعبير , وتعرض الأفراد على نحوٍ اعتيادي للحبس الاحتياطي المطول الذى اتسم بالتعسف والطابع التأديبي , وفى كثيرٍ من الأحيان سُرِبت التفاصيل السرية للتحقيقات لوسائل الإعلام المتصلة بالدولة وتصدرت الصفحات الأولى من الصحف، بينما أدلى المتحدثون باسم الحكومة بتصريحات من شأنها الإضرار بسير القضايا التي تخضع للتحقيق , كما استمرت الملاحقات القضائية للصحفيين والناشطين السياسيين ، وتزايدت الملاحقات القضائية للمدافعين عن حقوق الإنسان على نحوٍ حاد , كما استُهدف أيضًا الصحفيون الدوليون ووسائل الإعلام .
وتلاشت إلى حدٍ كبير الانتقادات التي كانت تُوجّه إلى الحكومة في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، مع انحصار انتقادات المعارضة بصورة رئيسية في وسائل الإعلام التقليدية وأيضا عبر شبكة الإنترنت، واستمرت الحكومة في استخدام أوامر الحجب الإدارية بصورة اعتيادية لفرض الرقابة على محتوى الإنترنت، إذ أنه لم يطعن ضدها على نحوٍ فعال ، بالإضافة لغلق عدد من مكاتب ومقرات المنظمات الحقوقية داخل تركيا وحجب المواقع الإليكترونية الخاصة بها واعتقال أعضائها .
داهمت الشرطة التركية ورشة عمل حول حقوق الإنسان بجزيرة ” بيوك آدا ” التي تقع بالقرب من اسطنبول ، وذلك وفق ما جاء في تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2018 حيث اعتقلت جميع المدافعين عن حقوق الإنسان العشرة الذين كانوا حاضرين بالورشة بينهم مواطنان أجنبيان فيما ظل ثمانية أشخاص من بينهم مديرة فرع منظمة العفو الدولية بتركيا ” إديل إسير” محتجزين رهن الحبس الاحتياطي إلى أن بدأت محاكمتهم على خلفية اتهامات ملفقة بـ ” العضوية في منظمة إرهابية ” واستندت إلى عملهم كمدافعين عن حقوق الإنسان.
وقررت المحكمة أيضا إلحاق قضيتهم بقضية رئيس فرع منظمة العفو الدولية بتركيا ” تانر كيليش ” حيث اتُهم ، بعد اعتقاله ب ” العضوية في منظمة فتح الله جولن الإرهابية “, على خلفية تحميل تطبيق المراسلة ” بايلوك ” على هاتفه الذى تزعم السلطات بأنه يُستخدم في التواصل بين أفراد المنظمة , وعلى الرغم من التقريرين المستقلين للطب الشرعي الذين أظهرا أنه لم يُحمل التطبيق كان لا يزال محتجزًا رهن الحبس دون أن تُقدم النيابة أدلة ضده يُعتد بها .
ومَثُل ” راجي بيليجيى ” نائب رئيس ” رابطة حقوق الإنسان ” التركية ورئيس فرعها بديار بكر إلى المحاكمة , حيث اتُهم بعضويته فى منظمة إرهابية , كما لوحق قضائياً أكثر من 20 موظفًا آخرين ب ” رابطة حقوق الإنسان” ، بزعم ارتكابهم جرائم متعلقة بالإرهاب , كما حُبس احتياطيًا خمسة من ممثلى ” رابطة المحامين التقدميين ” التى عملت بقضايا حقوق الإنسان ، وأُغلقت بموجب مرسوم الطوارئ فى 2016 م تمهيدًا لمحاكمتهم , وذلك عقب عمليات للشرطة فى أرجاء البلاد , وكانوا قد اتُهموا بجرائم إما اتصلت بـ ” حزب العمال الكردستانى ” أو ” جبهة حزب التحرير الشعبى الثورى ” المسلحة , واعتُقل ” سلجوق كوزاغاجلى ” الرئيس المحلى ل “رابطة المحامين التقدميين ” .
وتحدثت منظمات لحقوق الإنسان ومنها هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية عن قضيتي ” عثمان كافالا وتانر كيليش ” , كافالا رجل أعمال بارز تحول إلى ناشط بارز فى المجتمع المدنى أسس منظمة الأناضول الثقافية للترويج للحوار بين الأتراك والأقليات ومنها الأكراد والأرمن من خلال الفن والتبادل الثقافى , وقد ألقت السلطات القبض على كافالا ليواجه تهمة السعى للإطاحة بالحكومة عبر تأجيج احتجاجات متنزه جيزى فى عام 2013 م , لم تتسلم المحكمة بعد أدلة بهذه الاتهامات , وقضية ” كيليش ” على وجه الخصوص تتضمن الكثير من العناصر المذكورة سلفاً ومنها توجيه تهم تعسفية وضعف حكم القانون , وألقت السلطات القبض على كيليش فى يونيو 2017 م واتهمته بالانتماء إلى حركة غولن ولم يتم الإفراج عنه حتى الآن.
كما قدمت مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان فى مصر تقريراً مفصّلاً حول الانتهاكات التى يتعرض لها المدافعون عن حقوق الانسان فى تركيا ، وذلك خلال الحوار التفاعلى مع المقرر الخاص المعنى بالتجمع السلمى وتكوين الجمعيات , ونددت المؤسسة خلال المداخلة بالممارسات والانتهاكات التى تُمارس بحق المدافعين عن حقوق الإنسان فى تركيا من قبل نظام إردوغان ، والتى تتراوح بين الاعتقال والسجن والتهديد بالاعتداءات الجسدية وصولا إلى إغلاق مئات المنظمات الحقوقية بشكل نهائى .
كما أوضحت المداخلة أنه منذ محاولة الانقلاب الفاشلة فى 2016 م ، جددت السلطات التركية حالة الطوارئ 7 مرات ، وبناء عليه تم إغلاق حوالى 1300 جمعية ومؤسسة غير حكومية ، كما تم تعديل القوانين والتي مهدت الطريق أمام السلطات التركية لكبح الحريات الأساسية ، بما في ذلك حرية تكوين الجمعيات ، تحت مُدعى الحفاظ على الأمن القومي، أو النظام العام وعلى إثر هذا قامت باعتقال عدد كبير من النشطاء والحقوقيين .
مصير النشطاء الحقوقيين والمدافعين عن قضايا حقوق الإنسان في تركيا
يعتبر النشطاء الحقوقيين الأتراك المدافعين عن قضايا حقوق الإنسان داخل تركيا وخارجها هم نواة الردع للانتهاكات الجسيمة التي يقوم بها النظام السياسي التركي تجاه أفراد الشعب , ولذلك يحاول النظام التركى إنهاء هؤلاء المدافعون والقضاء عليهم بشتى الطرق , حيث تم اعتُقال ” مراد شيليكان ” المدافع البارز عن حقوق الإنسان عقب إدانته بنشر دعاية إرهابية.
يأتي ذلك على خلفية فعالية نُظمت أعرب خلالها عن تضامنه مع صحفيي ” أوزغور غوندى ” وأُفرج عنه إفراجا مشروطا ، كما أُصدر بحق 16 ناشطًا آخرين أحكام مع وقف تنفيذها بسبب مشاركتهم فى الفعالية بينما لا تزال تجرى مقاضاة 18 آخرين , كما سُجن أيضاً ” عثمان كافالا ” أحد قيادات المجتمع المدنى واُتهِم ب “محاولة الإطاحة بالنظام الدستورى ” ، فيما يتصل بمحاولة الانقلاب فى 2016 م ولا يزال محتجزًا دون أن يُوجه له اتهام , وأُفرِج عن ثلاثة من الصحفيين والعاملين بمجال الإعلام يعملون لدى صحيفة المعارضة العلمانية ” جمهوريت” لانتظار ما ستُسفر عنه محاكمتهم ، وذلك فى خلال العام الثامن من احتجاز زملائهم الذين كانوا بينهم وبلغ عددهم أكثر من 100 صحفى وعامل بمجال الإعلام ، وكانوا لا يزالون محتجزين رهن الحبس الاحتياطى , كما ظل يواجه الصحفيون الذين يعملون لدى المنافذ الإعلامية المُغلقة بموجب مراسيم حالة الطوارئ الملاحقة القضائية وصدور أحكام بإدانتهم وسجنهم , فلا يزال المحرر السابق بصحيفة (طرف) أحمد ألطان وشقيقه محمد ألطان محتجزين رهن الحبس الاحتياطى عقب اعتقالهما لاتهامهما بالعضوية فى حركة غولن , إلى جانب 34 عاملاً بمجال الإعلام بصحيفة “مجموعة زمان” , كما سُجنت الصحفية ” زهرة دوغان ” التى تعمل لدى وكالة أنباء المرأة الكردية “جينها ” عقب إدانتها والحكم عليها بالسجن لمدة ثلاث أعوام بتهمة نشر دعاية إرهابية .
وأُفرج عن رئيس تحرير صحيفة “ أوزغور غونديم ” إنان كزيلكايا بعد احتجازه رهن الحبس الاحتياطى فى انتظار ما ستسفر عنه محاكمته بتهمة العضوية بـ ” حزب العمال الكردستانى ” , واعتُقل مراسل صحيفة ” دى فيلت ” الألمانية دينيز يوسيل الذى أمضى العقوبة بالحبس الانفرادى دون أن تُوجه له تهمة , كما أُدينت الصحفية ايلا البايراك التى تعمل لدى صحيفة ” وول ستريت جورنال ” ، بنشر دعاية إرهابية أُصدر بحقها حكم بالسجن لمدة عامين بسبب مقال نشرته فى 2015 م ، حول اشتباكات مسلحة دارت بين قوات الحكومة وشباب ينتمون إلى ” حزب العمال الكردستانى ” .
أما فيما يخص تقارير المنظمات الحقوقية ونقابات المحامين الدولية , أكدت التقارير إصدار منظمات دولية متخصصة مذكرات قلق وشجبها ما يحدث فى تركيا ، ومطالبتها الحكومة التركية بوقف الحملات المنظمة ضد المحامين وبإخلاء سبيل المسجونين منهم ، إذ أصدر ” نيلس موزينيكس” مفوض المجلس الأوروبى لحقوق الإنسان (COECFHR) مذكرةً أدان فيها القيود المفروضة على المحامين وتواصلهم مع موكليهم، كما أدان القيود التي تعوق خصوصية العلاقة بين محامي الدفاع وموكله .
كما أرسل رئيس مجلس نقابات المحامين والجمعيات القانونية الأوروبية (CCBE) ” ميتشل بينتشو ” خطاباً للرئيس رجب طيب أردوغان بخصوص إطلاق سراح نائب رئيس جمعية الحقوقيين ” منيب أرميش ” و 22 محاميًا آخرين , وطالب ” بينتشو ” الحكومة التركية باتخاذ الخطوات اللازمة لإخلاء سبيل المحامين المحتجزين ، وتمكينهم من ممارسة عملهم وتمثيلهم لموكليهم أمام القضاء , وفى السياق ذاته وجهّت النقابة الفيدرالية الألمانية للمحامين (GFBA) انتقادات لاذعة لاحتجاز العاملين فى مجال القانون ، وأرسل رئيس النقابة ” أكهارت سكافر” خطابًا لوزير العدل التركى ” بكير بوزداغ ” أعلن فيه عن قلقه الشديد تجاه إغلاق مؤسسات المجتمع المدنى واعتقال المحامين , وكذلك توجه ” أندريه ماتشرين” رئيس النقابة الوطنية الإيطالية (NCOBA) وهى نقابة تضم فى عضويتها 250.000 محام ولها أكثر من 139 فرعًا فى إيطاليا بخطابٍ رسمىّ إلى وزير العدل التركى ، انتقد فيه الأعمال غير القانونية التى تمارسها الحكومة ضد المحامين .
وأدان الخطاب بشدة الطريقة التى تعاملت بها السلطات التركية مع المحامية ” باربرة سيبيناللى ” ، حيث احتُجزت فى ” مطار صبيحة جوكشن ” لأكثر من 17 ساعة قبل أن يتم ترحيلها من تركيا ، بعد أن قَدِمَت من أجل المشاركة فى مؤتمر دولى بعنوان ” النظام القضائى التركى فى ظل حالة الطوارئ ” ، والذى عقد يناير 2017 م , كما انتقد الخطاب بشدة إغلاق الحكومة للمؤسسات الحقوقية وزج الحقوقيين والمحامين فى السجون.