
“شراكة متجددة”.. خمسة أعوام أخرى من الصداقة وحسن الجوار بين “موسكو وبكين”
خلال السنوات الأخيرة، تميزت العلاقات الروسية الصينية بالتطور التدريجي، وباتت الشراكة الثنائية بينهما شاملة للعديد من الجوانب. إذ تعمق التعاون العسكري والاستراتيجي ووصل إلى مجالات حساسة. وعلى الصعيد الاقتصادي حقق الطرفان حجم تداول قياسي بلغ 110 مليار دولار، وأطلقوا سلسة من المشاريع الكبرى المشتركة، مع العمل في الوقت نفسه في مجال تطوير البنية التحتية.
وعلى صعيد أخر للتعاون، كان الطرفان قد حددا هدفًا مُشتركًا بزيادة التبادل التعليمي بينهما إلى 100.000 ألف شخص. ومع زيادة المنافسة العالمية على الريادة التكنولوجية، ركزت روسيا والصين اهتمامهما على مجالات العلوم والتكنولوجيا والابتكارات.
وخلال الاحتفالات التي أقيمت على شرف الذكرى الـ 70 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين روسيا والصين في عام 2019، أعلن الطرفان السمات والمبادئ الخاصة لشراكتهما الشاملة وتعاونهما الاستراتيجي في العصر الجديد.
ومع تفشي وباء “كوفيد-19″، بنهاية عام 2019 وبدايات عام 2020 أظهرت روسيا والصين مستوى عالٍ من الثقة والتعاون المتبادل في مواجهة الجائحة.
وفي سياق أخر وفي ظل هذه الظروف التي يشهدها العالم نتيجة الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، واستمرار الأخيرة فرض عقوبات على روسيا، فضلاً عن التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي “جو بايدن” المنافية للأعراف الدبلوماسية، ووصفه للرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” بالقاتل، فإن الدعم المتبادل بين روسيا والصين في الشؤون الدولية وعملهما المشترك والبناء للحد من التوترات وضمان القدرة على التنبؤ والاستقرار في الأحداث العالمية أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى.
هذه الأمور حتمت على الطرفين تنسيق مواقفهما بشأن مجموعة شاملة من القضايا، كما أنهم بحاجة إلى تطوير فهم جديد للأمن الدولي يراعي بشكل كامل التهديدات غير العسكرية.
كل تلك المسائل وأكثر، رُبما هي ما دفعت الطرفين مؤخرًا وبالتحديد في 23 مارس 2021، بالاتفاق على تمديد “معاهدة حسن الجوار والصداقة والتعاون” لمدة خمس سنوات أخرى. وذلك خلال زيارة وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” لبكين ولقاءه مع وزير الخارجية الصيني “وانغ يي”.
وفي السطور القادمة، سنعرض لطبيعة المعاهدة، وأهم بنودها، وأهميتها للطرفين، وماّلاتها المستقبلية لكلاً من بيكين وموسكو.
معاهدة “حسن الجوار والصادقة والتعاون”

وقع المعاهدة الزعيمان الروسي “فلاديمير بوتين” والصيني “جيانغ زيمين”، في 16 يوليو 2001، وفي 28 فبراير 2002 تم التصديق النهائي عليها.
هدفت المعاهدة كوثيقة قانونية إلى زيادة وتيرة التطور المُطرد للعلاقات الصينية الروسية في القرن الجديد، كما هدف الطرفان من توقيع المعاهدة إلى تعميق التنمية طويلة المدى في علاقاتهم الثنائية
أهداف المعاهدة
تمثلت أهمية المعاهدة في عدد من الأهداف المحورية كالتالي:
- تطوير شراكة تعاونية استراتيجية: وذلك على أساس مبدأ حسن الجوار والصداقة والتعاون، مع مراعاة الاحترام المتبادل لوحدة أراضي كل منهما، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر، والمنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي. وتسوية الخلافات بين البلدين بما يتماشى مع نصوص ميثاق الأمم المتحدة والمبادئ الدولية الأخرى، وبالوسائل السلمية. كما أكد الطرفان على أن أيًا من الجانبين لن يكون البادئ باستخدام الأسلحة النووية ضد الآخر ولن يوجه أسلحته النووية الاستراتيجية إلى الطرف الآخر.
- الاحترام المتبادل بين الجانبين: بالتزام كل طرف منهما لمسار التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للطرف الآخر، لضمان التنمية على المستوي طويل الأجل، بما يُعزز العلاقات الثنائية، كما يُدعم الجانبان سياسة بعضهما البعض للحفاظ على الوحدة الوطنية وسلامة أراضي كل منهما. بموجب المعاهدة، تعلن روسيا أن هناك صينًا واحدة فقط في العالم، وأن حكومة جمهورية الصين الشعبية هي الحكومة الشرعية الوحيدة التي تمثل الصين بأكملها وأن “تايوان” جزء لا يتجزأ من الصين، على أن تُعارض روسيا أي شكل من أشكال استقلال تايوان. فضلاً التزام الطرفان باحترام وصيانة الحدود في إطار سلام وصداقة دائمة بينهما.
- تعزيز إجراءات بناء الثقة بين البلدين: خاصة في المجال العسكري والعمل خفض القوات بشكل متبادل في المناطق الحدودية. مع العمل على تعزيز أمن كل منهما وتوطيد الاستقرار الإقليمي والدولي، مع التأكيد على ألا يستهدف التعاون العسكري بين البلدين أي طرف ثالث. وتعهدهم بألا ينضم أي طرف إلى أي تحالف أو جماعة تمس سيادة الطرف الآخر وأمنه وسلامة أراضيه. وأن لن يبرم أي منهما مثل هذه المعاهدات مع أي طرف ثالث، أو يسمح لدولة ثالثة باستخدام أراضيها للإضرار بسيادة الطرف الآخر وأمنه وسلامته الإقليمية.
- تعزيز اّليات التواصل والتشاور: من خلال أجراء الطرفان اتصالات ومشاورات فورية، إذا رأى أي من الطرفين ظروف طارئة قد تهدد وتقوض جهود السلام أو المصالح الأمنية. بالإضافة إلى عقد اجتماعات دورية للمسؤولين على مختلف المستويات، لتبادل الآراء وتنسيق المواقف حول القضايا الثنائية، والقضايا ذات الاهتمام المشترك، والقضايا الدولية الهامة والملحة، من أجل تعزيز التعاون الاستراتيجي.
- التزام الطرفين بالمبادئ الصارمة والراسخة للقانون الدولي: وذلك من خلال معارضتهما لأي تدخل بالقوة في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة، مع استعداهم لبذل جهود كبيرة لتعزيز السلام والاستقرار والتنمية والتعاون على الصعيد الدولي. معارضة الطرفان لأي أعمال من شأنها تهديد الاستقرار والأمن الدوليين، وتعهدهم بالتنسيق والتعاون في منع النزاعات الدولية وإيجاد حلول سياسية لتلك النزاعات. كما يعمل الطرفان على تعزيز التنسيق في الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات الخاصة التابعة له. مع تعزيز الدور الرئيسي للأمم المتحدة باعتبارها الهيئة الدولية الأكثر موثوقية، في التعامل مع الشؤون الدولية، ولا سيما في مجالات السلام والتنمية.
- تعزيز التعاون الثنائي بينهما: وذلك من خلال تعزيز التعاون في عدد من المجالات، كالاقتصاد والتجارة، والتكنولوجيا العسكرية، والعلوم والتكنولوجيا، والطاقة، والنقل، والطاقة النووية، والتمويل، والطيران والفضاء، وتكنولوجيا المعلومات، والثقافة، والتعليم، والصحة، والإعلام، والسياحة، والرياضة، والقانون، وحماية حقوق الملكية الفكرية، وفقًا للقوانين المحلية الخاصة بكل منهما والمعاهدات الدولية المنضمين تحت لوائها. وغيرها من المجالات ذات الاهتمام المشترك. كما اتفاق الطرفان على تسوية ديونهما وفقًا للاتفاقيات الموقعة بين حكومتي البلدين.
- التعاون في مجال حماية البيئة: وذلك من خلال الحد من التلوث، مع بذل الجانبان جهودا مشتركة لحماية الأنواع النادرة من النباتات والحيوانات والنظم البيئية في المناطق الحدودية.
- التعاون في مجال مكافحة الإرهاب: يتعاون الطرفان بشكل فعًّال في مكافحة الإرهاب والحركات الانفصالية والتطرف ومكافحة الجريمة المنظمة والاتجار غير المشروع بالمخدرات والأسلحة. والتعاون في مكافحة الهجرة غير الشرعية.
كما تم الاتفاق بان تسري المعاهدة لمدة 20 عامًا، على أن يتم تمديدها تلقائيًا إذا لم يقم أي من الطرفين بإخطار الطرف الآخر بنيته بإنهاء المعاهدة قبل عام واحد من انتهاء صلاحيتها.
تمديد المعاهدة لمدة 5 سنوات أخرى
على مدى السنوات العشرين الماضية، أرست هذه المعاهدة أساسًا قانونيًا ومتينًا للتنمية المستدامة للعلاقات الروسية الصينية، كما ساهمت في تطوير العلاقات الثنائية بين موسكو وبكين.
وتزامنًا هذا العام مع الذكرى السنوية العشرين لتوقيع المعاهدة، قام وزير الخارجية الصيني “وانغ يي” ونظيره الروسي “سيرغي لافروف”، بإعلان تمديد “معاهدة حسن الجوار والصداقة” بين البلدين تلقائيا لمدة خمس سنوات أخرى، وذلك خلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الروسي لبكين نهاية مارس الماضي.

تنظر الصين للاتفاقية باعتبارها عاملا قويًا لتنمية العلاقات الصينية الروسية، كما اقترحت على لسان وزير خارجيتها أن الوثيقة قد تحتاج إلى محتوى جديد وإضافة بعض البنود بمرور الوقت، من أجل تكييفها مع الظروف الجديدة للعلاقات الثنائية.
ومن جانبه، وصف الجانب الروسي على لسان وزير الخارجية “سيرغي لافروف” أن التطور الديناميكي للعلاقات الروسية الصينية في السنوات العشرين الماضية يثبت أن المعاهدة صمدت أمام اختبار الزمن كما يتم تنفيذ الالتزامات التي تتحملها الدولتين بصرامة.
كما ترى روسيا أن الاتفاقية بمثابة نقلة لقيمة الصداقة بين الشعبين إلى الأجيال الجديدة، فالاتفاقية بمثابة صيغة قانونية فريدة ورُبما غير موجودة بين أي دولتين في أي مكان أخر في العالم.
جوهر وأهمية المعاهدة للطرفين
كانت تلك المعاهدة بمثابة علامة بارزة في العلاقات الروسية الصينية، ولفهم مدى أهميتها، يحتاج المرء فقط لإجراء مقارنة العلاقات بين روسيا والغرب من ناحية، وروسيا والصين من ناحية أخرى، ففي الوقت الذي تزداد فيه التوترات والمناوشات العسكرية على الحدود الروسية الغربية، لا يتضح ذلك في العلاقة بين موسكو وبكين. فالعلاقات التجارية والسياسية بين الطرفين تمضي قدمًا، ولا يوجد نزاع حدودي بينهما.
كما تتأتى أهمية المعاهدة أيضًا حول ما تفرضه معطيات الواقع الحالي، فقبل أن يتولى الرئيس الأمريكي “جو بايدن” مهام منصبه، وصف روسيا بأنها تُشكل أكبر تهديد للولايات المتحدة الأمريكية، في حين تستمر النظرة الأمريكية للصين باعتبارها خصم ومنافس كبير لواشنطن. وبالتالي يطغي على مسار العلاقات الروسية الأمريكية، والامريكية الصينية حالة عدم اليقين، ومن غير المرجح أن تتحسن في المستقبل القريب، لذا يبدو استمرار وتيرة التحالف والتنسيق الروسي الصيني ذات أهمية كبيرة في الوقت الراهن.
وفي الأخير، تعتبر تلك الشراكة مع الصين هي الخيار لأفضل بالنسبة لروسيا، كما أنها تعد خطوة مهمة جدا في تطور شراكة تعاون إستراتيجي بين البلدين، وتنظر موسكو إلى المعاهدة على أنها ترسيخ لعالم متعدد الأقطاب يناهض الهيمنة الأمريكية كقطب أوحد.
باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية