مصر

مدينة الدواء الجديدة: نحو الاكتفاء الذاتي والتحول إلى مركز إقليمي لصناعة الدواء

افتتح الرئيس السيسي اليوم مدينة الدواء في مصر بمنطقة الخانكة بمحافظة القليوبية، ولدت تلك المدينة بطموحات كبيرة وهي تحويل مصر إلى مركز إقليمي لصناعة الدواء في الشرق الأوسط، وزيادة التعاون بين القطاع العام والخاص في هذا القطاع الحيوي الذي تعدّه الدولة أحد قطاعات الأمن القومي المصري. ولمّا كان الاهتمام بصناعة الدواء يرتكز بالأساس على الدعائم المهمة لحقوق الإنسان والتي تتمثل في الحق في الصحة والذي أقرته المواثيق الدولية في الاعتراف الوارد في منظمه الصحة العالمية في عام 1946، والحق الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي تبنته الأمم المتحدة في عام 1966. وتبناه القانون والدستور المصري في مادته رقم (18) التي نصت على “أن لكل مواطن الحق في الصحة والرعاية الصحية المتكاملة وفقا لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل”؛ يستعرض هذا التقرير شكل سوق الدواء في مصر ومدى مساهمة مدينة الدواء الجديدة في دعم ذلك القطاع بمصر.

سوق الدواء

يمكن تقسيم سوق الدواء في مصر إلى ثلاثة أقسام، الأول هو أدوية يتم إنتاجها وفقًا لحقوق ملكية فكرية مملوكة للشركات الأجنبية، حيث تحتفظ تلك الشركات بحق ملكيتها في منح تراخيص لإنتاج ذلك الدواء نظير ما تكبدته الشركة من نفقات ووقت قد يصل إلى 12 عامًا للوصول إلى المنتج النهائي القابل للتسويق تجاريًا، ومن ثم فإن إنتاج الدواء من خلال الشركة الأم يسمي بالصناعات الدوائية الحقيقية حيث يتم فيها إنتاج الدواء عن طريق البحث والتطوير. 

أما القسم الثاني فيتمثل في إنتاج الدواء بعد الحصول على تراخيص الملكية الفكرية من الشركات المطورة لذلك الدواء، وتسمى تلك العملية بصناعات المحاكاة أو التعبئة الدوائية، وهو النظام المتبع في معظم الدول النامية ومنها مصر، وهو قائم على تصنيع الأدوية بعد الحصول على تصريح من الشركة الأم وتسويقه بنفس العلامات التجارية لتلك الشركات.

أما القسم الثالث فهو أدوية طبية عادية أو مكافئة وهي أدوية طبية تم اكتشافها منذ فترات طويلة من الزمن وسقطت حقوق الملكية الخاصة ببراءة اختراعها بالتقادم ومن ثم يمكن لشركات الدواء إنتاج أدوية مكافئة لذلك الدواء. وتشير التقارير إلى أن سوق الأدوية المكافئة قد تجاوز في نموه سوق الأدوية المسجلة ببراءة الاختراع؛ إذ تشير الدراسات إلى أنه من المتوقع أن يصل حجمة عالميًا إلى 533 مليار دولار بحلول عام 2021 محققًا نموًا من 352 مليار دولار في عام 2016 وبذلك يكون قد حقق معدل نمو سنوي مركب بنسبة 8.7% سنويا.

أما عن الوضع في السوق المصري بتلك الصناعة فتعد صناعة الدواء في مصر أحد أهم الصناعات الرائدة، حيث بدأت تلك الصناعة في عام 1939 مع تأسيس شركة مصر للمستحضرات الطبية (هولدي فارما)، بالإضافة إلى التطور الكبير في تلك الصناعة في السنوات التي تلت ثورة 1952 والتي شهدت نقلة كبيرة في صناعة الدواء في مصر بعد إنشاء عدد كبير من شركات الأدوية الحكومية وافتتاح المركز القومي للبحوث وعدد من كليات الصيدلة في إطار خطة حكومية متكاملة لبناء صناعة دواء في مصر بداية من تأهيل الكوادر البشرية وصولًا إلى المنتج النهائي. والذي ساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي في مصر في الصناعات الدوائية في السنوات اللاحقة لتلك الفترة.

هيكل السوق

يمكن تقسيم سوق الصناعات الدوائية في مصر إلى قسمين رئيسين، وهما الشركات الحكومية المملوكة للدولة، والشركاء من القطاع الخاص في صورة الشركات متعددة الجنسيات وكذلك الشركات المحلية. ويعد سوق الصناعات الدوائية المصرية من بين أكبر الأسواق في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ إذ تبلغ قيمته 41.35 مليار جنية (2.32 مليار دولار) وفقا لبيانات عام 2018. يمتلك فيها القطاع الخاص حصة أكبر بالسوق من حيث القيمة، حيث يعمل بمصر عدد من الشركات العالمية العملاقة مثل “جلاكسو سميث كلاين” و”نوڤارتيس” و”سانوفي” و”فايزر” و”ميرك آند كو “. 

أما عن أبرز اللاعبين الحكوميين في ذلك المجال فيتمثل في الشركة المصرية الدولية للصناعات الدوائية (ايبيكو) وشركة الوجه القبلي للصناعات الدوائية (سيديكو) وشركة المهن الطبية للأدوية والقابضة للمستحضرات الحيوية واللقاحات “ڤاكسيرا” و”آمون” للأدوية والتي تم شراؤها مؤخرًا من قبل ڤاليانت الكندية للمستحضرات الدوائية. تلك الشركات تضع مصر في المركز السادس من حيث أكبر الأسواق للصناعات الدوائية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من حيث القيمة، مع وجود توقعات بتحسن ذلك المستوى خاصة أنه من المتوقع أن تنمو مبيعات الأدوية في مصر لتصل إلى 56.6 مليار جنيه (2.9 مليار دولار أمريكي) في عام 2022.

عوامل النمو

في ظل بيئة اقتصادية تتسم بتباطؤ معدل التضخم (5% تقريبا) وارتفاع متوقع لنمو الناتج المحلى الإجمالي بمصر إذ تشير التوقعات باحتمال نمو الناتج المحلى الإجمالي بنسبة 5.5% لعام 2021، من المتوقع أن يرتفع نصيب الفرد من الإنفاق على الرعاية الصحية خاصة في ظل برامج الدولة للرعاية الصحية والتي تتمثل في التأمين الصحي الشامل. إذ يبلغ معدل الإنفاق على الصحة في مصر 2% من الناتج المحلى الإجمالي و5% من الإنفاق الحكومي بشكل عام ومن ثم فهو أقل من المعدلات العالمية التي تتمثل في 7% من الناتج المحلى الإجمالي و20% من الإنفاق الحكومي على الصحة. 

يتمثل نصيب الحكومة من الإنفاق 74% بينما يشكل القطاع الخاص نسبة 26% من الإنفاق وهو عكس المعدلات العالمية؛ إذ تمثل نسبة الإنفاق الحكومي على الصحة عالميا 35% ويشكل القطاع الخاص نسبة 65%، ومن ثم فإن نصيب الفرد من الإنفاق على الرعاية الصحية بمصر يبلغ 176 دولار مقابل متوسط عالمي يبلغ 904 دولار عالميًا.  وذلك يعني أنه توجد مساحة كبيرة للنمو في ذلك القطاع للقطاع الخاص في المستقبل وفرصة كبيرة لظهور لاعبين جدد في ذلك المجال.

أما عن الجوانب الأخرى التي تدعم النمو بذلك القطاع فهي تتمثل في الخصائص الديمغرافية لمصر، إذ إنها دولة بتعداد سكاني يبلغ أكثر من 100 مليون نسمة ومعدل نمو سكاني بحوالي 2.5% سنويًا لتشكل أحد أهم عوامل استدامة الطلب على تلك الصناعة، ومن المتوقع أن تمثل الفئة العمرية أكبر من 40 عامًا حوالي 30% من إجمالي عدد السكان في 2027 مقابل 27% في عام 2018، إذ تساهم تلك الفئة العمرية بأعلى معدلات تشخيص الأمراض المزمنة ويخدم الشكل الديمغرافي سوق الأدوية ويضمن الطلب المتزايد على المنتجات الصيدلانية.

مدينة الدواء

تعد مدينه الدواء الجديدة “Gypto pharma” من أكبر المدن على مستوى الشرق الأوسط حيث تم إقامتها على مساحة 180 ألف متر بطاقة إنتاجية تصل إلى 150 مليون عبوة سنويا، وتضم المدينة مصنعين يضم أحدهما عدد 20 خط إنتاج، أما الثاني فيضم عدد 15 خط إنتاج وهي خطوط إنتاج مميكنة تمامًا تقوم بإنتاج الدواء دون أي تدخل بشري.  وتضم المدينة بالكامل عدد 200 عامل بشري يتخصصون في متابعة الأنظمة الإلكترونية الخاصة بالإنتاج، وهو ما يضمن توفير التعقيم المطلوب في تلك الصناعة. 

ستكون مدينه الدواء الجديدة إضافة جديدة لسوق الصناعات الدوائية في مصر وفقًا للأسباب السابق الإشارة إليها والتي ترتبط بهيكل السوق، إذ إنها ستساهم في زيادة التعاون بين الدولة والقطاع الخاص وتدعم أهداف مصر في التحول إلى مركز إقليمي لصناعة الدواء في الشرق الأوسط، وستساهم في ضبط سوق الدواء والمساهمة في معالجة مشكلات النقص في الأدوية، خاصة وأنها ستتخصص في إنتاج عدد كبير من الأدوية منها أدوية الضغط، والقلب، والسكر، والكلى، والمخ والأعصاب، والمضادات الحيوية وهي أدوية حيوية جدًا تمس الاحتياجات الأساسية للمواطنين ومن ثم فهي تؤمن الاحتياجات الأساسية للدولة. 

هذا فضلا عن الاتجاه نحو سوق التصدير حيث تضم المدينة مركزًا إقليميًا لتصنيع الدواء بالتعاون مع الشركات الأجنبية تمهيدا للتصدير إلى السوق الأفريقية، فتستهدف المدينة تصدير نسبة 25 – 30% من إنتاجها على مراحل بداية بالسوق العربية ثم الأفريقية ووصولًا إلى السوق الأوروبية بعد الحصول على شهادات الاعتماد الأوربية اللازمة في ذلك المجال. 

وتشمل المنتجات التي ستقوم المدينة بتصنيعها الأدوية الخاصة بفيروس كورونا هذا فضلا عن الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة والتي تتسم بالطلب المستدام مثل أدوية الضغط والقلب والكلي والمخ والأعصاب. ومن المزمع أن تتجه المدينة مستقبلًا لتصنيع أدوية متخصصة مثل أدوية السرطان لتوفيرها بأسعار مناسبة للمصريين. هذا فضلًا عن توفير مركز أبحاث وتطوير وتوكيد الجودة يساهم في الحفاظ على معدلات الجودة والتأكد من استمرار التحديثات اللازمة بالنظم والمادة الفعالة للتأكد من احتفاظ تلك المدينة بمكانتها محليا وإقليميا وعالميا بسوق صناعة الدواء.

+ posts

باحث ببرنامج السياسات العامة

أحمد بيومي

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى