سياسة

الطريق الروسي المروج بديلا لقناة السويس.. “بين النظرية والتطبيق”

جذبت حادثة جنوح السفينة العملاقة “إيفر جيفن”، التي يبلغ طولها 400 متر، في الممر الملاحي لقناة السويس، وسط عاصفة رملية شديدة كانت تمر بها مصر، الثلاثاء 23 مارس، أنظار العالم أجمع نحو القناة المائية التي تلعب دورًا رئيسيا كشريان حيوي للتجارة العالمية. وفي هذه الأثناء، برز الحديث عن وجود بديل روسي عن القناة، بوسعه أن يُسهم في حل مشكلة اعتماد حركة المرور التجاري العالمية على القناة.

طريق الممر الشمالي… ما هو؟!

ظهرت فكرة إنشاء هذا الممر لأول مرة عام 1993. وتجددت الفكرة مرة أخرى في سبتمبر 2000، خلال المؤتمر الدولي الثاني للنقل الأورو آسيوي في مدينة سانت بطرسبرج، حيث وقعت روسيا والهند وإيران اتفاقية حكومية دولية تقضي بإنشاء مركز تجارة دولي بين الشمال والجنوب.

وبحلول مايو 2002، تم التصديق على الاتفاقية من قِبَل جميع المشاركين ودخلت بالفعل حيز التنفيذ. ثم انضمت اليها بعد ذلك نحو 10 دول، “بيلاروسيا، وكازاخستان، وعمان، وطاجيكستان، وأذربيجان، وأرمينيا، وسوريا، وبلغاريا، وقيرغيزستان، وتركيا، وأوكرانيا”.

وفي أواخر 2018، بدأت وسائل إعلام روسية وإيرانية بتداول أنباء حول قرب الانتهاء من الإعلان عن إطلاق ممر نقل دولي يربط بين الخليج العربي ومنطقة المحيط الهندي مع روسيا وشمال أوروبا عبر إيران وبحر قزوين. وعكفت هذه المصادر الإعلامية عن تقديم هذا المسار باعتباره بديلاً أرخص وأقصر أمام السفن والناقلات التجارية عن قناة السويس المصرية.

ومن اللافت للانتباه، أن هذا الممر ليس ممرا مائيا بشكل كامل مثل قناة السويس المصرية. لكن عملية النقل من خلاله تمر عبر عدة مراحل. بحيث يمتد ممر النقل بين الشمال والجنوب، بدءً الهند وصولاً الى ميناء عباس الإيراني على ساحل الخليج العربي، ومن هناك يتم نقل البضائع برًا إلى ميناء إيراني آخر –ميناء بندر أنزلي- يقع على الساحل الجنوبي لبحر قزوين. بعد ذلك، يتم شحن البضائع عن طريق البحر إلى استراخان، ويلي ذلك أن يتم شحنها في السكك الحديدية عبر روسيا الى دول شمال أوروبا.

يبلغ طول الطريق نحو 7200 كيلومتر، ومن المرجح أن تصل إنتاجية النقل عبر هذا الممر بشكل يتراوح بين 20 و30 مليون طن من البضائع سنويًا. نتيجة لذلك، تطمح روسيا إلى أن يتحول الطريق الى مركز للتجارة الدولية بين الشمال والجنوب وأن يصبح أحد طرق النقل الرئيسية التي تربط ما بين بلدان جنوب آسيا وأوروبا.

الطموحات الروسية فيما وراء إنشاء الطريق الشمالي

نشرت شركة “روس آتوم”، الروسية عن وجود طريق بديل لقناة السويس المصرية، من شأنه أن يُقدم طُرق بديلة أمام الحاويات المتكدسة في ممر القناة خلال فترة إغلاق الممر الملاحي. فقد نشرت الشركة عبر صفحتها الرسمية على موقع “تويتر”، أن “طريق بحر الشمال، سيكون الحل السحري للسفن المتكدسة عند مدخل قناة السويس بعد الأزمة”، موضحة أن لهذا الطريق مزايا للنقل بين آسيا وأوروبا. ووفقا للشركة، فإن روسيا تستخدم أقوى كاسحات الجليد النووية لتسيير الحركة في بحر الشمال، بالإضافة إلى الذوبان السريع للقطب الشمالي في هذا الوقت، مما يجعل المرور عبره في غاية السهولة. ووفقا للشركة، بالمقارنة بين الطريق عبر قناة السويس، فإن المسافة على طول خط البحر الشمالي من الصين إلى الموانئ الأوروبية أقصر بحوالي 40٪.

وعلى الرغم من أن هذا الطريق يُعد مشروعا مشتركا بين روسيا والهند وإيران، إلا أن روسيا –بشكل خاص- تعول الكثير من الطموحات الواعدة على هذا الطريق، الذي سيسمح لها بتحقيق مصدر دخل واحد واستثمارات عديدة في منطقة القطب الشمالي. بالإضافة الى تنويع علاقات روسيا التجارية الخارجية، وتحديث بنيتها التحتية للنقل والموانئ في مناطق الجنوب الروسي.

وتطمح إيران إلى أن تتحول لمركز عبور رئيسي. بينما تسعى الهند إلى إيجاد طريق تجاري آخر إلى أوروبا وآسيا الوسطى. علاوة على ذلك، لا تهتم الهند فقط بتحقيق مصالحها الاقتصادية من خلال الطريق، ولكن لديها مصالح جيوسياسية كذلك في إطار وجودها على خارطة مركز تجارة دولي مستقبلي بين الشمال والجنوب. مما يؤهلها لتوسيع علاقاتها التجارية وتعزيز نفوذها في منطقة آسيا الوسطى.

قناة السويس المصرية.. البدائل الجديدة ما بين الخيال والتنفيذ العملي

تعد قناة السويس، هي الممر المائي الأكثر أهمية عالميًا، نظرًا لأنها تصل البحر المتوسط بالبحر الأحمر، وتفصل بين قارتي آسيا وأفريقيا. كما أنها تعد من أقصر الطرق البحرية بين أوروبا والبلدان الواقعة حول المحيط الهندي، وغرب المحيط الهادي، وهي أكثر القنوات الملاحية كثافة من حيث الاستخدام. وتستخدمها السفن الحديثة بكثرة عددية كبيرة لأنها الأسرع والأقصر للمرور من المحيط الأطلنطي إلى المحيط الهندي، وتمثل الرسوم التي تدفعها السفن نظير عبور القناة مصدرا مهما للدخل في مصر. عند هذه النقطة يبرز تساؤل، حول هل من الممكن أن يُشكل ظهور الطريق الشمالي الروسي تهديدًا تنافسيًا على قناة السويس؟!

للوهلة الأولى، قد يبدو الطريق الشمالي الروسي أقصر من حيث المسافة، وأرخص من حيث التكلفة المادية. لكن في الوقت نفسه، هذا لا يعني أن الطريق الشمالي الروسي قد يمثل بشكل أو بآخر أي نوع من أنواع التنافس أمام قناة السويس، وذلك لعدة عوامل؛ أولها أن الطريق موجود في ظروف مناخية قاسية للغاية تجعل من المستحيل على السفن العبور من خلاله أثناء فترات الشتاء –التي تمثل أغلب أيام العام في تلك المنطقة- من دون استخدام كاسحات جليد، والتي تعمل فقط عندما تكون طبقات الجليد رقيقة.

ويرجع ذلك إلى أن موسم الملاحة في البحار الشمالية الروسية قصير للغاية، يستمر فقط من يوليو الى أكتوبر. ومرة أخرى نقول إن الطريق ليس متاحا خلال جميع أيام السنة مثل قناة السويس، وحتى اتاحته أمام السفن يتخللها صعوبات كثيرة.

هناك عائق آخر، يتمثل في أن هذا الطريق غير مجهز لقوافل السفن العملاقة على غرار الناقلة الشهيرة صاحبة الأزمة “إيفر جرين”. نظرًا لأن الحركة داخل هذا الطريق، كما سلف الذكر، بحاجة مستمرة الى كاسحات جليد، بينما يبلغ عرض كاسحة الجليد “آركيتيكا”، وهي أقوى كاسحة جليد في العام، ما يقرب من نصف عرض سفينة الحاويات من نوع الناقلة “إيفر جرين”.

هناك نقطة أخيرة تجعل من الصعب على طريق البحر الشمالي، تشكيل منافسة لقناة السويس المصرية. وتلك تتمثل في أن مسار حركة البضائع التجارية المقترح عبر الطريق الشمالي، لا يقتصر على وجود البضائع داخل السفن فقط، كما هو الحال في حالة النقل عبر قناة السويس المصرية. بل إن البضائع تمر بعدد من المراحل التي تتطلب تفريغ الحمولة وإعادة شحنها عدة مرات خلال عملية النقل بالكامل، تارة يتم نقلها عبر ميناء بري، وتارة أخرى يتم تفريغها وشحنها عبر السكك الحديدية، وتارة أخرى يتم تحميلها على متن سفينة أو ناقلة بحرية.

وفي شتى الحالات، تمثل هذه عوائق كبيرة أمام شتى أنواع البضائع وتتطلب جهد ووقت كبير، كما أنها لا تتناسب مع كل أنواع البضائع. مما يمنح قناة السويس الريادة باعتبارها الممر المائي المفضل أمام حركة التجارة العالمية، التي تجد فيها خيارًا ممتازًا لسلامة البضائع ولضمان الوصول في أقصر وقت ممكن.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

داليا يسري

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى