مصر

الإرادة الحديدية.. قناة السويس والإصرار المصري الخالص

حساس هو موقع وموضع مصر الجغرافي، فبعيدًا عن أدبيات الجغرافيا الكلاسيكية التي وصفته بأنه موقع يتوسط العالم القديم وبقناته التي تصل بين البحرين الأحمر والمتوسط، إلا أنه مع تطور منظومة العولمة الاقتصادية وتعقد عمليات تقاسم إنتاج السلع واتساع انتشار سلاسل التوريد وتزايد الاعتماد على النقل البحري عبر قارات العالم؛ زادت خصوصية الموقع الجغرافي لمصر، إذ أضحت تتحكم في شبكة أعصاب مواصلات العالم البحرية عبر قناة السويس. فلا عجب أن كانت قناة السويس في مرمي بنك أهداف القوي المعتدية على مصر والمناوئة لاستحقاقها في المنطقة منذ تأميمها واندلاع حرب السويس 1956، وحرب 1967.

تلك الخصوصية الحيوية للموقع الجغرافي المصري سرعان ما عادت للواجهة مرة أخرى، من خلال أزمة جنوح سفينة الحاويات العملاقة “إيفرجيفن” التابعة للخط الملاحي “إيفرجرين”، والتي جنحت في قناة السويس منذ 24 من مارس الجاري في طريقها من الصين لميناء روتردام بهولندا متسببة في توقيف حركة الملاحة بالقناة، بعدما سدت بطولها البالغ 400 مترًا، وعرضها البالغ 59 مترًا، وحمولتها البالغة أكثر من 200 ألف طن؛ مجرى القناة عند الكيلو 151. وجاعلة من محاولات تعويمها ووضعها في المسار الصحيح، أشبه بتحريك واقتلاع جبل عالي القمة من مكانه لنقطة أخري.

ويوضح الرسم التوضيحي التالي، حجم السفينة البنمية العملاقة مقارنة بمنشآت البني التحتية العملاقة.

تداعيات أزمة السفينة الجانحة:

تسبب جنوح السفينة في توقيف حركة قوافل الشمال والجنوب، وتباعًا حبس أنفاس العالم حول مصير عمليات التعويم والتكريك التي بدأت تجري منذ اليوم الأول للجنوح ورفع آلاف الأطنان من الرمال أمام مقدم السفينة كما يوضح الفيديو التالي:

إذ بدت محاولات ومناورات التعويم المصرية بأسطول من القاطرات بلغ 11 قاطرة؛ أمام لحظة حقيقة. فآمال التجارة العالمية معلقة على هذه العمليات، إذ يمر عبر قناة السويس حوالي 10% من إجمالي تجارة العالم، و15% من حركة الشحن، و30% من حركة الحاويات كذلك. 

فضلًا عن أن 45% من حجم البضائع في ميناء نيويورك ونيوجيرسي بالولايات المتحدة يمر عبر قناة السويس، وما يقارب 9 مليارات و600 مليون دولار من البضائع المعبأة في حاويات تمر عبر قناة السويس يوميًا. وذكرت شركة أليانز (Allianz) الألمانية للتأمين إن تعطل الملاحة بالقناة قد يكلف التجارة العالمية ما بين 6 و10 مليارات دولار أسبوعيا. وأعلن الفريق “أسامة ربيع”، رئيس هيئة قناة السويس، أن القناة تخسر ما بين 13 و14 مليون دولار يوميًا بسبب توقف حركة الملاحة بسبب جنوح سفينة الحاويات. 

مفارقة مكان الجنوح أم هبة الجغرافيا المصرية؟

عند الكيلو 151 بالقناة، جنحت سفينة الحاويات العملاقة، وكان موضع الجنوح لافتًا. فالسفينة جنحت في القناة الرئيسة ذات الممر الوحيد وليس المزدوج. محدثةً بذلك خنقًا لرئة القناة بأكملها. ويوضح الفيديو التالي تتبع مسار السفينة حتى جنوحها عند وصولها للكيلو 151.

ويمكننا القول إن السفينة “الدائرة السوداء” جنحت في نصف المسافة تقريبًا من مناطق البحيرات في الشمال والجنوب “الدوائر الحمراء”، ما سمح لمئات السفن بالانتظار بالقرب من القناة في ثلاثة مواضع:

  1. قبالة ميناء بورسعيد شمالًا كما توضح الصورة.
  1. البحيرات المرة “الكبري – الصغرى” كما توضح الصورة.
  1. قبالة مدخل خليج السويس كما توضح الصورة.

مثلت هذه المناطق الثلاث متنفسًا إضافيًا للجهود المصرية المثابرة والعنيدة في تحريك السفينة “إيفرجيفن”، إذ تركزت في منطقة الكيلو 151 أعمال التكريك والقطر بأسطول مكون من 11 قاطرة تتباين فيما بينهما في قوة السحب والدفع. 

إدارة الأزمة.. عقل هادئ وانتظار لكلمة الطبيعة

منذ اليوم الأول للأزمة قبل ستة أيام، تحركت الأجهزة المصرية المعنية للتعامل مع ثلاثة سيناريوهات.

أولًا: الشد باستخدام القاطرات لدفع وسحب السفينة للمساعدة على إعادتها للمجرى الملاحي.

الثاني: هو استخدام طريقة التكريك، وتم استخدامهما معًا من أجل تقصير زمن العمل على تعويم السفينة حيث يتم العمل على مدار اليوم، من خلال العمل لمدة 12 ساعة باستخدام القاطرات و12 ساعة للكراكات، حيث لا تناسب كل التوقيتات استخدام القاطرات، حيث يتأثر أداء عملها سابًا بعملية الجذر.

الثالث: يتضمن تخفيف حمولة السفينة، وهذا السيناريو يصعب تنفيذه لأن الكونتينر الواحد يصل ارتفاعه إلى 150 متر. وفي حال تفعيل هذا السيناريو سيحتم على مصر طلب المساعدة الدولية.

الطبيعة تقول كلمتها

أعلن رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع صباح الاثنين، أنه تم “تعديل مسار” سفينة الحاويات الجانحة في القناة منذ ستة أيام بنسبة 80%.

https://twitter.com/EgyptTodayMag/status/1376415258542276609?s=20
وأفاد ربيع في بيان “بدء تعويم سفينة الحاويات البنمية بنجاح بعد استجابتها لمناورات الشد والقطر اذ تم تعديل مسار السفينة بنسبة  80% وابتعاد مؤخرة السفينة عن الشط بمسافة 102 مترا بدلا من 4 أمتار“. وأضاف أنه “من المقرر استئناف المناورات مرة أخرى مع ارتفاع منسوب المياه (في القناة) الى أقصى ارتفاع له اعتبارا من الساعة الحادية عشرة والنصف ليصل الى مترين بما يسمح بتعديل مسار السفينة بشكل كامل لتصبح في منتصف المجرى الملاحي، كما توضح الصورة بأن الليلة الإثنين المقمرة كانت الفرصة الأكبر أمام الطاقم المصري لاستثمارها إذ بلغ المدّ اقصي ارتفاع له.

وأشاد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اليوم الاثنين، بنجاح عملية إنهاء أزمة السفينة الجانحة في قناة السويس “بأيدٍ مصرية” رغم التعقيد الفني الهائل الذي أحاط بهذه العملية من كل جانب.

وقال الرئيس السيسي على حسابه الرسمي بـ “تويتر”: لقد نجح المصريون اليوم في إنهاء أزمة السفينة الجانحة بقناة السويس رغم التعقيد الفني الهائل الذي أحاط بهذه العملية من كل جانب. وبإعادة الأمور لمسارها الطبيعي، بأيدٍ مصرية، يطمئن العالم أجمع على مسار بضائعه واحتياجاته التي يمررها هذا الشريان الملاحي المحوري.

وأضاف: وإنني أتوجه بالشكر لكل مصري مخلص ساهم فنيًا وعمليًا في إنهاء هذه الأزمة. لقد أثبت المصريون اليوم أنهم على قدر المسؤولية دومًا، وأن القناة التي حفروها بأجساد أجدادهم ودافعوا عن حق مصر فيها بأرواح آبائهم… ستظل شاهدًا أن الإرادة المصرية ستمضي إلى حيث يقرر المصريون”.

فيما نجحت جهود الطاقم المصري في تعويم السفينة العملاقة، وجرها في المجري الملاحي

https://www.facebook.com/SuezCanalAuthorityEG/videos/525298368460505/

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى