الصحافة الدولية

الطيران البريطاني…تكهنات وغرامات وأزمات

برغم إعلانها إنتهاء المشاكل التقنية التي أدت لإلغاء وتأجيل 500 رحلة حتى الأن تستمر معاناة المسافرين على متن الخطوط الجوية البريطانية بسبب استمرار ما أسمته الشركة عطلا تقنيا  امتد أثره لعدد من المطارات … حذرت الشركة من أعطال جديدة قد تحدث نتيجة لنفس الخلل الذي يتضح انه لم يعالج بالكامل حتى الأن ولم تذكر أي تفاصيل عنه حتى اللحظة .

بداية الأزمة كانت يوم الثلاثاء الماضي مع إعلان الشركة تعطل رحلاتها بسبب عطل طال الأنظمة المسؤولة عن إقلاع الطائرات وأنظمة تسجيل الدخول بمطارات لندن الثلاث الرئيسية هيثرو الأكبر في أوروبا وجيتويك ومطار لندن ستي مما أدى لحالة من الغضب بين المسافرين الذي ظل بعضهم عالقاً في طائرته لمدة ساعتين قبل أن يتم إخلاؤهم وأخرون افترشوا أرض مطارات لندن بعد عجزهم عن الوصول لحل وعجزت الشركة عن تقديم مبررات أو بدائل تليق بالشركة التي تحتفل بمئويتها هذا العام 

اجراءات بديلة 

مع استمرار المشكلة أعلنت الشركة أنها ستسجل  المسافرين يدوياً بسبب فشل نظام التسجيل الكتروني سواء داخل المطارات أو من خلال شبكة الانترنت ولكن الحل لم يكن ناجعاً حيث علق المسافرون مع تسجيلهم للدخول داخل المطار بسبب عدم قدرتهم على السفر مع فشل السلطات في اعادة أنظمة الاقلاع ، حتى المسافرون الذين تم أجلاؤهم من طائراتهم علقوا بالمطار نتيجة عدم قدرتهم على استرجاع حقائبهم مما خلق فوضى في المطار مع تكدس المسافرين في هذا الوقت من العام الذي يعتبر ذروة الموسم السياحي للبريطانيين.

حاولت الشركة ارضاء الركاب بتغيير موعد سفرهم على رحلات بين يومي 10 و13  أغسطس ولكن حتى هذا الحل لم يناسب جميع المسافرين الذين افترشوا أرض المطار 

ردود الأفعال 

وبسبب استمرار الوضع على ما هو عليه دون حل احتل المسافرون قاعات المطار دون أي سبيل وابدى المسافرون على وسائل التواصل الاجتماعي غضبهم من العطل الذي أثر على ما يقرب من 20 ألف مسافر بخلاف عدد من الرحلات التي تغير مسارها لمطارات أخرى ورحلات من مختلف أنحاء العالم لم يسمح لها بالإقلاع للندن بسبب هذا العطل “التقني” مجهول السبب الذي يأتي في ذروة الموسم السياحي وتفاوتت تغريدات البريطانيين بين مسافرين عالقين بالمطارات يناشدون السلطات بمدهم بحلول بديلة أو تفسيرات واضحة كما عبر عدد كبير عن احباطهم  نتيجة عدم قدرتهم على فهم ما يحدث من حولهم وغياب المبررات لمدة طويلة من الوقت

ليست المرة الأولى 

تعتبر هذه هي ثالث أكبر مشكلة تقنية تصيب الشركة البريطانية خلال سنتين حيث عانت سابقاً من مشكلات مشابه أثرت على ألاف المسافرين  ، ففي 26 سبتمبر و 25 أكتوبر 2018 اخترقت قاعدة البيانات الخاصة بالخطوط الجوية البريطانية مما أدى لتسريب معلومات ألاف المسافرين وبسبب ذلك غرم مكتب مفوض المعلومات البريطاني الشركة بغرامة قياسية  قدرها 183 مليون 

ففي 26 سبتمبر و 25 أكتوبر  2018اخترقت قاعدة البيانات الخاصة بالخطوط الجوية البريطانية مما أدى لتسريب معلومات ألاف المسافرين وبسبب ذلك غرم مكتب مفوض المعلومات البريطاني الشركة بغرامة قياسية  قدرها 183 مليون 

وفي 18 يوليو 2018 أطرت الشركة لإلغاء عشرات  الرحلات من وإلى مطار هيثرو بسبب مشاكل تقنية كذلك وفي 2  أغسطس 2017 نفس العطل ، أدى إلى تعطل ألاف الركاب وازدحام شديد بمطار هيثرو

وفي 27مايو 2017 تعطلت رحلات 75 ألف راكب من مطاري هيثرو و جاتويك الأكبر ببريطانيا بسبب عطل في أنظمة الكومبيوتر وتكبدت الشركة حينها تعويضات بقيمة 192 مليون دولار وخسائر بقيمة ربع مليار دولار 

وبسبب التأخر في رصد سبب المشكلة والتأخر في ايجاد حل مع حالة الفوضى  التي رافقت الواقعة وغياب مبرر واضح لها اثرت الحادثة الفضول عن سببها الحقيقي 

ومع استمرار المشكلة حتى بعد اعلان الشركة حلها للمشكلات التقنية التي واجهت أنظمتها تستمر التكهنات حول السبب الحقيقي لهذه المشكلة التي أضرت ب20 ألف مسافر وأدت بخسائر مادية تقدر ب20 مليون أسترليني كتعويضات للمسافرين فقط حتى الأن دون النظر للعقوبات المتوقعة على الشركة

عطل تقني مريب ومجهول السبب 

تستمر الشركة بعدم ابداء سبب واضح للمشكلة التي واجهتها بخلاف السبب المعلن ولكن لهذا السبب يوجد مبررين فقط اما أن أنظمة الشركة قد أصيبت بعطل نتيجة لكثرة عدد المستخدمين أو خطأ بشري ما   أو أن هجوما سيبرانيا قد حدث وأصاب هذه الأنظمة بشلل في مثل هذا التوقيت الحساس في منتصف الموسم السياحي 

ولا يخفى على  أحد أن مثل هذه الأساليب قد استخدمت من قبل وعلى مؤسسات حكومية بريطانية بغرض الإضرار بها أو إبتزازها رغم امتلاكها لما تسميه بأقوى أجهزة المخابرات في العالم ( أم أي 6) وكان ابرز تلك الهجمات ما يعرف بفيروس الفدية الذي أصاب عددا من المستشفيات البريطانية شهر مايو من عام 2017 مطالباً إياها بدفع فدية أو مسح الملفات الصحية للمرضى مما أوقف خدمة الطوارئ الطبية حينها ، كما تعرضت شركة الخطوط الجوية البريطانية نفسها لعملية قرصنة  في أكتوبر من العام الماضي نتج عنها تسريب بيانات 380ألف مسافر وقد أقرت الهيئة البريطانية للمعلومات التابعة لمجلس العموم غرامة قياسية قدرها 183 مليون 

أسترليني على الشركة للسبب السابق ذكره 

ويعلم الجميع أن طهران ومنذ أن احتجزت بريطانيا ناقلة نفط تابعة لها بالمياه الإقليمية لجبل طارق كانت في اتجاهها لسوريا وهي تتربص للندن وقد احتجزت ناقلة النفط البريطانية “ستينا امبرو ” قرب مضيق هرمز وبرغم ذلك استمر النظام الإيراني على لسان زعيمه بتهديد بريطانيا والولايات المتحدة مع استمرار التصعيد يوم بعد يوم واعلان الولايات المتحدة تشكيلها قوة لحماية الملاحة البحرية بالخليج العربي وانضمام بريطانيا فوراً للقوة كما أعلنت بريطانيا يوم 29 يوليو الماضي أي منذ 10 أيام عن وصول المدمرة ” أتش أم أٍس دانكن” لحماية سفنها مما أسمته “بالقرصنة الإيرانية” بمياه الخليج العربي  مما أستفز الجانب الإيراني

 وأثبتت طهران  مسبقاً أن لديها القدرة على شن ضربات سيبرانية والتعامل الهجمات السيبرانية عليها حيث صدت إيران وفق وكالة “رويترز” هجوما سيبرانيا أمريكيا استهدف منظومتها لإطلاق الصواريخ وهو الهجوم الذي صدر بالأمر المباشر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كرد فعل على أستهداف إيران لناقلات نفط بالخليج العربي كما ووفقاً لصحيفة “ذا صن ” البريطانية فإن الهجوم السيبراني الذي استهدف عددا من المصالح الحكومية البريطانية يوم 23 ديسمبر 2018 كان يقف خلفه مجموعة من القارصنة الإلكترونيين التابعين للحرس الثوري الإيراني 

لا يمكن الجزم بمن المتسبب بهذا الخلل الذي شل المطارات البريطانية ولكن زادت أحتمالات أن يكون الأمر مدبراً بعد أن تواترت الأنباء عن اختراق حساب وزير الدولة للشؤون البرلمانية مارك سبنسر  على منصة تويتر ليل الخميس الذي أعلن عن ذلك بعد أن نشر مخترقو حسابه تغريدة تحمل كلمات غير مفهومة مصحوبة بصورة قطة .

أما فرضية أن يكون العطل تقني بالفعل قد تكون صحيحة ولكن إن صحت الفرضية لماذا تأخر الكشف عنها وإيجاد حلول لها من الدولة الرائدة في مجال التكنولوجيا وأمن المعلومات فحتى اللحظة لم يذكر الموقع الألكتروني لشركة الخطوط الجوية البريطانية  ما هو السبب وراء العطل التقني الذي استمرة لمدة يومين إلى أن أستطاعت السلطات معرفة سببه وثلاث أيام حتى تمكنت من حل المشكلة برغم أستمرار أثار هذا الخلل حتى اليوم .

يذكر أن النظام المستخدم لتسجيل المسافرين  بالمطارات البريطانية هو نظام فلاي ((fly الذي تقوم شركة ((Amadeus altea العالمية بتشغيله وتعتمد على هذا النظام 125 شركة طيران حول العالم لكن العطل لم يصيب غير الشركة البريطانية .

أضرار جسيمة 

وفقاً للقانون الأوروبي فيتحتم على الخطوط الجوية البريطانية تعويض كل المسافرين من ألغيت  رحلاتهم وقد ذكرت الشركة أنها ستعوض المسافرين على الرحلات الطويلة بمبلغ 553 جنيها إسترلينيا و ب 230 استرلينيا للرحلات القصيرة وقد توقع خبراء في قانون الطيران المدني أن تتراوح قيمة التعويضات فقط للمسافرين من 16 إلى 20 مليون جنيه استرليني بخلاف العقوبة المتوقعة على الشركة من السلطات البريطانية وكذلك انخفاض أسهم الشركة في بورصة لندن بسبب الواقعة كما الضرر الذي مس سمعتها مع تكرار مثل هذه الحوادث لعدة مرات ففي هذا العام فقط سجلت الشركة سبع أعطال فنية أدت لإيقاف العمل جزئياً ولساعات فقط على عكس واقعة الثلاثاء التي أستمرت لعدة أيام وأثرت بشكل كبير على موسم العطلات الصيفية للبريطانيين

تطورات متوقعة وقلق من المستقبل 

المشاكل التقنية لست وحدها ما يضر بشركة الطيران البريطانية فمن المعروف أن أتحاد الطيارين البريطانيين ((BALPA قد أعلن عن نيته بعمل أضراب عام من يوم 22اغسطس إلى 23 أغسطس ومرة أخرى من يوم2   سبتمبر حتى 4 سبتمبر إذا لم تحدث استجابة لمطلبهم الأساسي وهو تعديل العقود بينهم وبين الشركة مما قد يعرضها لخسائر بقيمة 50 مليون أسترليني يومياً في شكل تعويضات للمسافرين وعقوبات مرة أخرى وفي أقل من شهر

مع تفاقم كل هذه المشكلات وتكرارها وبقاء 83 يوماً حتى الموعد المحدد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كيف ستجابه بريطانيا العظمى مثل هذه المشكلات ، حيث ومع خروجها من منظومة الاتحاد الأوروبي لن تستطيع لندن الاعتماد على طيارين أوروبيين مستقبلاً ضمن فريق طياريها أو الاعتماد على الطيران الأوروبي كبديل حال حدوث أي خلل مشابه بالمستقبل كما ستكون العقوبات المالية على الشركة أكبر حال تعطل طائرات أوروبية فإذ ربما على لندن مراجعة نظمها الإلكترونية والتأكد من سلامتها الذي لا تستطيع ضمانه حتى الأن لكي لا تتكرر مثل هذه الحوادث التي من الممكن أن تؤدي لنتائج كارثية مع تكرارها بسبب الثغرات الأمنية التي تتاح مع وجود مثل هذه المشكلات.

كاتب

محمد هيكل

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى