آسيا

الاستراتيجية الصينية في التعامل مع مساعي واشنطن لتقويض بكين

انتهى أول اجتماع يجمع قادة الدبلوماسية في الولايات المتحدة والصين بعد تولي إدارة الرئيس جو بايدن زمام الأمور في البيت الأبيض يوم 19 مارس بعد يومين من المحادثات التي وصفها الجانبان بأنها “صعبة” ولكنها “صريحة وبناءة”. 

اللحظات الافتتاحية أمام الكاميرات للاجتماع الذي حضره وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن والصيني وانغ يي كشفت حجم الخلاف الصيني الأمريكي، فوفقًا لوكالة الأنباء الفرنسية فإن بلينكن اتهم بكين  باتّباع سلوك يُعرّض الاستقرار العالمي للخطر، فيما وصف مدير مكتب لجنة الشؤون الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني يانغ جي تشي أسلوب الولايات المتحدة أنه “متعجرف”. 

هذه المحادثات كشفت حجم الخلافات بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم، وأشارت إلى نوايا إدارة بايدن في طريقة إدارة الخلاف الأمريكي الصيني؛ فعلى عكس المتوقع جاءت إدارة بايدن الديمقراطية أكثر شراسة في التعامل مع الصين منذ اللحظة الأولى بفتح ملفات حقوق الإنسان وقضايا تتعلق بالداخل الصيني مثل شينجيانغ وهونغ كونغ إضافة إلى ملف تايوان العالق بين البلدين منذ تطبيع العلاقات بينهما عام 1979.

تحركات إدارة بايدن تجاه شرق آسيا

ربما ظهرت سياسات الرئيس الأمريكي جو بايدن التي تركز على الصين -أكبر تحديات الولايات المتحدة- مع تعيين بعض مسؤولي إدارة أوباما من المتخصصين في شؤون آسيا.

يأتي على رأسهم كورت كامبل Kurt Campbell منسق شؤون آسيا والمحيط الهادئ في مجلس الأمن القومي الأمريكي الحالي وصاحب استراتيجية “محور آسيا” في إدارة أوباما التي شغل فيها منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون شرق آسيا، وهي الاستراتيجية القائمة على تعزيز التحالفات التقليدية إضافة إلى التقارب مع الهند وإندونيسيا في مواجهة الصين. 

قبل إعلان اسمه كمرشح لمنصبه الحالي بيوم واحد نشرت فورين أفيرز مقالًا له حول كيفية استعادة الولايات المتحدة للتوازن في شرق آسيا تحدث فيها عن إعادة تنشيط التحالفات من أجل استعادة التوازن الإقليمي أمام الصين منتقدًا الضغوط التي مارسها ترامب على الحلفاء التقليدين “اليابان وكوريا الجنوبية” من أجل زيادة مساهمتهم في تكاليف وجود القوات الأمريكية على أراضيهما. 

إضافة إلى ذلك العمل على بناء تحالفات تركز على مجالات مختلفة مثل تحالف D10 المقترح من المملكة المتحدة ليضم الدول الثماني الصناعية والهند وكوريا الجنوبية وأستراليا للتركيز على مجال التكنولوجيا، والرباعي الأمني “كواد” الذي يضم “اليابان والهند وأستراليا والولايات المتحدة”، وتحالف آخر مماثل لما يقرب من 20 دولة انتقدت الأوضاع في شينجيانغ وهونغ كونغ.

هذا ما يفسر لنا لماذا كانت الزيارة الخارجية الأولى لوزيري خارجية ودفاع الولايات المتحدة –أنتوني بلينكن ولويد أوستن– إلى اليابان وكوريا الجنوبية؛ إذ وقّع في الثانية اتفاقًا جديدًا لتقاسم تكاليف الدفاع لإرسال رسالة تطمين للحلفاء التقليديين مفادها التزام الولايات المتحدة عسكريًا في هذه المنطقة. 

وفي توقيت متزامن عبرت سفينة حربية أمريكية مضيق تايوان في مارس 2021 بعد حديث عن تخوف من حدوث غزو صيني للجزيرة التي تراها بكين متمردة وآوت القوميين المنهزمين في الحرب الأهلية عام 1949. 

بالتوازي كان الرئيس الأمريكي جو بايدن يعقد اجتماعًا هو الأول له مع قادة الدول الأخرى المشاركة في الرباعي الأمني المعروف باسم QUAD لاتخاذ خطوة دبلوماسية تتعلق باللقاحات المضادة لفيروس كورونا حيث اتفقت الدول الأربع على مبادرة مشتركة لانتاج مليار جرعة منها في الهند بحلول 2022 بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.

هذه المبادرة وهذا الاجتماع لم يذكر الصين صراحة لكن دبلوماسية اللقاحات التي بدأتها بكين بدأت تؤتي ثمارها ومن تأثير الصين دوليًا؛ إذ أعلنت وزارة الخارجية الصينية توفير اللقاحات “مجانًا” لـ69 دولة، وهو ما يمكن أن يكون مجالًا جديدًا للتنافس تسعى إليه واشنطن خاصة مع اعتماد منظمة الصحة العالمية مؤخرًا للقاح شركة جونسون آند جونسون الأمريكية والذي يعتمد على جرعة واحدة وستنتجه شركة “بيولوجيكل-اي” الهندية.

ومع ختام مباحثات آلاسكا كان وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في الهند التي تتخوف من الصين نتيجة الخلافات الحدودية بينهما في منطقة لاداخ إضافة إلى التنافس ما بينهما للتقارب مع سريلانكا الجار القريب لنيودلهي.

هذه الزيارة لها أهمية كبرى على جانب آخر يتمثل في رغبة الهند في تعزيز قدراتها العسكرية وسط التوترات الحدودية مع التنين الصيني، وأن الضغط العسكري الأمريكي في مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي يشتت قدرات الجيش الصيني في مواجهة الهند بريًا على الحدود وفقًا لـ Sreeram Chaulia الأستاذ بكلية جيندال للشؤون الدولية في الهند.

يضاف إلى ذلك العقوبات الأوروبية التي أقرت في 22 مارس ضد 4 مسؤولين صينيين ومؤسسة تابعة للدولة في رد فعل على الأحداث التي تشهدها شينجيانغ والاتهامات الموجهة لبكين بانتهاك حقوق أقلية الأويغور، وهي أول عقوبات تفرض من قبل الاتحاد على شخصيات منذ حادث تيان آن مين عام 1989،إضافة إلى عقوبات أمريكية مماثلة بموجب قانون ماجينتسكي، وهو ما ردت عليه الصين بإعلان عقوبات تحظر دخول 10 شخصيات نصفهم من أعضاء البرلمان الأوروبي و4 كيانات. 

ردود الفعل الصينية المحتملة

بحسب معهد بروكنجز يرى الخبراء والمسؤولين في الصين أن تراجع دور الولايات المتحدة في النظام الدولي وما يقابله من صعود للصين يدفع واشنطن لاتخاذ خطوات لتقويض بكين، ويظهر ذلك جليًا في تصريح وزير الخارجية الصيني وانغ يي مطلع العام الجاري بالقول إن الصعوبات التي تواجه العلاقات بين البلدين هي المفاهيم الخاطئة الخطيرة لدى الساسة الأمريكيين حول الصين.

وبالتالي فإنه رغم الاختلاف بين إدارتي ترامب وبايدن في التعامل مع الملفات الخارجية إلا أن الساسة في بكين يرون أنها لن تختلف بشكل كبير في التعامل مع الصين حتى وإن بدت الإدارة الديمقراطية أكثر التزامًا واحترافية. وعلى هذا الأساس أعادت الصين تقييم استراتيجيتها منذ فترة طويلة على أساس علاقات غير مستقرة مع الولايات المتحدة ما دفعها لاتخاذ سياسة تعزز استراتيجية “التداول المزدوج” والتي تحدث عنها الرئيس الصيني شي جين بينغ بالقول “فقط من خلال الاعتماد على الذات وتطوير السوق المحلية وتسهيل التداول الداخلي، يمكننا تحقيق نمو وتطور مفعم بالحيوية، بغض النظر عن العداء في العالم الخارجي”.

وأمام هذه التحركات التي تقودها الولايات المتحدة تتخذ الصين إجراءين أساسيين ينبعان بشكل رئيس من استراتيجيتها متوسطة المدى والتي تعتمد بشكل أساسي على التقارب مع الجيران وتعميق العلاقات مع روسيا وتقليل التوترات –قدر الإمكان- مع الولايات المتحدة. 

الأول: التقارب مع موسكو، وهو ما يدلل عليه بزيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى الصين الذي انتقد بشكل مشترك مع نظيره الصيني وانغ يي العقوبات الأوروبية ضدهما نتيجة سجلات البلدين في مجال حقوق الإنسان من جهة النظر الأوروبية.

إضافة إلى ذلك الرسائل المتبادلة بين زعيمي الصين وكوريا الشمالية على لسان مسؤول في الحزب الشيوعي الصيني وسفير كوريا الشمالية الجديد لدى الصين والتي تحدث فيها شي جين بينغ عن “الاستعداد للعمل مع الرفاق في كوريا الديمقراطية للحفاظ على العلاقات بين الصين وكوريا الديمقراطية وتوطيدها وتطويرها” بحسب وكالة أنباء شينخوا

الثاني: اتخاذ مبدأ المعاملة بالمثل نهجًا مع الغرب بدليل ما تم ذكره سابقًا من فرض عقوبات مضادة على شخصيات أوروبية تنتقد أوضاع حقوق الإنسان في الصين، إضافة إلى ذلك ما تحدث به مدير مكتب لجنة الشؤون الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني يانغ جي تشي في رده على انتقادات الولايات المتحدة لمسألة حقوق الإنسان خلال اجتماع آلاسكا بالقول إن لدى الولايات المتحدة أيضًا مسكلات فيما يتعلق بحقوق الإنسان.

أما فيما يتعلق بالتقارب مع الجيران في المنطقة فقد نجحت بكين في قيادة اتفاق الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة RCEP  والتي ضمت دول الآسيان العشرة واليابان وأستراليا حليفتي الولايات المتحدة وأعضاء الرباعي الأمني “QUAD” وكوريا الجنوبية حليفة واشنطن أيضًا لتصبح بكين في قلب أكبر تجمع تجاري في المنطقة الأكثر حيوية في الوقت الحالي.

في الوقت نفسه فإن مسألة التعاون المربح للطرفين تبقى المسألة التي دائمًا ما تسعى الصين لتعزيزها في التعامل مع الولايات المتحدة ويشير إليها دائما وزير الخارجية الصيني وانغ يي. 

يدلل على ذلك بمقال Liao Zhengrong مدير معهد التنمية السلمية بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية في صحيفة تشاينا ديلي لسان حال السلطات الصينية حول هذا الأمر ويختتم فيه بالقول إن كلا من بكين وواشنطن تحتاجان إلى علاج مشكلات الحوكمة في الداخل، وأنه من المنطقي تبني سياسات تعاونية بدلا من المواجهة الثنائية.

الخلاصة

ترى الصين أن الولايات المتحدة تسعى إلى تقويض صعود بكين في المشهد الدولي في الوقت الذي تتحدث فيه بكين “رسميا” أن سياستها تجاه واشنطن ثابتة ومستقرة، وبالتالي فهي ترى أن خطأ التعامل قادم من أمريكا التي يتراجع دورها دوليًا.

أعدت الصين نفسها منذ فترة طويلة للتعامل في ظل علاقة غير مستقرة مع الولايات المتحدة ما يشير إلى استمرار بكين في الاستمرار باستراتيجية تعتمد على التقارب مع روسيا والجوار خاصة فيما يتعلق بمجالات الاقتصاد والتجارة ومكافحة فيروس كورونا، وكسب مزيد من الأوراق التفاوضية أمام الولايات المتحدة مثل كوريا الشمالية التي تقاربت معها بشكل كبير الفترة الماضية. 

في الوقت نفسه فإن الصين لن تقبل بأي شكل التفاوض فيما تراه قضاياها الداخلية وتعدها مسائل تخص سيادتها “شينجيانغ، تايوان، التبت، هونغ كونغ” متخذة سياسة التعامل بالمثل مع الغرب فيما يخص هذا الأمر.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى