الاقتصاد الدولي

عواقب وخيمة: عقوبات متبادلة بين الصين والغرب بسبب حقوق الإنسان

فرض الاتحاد الأوروبي يوم الإثنين الموافق الثاني والعشرين من مارس عقوبات على أربعة مسؤولين صينيين بسبب انتهاك بكين لحقوق الإنسان في إقليم شينجيانج في أقصى شمال غربي البلاد ضد مسلمي الإيغور  كما اتهم التكتل الأوروبي السلطات الصينية بارتكاب جرائم إبادة جماعية واتباع أساليب التعذيب الممنهج ضد الأقلية المسلمة. وتتضمن العقوبات منع المسؤولين الصينيين من السفر لدول الاتحاد  فضلًا عن تجميد أصولهم.

ردة فعل صينية سريعة

استهدف الاتحاد الأوروبي أربعة مسؤولون سابقون أو حاليون في منطقة شينجيانغ إضافة إلى مجموعة شينجيانغ للإنتاج والبناء التي تديرها الدولة، وهم:

  •  مدير مكتب الأمن العام في شينجيانغ “تشين مينغو”.
  • عضو اللجنة الدائمة للحزب الشيوعي في شينجيانغ “وانغ مينغشان”.
  •  سكرتير الحزب في فيلق شينجيانغ للإنتاج والبناء “وانغ جون تشنغ”.
  • النائب السابق لرئيس الحزب الشيوعي في شينجيانغ “تشو هايلون”، المتهم بشغل منصب سياسي رئيسي في الإشراف على إدارة المعسكرات.

وفور الإعلان عن العقوبات الأوروبية، أكدت الصين أن الخطوة الأوروبية تستند على المعلومات المضللة التي تنشرها الدول حول معاملة بكين لمسلمي الإيغور، كما استدعت الخارجية الصينية سفير الاتحاد الأوروبي لتقديم “احتجاج قوي” على العقوبات الاوروبية.

وذكرت وزارة الخارجية الصينية في بيان رسمي “نعتبر فرض الاتحاد الأوروبى عقوبات أحادية الجانب على أفراد وكيانات صينية، بذريعة بما يسمى قضايا حقوق الإنسان فى شينجيانغ، تدخلًا صارخًا فى الشؤون الداخلية للصين، وانتهاكًا واضحًا للقانون الدولى والأعراف الأساسية التى تحكم العلاقات الدولية”.

وبناء عليه، قررت السلطات الصينية فرض عقوبات على عشرة أشخاص وأربعة كيانات أوروبية من خلال حظرهم من دخول الصين وهونج كونج وماكاو، مع منع الشركات والمؤسسات المرتبطة بها من التعامل مع الصين بحجة المساهمة في إلحاق الضرر بسيادة الصين ومصالحها من خلال نشر الأكاذيب عن معاملتها للمسلمين الإيغور، وفيما يلي قائمة بالأشخاص والكيانات المتأثرة بالعقوبات:

  • أعضاء البرلمان الأوروبي: “راينهارد بتيكوفر”، و”مايكل جاهلر”، و”رافاييل جلوكسمان”، و”إيلهان كيوتشوك”، و”ميريام ليكسمان”.
  • أعضاء البرلمان الهولندي والبلجيكي والليتواني: “سيوورد فيمر سيوردسما”، و”صامويل كوجولاتى”, و”دوفيلى ساكاليين”.
  • الباحث الألمانى “أدريان زينز”، والباحث السويدى “بيورن جيردن”.
  • الكيانات المشمولة بالعقوبات: اللجنة السياسية والأمنية التابعة لمجلس الاتحاد الأوروبي، واللجنة الفرعية لحقوق الإنسان التابعة للبرلمان الأوروبي، ومعهد مركاتور للدراسات الصينية في ألمانيا، ومؤسسة تحالف الديمقراطيات في الدنمارك.

خطوة غير متوقعة

تعتبر الخطوة الأوروبية ضد الصين هي الأولى من نوعها منذ أكثر من ثلاثين عامًا حينما فرض الاتحاد حزمة من العقوبات ضد ثاني أكبر اقتصاد في العالم عام 1989 عقب قمع المظاهرات الطلابية المطالبة بالديمقراطية في ميدان “تيان آن مين” في بكين.

يُنظر لهذا القرار من الأوساط الاقتصادية على إنه تصعيدًا مفاجئًا لاسيما في ظل التقارب الصيني الأوروبي الملحوظ خلال العام الماضي نظرًا لعدة عوامل تتمثل فيما يلي:

  • إبرام اتفاق استثماري مبدئى بين بكين وبروكسل عقب 7 سنوات من المفاوضات والذي يتضمن تقديم ضمانات تسهل الإجراءات الإدارية الكاملة أمام الشركات الأوروبية، ومن أهمها الحصول على التراخيص اللازمة للاستثمار في الصين. 
  • التزام الصين بتوفير مستوى غير مسبوق من الوصول إلى الأسواق المحلية لمستثمري الاتحاد، مع ضمان توفير معاملة عادلة للشركات الأوروبية حتى تتمكّن من المنافسة.
  • احتلال الصين المركز الأول كأكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي خلال عام 2020، في ضوء زيادة صادرات الأوروبية للصين بنحو 2.2% ومع ارتفاع الواردات منها بحوالي 5.6%.
  • تراجع مستوى العلاقات الثنائية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والذي انعكس في انخفاض حجم تجارة الاتحاد مع الولايات المتحدة بضغطٍ من انخفاض كلٍ من الصادرات بحوالي 8.2% والواردات بحوالي 13.2%.
  • تراجع الصادرات الصينية للولايات المتحدة بسبب المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري مما ساهم في توجيه جزء من هذه الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي.

وقد ساهمت العوامل سابقة الذكر في تعزيز العلاقات الثنائية بين الاتحاد الأوروبي والصين مع ظهور العديد من التوقعات التي أفادت بزيادة احتمالية تنويع مجالات التعاون الاقتصادي بين  الجانبين، ولهذا كانت الخطوة الأوروبية غير متوقعة.

تحرك دولي لدعم حقوق الإنسان في الصين

لم يكن الاتحاد الأوروبي الكيان الوحيد الذي قرر فرض عقوبات على الصين بسبب انتهاك حقوق مسلمي الإيغور، بل سارت الولايات المتحدة على خطاه؛ إذ قررت يوم أمس الثلاثاء فرض عقوبات على اثنين من كبار المسؤولين الصينيين لدورهما في الانتهاكات المرتبكة ضد حقوق الإنسان في منطقة شينجيانج. وأوضحت وزارة الخزانة الأمريكية، أن تلك العقوبات تستكمل سلسلة عقوبات الاتحاد الأوروبي، مشددة على أن الولايات المتحدة ستستمر بقيادة الجهود الدولية لمكافحة الانتهاكات الخطرة لحقوق الإنسان في الصين.

وبالتنسيق مع الدول الأخرى، أعلنت كندا أيضًا عن فرض عقوبات جديدة على أربعة مسؤولين وكيان صيني لنفس السبب. وصرح وزير الخارجية الكندي “مارك غارنو” بأن بلاده تطالب الحكومة الصينية بإنهاء حملة القمع المنهجية ضد الأويجور والأقليات المسلمة الأخرى، لأن هناك أدلة متزايدة أشارت إلى انتهاكات منهجية لحقوق الإنسان من جانب السلطات.

وانضمت المملكة المتحدة إلى الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي؛ إذ فرضت لندن عقوبات على أربعة مسؤولين صينيين وجهاز أمن تابع للدولة مؤكدة أن التنسيق الدولي للضغط على بكين سيرسل إشارة واضحة بأن المجتمع الدولي متحد في إدانته لانتهاكاتها لحقوق الإنسان مع ضرورة إنهاء السلطات الصينية لممارساتها التمييزية والقمعية في المنطقة.

تداعيات محتملة

من الممكن أن تؤثر العقوبات المتبادلة بين الصين والاتحاد الأوروبي على العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، وقد يؤدي تفاقم التوترات بينهما إلى تعرض الاتفاق الاستثماري –الذي تم إبرامه مؤخرًا- إلى الخطر، حيث هدد بعض المسؤولين الأوروبين بعدم التصديق على الاتفاقية إلا في حالة تراجع بكين عن العقوبات المفروضة ضد الكيانات الأوروبية.

وقد حذرت الصين من احتمالية إضرار القرار الأوروبي بالعلاقات التجارية الثنائية بينهما، مما يذكرنا بالنموذج الأسترالي حيث قررت الصين فرض حظر على واردات من أستراليا تشمل النبيذ وسرطان البحر والسكر والفحم والنحاس والشعير والأخشاب، وذلك بسبب تصريحات رئيس الوزراء الأسترالي “سكوت موريسون” أبريل 2020 عن نية بلاده في فتح تحقيق حول أصول فيروس كورونا الذي ظهر لأول مرة في الصين مما أثار حفيظة السلطات الصينية وأشعل الخلاف فيما بينهما.

ولذا تتزايد احتمالية تدهور العلاقات الاقتصادية بين الكتلة الأوروبية والصين بعد أن شهد التبادل التجاري الثنائي بينهما تحسناً ملحوظاً كما يتضح من الشكل التالي:

الشكل (1): التبادل التجاري الأوروبي – الصيني (مليار يورو)

Source: Eurostat, China-EU – international trade statistics.

يتبين من الرسم السابق ارتفاع حجم التجارة الصينية- الأوروبية بنحو 26.4 مليار يورو من 559.6 مليار يورو خلال عام 2019 وصولًا إلى 586 مليار يورو بنهاية العام الماضي، مع ارتفاع كلٍ من الصادرات والواردات المتبادلة بينهما خلال 2020. وارتفعت صادرات الاتحاد الأوروبي للصين بنحو 2.1% في حين صعدت قيمة الواردات بحوالي 6.14%، ولذلك ارتفعت قيمة العجز التجاري إلى 181 مليار يورو.

ختامًا، ينبغي الإشارة إلى إمكانية تقويض العلاقات الاقتصادية بين الصين والاتحاد الأوروبي بسبب ملف حقوق الإنسان مع احتمالية اتجاه التكتل الأوروبي للاقتراب مرة أخرى من واشنطن.

+ posts

باحثة ببرنامج السياسات العامة

بسنت جمال

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى