
رئيس الوزراء المصري في عمان … التعاون المشترك يتصاعد
زيارة لافتة في توقيتها، وشاملة في مضمونها، قام بها اليوم الثلاثاء إلى العاصمة الأردنية عمان، وفد وزاري مصري كبير، يضم ١١ وزيراً، برئاسة رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي. العنوان المعلن للزيارة كان المشاركة في أعمال الدورة التاسعة والعشرين للجنة الوزارية العليا المصرية – الأردنية المشتركة، لكن بدا من حفاوة الاستقبال الأردني، والتصريحات التي أدلى بها كل من رئيسي وزراء البلدين، أن هذه الزيارة تمثل تأكيداً جديداً على توجهات القاهرة وعمان نحو أقصى تفعيل للتعاون بينهما في كافة المجالات، من نافذة اهتمام كليهما بدفع العمل العربي المشترك إلى الأمام، بشكل يعيد للعلاقات العربية – العربية زخمها السابق، ويعطي نتائج ملموسة تستفيد كافة الدول العربية منها على الصعيد السياسي والاقتصادي.
كان في استقبال رئيس الوزراء المصري والوفد المرافق له، عقب وصوله إلى الأردن، وزيرة الصناعة والتجارة والتموين الأردنية المهندسة مها على، بجانب كل من سفير مصر في الأردن، والسفير الأردني لدى القاهرة. عقب ذلك توجه الوفد المصري إلى مقر مجلس الوزراء الأردني، حيث أستقبل الوفد الدكتور بشر الخصاونة، رئيس مجلس الوزراء الأردني، ومن ثم بدأت اجتماع اللجنة الوزارية العليا المشتركة بين الجانبين. سبق هذا الاجتماع سلسلة اجتماعات فرعية تمت على مدار يومين، للجان الفنية المشتركة بين الجانبين، تم فيها بحث سبل تسهيل حركة التبادل التجاري، وزيادة حجم التجارة، وتسريع إجراءات تسجيل الشركات الأردنية التي تصدر الدواء إلى مصر، وعقد معارض للمنتجات المصرية في الأردن والعكس، وتبادل الخبرات، وتعزيز التعاون في مجال النقل البري والبحري والجوي.
خلال اجتماع اللجنة، تم التوقيع على سبع مذكرات رئيسية للتعاون الاقتصادي، منها مذكرة إطارية لتعزيز قدرات الربط الكهربائي، تم توقيعها بين وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة المصرية، ووزارة الطاقة والثروة المعدنية الأردنية، ومذكرتي تفاهم تتعلقان بتأسيس برنامج تنفيذي للتعاون في مجال تنمية الموارد المائية، وكذا تبادل الخبرات بين وزارة التعاون الدولي المصرية، ووزارة التخطيط والتعاون الدولي الأردنية. يضاف إلى ذلك مذكرات تتعلق بمجال ترميم الآثار، والتعاون في مجال مراقبة الشركات.بجانب مذكرة احتوت على بنود البرنامج التنفيذي الثنائي، للتعاون بين البلدين في مجال الإسكان والتنمية الحضرية.
يضاف إلى ما سبق مذكرة هامة تتعلق بالتعاون في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وقعها من الجانب المصري، الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ومن الجانب الأردني، أحمد الهناندة، وزير الاقتصاد الرقمي والريادة، وتدور هذه المذكرة في إطار ثلاثة محاور، الأول يرتبط بالاستفادة من شبكة الكابلات الدولية المصرية وربطها بالأردن، والمحور الثاني هو التنمية البشرية والتدريب من خلال استضافة كوادر أردنية في معاهد تدريب وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصرية، وأيضا فتح المنصات التعليمية والتدريبية بين البلدين، أما المحور الثالث فيتعلق بريادة الأعمال، وتيسير التعاون بين الشركات المصرية والأردنية، من خلال إيجاد محافل تعاون مشتركة، ومسابقات في مجال تكنولوجيا المعلومات بين البلدين، جنباً الى جنب مع المشروعات المشتركة.
عقب انتهاء اجتماعات اللجنة المشتركة، والتي سبقتها اجتماعات تمت على مدار يومين للجان الفنية المشتركة بين الجانبين، عقد كل من رئيس الوزراء الأردني والمصري مؤتمراً صحفياً، بدا من مضمونه حجم العلاقات الوثيقة والتقارب الواضح في وجهات النظر بين الجانبين. من جانبه، تقدم رئيس الوزراء الأردني الدكتور بشر الخصاونة بالشكر والتقدير للدكتور مصطفى مدبولي والوفد المرافق له، وأشار إلى أن تلك الدورة من اجتماعات اللجنة المشتركة بين الجانبين، تعد ترجمة للعلاقات الاستراتيجية التي تربط البلدين، بداية بالعلاقات التي تربط القيادة السياسية العليا في كلا البلدين، مروراً بالوزراء والمسئولين التنفيذيين، وصولاً للعلاقات المتميزة بين المواطنين المصريين والأردنيين. في ما يتعلق بالمواقف المشتركة من القضايا السياسية والإقليمية، اكد الدكتور الخصاونة، أن رؤى البلدين توافقت وتطابقت حول أهمية استمرار العمل على حل القضية الفلسطينية التي تشغل البلدين، وذلك على أساس حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية لها سيادة كاملة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وأكد على وقوف الأردن خلف مصر في مساعيها لإيجاد تسوية لأزمة سد النهضة الإثيوبي، وفي هذه النقطة أشار إلى عدالة الطرح المصري في هذا الملف، وأن الحفاظ على الأمن القومي المصري هو من صميم ثوابت الأمن القومي الأردني.
كان لافتاً إشارة الدكتور الخصاونة إلى أن انتظام اجتماعات اللجنة الوزارية العليا المشتركة بين مصر والأردن يمثل نموذجاً للعمل العربي المشترك المبني على التعاون النموذجي والمثالي في كافة المجالات، وهو ما ينسحب أيضاً على توجهات كلا البلدين لتكثيف التعاون بينهما وبين العراق، ضمن آلية التعاون الثلاثي التي تم إطلاقها اوائل عام 2019، وتركز حالياً على تفعيل أكبر للتعاون المشترك في مجال الطاقة التجارة، وإطلاق عدة مشروعات مشتركة في مجال النقل والطاقة الكهربائية. في نهاية كلمته، شكر الدكتور الخصاونة مصر على تقديمها مساعدات عينية للقطاع الطبي الأردني، لمساعدته في التصدي لجائحة كورونا، وكذا تفعيلها لعدة إجراءات تستهدف تسهيل تبادل وتجارة الدواء بين كلا البلدين.
رئيس الوزراء المصري من جانبه، أشاد بالرعاية التي يحظى بها المواطنون المصريون، العاملون في الأردن، من جانب الحكومة الأردنية في ظل توجيهات العاهل الأردني بهذا الخصوص، مشيرًا إلى مساهماتهم الفعالة في مجالات العمل المختلفة في النشاط الاقتصادي والإنتاجي بالمملكة. كما أكد الدكتور مصطفى مدبولي أن لديه توجيهات مباشرة من الرئيس السيسي، بإرسال رسالة دعم كامل إلى الأشقاء في الأردن، لاسيما فيما يتعلق بجائحة كورونا، وتلبية طلبات الجانب الأردني، كما وعد باستمرار تذليل كل العقبات ذات الصلة بتسجيل شركات الدواء الأردنية المصدرة إلى مصر، وتقدم بالشكر والتقدير للأردن على تفهمها ودعمها للموقف المصري والسوداني حيال ملف سد النهضة، مؤكدًا سعي مصر إلى حل القضية بالسبل الدبلوماسية.
في ما يتعلق بالجانب الاقتصادي، أكد الدكتور مدبولي على أهمية العمل على زيادة حجم التبادل التجاري وتوسيعه ليشمل بنودا جديدة، وتشجيع الاستثمارات المُتبادلة، مشددا على ضرورة استمرار الاتصالات والتنسيق؛ لمعالجة أية صعوبات قد تواجه عملية التبادل التجاري وإزالتها، وفي هذا الصدد أكدت نيفين جامع وزيرة التجارة والصناعة المصرية، أن العلاقات التجارية بين مصر والأردن تشهد تطوراً ملموساً خلال المرحلة الحالية حيث بلغ إجمالى حجم التبادل التجاري السلعي خلال الفترة من يناير – نوفمبر 2020 نحو 565.9 مليون دولار مقارنة بنحو 532 مليون دولار خلال نفس الفترة من عام 2019 محققاً نسبة زيادة قدرها 6.3 %. وأشارت أيضاً إلى أن الصادرات السلعية المصرية حققت خلال نفس الفترة نسبة زيادة قدرها 9.9 % حيث بلغت 457.2 مليون دولار مقارنة بنحو 416 مليون دولار كما حقق الميزان التجارى بين البلدين خلال الفترة من يناير حتى نوفمبر 2020 فائضاً لصالح مصر بقيمة 348.5 مليون دولار مقارنة بنحو 299.8 مليون دولار خلال نفس الفترة من عام 2019 بنسبة زيادة بلغت 16.2 %. وتضمنت أهم بنود الصادرات المصرية للسوق الأردنية المنتجات الغذائية والفاكهة والسيراميك وحديد التسليح بينما تضمنت أهم بنود الواردات المصرية الأدوية والمخصبات الزراعية والسجاد والأسمدة.
بعد انتهاء اجتماعات اللجنة الوزارية العليا المشتركة بين الجانبين، التقى رئيس الوزراء المصري بالعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بين الحسين، واستهل الملك اللقاء بالترحيب برئيس الوزراء، معربًا عن سعادته بتواجد الوفد الوزاري المصري رفيع المستوى المشارك في اجتماعات اللجنة المشتركة، خاصة في ضوء حجم التعاون الكبير بين البلدين الشقيقين مصر والأردن. وأعرب الملك عبد الله الثاني عن اعتزازه بالعلاقات التاريخية التي تربط البلدين، ودعمه لكل مقترحات التعاون التى يتم مناقشتها، بما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين. من جانبه، نقل الدكتور مصطفى مدبولي لملك الأردن تحيات الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتطلعه للقاء الملك عبد الله الثاني قريبًا. واختتم الملك عبد الله الثاني اللقاء بطلب نقل تحياته إلى أخيه الرئيس السيسي، وتطلعه للقائه قريبًا، مجددًا تأكيده على اعتزازه الشخصي بما يربط مصر والأردن من علاقات فريدة على كافة المستويات الشعبية والحكومية.
الشام الجديد … في أذهان عمان والقاهرة وبغداد
على الرغم من الطابع الثنائي لهذه الزيارة، إلا أنه بات ينظر إلى أي زيارة من هذا النوع على أنها تأكيد إضافي على التوجهات التي باتت كل من القاهرة وبغداد وعمان تسير على أساسها منذ إطلاق آلية التعاون والشراكة بينهم، في مارس 2019، خلال لقاء القمة الذي جمع بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والعراقي برهم صالح، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في القاهرة، وهي قمة تلاها اجتماع عالي المستوى تم في أغسطس من نفس العام، جمع بين وزراء خارجية الدول الثلاث، ثم اجتماع قمة جمع بين رؤساء الدول الثلاث في نيويورك في سبتمبر من نفس العام.
من أبرز ملامح هذه التوجهات هو تفعيل التعاون الحكومي بين الدول الثلاث، وهذا بدا واضحاً منذ اكتوبر الماضي، حين زار رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي العاصمة العراقية بغداد، وعقد سلسلة من الاجتماعات الهامة على المستوى السياسي والاقتصادي، تلتها في شهر أغسطس قمة ثلاثية في العاصمة الأردنية عمان، شارك فيها الملك عبدالله الثاني، والرئيس عبدالفتاح السيسي، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، تم خلالها مناقشة سبل تعزيز التعاون الثلاثي المشترك في مختلف المجالات، بين الدول الثلاث خاصة تلك التي تتعلق بالطاقة والربط الكهربائي والبنية الأساسية والغذاء، فضلًا عن التشاور والتنسيق بشأن مستجدات الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة، وجهود مكافحة الإرهاب، وقد تم البحث بشكل مفصل خلال تلك القمة في كيفية تحويل مشروع (الشام الجديد)، إلى حقيقة واقعة مبنية بشكل أساسي على التعاون الاقتصادي.
بدء خطوات تفعيل مشروع الشام الجديد ظهر بوضوح خلال الزيارة التي قام بها في شهر ديسمبر الماضي إلى القاهرة، وفد عراقي – أردني، تصدره وزير النقل الأردني مروان خيطان، ووزير النقل العراقي ناصر حسين، وذلك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العمومية لشركة الجسر العربي للملاحة، في دورتها الـ 75، والتي ترأسها وزير النقل المصري كامل الوزير. وهي شركة تمثل جانب من جوانب التعاون العربي المشترك الناجح على المستوى الاقتصادي، وقد تطرقت اجتماعات الجمعية العمومية إلى تفعيل أكبر للشراكة بين البلدان الثلاث في هذه الشركة، عبر عدة تدابير أهمها إنشاء شركة للنقل البري تابعة لهذه الشركة، تعمل على تفعيل إحدى الآليات التي تتضمنها استراتيجية (الشام الجديد)، وهي تسهيل حركة المواطنين بين الدول الثلاث، والوصول إلى منظومة مثالية تضمن تنقلهم بشكل آمن وسلس، وبتذكرة واحدة فقط.
في فبراير الماضي، زار رئيس الوزراء الأردني القاهرة، بمصاحبة كل من وزيرة الصناعة والتجارة والتموين الأردنية مها علي، ووزيرة الطاقة والثروة المعدنية هالة زواتي، وهو زيارة تم فيها التمهيد لزيارة رئيس الوزراء المصري إلى عمان، وبدا من خلال طبيعة مناصب الوزراء الأردنيين الذين شاركوا فيها، أن الأردن يريد توسيع قاعدة التعاون مع مصر في مجالي الطاقة والتجارة، وهما جانبين أساسيين في أستراتيجية (الشام الجديد)، فعمان ترغب في الاستفادة من القدرات المتوفرة لدى مصر في مجال تصدير الكهرباء، من أجل سد العجز الذي تعاني منه في مجال الطاقة، فمصر حسب البيانات المتوفرة من وزارة الكهرباء، حققت الاكتفاء الذاتي في قطاع الكهرباء منذ عام 2015، وبلغ إنتاجها عام 2019 نحو 58 ألف ميجاوات، وهو ما يفوق استهلاكها بنحو 53%، إلى جانب احتياطي يصل إلى 25%، مما جعلها تدخل في دائرة أبرز الدول المصدرة للطاقة الكهربائية، وترتبط حاليًا بعقود للربط الكهربائي مع عدة دول عربية منها الأردن وليبيا وفلسطين.
في هذا الإطار يمكن فهم مذكرة التعاون في مجال الربط الكهربائي التي تم توقيعها خلال زيارة رئيس الوزراء المصري إلى الأردن، وهي مذكرة يتوقع أن تتبعها خطوات إضافية قد تتم خلال اجتماع الغد لمسئولي عمان والقاهرة وبغداد، ضمن آلية التعاون الثلاثي بينهم، التي يتوقع أن تشمل بصورة أكبر مجال الطاقة، فالأردن يريد أن يكون بمثابة ممر للطاقة ذهابًا وآياباً بين القاهرة وبغداد، حيث سينطلق خط مقترح لأنابيب النفط من جنوب العراق مروراً بميناء العقبة الأردني في اتجاه مصر، في حين تمر الطاقة الكهربائية المصدرة من مصر إلى العراق عبر الأراضي الأردنية. وكل ما سبق يدفع باتجاه نجاح اقتصادي وتجاري لنموذج مشرق للتعاون العربي المشترك، تختلط فيه أواصر الأخوة والعروبة، بالتكامل الاقتصادي، وتطابق الرؤى السياسية والاستراتيجية، بما يضمن تحقيق مصالح الشعوب.
باحث أول بالمرصد المصري