مكافحة الإرهاب

عكاشة: “قبائل سيناء” أدركت أن الدولة جادة في عمليات التنمية بالمنطقة ودورها شديد الأهمية لاستقرار الأوضاع الأمنية

أكد الدكتور خالد عكاشة مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أن العملية التي أسفرت عن مقتل القيادي في التنظيمات الإرهابية بشمال سيناء سليم الحمادي تعد من الضربات الأمنية المهمة باعتبار ان هذا الشخص هو أحد القيادين والأفراد الذين انتموا للتنظيمات الإرهابية منذ ما يقارب عقد من الزمن إذ لم يزيد السنوات قليلًا، ما يقارب أثنى عشر عامًا هذا الشخص منخرط في النشاط الإرهابي، وتقلد ما بين التنظيمات العديدة التي نشأت في منطقة شمال سيناء على وجه التحديد ما بعد ما سُمي الربيع العربي، وتشكلت مجموعات كثيرة من التنظيمات اتخذت أسماء عديدة كان منها: أنصار بيت المقدس، وأنصار الشريعة، واكناف بيت المقدس، والجهاد، ومجموعه التوحيد والجهاد؛ فمن أربعة إلى ستة تنظيمات كانوا موجودين في منطقه شمال سيناء.

وأكد عكاشة في حوار مع برنامج “تشات شو” على شاشة قناة “سكاي نيوز عربية” اليوم الثلاثاء، أن الحمادين باعتباره من أبناء شمال سيناء كان يتمتع بميزة نوعية في قدرته على التحرك بين المدن والقرى السيناوية بشكل سلس ومرن، وينتقل ويجند العناصر ويحاول أن يعزز قدرات هذه التنظيمات التي اتحدت جميعًا ما بعد ثورة يونيو 2013 تحت مظلة أكبر هذه التنظيمات وهي أنصار بيت المقدس.

وشدد على أن هذا العنصر القيادي تولى مسؤولية التجنيد في هذا التنظيم الكبير الذي يعد اتحاد لهذه التنظيمات، وكان مسؤول عن مجموعة من المهام الإرهابية المتطورة والمتقدمة، وكان يستطيع أن يختبئ ويستغل الطبيعة الجغرافية المعقدة لمنطقة شمال سيناء وجبل الحلال للفرار من الأجهزة الأمنية، وهو ما أخر عملية القبض عليه أو الوصول إليه من قبل الأجهزة الأمنية حتى استطاعت أن تقضي عليه مؤخرًا.

وأكد أن دور قبائل سيناء في التعاون مع القوات المسلحة شديد الأهمية، فهم أبناء هذه المنطقة وأصحاب المصلحة الأولى في استقرار الأوضاع الأمنية باعتبارهم كانوا يعانون بشكل كبير جدًا من تهديدات العناصر والتنظيمات الإرهابية، كانوا يضيقوا عليهم الحركة، وكان المشهد السيناوي استثنائي بامتياز لسنوات طويلة نظرًا لوجود هذه العناصر، لذلك كان فتح القوات المسلحة المصرية التي كانت متطلعة بتأمين هذه المنطقة للعلاقات مع قبائل وأبناء سيناء كانت نقطة شديدة الأهمية وانتجت نتائج إيجابية للغاية.

وأضاف عكاشة أن نجاح العملية سيناء 2018 التي انطلقت ما بعد حادثة مسجد الروضة التي أودت بحياة 320 شخصًا كان أمرًا حول المشهد إلى تعاون كامل ما بين أبناء القبائل وقيادتها، وحول أبناء سيناء إلى عناصر فاعلة في مكافحة الإرهاب، والجميع رفض يأوي أو يقدم أي مساعدات للتنظيمات الإرهابية بشكل كامل، وبالتالي بدأت التنظيمات لا تجد أي شكل من أشكال المساعدة أو الاحتضان، وبدأ ينشط دور القبائل في عمليات التوعية للشباب الذي كان يغرر به ويتم استقطابه لهذه التنظيمات ومن ثم الخروج من المدن والقرى والانطلاق إلى المغارات والجبال التي كانت تقبع فيها قيادات هذه التنظيمات”.

وأوضح أن هذا التعاون جاء بعد ان وجدت هذه قبائل شمال سيناء أن الدولة المصرية جادة في عمليات التنمية والتطوير في هذه المنطقة، وتقديم الخدمات التي كانت قد تأخرت لسنوات طويلة جراء النشاط الإرهابي والأوضاع الاستثنائية السائدة هناك”.

 وأكد عكاشة أن كافة القبائل متوافقة تمامًا مع الدولة المصرية والأجهزة الأمنية وتتمتع بروح وطنية عالية جدًا، لكنها كانت تعاني بعد 2011 كما كثير من بلداننا العربية من أزمة جيلية؛ فالأجيال الصغيرة كان يشوبها حالة من حالات الرفض والنزوع إلى العنف والخروج عن النص والقانون والأعراف القبلية، وكانت هذه القبائل تتعرض إلى هزة كبيرة جدًا من داخلها جراء هذه الخلافات الجيلية ما بين جيل الكبار الذين كان منهم الأجداد الذين خاضوا مع القوات المسلحة المصرية حرب أكتوبر وحروب الاستنزاف وكان لهم أدوار كبيرة ومعروفة ومعلومة بالاسم للقبائل وللشخصيات  في عودة هذه الأراضي لحضن الدولة المصرية والمساهمة في الانتصاري الكبير في حرب أكتوبر”.

لافتًا إلى ان الأجيال الصغيرة خرجت إلى صفوف هذه التنظيمات كمثل الكثير من البلدان العربية، وهو امر كان نزوعًا إلى ارتكاب العنف وحياة الإثارة وشكل من أشكال الاستقطاب الفكري، وكانوا يظنون بأنهم يسحنون صنعًا لمنطقتهم ومحافظتهم التي هي وطنهم الأول قبل أن يكونوا مصريين، كما أن قدوم عدد كبير من الجنسيات الأخرى التي كانت تأتي إلى شمال سيناء ساهمت في التأثير على هؤلاء الشباب، إذ جاءت عناصر قادمة من داعش والقاعدة وعناصر من الذين انخرطوا في التنظيمات الإرهابية من ليبيا وأفغانستان وسوريا، وهم ساهموا في التأثير، لكن هذه الصورة بدأت تتصحح الآن، وبدأ هؤلاء الشباب يدركوا أن الأمر لم يكن لا نزهة ولا لعبة، وإنما شكل من أشكال تدمير المجتمع.

وتابع أن العامين الأخيرين شهدا نقلة كبيرة جدًا إلى حد أن بعض هذه العناصر سلم نفسه طواعية إلى أجهزة الأمن والبعض خرج من صفوف التنظيمات، وهذا كان نتيجة الأدوار المهمة التي قامت بها القبائل لتصحيح الخلل الاجتماعي الذي كان قد أصاب جسد القبيلة في سنوات استثنائية لم تكن فيها سيناء بعيدة عما يجري في الإقليم برمته.

وأوضح عكاشة أن القوات التابعة للقوات المسلحة المصرية التي دخلت إلى منطقة شمال سيناء بمهام وتكليفات محددة للقضاء على الإرهاب وبسط السيطرة المصرية على هذه المنطقة بعد أن كان قد عبث بها الإرهاب بشكل كبير جدًا، وسبب هزه كبيرة، مجموعة من قوات النخب، مجموعة من القوات القادرة على إدارة الحروب غير المتماثلة حيث أنها تواجه عناصر قادمة من جبهات قتال مختلفة كداعش والقاعدة ولديها خبرة كبيرة، ولذلك بدأت القوات المصرية تستخدم تكتيكات حديثة ومرنة وتعتمد على جمع المعلومات بشكل مكثف، مشيرًا إلى أن هذا يمثل دور إضافي لقبائل سيناء للمساعدة في الاستدلال عن أماكن الاختباء والملاذات الأمنة ومسارات تدفق الأموال والسلاح والمواد المستخدمة في صناعة المتفجرات وغيرها من الأمور الخطرة التي كانت تساهم في قدرات متعاظمة في التنظيمات الإرهابية.

وأكد أن القوات المسلحة استخدمت تكتيكات متطورة للغاية لتضيق المساحات على هذه التنظيمات، ودخل الكثير من الأسلحة المتطورة التابعة للقوات المسلحة لعمل مكافحة الإرهاب بعد ان كان الأمر قاصرًا على الأجهزة الأمنية فقط، بما في ذلك طائرات مسيرة استخدمت لتحديد مناطق تمركز العناصر الإرهابية في جبال الحلال ومضائق سيناء نظرًا لصعوبة الطبيعة الجغرافية التي أدت لاستطالة المدة الزمنية اللازمة لكي تبسط القوات العسكرية سيطرتها على المنطقة. وقد ساهم ذلك في انخفاض مؤشر العمليات الإرهابية خلال النصف الثاني من عام 2019 وعام 2020، وبدأت ملامح النجاح تبدو على الأرض، وبدأت هذه التكتيكات المشار إليها تؤتي ثمارها، وأصبح الأمر في نطاق السيطرة ومستوى من الهدوء مقبول إلى حد كبير.

وأوضح عكاشة أن القدرات الحالية للتنظيمات الإرهابية محدودة للغاية خلال الربع الأول من العام 2021، أصبحت الخلايا الإرهابية مشتتة ومعزولة في مناطق متفرقة للغاية وتختبئ في المناطق الوعرة جغرافيا، ولا يوجد هناك قدرات حقيقة على ممارسة تهديد على الأهالي أو على النقاط الأمنية أو العسكرية أو النقاط الاستراتيجية مثل محطات المياه والكهرباء التي كانت تهاجمها العناصر الإرهابية في الأعوام السابقة بشكل أسبوعي أو بشكل يومي في بعض الأحوال.

وأكد أن اليوم اختلف الوضع بشكل كبير جدًا؛ فلا توجد عمليات على الإطلاق، لكن لا نستطيع أن نتحدث عن قضاء كامل أو قضاء نهائي، ولا تتحدث الأجهزة الأمنية عن أخطار تمددت لسنوات طويلة في منطقة مثل شمال سيناء باعتبار أنه جرى القضاء نهائيًا عليها، بل يحتاج الأمر إلى فترة زمنية أطول ومجموعة من الاستحكامات والاستعدادات حتى لا تجدد هذه التنظيمات من قدرتها، خاصة ونحن نتحدث عن منطقة سهل الوصول غليها من خارج مصر، وكان طوال الفترة الماضية شبه جزيرة سيناء محاطة بالبحار من ثلاث جهات فكان يتم التسلل إليها من مناطق أخرى، وكانت تنظيمات أعلنت في بياناتها –منها تنظيم داعش- أنهم بصدد نقل عناصره من جبهات مثل سوريا والعراق وليبيا ودول الساحل والصحراء والدفع بهم إلى شمال سيناء، مؤكدًا أن هذه المعلومة تدركها الأجهزة الأمنية المصرية وتعمل عليها وتقوم بعمليات وقاية وضربات استباقية كي لا نصل إلى مرحلة التجدد هذه ونحتفظ بمستوى النجاح والاستقرار المحقق الآن في سيناء.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى