دول المغرب العربي

الأزمة في تونس.. “بين التصعيد والتهدئة”

تصاعد الخلاف بين الرئيس التونسي قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي حول التعديل الوزاري الذي أجراه الأخير في 16 يناير 2021 والذي شمل 11 وزارة، وقد سبق ذلك التعديل إقالة عدد من الوزراء منهم وزير الداخلية توفيق شرف الدين المحسوب على الرئيس قيس سعيد، مما زاد ذلك التعديل من مأساوية الوضع داخل تونس، حيث تتراكم الأزمات في تونس عامة وبين القوى المختلفة على المستوى البرلماني وكذلك بين رؤساء المؤسسات في تونس “رئاسة الجمهورية ورئيس البرلمان ورئيس الوزراء خاصة”، وتستمر حالة عدم التوافق والصراع المستمر داخل البرلمان وفى الدولة، الأمر الذي يدفع إلى بحث آخر تطورات المشهد في تونس.

تصعيد الكتل البرلمانية

تستمر معادلة الصراع بين القوى السياسية في تونس وعلى رأسها حركة النهضة والحزب الدستوري الحر، حيث دعت النهضة النيابة العامة إلى فتح تحقيق ومقاضاة مرتكبي الجرائم المخلة بالأمن العام، واتهام عبير موسى بتعطيل أعمال المجلس، حيث منعت انعقاد لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية، حيث كانت اللجنة تنظر في مبادرة حول تعديل “قانون جوازات ووثائق السفر” التي تقدم بها ائتلاف الكرامة برئاسة سيف الدين مخلوف، وانتقدت موسى استماع النواب في البرلمان لهذه المبادرة، في حين تم تجاهل مقترح تقدمت به حول “قانون العنف ضد المرأة” .

كما دعت عبير موسى رئيس حزب الدستور الحر، لوضع دستور جديد في اجتماع شعبي بصفاقس الجنوبية في 20 مارس 2020 ملوحة بتمويل النهضة والإخوان في تونس للجمعيات واللوبيات السياسية، وأن استراتيجية النهضة في الداخل التونسي قائمة على إسقاط الضمان الاجتماعي والاستقطاب الشعبي من خلال تمويل الجمعيات المشبوهة التي تتحكم في الفئات الفقيرة، وأن استراتيجية الإخوان ترتكز على استهداف الشعب التونسي ووحدته وقوته، قائلة “من يريد الخير لتونس يقدم الأموال للدولة لاستثمارها في التنمية ولا يضخها عبر المسالك المشبوهة عبر الجمعيات وفي إطار اللوبيات السياسية.

من ناحية أخرى تطرح مجموعة من الأحزاب منها “تحيا تونس” برئاسة يوسف الشاهد، “وحزب الائتلاف الوطني” برئاسة ناجي جلول، “وتونس إلى الأمام” الذي يرأسه عبيد البريكي، فكرة حل البرلمان التونسي واللجوء إلى انتخابات برلمانية مبكرة لاستعادة التوازن السياسي وتجاوز حالة الصدام، بالإضافة إلى الرغبة في تعديل القانون الانتخابي بهدف إبعاد الفاسدين عن المشهد.حركة النهضة:

حركة النهضة

تكررت حالة الاحتقان في البرلمان التونسي، حيث حدثت واقعة ضرب واعتداء على إحدى النائبات في البرلمان وهي النائبة من الحزب الدستوري الحر زينيب السفاري، من خلال أحد نواب حركة النهضة ناجى الجملي حتى كسر لها هاتفها، وهي دلالة على تدنى السلوك الأخلاقي لنواب حركة النهضة، وأن استراتيجية العمل الحزبي لهم تقوم على البلطجة وليس العمل الرقابي والتشريعي، بالإضافة إلى منع عبير موسى من دخول قاعة اجتماعات مكتب مجلس النواب. بالإضافة إلى هجوم نواب حركة النهضة وائتلاف الكرامة على العاملين في مطار قرطاج الدولي ومعابر برية تونسية من خلال فرض القوة لتهريب شخصيات متورطة في تهم وتنتمي لتنظيمات إرهابية، وأن ذلك حدث في إطار صمت من الحكومة برئاسة المشيشي الذي يدعمه كل من النهضة وائتلاف الكرامة وقلب تونس التكتل البرلماني الأكبر، وكذلك صمت رئيس مجلس النواب ورئيس النهضة راشد الغنوشي.

كما تصر النهضة برئاسة الغنوشي على استمرار البرلمان طالما لم يعجز عن إنجاز مهامه وهي تشكيل حكومة وذلك انعكس في تصريح الغنوشي في ندوة بمناسبة الذكرى الـ65 لاستقلال تونس قائلا “لا سبيل اليوم لحل البرلمان التونسي إلا عندما يعجز عن إنجاز مهامه؛ وهي إنتاج حكومة”.

وأضاف أن:” فكرة تسييس البرلمان أصيلة في مشروع الاستقلال وفي الثقافة السياسية التونسية، لكن هناك اليوم من ينادي بحل البرلمان، وهذا من المفارقات”.

انفراجة في الأزمة

تقدم عبد الحميد الجلاصي القيادي السابق في حركة النهضة مقترحاً لتجاوز الأزمة السياسية بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة تضمنت وضع خارطة طريق تشمل: تشكيل حكومة إنقاذ وتضم الأحزاب التي تلتزم بالدستور التونسي، وكذلك بعض الشخصيات الوطنية، على أن تقود هذه المبادرة حركة النهضة نظرا لأنها الكتلة البرلمانية الأكبر، بهدف تهدئة الأوضاع في تونس والتزام الأطراف المختلفة بالدستور، وتوفير المناخ السياسي لإرساء المحكمة الدستورية العليا وتعديل قانون الانتخابات والدستور.

من ناحية أخرى تبنى حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات ضرورة الإسراع في حوار وطني برعاية رئيس الجمهورية في مدة لا تتجاوز 3 أشهر، وأن تحدث خارج أروقة البرلمان لتشمل كل القضايا في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وقال كمال القرقوري الأمين العام لحزب التكتل “أن المشاركة في الحوار مفتوحة أمام كل الأحزاب السياسية الممثلة وغير الممثلة بالبرلمان دون إقصاء، إضافة إلى النقابات الوطنية والمنظمات الشبابية، على أن يتم فتح المجال للاستشارات الشعبية من خلال منصة رقمية للإجابة عن الأسئلة ولتحقيق المشاركة الجماعية.

أيضا تأتي مبادرة الرئيس قيس سعيد للإعلان عن مبادرة الحوار الوطني التي سبق، وتمت الدعوة إليها من خلال الاتحاد العام للشغل في تونس، وسوف تقوم رئاسة الجمهورية بالإشراف على تنظيم الحوار الوطني عن طريق بلورة النقاشات بين الأطراف المشاركة، وكذلك توفير اللوجستيات لإنجاح هذه المبادرة، بالرغم من طلب الرئيس قيس سعيد باستقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي كشرط لإطلاق حوار وطني، إلا أن الغنوشي رفض استقالة المشيشي بدعوى الحفاظ على الاستقرار الحكومي، كما رفض المشيشي أن يستقيل من رئاسة الحكومة.

يبدو أن هناك مؤشرات انفراجه في الأزمة من خلال محاولة التهدئة في ظل الانتقادات التي وجهت إلى رأسي السلطة التنفيذية في تونس. لكن ما زال هناك رفض من قبل رئيس الجمهورية بمشاركة بعض الأحزاب مثل حزب قلب تونس برئاسة نبيل القروي وهو في السجن بتهمة التهرب الضريبي وتبييض الأموال، وكل من هو متهم بقضايا فساد وكذلك الحزب الدستوري الحر.

ويتوقع في هذا الإطار إذا تم عقد الحوار الوطني الشامل، سوف يخرج هذا الحوار بعدد من التوصيات ومنها:

  • التأكيد على السيادة الوطنية والعلاقات الخارجية.
  • تحقيق أهداف الثورة التونسية.
  • تقديم تصور للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية.
  • إعادة النظر في طبيعة النظام السياسي وتعديل القانون الانتخابي، والتزام الحكومة بتنفيذ برنامج محدد.

ختاما

يمكن القول إذا لم تتنح الأطراف السياسية في تونس ورؤوس المؤسسات الخلافات والأجندات السياسية جانبا، فإن تونس تتجه إلى وضعية تشبه بعض دول المنطقة وعلى رأسها لبنان، لا سيما في ظل تأثر المواطن في تونس ودفعه ثمن حالة عدم الاستقرار السياسي، وتنامي مظاهر الاحتكار وارتفاع الأسعار والفساد، بالإضافة إلى وصوله إلى حالة من فقدان الثقة في الطبقة السياسية وكذلك المؤسسات، وهو ما يولد حالة انفجار واحتقان مجتمعي، سوف يكون لها تداعيات وخيمة على تونس، وعليه يتطلب الأمر تدخل الاتحاد العام التونسي للشغل كطرف ثالث محايد لحل الأزمة وإنقاذ الدولة.

+ posts

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

رحاب الزيادي

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى