أفريقيا

“ناشونال ريفيو” الأمريكية: كيف نفسر الازدواجية بين منح آبي أحمد جائزة نوبل للسلام وحرب التيجراي؟

عرض- ماري ماهر

أكد الكاتب جاي نوردلينجر في مقال نشره موقع مجلة “ناشونال ريفيو” الأمريكية أن ما يحدث في إثيوبيا أسوأ من الحرب بعدما أصبح شمال البلاد مسرحا لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، لكن المثير للاهتمام هو وقوع تلك الأحداث في عهد رئيس الوزراء آبي أحمد الحاصل على جائزة نوبل للسلام عام 2019.

وأوضح الكاتب، في المقال الذي جاء تحت عنوان “الحائز على جائزة نوبل للسلام والرعب في إثيوبيا”، أنه بين الحين والآخر تحتل شرق أفريقيا صدارة المشهد العالمي؛ حدث ذلك في منتصف الثمانينيات عندما تعرضت إثيوبيا لمجاعة مروعة، ثم مرة أخرى في منتصف العقد الأول من القرن الحالي عندما نفذت الحكومة السودانية إبادة جماعية ضد سكان دارفور. واليوم تحتل إثيوبيا عناوين نشرات الأخبار العالمية بسبب الحرب في إقليم التيجراي.

واليكم نص المقال:

محددات حصول آبي أحمد على جائزة نوبل للسلام

ولد آبي أحمد عام 1976، وكان والديه – المتوفيان الآن – من عرقية الأورومو، كان والدة المزارع يتحدث لغة الأورومو فقط، بينما كانت والدته تتحدث لغة الأورومو والأمهرية، وهو متزوج من امرأة أمهرة، ويدين بالديانة المسيحية من الحركة الخمسينية، وقد تلقى تعليمه في أديس أبابا ولندن.

وعندما كان مراهقًا، حارب نظام منغستو هايلي مريم المعروف بـ “ستالين شرق إفريقيا”، وبعد التحاقه بالجيش الإثيوبي شارك في الحرب الإريترية الإثيوبية، وخدم كجندي حفظ سلام تابع للأمم المتحدة في رواندا بعد الإبادة الجماعية. ثم انتخب عضوًا في مجلس النواب عام 2010.

وبعد الإطاحة بمنغيستو في عام 1991، حُكِمَت إثيوبيا من قبل تحالف يسمى “الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية”، وكان يتألف من أربعة أحزاب عرقية؛ وكان الحزب المهيمن “جبهة تحرير شعب التيجراي” ومثله في الحكم رئيس الوزراء ملس زيناوي الذي استمر من عام 1991 حتى وفاته في عام 2012.

على الرغم من أن تيجراي تضم 6% فقط من السكان الإثيوبيين، فقد كان لها تأثير كبير في الشؤون الوطنية منذ فترة طويلة. لكن هذا الوضع تغير بعد انتخاب أبي أحمد رئيسًا للوزراء على إثر الاحتجاجات الشعبية الحاشدة عام 2018، لا سيما في منطقتي أورومو وأمهرة.

وسرعان ما حاول تجاوز الحقبة الماضية مقدمًا اعتذار عما أسماه وحشية وفساد الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي، وقال: “حان الوقت لأن نتعلم من أخطائنا الماضية وأن نعوض كل الأخطاء التي ارتُكبت”. كما أنشأ حزبًا جديدًا -حزب الرخاء- ليحل محل الائتلاف القديم، وقد انضم ثلاثة من أربعة أحزاب تشكل الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي إلى حزب الرخاء، وكذلك فعل عدد كبير من الأحزاب الصغيرة، بينما رفضت الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي الانضمام.

وأطلق أبي سراح آلاف السجناء السياسيين وعفا عنهم، وقد وُصِم العديد منهم بـ “الإرهابيين” لمجرد معارضتهم الحكومة، وقام بفصل المسؤولين الذين كان يُعتقد أنهم “لا يمكن المساس بهم”، ودعا وسائل الإعلام التي تعمل من الخارج للعودة إلى البلاد. علاوة على ذلك، أنهى أخيرًا الحرب الإريترية الإثيوبية التي استمرت بين عامي 1998 و2000، عندما وقع الجانبان اتفاقية سلام في ديسمبر وكان ينص على تشكيل لجنة دولية تقرر الحدود بين إريتريا وإثيوبيا، لكن عندما قامت اللجنة بترسيم الحدود ضمت بلدة “بادمي” إلى أريتريا، لكن الحكومة الإثيوبية تحت قيادة الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية رفضت الترسيم. في الواقع كانت بلدة بادمي مهمة وقد أطلق على الحرب الإريترية الإثيوبية “حرب بادمي”. 

وترتيبًا على ذلك، ظلت البلدان لمدة 18 عامًا في حالة تُعرف بالـ “لا سلم واللا حرب”، إلى أن وافق أبي أخيرًا على تسليم بادمي، ووقع هو ونظيره الإريتري إعلانًا مشتركًا ينهي الحرب رسميًا بشكل نهائي، وأعادوا العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين بلديهم، وفتحوا الحدود، وكذا تم لم شمل العائلات التي انقسمت لفترة طويلة بسبب النزاع. وكنتيجة لهذا النجاح، عرض آبي أحمد الوساطة في حل الصراعات الأخرى في القرن الأفريقي بين إريتريا وجيبوتي وبين الصومال وكينيا؛ وغيرهم.

وبالنظر إلى كل ما سبق، خاصة إنهاء الحرب الإريترية الإثيوبية، لم يكن مفاجئًا أن تمنح لجنة نوبل النرويجية الجائزة آبي أحمد في عام 2019.

وفي بيان صحفي، قالت اللجنة إنها تفعل ذلك “وفقًا لإرادة ألفريد نوبل”. والذي كان قد أصدر توجيهاته بأن جوائزه كلها -وليس جائزة السلام فقط- تمنح كمكافئة على العمل المنجز خلال العام السابق لمنحها، أي أنها ليست شاملة المنجزات مدى الحياة.

وقد قالت اللجنة النرويجية عند اختيار آبي: “لا شك أن بعض الناس يعتقدون أن جائزة هذا العام سيتم منحها مبكرًا جدًا، لكن تعتقد لجنة نوبل النرويجية أن جهود أبي أحمد تستحق الآن التقدير والتشجيع”.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن تسيج أفراسا، الطالب الجامعي في أديس أبابا، قوله: “إنه لأمر رائع أن يفوز بالجائزة لكن أمامه الكثير ليقوم به لاستعادة السلام الكامل في البلاد، الجائزة تجلب معها المزيد من المسؤولية”.

وفي الحفل الذي أقيم في 10 ديسمبر 2019، ألقى أبي أحمد واحدة من أجمل الخطب الشعرية والمؤثرة في تاريخ نوبل، نعرض منها مقطع عن جحيم الحرب قال فيه: “الحرب هي الجحيم لجميع أطرافها، أعرف ذلك لأنني شاركت بها، لقد رأيت إخوة يذبحون إخوانهم في ساحة المعركة، لقد رأيت كبار السن من الرجال والنساء والأطفال يرتجفون من الرعب تحت وابل الرصاص المميت وقذائف المدفعية، لم أكن مجرد مقاتل في الحرب، كنت أيضًا شاهدًا على قسوتها وما يمكن أن تفعله بالناس، الحرب تصنع رجال متوحشون بلا قلب”.

ثم روى آبي قصة: “قبل عشرين عامًا، كنت ضابط اتصال ملحقًا بوحدة من الجيش الإثيوبي في بلدة بادمي الحدودية، التي كانت نقطة اشتعال في الحرب بين البلدين، وتركت موقعي لفترة وجيزة على أمل التقاط شبكة جيدة، لقد استغرق الأمر بضع دقائق فقط، ومع ذلك عند عودتي شعرت بالرعب عندما اكتشفت أن وحدتي بأكملها قد تم القضاء عليها في هجوم مدفعي. ما زلت أتذكر رفاقي الصغار في السلاح الذين ماتوا في ذلك اليوم المشؤوم. أفكر في عائلاتهم أيضًا”.

رغم نوبل للسلام… آبي أحمد يشعل الحرب في التيجراي

بعد ثلاثة أشهر من حفل جائزة نوبل، بدأ الوباء وتقرر تـأجيل الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في أغسطس 2020 حتى منتصف 2021، لكن الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي كانت غاضبة، واعتقد أهل التيجراي أن آبي يتصرف بشكل ديكتاتوري. لذلك، أجرت الجبهة انتخابات إقليمية في سبتمبر تحديًا لأديس أبابا، وردًا على ذلك، أعاد آبي توجيه الأموال الفيدرالية من الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي – القيادة الإقليمية – إلى الحكومات المحلية، مما عزز التوترات بين الجانبين حتى جاءت اللحظة الحاسمة في 4 نوفمبر عندما هاجمت قوات الجبهة (لديها 250 ألف رجل مسلح مقابل 350 ألف للحكومة الفيدرالية) مقر قيادة المنطقة الشمالية التابعة للحكومة الفيدرالية، وبالمقابل اجتاحت قوات الدفاع الوطني الإثيوبية إقليم التيجراي.

كانت هذه الحرب مثال الجحيم الذي استنكره هو نفسه في حفل منحه جائزة نوبل للسلام؛ ففي الأسبوع الثاني من نوفمبر ارتكبت قوات التيجراي مجزرة في بلدة ماي كدرة، وكان من بين الضحايا عمال مهاجرون من أمهرة. وفي أواخر نوفمبر، قصفت القوات الإثيوبية والإريترية بلدة أكسوم بشكل عشوائي أسفر عن مقتل مدنيين عزل، ثم قامت القوات الإريترية بذبح المئات من التيجرايين داخل أكسوم.

والأكثر من ذلك، أن سلاح الاغتصاب انتشر على نطاق واسع ومروع في التيجراي؛ ففي 21 يناير أصدرت براميلا باتن، الممثلة الخاصة للأمم المتحدة بشأن موضوع العنف الجنسي في حالات النزاع، بيانًا قالت فيه: “يساورني قلق بالغ إزاء الادعاءات الخطيرة المتعلقة بالعنف الجنسي في منطقة التيجراي في إثيوبيا، بما في ذلك عدد كبير من حالات الاغتصاب المزعومة في العاصمة ميكيلي، كما وردت تقارير مقلقة عن أفراد يُزعم أنهم أُجبروا على اغتصاب أفراد من أسرهم تحت تهديد العنف الوشيك”.

والسؤال هو من المسؤول عن الجحيم في التيجراي؟ بالتأكيد آبي أحمد الحاصل على جائزة نوبل هو المسؤول، بما في ذلك مسؤوليته عن قطع الاتصال بين التيجراي والعالم الخارجي، وتأخير المساعدات الإنسانية. وهو ما دفع الكثيرون للمطالبة بإلغاء منح الجائزة له، لكنها في الحقيقة ليست قابلة للإلغاء ولا يمكن إرجاعها.

نوبل للسلام… تاريخ من إثارة الجدل

دائمًا ما كانت جائزة نوبل للسلام مثيرة للجدل، يكاد ألا يوجد اختيار يلقى استحسانًا عالميًا؛ فأول جائزة مُنحت عام 1901 بالمناصفة بين هنري دونان مؤسس الصليب الأحمر، وفريديريك باسي المناضل المخضرم من أجل السلام، كانت مثيرة للجدل للغاية. والأمر نفسه بالنسبة للتي مُنحت للأم تيريزا عام 1979.

وكانت الجائزة الأكثر إثارة للجدل على الإطلاق هي تلك الممنوحة للرئيس الأمريكي هنري كيسنجر والفيتنامي لو دوك ثو عام 1973 تقديرًا لدورهما في التوصل لاتفاقية باريس لوقف إطلاق النار في حرب فيتنام الموقع عليها في يناير 1973؛ فقد كانت لجنة نوبل تأمل في أن تُشعِر الجائزة الأطراف “بمسؤوليتهم الأخلاقية عن الالتزام بالاتفاق وإنهاء الحرب”، لكن فيتنام الشمالية نقضت الاتفاق. وفي عام 1975، بعد سقوط سايغون حاول كيسنجر التنازل عن نصيبه من الجائزة، لكن اللجنة أوضحت أن جوائز نوبل غير قابلة للإرجاع، وذكّرت كيسنجر بأنه تم تكريمه لعمل معين وأن الأحداث في فيتنام لم تلغي “جهوده المخلصة لوضع اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في عام 1973”.

وفي عام 1950 كرمت اللجنة الدبلوماسي الأمريكي رالف بانش في الأمم المتحدة، لجهوده خلال العام السابق في التفاوض على اتفاقيات هدنة بين إسرائيل وأربعة من أعدائها رغم أنهم نسفوا الاتفاقات. كما مُنحت الجائزة مناصفة بين الرئيس محمد أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن في عام 1978 لجهودهم في التوصل لاتفاقيات كامب ديفيد، على الرغم من كونها حينها اتفاقات أولية وليست معاهدة سلام؛ إذ لم يتم إتمام المعاهدة حتى مارس 1979. ومن الجدير بالذكر، أن السادات لم يحضر المراسم في ديسمبر 1978 بدعوى أنه لم يتم التفاوض على معاهدة نهائية بعد، لكن السبب الحقيقي يتمثل في تصاعد الغضب العربي ضده.

كذلك مُنحت الجائزة لكل من لرئيس الوزراء الإسرائيلي اسحاق رابين ووزير خارجيته شيمون بيريز والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات عام 1994، لجهودهم في التوصل لاتفاقيات أوسلو. ومُنحت للرئيس الأمريكي باراك أوباما في عام 2009 وكان الأمر مثير للجدل، حيث استنكر العديد من الأشخاص -بمن فيهم الحاصلين عليها سابقًا- منحها له بعد قراره بإرسال 30 ألف جندي إضافي لأفغانستان قبل أسبوعين من حفل التسليم.

وفي السنوات الأخيرة، أراد الكثير من الناس إلغاء جائزة نوبل الممنوحة لرئيسة الحكومة البورمية السابقة أونغ سان سو كي التي حصلت عليها عام 1991؛ فبحلول عام 2016، كانت الزعيمة قد تقاسمت السلطة بشكل غير مريح مع الجيش، كما بدت غير مبالية بالإبادة الجماعية لشعب الروهينجا.

وبنفس المنطق يقود الحاصل على نوبل للسلام الحرب الوحشية في التيجراي. لكن حصوله على الجائزة عام 2019 كانت منطقية وفق شروطها. وفي النهاية، قد يستمر الجحيم في التيجراي وقد ينتشر مما يجعل إثيوبيا دولة فاشلة.

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

ماري ماهر

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى