
“العاصمة الإدارية و”الجمهورية الجديدة
أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال الندوة التثقيفية الثالثة والثلاثين للقوات المسلحة في التاسع من مارس الجاري أن انتقال أجهزة الدولة للعاصمة الإدارية الجديدة سيمثل ميلادا للجمهورية الجديدة.
تلك الجمهورية التي ستتصف بالحداثة في كافة قطاعاتها التنموية تقريبا بعد المجهودات التي تمت خلال السنوات الماضية لتطوير شبكات المرافق العامة كالطرق والسكك الحديدية بالإضافة إلى تطوير شبكات الخدمات الأساسية التي تمس حياة المواطن اليومية من المياه النقية والصرف الصحي والغاز والكهرباء فضلاً عن تطوير المرافق الصحية والتعليمية والرياضية مثل المدارس والمستشفيات والوحدات الصحية والأندية والمكتبات العامة ومراكز الشباب والاندية الرياضية.
ويعد تشييد المجتمعات العمرانية الجديدة والتي يبلغ عددها حتى الآن 50 مدينة، أحد أكبر المجهودات التي بذلتها الدولة لتطوير شكل العمران المصري، فلأول مرة في تاريخ البلاد يكون لدى مصر شبكة من التجمعات العمرانية الجديدة على كافة الاتجاهات الاستراتيجية – انظر الشكل رقم 1 -.
وتعتبر العاصمة الإدارية الجديدة أكبر مشروع من بين كافة تلك المدن وذلك لمساحتها الضخمة والتي تبلغ 170,000 فدان كما يتوقع أن تستوعب تلك المدينة عند اكتمال مخططها الحالي أكثر من ستة ملايين ونصف المليون نسمة كما يتوقع أن تخلق فرص عمل جديدة لحوالي مليوني مواطن.
شكل رقم 1: خريطة المدن الجديدة في مصر

*المصدر: الموقع الرسمي لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة
تقسيم المدينة
جرى تقسيم المدينة من الناحية التخطيطية إلى ثلاث مراحل تنموية, وتتضمن تلك المراحل الثلاث في مخططها العام 20 حيا ومنطقة, ويجري العمل الآن على تشييد المرحلة الأولى من المدينة والتي تقدر تكلفتها وفق التصريحات الرسمية أكثر من 700 مليار جنيه مصر لتشمل تلك المرحلة عددا من الأحياء والمناطق المختلفة في استخداماتها بين ما هو مخصص كمقرات للحكومة المصرية ولمجلسي النواب والشيوخ وما هو مخصص لإدارة الأعمال والبنوك بالإضافة إلى عدد من المناطق التي ستخصص كمقرات للبعثات الدبلوماسية وأيضا مناطق الترفيه والسكن كمنطقة الحدائق المركزية والحييين السكنيين الثالث والخامس.
1- الحي الحكومي
يقع في منتصف الجانب الشرقي من العاصمة الإدارية الجديدة علي مساحة 360 فداناً, وتمثل نسبة المباني منه 20% فيما تتوزع النسبة الباقية بين المسطحات الخضراء والطرق, ويضم هذا الحي مقر رئاسة الوزراء بالإضافة إلى 34 مقرا للوزارات المصرية مقسمين على 10 تجمعات, كما يجاوره مقر مجلسي النواب والشيوخ بالإضافة إلى عدد من المباني الخدمية. ومن المتوقع أن تبلغ تكلفة انشاء وتأسيس هذا الحي قرابة 50 مليار جنيه تم تدبيرها من حصيلة بيع الأراضي بالمدنية وتم توفير تلك النفقات لخزانة الدولة.
2- منطقة الأعمال المركزية
تقع في منتصف من خريطة العاصمة الإدارية تماماً حيث يحدها من الشرق الحكومي ومن الغرب منطقة النهر الأخضر أما من الشمال والجنوب فتحدها عدد من الأحياء السكنية, وتحتوي منطقة الأعمال المركزية على 20 برجاً ذو استخدامات مختلفة أبرزها البرج الأيقوني والذي يعتبر أعلى ناطحة سحاب في افريقيا بطول 400 متر.
وتقدر تكلفة انشاء تلك المنطقة بحوالي 47 مليار جنيه ويتم تنفيذه بالتعاون بين الحكومة المصرية ممثلة في هيئة المجتمعات العمرانية, ودولة الصين ممثلة في شركة CSCEC والتي تعتبر احد اكبر شركات المقاولات علي مستوي العالم.
ومن المنتظر أن تجتذب هذه المنطقة كبريات المؤسسات البنكية في مصر والعالم كما أن العديد من الشركات العاملة في مصر والشرق الأوسط وافريقيا ستسعى لاتخاذ مقرات إدارية لها بتلك المنطقة نظرا لوجود مجموعة من الميزات الاقتصادية واللوجستية التي تتمتع به العاصمة الإدارية دون غيرها من باقي المدن في اقليمي الشرق الاوسط وشمال افريقيا.
3 – الحي الدبلوماسي
تبعا لتوجه الدولة الي نقل كافة مقرات الحكم الي العاصمة الإدارية الجديدة، فلقد جرى التفكير في نقل السفارات والبعثات الديبلوماسية إلى تلك المدينة الجديدة، لذلك خصصت لهم قطعة في جنوب الحي الحكومي ومنطقة النهر الأخضر من الأرض تقدر مساحتها 1,600 فدان تقريباً, وذلك لكافية حاجة البعثات الدبلوماسية من الأرض لإنشاء مقرات جديدة للسفرات والقنصليات, ولقد تم بالفعل تلقي طلبات من 100 بعثة دبلوماسية لشراء 500 فدان, كما قام عدد منهم فعليا بتوقيع عقود الشراء وتسديد المبالغ المالية للدولة.
4- الحي السكني R3
يعتبر الحي السكني الثالث هو أول الأحياء التي سيتم استخدامها في العاصمة الإدارية, حيث بلغت نسبة التشييد فيه حاليا أكثر من 90% من اجمالي مخططه العام, وتقدر التكلفة الاستثمارية لهذا الحي بأكثر من 31 مليار جنيه ، كما يقع الحي على مساحة 1000 فدان وسيحتوي على 24,130 وحدة سكنية تستوعب ما متوسطه 95,000 نسمة.
ويتمز هذا الحي بوجود معظم الخدمات مثل المجمعات التجارية والمناطق الترفيهية ودور العبادة, والمدارس ودور الحضانة والمناطق المفتوحة والخضراء والمسارات المخصصة لممارسة الرياضة كالجري وركوب الدراجات.
5- الحي السكني R5
يقع الحي في المنطقة الغربية من المدينة ويأتي كثاني حي سكني يتم تنفيذه بالعاصمة الإدارية بعد الحي الثالث وتبلغ مساحته الإجمالية 885 فدانا ومن المتوقع ان يضم 23,000 وحدة سكنية فاخرة, ومن المتوقع أن يبلغ متوسط الكثافة السكانية بالحي اكثر من 90,000 نسمة, كما سيضم الحي قرابة 2000 وحدة سكنية مخصصة للاستثمار الفندقي، بالإضافة إلى مناطق مختلفة للخدمات, وتبلغ حجم استثمارات الجولة في هذا الحي قرابة 80 مليار جنيه, ويتوقع ان يتم الانهاء من عمليات انشاء وتشطيب هذا الحي خلال العام القادم 2022م.
6- منطقة الحدائق المركزية
تعتبر تلك المنطقة من العلامات المميزة في العاصمة الإدارية ومصر عامة, حيث تمتد على طول 10كم ومساحة تقارب علي 1000 فدان, مما يجعلها اكبر حديقة من صنع الإنسان حول العالم, ولقد تمت تصميم المنطقة بمعايير خاصة لكي تتناغم مع الطبيعة الطبوغرافية والنظام البيئي المحيط بالعاصمة الإدارية، ولقد جري تقسيم منطقة الحدائق المركزية الي ثلاث قطاعات تعكس كل منها شخصيتها وطابعها البصري والعمراني المميز, فالقطاع الأول يضم أكثر من 250 فداناً من المتنزهات المفتوحة, بالإضافة الي مجموعة متميزة من المشروعات كالحديقة الإسلامية والحديقة المُغطاة والنادي الاجتماعي بالإضافة الي منتجع صحى متكامل وعدد من البحيرات والمطعم.
أما القطاع الثاني والذي بلغ مساحته 360 فدانا فيعد مركزاً رئيسياً للأنشطة الثقافية والترفيهية حيث يحتوي مناطق مفتوحة بمساحة 240 فدانا بالإضافة إلى حديقة للأعمال الفنية وحديقة تراثية ومنطقة ألعاب ترفيهية وساحات للاحتفالات ومسرحاً مفتوحاً.
فيما يركز القطاع الثالث والذي يقع على مساحة 309 أفدنة على تجسد طبيعة وخصوصية الحدائق العامة والتي ترتبط بشكل عضوي مع المنطقة المحيطة بها والمتمثلة في منطقة الأعمال المركزية حيث يضم هذا الجزء 250 فدانا من الحدائق المفتوحة للتنزه بالإضافة الي مجموعة من المشروعات مثل حديقة الأطفال والمكتبة المفتوحة وعدد من حدائق للقراءة بالإضافة إلى منطقة للمطاعم ونادي رياضي ترفيهي.
اتصال المدينة بشبكة المواصلات
تتميز العاصمة الإدارية بوجود شبكة جيدة من المواصلات المحيطة بها من طرق وخطوط جر كهربائي وقطارات مونوريل بالإضافة الي خطوط للسكك الحديدية السريعة، وهو ما يجعلها على ترابط مع كافة أطراف الدولة المصرية ليتناسب ذلك مع طبيعتها كمركز للحكم والاقتصاد في البلاد.
1- شبكة الطرق
تحيط بالعاصمة الإدارية اربعة طرق رئيسية عرضية وطولية، وهي طريق القاهرة – السويس والقاهرة – العين السخنة والطريقين الدائري الاوسطي والدائري الإقليمي، لتساعد تلك الطرق على الربط المباشر بين العاصمة الإدارية وسبع محافظات هي الإسماعيلية والسويس والبحر الاحمر والقليوبية والشرقية والجيزة والفيوم. فيما تساعد تلك الطرق على الوصول بشكل غير مباشر بمحافظات الصعيد عن طريق الترابط مع طريقي الصعيد الشرقي والغربي، ومحافظات شبه جزيرة سيناء عن طريق الترابط مع شبكة الكباري والانفاق الجديدة على القناة، بالإضافة الي الترابط مع محافظات الاقليم الغربي لمصر كمحافظة مطروح والوادي الجديد عن طريق الترابط مع طريقي الواحات والعلمين الصحراويين.
2- القطار الكهربائي والمونوريل
يعتبر القطار الكهربائي أحد أهم وسائل النقل التي ستربط العاصمة الإدارية الجديدة بأقليم القاهرة الكبرى حيث سيمتد هذا المشروع على طول 90 كيلومترا بدءا من مدينة السلام غرباً، لينتهي بالحي الحكومي في وسط مدينة العاصمة الإدارية شرقا.
ومن المتوقع أن يخدم هذا المرفق منفردا أكثر من 60 ألف راكب في الساعة كما سيسير بسرعة تصل الي 120 كم في الساعة وهو ما سيساعد على تقليص زمن الرحلة من مدينة السلام الي العاصمة الإدارية الجديدة الي اقل من ساعة واحدة.
فيما سيساعد خط مونوريل غرب القاهرة في توصيل مناطق مدينة نصر الواقعة في شرق القاهرة بجنوب العاصمة الإدارية، حيث سيمتد هذا المشروع على طول 54 كم قاطعا 21 محطة، ليساهم في نقل 45 ألف راكب في الساعة الواحدة.
يشار إلى أن مرفقي “القطار الكهربائي” و”السريع” مرتبطان بشبكة مترو القاهرة الكبري عن طريق محطات السلام والاستاد وهو ما سيسهل على المواطنين في كافة أنحاء القاهرة الكبرى الوصول للعاصمة الإدارية من خلال تلك الشبكة الكبيرة من شبكات القطارات النفقية.
3 – القطار السريع
يعتبر القطار السريع من أهم وسائل الربط بين العاصمة الإدارية ومختلف الأقاليم فهذا القطار الذي سينطلق من مدينة العين السخنة سيعبر عددا من المناطق التنموية المهمة كمدينة 6 أكتوبر والعلمين الجديدة بالإضافة إلى مناطق التنمية والاستصلاح الزراعي بغرب الدلتا.
كما ستتصل العاصمة عن طريق شبكة القطار السريع في مرحلتيه الثانية والثالثة بمناطق الأقصر وأسوان عن طريق خط اكتوبر أسوان الحديدي المزمع تشييده بعمق الصحراء الغربية. ومن المتوقع أن يساهم هذا الخط في عملية تنشيط الحركة الاقتصادية بالعاصمة الإدارية حيث يربط هذا الخط بين موانئ العين السخنة في الغرب وموانئ الاسكندرية وجرجوب في الشمال.
ختاماً
يمكننا القول إن العاصمة الإدارية بنيت وبها عدد من المقومات التي تتناسب مع مكانة مصر والتي تشهد الآن أكبر عملية تنموية في تاريخها، فتلك المدينة التي شيدت على أساس الحداثة والتكنولوجيا ستكون “نبراسا” لكافة المدن المصرية خلال العقود القادمة كما ستكون مثالاً لكافة عواصم الدول الإقليمية وأيضا الدول الناشئة اقتصاديا.
باحث ببرنامج السياسات العامة