
الاقتصاد السلوكي (Behavioral Economics)
يُعد الاقتصاد السلوكي أحد المجالات الحديثة في علم الاقتصاد والذي يدمج علم النفس وعلم الاقتصاد معا، لدراسة تأثير العوامل النفسية على صنع القرار الاقتصادي. ويسعى الاقتصاد السلوكي إلى تحديد وتوضيح الطريقة التي يتصرف بها الأفراد، ويعد الهدف من علم الاقتصاد السلوكي هو فهم عملية صنع القرار بشكل أفضل والتنبؤ بالسلوك البشري في مواقف معينة.
عندما يتعلق الأمر بسلوكنا، يمكن أن تتأثر قراراتنا بأشياء كبيرة مثل النظام السياسي في بلدنا، أو صغيرة مثل عدد المنتجات التي يتعين علينا الاختيار من بينها. باختصار، يتنبأ علم الاقتصاد السلوكي بالسلوك البشري غير المنطقي.
بدأ مصطلح علم الاقتصاد السلوكي في الظهور في الآونة الأخيرة مع حصول عالم الاقتصاد ريتشارد ثالر جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2017 وذلك لمساهمته في مجال الاقتصاد السلوكي ودراساته حول كيف تتحكم السمات الانسانية في القرارات الفردية وتأثيراتها على الأسواق ككل، وإطلاقه لما يعرف بنظرية الوخز (Nudge) ويهدف في تحسين أداء السياسات العامة من خلال التأثير على سلوك الافراد.
أُجري العديد من الأبحاث لإظهار مدى تدني قدرة البشر على التخطيط المالي طويل الأجل، فمعظم الناس مثلاً لا تخطط بما يكفي للتقاعد، كما تظهر مشكلة السمنة المتنامية مدى سوء تصرف البشر. قام ريتشارد بتأليف العديد من الكتب من أشهرها كتاب “سوء التصرف: صنع الاقتصاد السلوكي” Misbehaving: The Making of Behavioral Economics الذي اعتبرته مجلة Financial Time كواحد من أكثر ستة كتب تأثيراً في عام 2015.
نظرية النكز
ترتكز نظرية الدفع أو النكز (The Nudging Theory) على توجيه الافراد نحو اتخاذ قرارات تصب في مصلحتهم الشخصية وأكثر حكمة. والأمر هنا لا يتعلق بمعاقبة الأفراد إذا لم يتصرفوا بطريقة معينة، ولكنه يتعلق بتسهيل اتخاذ قرار معين عليهم.
أشار ثالر وكاس في كتابهما (Nudge: Improving Decisions about Health and Happiness) الذي تم نشره عام 2008 على أن “من خلال معرفة كيف يفكر الأفراد، يمكننا أن نسهل عليهم اختيار الأفضل لهم ولعائلاتهم ومجتمعهم، كون انهم يحتاجون إلى التشجيع والدفع للحصول على ما هو أفضل سواء من أجلهم أو من أجل المجتمع ككل، وأكدا على أنه بدلاً من إجبارهم على سلوك معين، يمكن دفعهم لمتابعة أو الكف عن بعض الأعمال.
تطبيقات نظرية النكز:
تعد سياسة المعاشات التقاعدية في المملكة المتحدة أحد الأمثلة المتميزة لنظرية النكز، حيث كلفت الحكومة أصحاب الاعمال بإدراج كافة العاملين لديهم بأنظمة المعاشات التقاعدية فيما يعرف بنظام “التسجيل التلقائي – Automatic Eenrolment ” في عام 2012. وذلك من أجل زيادة معدلات الادخار التقاعدي للعاملين بالقطاع الخاص، مما يعني أنه سيتم تسجيل العمال تلقائيًا كما سيتم خصم المساهمات من حزمة رواتبهم ما لم يطلبوا رسميًا الإعفاء.
تطبيق علم الاقتصاد السلوكي في التسويق:
يدرس علم الاقتصاد السلوكي كيف تتأثر خيارات الشراء للعميل بعوامل تبدو غير مرتبطة بالمنتج نفسه. يمكن أن تكون هذه العوامل نفسية أو معرفية أو عاطفية أو ثقافية أو اجتماعية. ويساعد الاقتصاد السلوكي استراتيجيات التسويق من خلال فهم كيفية تأثير قرارات المستهلك.
نتيجة لذلك، يمكن أن يؤثر إجراء تغييرات صغيرة على المنتج أو العلامة التجارية أو الخيارات التي تقدمها بشكل كبير على سلوك المستهلك. دعونا نلقي نظرة على خمسة أمثلة رائعة للاقتصاد السلوكي في التسويق:
المبدأ الأول: قوة الحرية
واحدة من أقوى الكلمات التي يمكنك استخدامها في التسويق هي “مجاني”، لهذا السبب سترى محلات السوبر ماركت تعلن عن عبارة “اشترِ واحدًا واحصل على واحد مجانًا”، وليس “اشترِ منتجين واحصل على خصم 50٪”. في حين أن هاتين الصفقتين متماثلتان بشكل أساسي، سيحصل المستهلكون على جرعة رائعة من الدوبامين (هورمون السعادة) عندما يرون كلمة “مجاني”.
مثال نموذجي في التسويق المجاني لدى محلات (Subway)، والتي تطرح صفقات “اشتر واحدة واحصل على واحدة مجانًا” لأحداث عالمية مثل World Sandwich Day لجذب العملاء.
المبدأ الثاني: الأثر الاجتماعي
يمثل الأثر الاجتماعي أحد أقوى الأدوات في علم الاقتصاد السلوكي، لا سيما في التسويق عبر الإنترنت. فقد يلجأ الأفراد إلى شراء المنتجات أو الخدمات التي تحظى بشعبية لاكتساب مكانة اجتماعية بين أقرانهم، وهذا هو السبب في أن العديد من المستهلكين يقرؤون تقييمات الأفراد عبر الإنترنت من أجل قياس مدى جدارة الشركة بالثقة.
وأحد الأمثلة على هذا، استخدام حكومة المملكة المتحدة لمبدأ الأثر الاجتماعي لتشجيع المزيد من الأفراد على التبرع بالأعضاء.
المبدأ الثالث: الندرة
إذا كنت معتادًا على المنتجات ذات الإصدار المحدود، فأنت على دراية بالفعل بقوة الندرة في الاقتصاد السلوكي. ببساطة، يميل الأشخاص إلى إعطاء قيمة أكبر للمنتج إذا كانوا يعتقدون أن هناك كمية محدودة فقط متاحة، أو إذا كانت هناك أماكن محدودة يمكنهم من خلالها شرائه قبل أن يصبح غير متوفر، مثال نموذجي في التسويق عبر هذا المبدأ (ستاربكس)، تقوم شركة القهوة العملاقة في كثير من الأحيان بإصدار أطعمة ومشروبات خاصة للعطلات والتي لا تتوفر إلا لفترات قصيرة من الوقت، حيث يتم تسويق هذه المنتجات حول عبارة “استمتع بها فقط خلال فترة العرض”.
المبدأ الرابع: النفور من الخسارة
يخشى البشر أن يفقدوا ما لديهم أكثر من خوفهم من الحصول على شيء ليس لديهم. هذا يعني في الأساس أن الندم الذي يأتي من خسارة 10 جنيهات يثقل كاهل أذهاننا أكثر من المتعة التي تأتي من الفوز بـ 10 جنيهات. يخبرنا مبدأ تجنب الخسارة أنه لإظهار مزايا المنتج للمستهلك، نحتاج إلى تسليط الضوء على ما سيخسرونه إذا لم يتخذوا قرار الشراء.
مثال نموذجي في التسويق عبر هذا المبدأ هو شركة Amazon Lightning Deals من خلال العروض المخفضة التي تستمر لفترة محدودة فقط – 24 ساعة أو أقل – حيث إنها تشجع المستهلكين على اتخاذ قرار الشراء بسرعة لتجنب “خسارته”.
المبدأ الخامس: الملكية الجزئية
من خلال تقديم نسخة تجريبية مجانية للمستهلكين، فإنك تمنح العملاء شعورًا بملكية هذا المنتج أو الخدمة، مما يطور ارتباطًا عاطفيًا. عندما تنتهي الفترة التجريبية، يتعين على المستهلكين الاختيار بين خسارة المنتج أو الدفع مقابل استمرار الخدمة. مثال نموذجي في التسويق Netflix والتي تمكن العملاء الجدد من الحصول على نسخة تجريبية مجانية مدتها 30 يومًا لمعرفة ما إذا كانت الخدمة مناسبة لهم، والتي تعتقد أنها تؤدي إلى خسارة كبيرة للشركة – ولكن الأمر عكس ذلك تمامًا.ختاما، يعد فهم كيفية استخدام مبادئ الاقتصاد السلوكي في التسويق أمرًا مهمًا للغاية إذا كنت تبحث عن طرق مختصرة لنجاح الأعمال. يسمح الاقتصاد السلوكي للمسوقين بفهم العقل البشري بشكل أفضل واستخدام الأدلة العلمية حول صنع القرار البشري.
باحثة ببرنامج السياسات العامة



