
“القاهرة التاريخية”.. موقع استراتيجي وخطوات سابقة للتطوير
أجرى الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، السبت 13 مارس، حوارا مفتوحًا مع عدد من الخبراء المعماريين والأثريين والمخططين، بشأن تطوير منطقة القاهرة التاريخية. مؤكدا أن المشروع لا يستهدف تطوير بعض المباني الأثرية القائمة بها فقط، بل يستهدف إحداث تطوير شامل متكامل.
وأعرب رئيس الوزراء عن تأثره الشديد, لما شاهده من حالة متردية وصلت إليها المنطقة، وفى ضوء ذلك، أكد علي اعتزام الدولة، اقتحام كافة المشكلات القائمة بمنطقة القاهرة التاريخية للعمل على حلها، واتخاذ ما يلزم من خطوات سريعة لتطويرها بما يليق بها.
ما هي القاهرة التاريخية؟
تعد مدينة القاهرة التاريخية من أهم وأكبر المدن التراثية في العالم؛ حيث أنها مدينة حية ومتحف مفتوح يتميز بثراء نسيجه العمراني، بالإضافة إلى تعدد الآثار والمباني التاريخية بما يعبر عن تاريخ القاهرة الطويل بصفتها عاصمة سياسية وثقافية وتجارية ودينية مهيمنة ورائدة في الشرق الأوسط وحوض البحر الأبيض المتوسط.
تأسست مدينة القاهرة في عام ٣٥٨ هـ / ٩٦٩ م كعاصمة للفاطميين، وحافظت القاهرة بعد ذلك على مكانتها كعاصمة رئيسية تحت حكم الأيوبيين والمماليك، وحتى نهاية الحكم العثماني على مصر، نافست القاهرة وتخطّت في بعض الأحيان، المدن الإسلامية الأخرى في المنطقة حينها.
ولقد كانت الفترة منذ القرن التاسع إلى الخامس عشر – المعروفة أيضاً بعصر النهضة الإسلامية – عصراً ذهبياً للمدينة، لما كان للرواد من العلماء والأطباء والفلكيين وعلماء الدين والكُتاب تأثيراً قوياً ومكانة كبيرة امتدت لما يتجاوز حدود العالم الإسلامي.
وتشمل القاهرة التاريخية عدة مواقع تمثل شكلاً فريداً من أشكال الاستيطان البشري يمزج بين الاستخدامات الدينية والعمرانية السكنية للمكان، وهي: الفسطاط، مصر العتيقة، والمنطقة الوسطى التي تشمل القطائع، والمدينة الملكية الطولونية، ومنطقة القلعة، والدرب الأحمر، والنواة الفاطمية، وميناء بولاق، وجامع الجيوشي.
موقع استراتيجي
حسب الموقع الرسمي لوزارة السياحة ولآثار, فقد أدى موقع القاهرة الاستراتيجي الواقع على حافة الدلتا بين نھر النيل شرقاً وجبل المقطم غرباً إلى التفاعل البشري المستمر مع الموقع، و خلق مجرى العيون ارتباطاً بين المدينة ونهر النيل، وأسهم في التعجيل بتطور القاهرة مع إنشاء شبكة من الترع والصهاريج والحمامات.
وقد ساهما الميناءان التاريخيان في بولاق شمالاً والفسطاط جنوباً في ربط المدينة بنهر النيل بشكل وثيق؛ مما حسن من أداء ميناء بولاق الواقع شمالاً التجارة مع اوروبا، بينما حسنت التجارة مع الهند وأفريقيا من خلال ميناء الفسطاط جنوبًا.
وفي المجمل، تُعد هذه المدينة نموذجاً متميزاً للمعمار الإسلامي؛ حيث جمعت العديد من الأمثلة المعمارية الفريدة من عصور الأمويين والطولونيين والفاطميين والأيوبيين والمماليك والعثمانيين، ونظراً لوفرة وثراء هذا المعمار الذي يزين سماء القاهرة فقد عرفها العلماء والمؤرخون والجمهور باسم “مدينة الألف مئذنة“.
خطوات سابقة للتطوير
بدأ الالتفات للمنطقة باعتبارها منطقة تاريخية ذات قيمة تزامنًا مع ضمها الي قائمة التراث العالمي في عام 1979، تحت مسمى “القاهرة الاسلامية“، وبعد التسجيل قام مركز التراث العالمي التابع لليونسكو بالتعاون مع الحكومة المصرية ومؤسسات وخبراء دوليين بتنظيم حالات دورية لتقييم حالة الحفاظ على الموقع.
وفي عام 1980, نفذت احدى الدراسات المبكرة المتعلقة بالقاهرة الاسلامية، وتوصلت الى جملة من المشكلات التي تواجه المدينة التاريخية، مثل فقر البنى التحتية، و متغيرات الأسواق الجديدة والمشكلات المرتبطة بالنقل والمواصلات، والكثافة السكانية للمنطقة، واقترحت الدراسة بتركيز جهود الحفاظ علي ستة تجمعات اثرية ومعمارية هامة بالمنطقة.
وعاد الاهتمام بالمنطقة مجددًا في عام 1996، عندما بدأت اعمال اعادة التأهيل لحارة الدرب الأصفر، تمثلت في عمليات ترميم للبنايات التاريخية في الحارة مثل” بيت السحيمي- بيت مصطفى جعفر- بيت الخرزاتي- وسبيل كتاب قيطاس”.
وفي العامين المتتاليين ، قدمت وزارة الثقافة ورقة خاصة الى الحكومة، تحت بند ” انشاء مشروع اعادة تأهيل القاهرة التاريخية” ، واوصت الورقة اجراء دراسات استطلاعية شاملة للموقع، تم علي اثرها ترميم 147 اثرًا مسجلًا و 48 مبنى غير مسجل اثرًا علي مدار ثماني سنوات حتي عام 2006.
وبناء علي تلك الاعمال وفي عام 2007، قدمت الحكومة المصرية اربع خرائط مرفقة بطلب تعديل اسم المدينة الي “القاهرة التاريخية” وتعتبر تلك الوثيقة الوحيدة المشتملة علي ترسيم للموقع وضمت القاهرة الفاطمية – اجزاء من المقابر الشمالية والجنوبية – منطقة الفسطاط”
وأوصت بعثة اليونسكو في عام 2008، بضرورة التحضير لخطة إدارة وحفاظ على ممتلك التراث العالمي، لوقف تدهور النسيج العمراني للقاهرة التاريخية. واقترحت البعثة تشكيل وحدة فنية تكرس جهودها لشأن الإدارة والحفاظ، تضم خبرات المؤسسات المصرية المعنية لتنفيذ هذه المهمة.
وقد اتفقت السلطات المصرية ومركز التراث العالمي في العام التالي، على إعداد أنشطة مشتركة هدفها حماية و احياء التراث العمراني للقاهرة التاريخية، في إطار برنامج أكبر، وعنوانه “حماية التراث الثقافي في مصر“. تم من خلالها، اطلاق “مشروع الإحياء العمراني للقاهرة التاريخية” ولكن الاضطرابات السياسية الحادثة في مصر من عام 2011-2012، حالت دون اكتمال المشروع.
وفي المجمل، يمكن ان نقول انه وان كان هناك اهتمامًا خاصًا بالمنطقة، ووجود النية لتطويرها علي مدار السنوات السابقة الا ان اعمال التطوير لم تكن جادة بالشكل الكافي واقتصرت فقط علي عمل الدراسات وترميم بعض الابنية الأثرية للحفاظ عليها من التهالك, لكنها لم تتطلع الي تطوير المنطقة بأكملها واحداث تطوير شامل بها واستغلالها الاستغلال الأمثل في جذب فئة كبيرة من السائحين والدارسين المهتمين بهذا النوع من الاثار التي ترجع لتلك الفترة.
ملامح المشروع الحالي
استعرض الخبراء و الاثريون رؤيتهم لتطوير القاهرة التاريخية واشتملت الرؤية علي العديد من المقترحات التي تؤدي في مجملها الي تغير شكل المنطقة بشكل عام وكانت المقترحات كالتالي:
- تطوير منطقة باب زويلة التي تضم العديد من المباني التاريخية منها، “مسجد الصالح طلائع، وسبيل محمد على، وتكية الكلشنى، وبيت الشيخ القاياتى، ومسجد إينال اليوسفي، ومسجد الكردي، وبيت الشبشيري، ومدرسة القربية، وزاوية فرج بن برقوق، وربع الدهيشة”.
- تطوير منطقة الحاكم والتي تضمن مجموعة من المباني التاريخية منها “وكالة كحلا، ووكالة قايتباي، وباب وكالة قيسون، وباب النصر، وباب الفتوح”.
- إعادة تأهيل وترميم المنطقة السكنية حول مسجد الحسين لتتضمن “مشروع خان الحسين للحرف اليدوية، و فندقا 4 نجوم، ومنطقة بازارات، ومطاعم، ومنطقة مدرسة حرفية للتعليم والتدريب على الحرف اليدوية، لإحياء هذه الحرف، على غرار مدرسة بيت جميل بالفسطاط، إلى جانب فندق المسافر خانة”.
- تأهيل وإحياء منطقة “درب اللبانة”، من حيث إعادة استخدام بعض المباني لتصبح مزارات سياحية وفنية ودينية، إلى جانب المسار التعليمي والثقافي الذي يشمل مركزاً لعرض الأفلام الوثائقية، فضلاً عن مناطق خدمات، ومسار آخر ترفيهي وتجاري وسكني، ومسار سياحي، ومسار للخدمات المجتمعية يحتوى على أسواق ومقاهٍ ومطاعم، ومنافذ بيع، وحديقتين ترفيهية وعامة، وأماكن انتظار للسيارات.
- تطوير منطقة الحطابة والتي تشمل عددا من مباني العصرين المملوكي والعثماني، بالإضافة إلى مبان تاريخية ودينية مميزة، ونحو 67 ورشة حرفية أغلبها يدوية، ومركز صناعة منتجات تطعيم الصدف بالقاهرة.
- تجديد منطقة “سوق السلاح”، ليصبح مساراً لعرض جميع الفصول التاريخية التي مرت على القاهرة التاريخية بداية من العصر الفاطمي المتمثل في المقامات القديمة إلى العصر الحديث مرورا بالعصر المملوكي والعثماني.
- تطوير السور الشمالي من “باب الفتوح” إلى “باب النصر”، لما للأسوار الشمالية من أهمية تاريخية حيث كانت القاهرة معروفة باسم “المحروسة”، كنايةً إلى نظام التحصينات التي كانت تحميها.
أخيرًا، يمكننا ان نري من خلال تلك المقترحات مشروعًا متكاملًا لإعادة تأهيل المنطقة واستعادة رونقها وإحياء الشخصية الحضارية لها بجانب التطوير المجتمعي والتجاري مما يؤدي الي مردود اقتصادي وسياحي قوي علي الدولة.
باحثة ببرنامج السياسات العامة



