شرق المتوسط

“مصر – اليونان – تركيا”.. ماذا يحدث في شرق المتوسط؟

انبرت دوائر الحكم الثلاث الرئيسة في تركيا لإطلاق سلسلة من التصريحات المهادنة لمصر خلال الأسبوع الماضي؛ إذ قال الرئيس أردوغان في الـ12 من الشهر الجاري إن تعاون تركيا مع مصر بالاقتصاد والدبلوماسية والاستخبارات مستمر ولا توجد مشكلة في ذلك. وتبعه تصريحات وزير الخارجية تشاويش أوغلو الذي قال إن الاتصالات الدبلوماسية قد بدأت مع مصر وهناك مساعٍ لخارطة طريق بشأن العلاقات الثنائية. فيما صرح وزير الدفاع خلوصي أكار بأن موقف مصر والمستجدات الاخيرة من مصلحة البلدين وهذا ما يليق بروابطنا الثقافية والتاريخية معًا. أما متحدث الرئاسة التركية “إبراهيم كالن” الذي يوصف بقربه من مجتمع الاستخبارات التركية كان أكثر وضوحًا في غزله تجاه مصر، حيث قال في تصريحات “إن مصر هي قلب وعقل العالم العربي”.

الاستدارة التركية في نهج التعاطي مع القاهرة جاءت مدفوعة بعدد من الظروف والوقائع الميدانية والجيوسياسية والتي يمكن عدها كالآتي:

  • وصول بايدن للبيت الأبيض: حيث سبق وأن انتقد الرئيس جو بايدن نظيره التركي وتعهد بتقديم الدعم للازم للمعارضة التركية في الداخل. فيما اختار بايدن فريقًا تنفيذيًّا من أهم الداعمين لسياسة تسليح أكراد سوريا، وعلى رأسهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن. ما دفع تركيا للاستثمار في أنصاف الفرص لإعادة رسم علاقاتها الثنائية مع دول الجوار ولاسيما الدول العربية الرئيسة.
  • العزلة المتنامية في شرق المتوسط: بينما كان يتم تحويل منتدي غاز شرق المتوسط لمنظمة إقليمية تحظي بدعم دولي وإقليمي من مصفوفة من الدول تضم “مصر – قبرص – اليونان –إسرائيل – الأردن – فلسطين – إيطاليا” بجانب الإمارات وفرنسا والولايات المتحدة كأعضاء مراقبين وتتفاعل تلك المصفوفة؛ كانت تركيا تعاني من العزلة، ليس فقط على صعيد مستوى الشراكات الاستراتيجية مع دول الجوار، ولكن في مشاريع نقل الطاقة لأوروبا كذلك من ذلك الحوض الغني بالاحتياطات الهيدروكربونية (مشروع ايست ميد + نقل فائض الغاز الإسرائيلي والقبرصي لمحطات الإسالة المصرية). حيث لم يعد هناك بُد من تلطيف الأجواء مع دول الجوار أملًا في تخفيف خسائر أنقرة.
  • بيان العُلا: مثّل بيان العُلا الصادر مطلع يناير الماضي، حجر الزاوية في إنهاء وتخفيف تداعيات مقاطعة الرباعي للدوحة، التي تقيم مع أنقرة شراكة استراتيجية تطورت لتشكيل محور سياسي ضمن المحاور الموجودة بالمنطقة. حيث أرادت أنقرة الاستثمار في أجواء المصالحة بالبدء في اختبار وبدء مستوى جديد من العلاقات الثنائية مع دول الرباعي. لا سيما مع توقيع اتفاق لعودة العلاقات الدبلوماسية والرحلات الجوية بين الدوحة والقاهرة.
  • التسوية السياسية في ليبيا: فقد أدى اتجاه الأطراف الليبية للقبول بمسار التسوية برعاية بعثة الأمم المتحدة والتوصل لانتخاب رئيس جديد للمجلس الرئاسـي، ورئيس للحكومة دورًا سلبيًا بالنسبة إلى تركيا الساعية لإدامة حالات الحد الأدنى من التسويات وكذا الحلول العسكرية قصيرة الأجل. بالإضافة لتعاظم الدور المصري مع انفتاح القاهرة على جميع الأطراف المحلية في الأزمة الليبية. ما ساهم في تقليل عوائد الحضور والنفوذ التركي على بعض الهياكل السياسية والأمنية في ليبيا.

من هذه الدفوع تعاطت تركيا بشكل مختلف مع مصر مصدرةً خطاب الشراكة والقرب بين الشعبين، فضلًا عن تصدير للداخل صورة مفادها بأن القاهرة قد راعت “الجرف القاري” التركي في طرحها للمناقصة الأخيرة للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الاقتصادية الخالصة. فماذا يحدث؟

نشرت وزارة البترول المصرية خريطة توضح نطاق امتيازات التنقيب، وقد بدت تُراعي خط “نقاط الأساس” الذي يمثل الحد البحري بين القاهرة واليونان، طبقًا لاتفاقية الترسيم الموقعة بينهما في أغسطس الماضي. 

إذ تجدر الإشارة إلى أن الترسيم البحري بين مصر واليونان تم وفق مبادئ قانون البحار الأممي المنظم لعمليات الترسيم في مختلف المسطحات المائية، وقد توصلت القاهرة وأثينا لهذا الاتفاق بعد نحو عشر سنوات من المفاوضات، واتفق الطرفان أخيرًا في 6 من أغسطس على توقيع الديباجة النهائية لمجمل الاتفاق طبقًا لمبدأ “نقاط الأساس” وهو من ضمن مبادئ قانون البحار. وبموجب الترسيم بهذا المبدأ؛ أُضيفت مساحات جديدة للمنطقة الاقتصادية المصرية الخالصة كما توضح الصورة التالية:

وفي هذا الصدد، قال وزير الخارجية اليوناني السابق في رسالة عبر حسابه الرسمي على فيس بوك يشرح بعضًا من تفاصيل الاتفاق المصري اليوناني للمنطقة الاقتصادية الخالصة بين مصر واليونان لم تقسم إلى قسمين متساويتين، ولكنها تعطي مصر 55٪ ولنا 45٪، لذا فإن الاتفاقية لم تراعِ مبدأ خط المنتصف”.

“بجوار المكان الذي ينتهي فيه الترسيم الشرقي، تبدأ المنطقة الاقتصادية الخالصة التي اقترحتها تركيا على مصر، وبهذه الطريقة لا تفقد مصر أي شبر من المنطقة الاقتصادية الخالصة بها، واليونان لديها خسائر كبيرة، ولا توجد سابقة لمثل هذا التقويض لموقف الجزر اليونانية في شرق المتوسط.”

ويتابع الوزير الأسبق، أن ‏الخلاصة هي أن اليونان قدمت تنازلات بشأن جميع القضايا قيد التفاوض. منحت حقوقًا لأطراف ثالثة، مثل إيطاليا، ولم تحصل على أي شيء، بينما قدمت كل شيء لمصر. الصفقة التي أبرمتها، كما هو الحال مع إيطاليا، تضعف كل موقف تفاوضي مستقبلي، مع كل من ألبانيا وبدرجة أكثر بكثير من ذلك مع تركيا”.

وبهذا الترسيم الجديد بين مصر واليونان، وقعت نقاط التماس أمام حتمية الترسيم بين تركيا واليونان مع ضرورة تحديد وضع جزيرة كاستيلوريزو اليونانية، وتباعًا احتمالية ترسيم بين القاهرة وأنقرة. وفي هذا السياق نقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط عن مصدر رسمي قوله إنه “ليس هناك ما يمكن أن يطلق عليه توصيف “استئناف الاتصالات الدبلوماسية”، بين القاهرة وأنقرة، مضيفا أن “البعثتين الدبلوماسيتين المصرية والتركية موجودتان على مستوى القائم بالأعمال، واللذين يتواصلان مع دولة الاعتماد وفقًا للأعراف الدبلوماسية المتبعة”.

وأكد المصدر أن “الارتقاء بمستوى العلاقة بين البلدين يتطلب مراعاة الأطر القانونية والدبلوماسية التي تحكم العلاقات بين الدول على أساس احترام مبدأ السيادة ومقتضيات الأمن القومي العربي”. وأضاف أن مصر “تتوقع من أي دولة تتطلع إلى إقامة علاقات طبيعية معها أن تلتزم بقواعد القانون الدولي ومبادئ حسن الجوار وأن تكف عن محاولات التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة”، مشددا في الوقت ذاته على أهمية الأواصر والصلات القوية التي تربط بين شعبي البلدين.

كما جدد الموقف المصري، وزير الخارجية المصري سامح شكري، حيث أكد وزير الخارجية أن مصر تتفاعل مع كافة الشركاء الدوليين والإقليميين، وفقا لسياسة التوازن في العلاقات المبنية على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشأن الداخلي للدول. وتابع إذا ما وجدنا هناك تغييرا في السياسة التركية تجاه مصر وعدم التدخل في الشئون الداخلية وانتهاج سياسات إقليمية تتوافق مع السياسة المصرية، قد تكون هذه أرضية ومنطلق للعلاقات الطبيعية.

ويمكن القول حتى اللحظة، يبدو الغزل من جانب واحد. لا ردًا مصريًا بعد تراكمات لسنوات حفرت سوءًا في علاقة الجانبين. وجعلت القاهرة تضع نصب أعينها كافة احتمالات الجدية التركية، والقياس على الأفعال على مسرح الأحداث دون فك مصفوفة “مصر – قبرص – اليونان”، أو احتمالات الترسيم “الثنائي” وانتهاك حقوق الغير. إذ برهن الاشتباك الجيوسياسي خلال السبع سنوات الماضية في شرق المتوسط على محورية الترسيم والتوافق على خطوط المياه الاقتصادية الخالصة كي يتجه احتياطي الغاز من هذه المنطقة لأوروبا بسلاسة ومن دون معوقات تدفع بتصعيد احتمالات المجابهة العسكرية.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى