ليبيا

“حكومة ليبية جديدة”.. ماذا بعد نيل الثقة

اجتاز الليبيون اليوم الأربعاء بنجاح التحدي الأول الذي يواجه المسار السياسي الليبي في مرحلة ما بعد اتفاق تونس، الا وهو استحقاق تشكيل الحكومة الجديدة ومنحها الثقة، وذلك بعد أن تمت الموافقة بإجماع آراء أعضاء مجلس النواب، على التشكيلة الحكومية الموسعة التي قدمها رئيس الوزراء المكلف عبد الحميد الدبيبة، والتي تتألف من 35 وزيرا.

رغم الإجماع، الا ان هذه العملية تمت بصعوبة شديدة، وهذا كان واضحا في كافة التفاعلات التي تمت خلالها، بداية من الجدل حول مكان عقد جلسة منح الثقة، مروراً بالمناقشات الساخنة حول التشكيلة الحكومية المقترحة، وصولاً إلى لحظة التصويت ومنحها الثقة.

معضلات ما بعد انعقاد جلسة منح الثقة

 عبور الأزمة الأولية المتعلقة بموقع انعقاد جلسة منح الثقة، كان مؤشراً إيجابياً على أن منح الحكومة الثقة بات قريباً، وان مجلس النواب سيحاول جاهداً تلافي المعضلات التي ستنشأ عن لجوء رئيس الوزراء المكلف إلى أعضاء ملتقى الحوار السياسي، في حالة فشل مجلس النواب في منح الثقة لحكومته.

لكن بمجرد بدء فعاليات جلسة منح الثقة في مدينة سرت أمس الثلاثاء ، ظهرت إلى السطح سريعاً مجموعة من الاعتراضات من جانب عدد كبير من النواب، بشكل جعل من الواضح أن تأمين النصاب المطلوب لمنح الثقة أصبح محل شك في حالة عدم التجاوب مع هذه الاعتراضات بشكل أو بآخر.

المعضلة الأساسية التي نشأت خلال هذه الجلسة كانت انقسام النواب إلى أربعة اتجاهات رئيسية، الأول كان يدفع باتجاه منح التشكيلة الحكومية المقترحة الثقة بشكل فوري، والثاني كان يريد – تجاوباً مع الرسالة التي وجهها أحدى عشر عضواً من أعضاء ملتقى الحوار السياسي الليبي إلى مجلس النواب – منح الحكومة الثقة مترافقة مع اعتماد النواب لخارطة الطريق السياسية التي تم التوافق عليها في تونس، وكذا اعتماد الموعد المقرر للانتخابات العامة، أواخر العام الجاري، وذلك تجنباً لنشوء تضارب دستوري قد يشوب الحكومة بعد الموافقة على تشكيلها.

الاتجاهان الثالث والرابع كان يدفعان لتأجيل منح الحكومة الثقة، فالثالث كان يريد أن يتم تأجيل منح الثقة إلى أن يتم اولاً تضمين كافة مخرجات ملتقى الحوار في تونس، واتفاق جنيف، في الإعلان الدستوري الجديد، ضماناً لعقد الانتخابات في موعدها المقرر.

أما عن الاتجاه الرابع، فقد كان يريد تأجيل منح الثقة أيضاً، لكن بهدف انتظار ما سيتضمنه تقرير لجنة خبراء الأمم المتحدة حول اتهامات الرشوة، التي وجهتها بعض الأطراف السياسية لبعض المشاركين في ملتقى الحوار السياسي في تونس، وهي اتهامات ألقت بظلالها على المناقشات التي تمت قبيل عقد جلسة منح الثقة.

التفاعلات التي تمت في الجلستين الأولى والثانية لمنح الثقة، تخللتها اعتراضات فرعية، منها ما هو بشأن الشكل الموسع للحكومة المقترحة (35 وزيرا)، حيث رأى بعض النواب أن الطابع الإنتقالي لهذه الحكومة، يفرض أن تكون حكومة مصغرة وليست موسعة، ورأى أصحاب هذا التوجه أن الغرض الأساسي من التشكيلة الحكومية الموسعة هو إرضاء جميع المكونات السياسية والاجتماعية الليبية، دون النظر إلى الأعباء المالية والإدارية التي تترتب على الشكل الموسع لهذه التشكيلة، التي سبق ورفض النواب تشكيلة مماثلها لها في العدد، أبان تشكيل حكومة الوفاق الوطني السابقة.

يضاف إلى ذلك اعتراض بعض النواب على بعض الأسماء التي وردت في القائمة الأولية للوزراء، التي تم عرضها في اليوم الأول لجلسة منح الثقة، وكذا شغور منصب وزير الدفاع في هذه التشكيلة.

وعلى الرغم من أن القائمة النهائية التي تم منحها الثقة، كان منصب وزير الدفاع فيها شاغراً – على أن يتم الاتفاق عليه بين المجلس الرئاسي الجديد ومجلس النواب في وقت لاحق – إلا أنه تم تغيير بعض الأسماء التي وردت في القائمة الأولية، استجابة لبعض الاعتراضات، مثل تعديل الاسم المقترح توليه منصب نائب رئيس الوزراء، ليصبح السيد حسين عطية القطراني بدلاً عن السيد صقر بوجواري.

وكذلك تعديل الاسم المقترح لمنصب وزير شؤون المرأة، لتتولاه السيدة حورية الطرمال بدلاً من السيد مارن التائب، وتسمية السيد محمد الحويج وزيراً للاقتصاد بدلاً من السيد عمر العجيلي، والدكتور علي الزناتي وزيراً للصحة بدلاً من الدكتور خالد الجازوي وتعديل الشخصية المرشحة لمنصب وزير الخارجية، لتصبح السيدة نجلاء المنقوش، عوضاً عن السيدة لمياء أبو سدرة التي ثار حول ترشيحها لهذا المنصب الجدل الأكبر خلال الجلسة الأولى لمنح الثقة.

 خلال فعاليات اليوم الأول لجلسة منح الثقة للتشكيلة الحكومية المقترحة، أرسل رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، رسالة لافتة إلى رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، يطالبه فيها بعدم إجراء أية تعديلات على الإعلان الدستوري، تفادياً لتعرض هذه التعديلات للطعون أمام المحكمة الدستورية.

هذه الرسالة رجحت وجهة النظر القاضية بضرورة منح الحكومة الثقة دون أي تأجيل أو تضمين لمخرجات جنيف وتونس ضمن عملية منح الثقة، هذا رغم أن وجهة النظر المعلنة من جانب رئيس مجلس النواب – في حوار صحفي تم نشره مؤخراً – كانت تميل إلى تأجيل منح الثقة للتشكيلة الحكومية المقترحة، إلى حين اتضاح حقيقة ملف الرشى التي يزعم البعض أن أعضاء في ملتقى الحوار في تونس قد حصلوا عليها.

اليوم تم إقرار التشكيلة الحكومية الجديد – المعدلة – والمكونة من 35 وزير، بواقع 29 وزير مضافاً إليهم ستة وزراء دولة. وبرغم ان هذا الإقرار تم بالإجماع، الا أن عدد من النواب أعربوا عن خشيتهم من أن عدم إقرار مخرجات تونس وجنيف ضمن عملية منح الثقة لهذه التشكيلة، يجعل من غير المضمون عقد الانتخابات العامة أواخر العام الجاري، وقد يفتح الباب أمام طعون قضائية على عملية إقرار هذه التشكيلة، بدعوى عدم وجود قاعدة دستورية لمخرجات تونس التي أفضت إلى تشكيل هذه الحكومة.

اعتراضات النواب طالت أيضاً التصريحات الإيجابية لرئيس الحكومة الجديدة حول الاتفاقيات العسكرية والأمنية والبحرية التي عقدتها حكومة الوفاق الوطني مع تركيا، حيث رأى البعض أن هذه التصريحات تعد تجاوز من جانب الرئيس الجديد للحكومة لصلاحياته، وإقرار منه بقانونية اتفاقيات لم يتم إقرارها من جانب مجلس النواب.

عقب إقرار التشكيلة الجديدة، تتالت ردود الفعل المؤيدة داخليا وخارجيا، حيث أعرب كل من رئيس الحكومة الليبية عبد الله الثني، ورئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج – في بيانين منفصلين – عن تأييدهما لهذه الخطوة، وعزمهما تسليم السلطة بشكل كامل إلى الحكومة الجديدة، التي سيؤدى أفرادها اليمين الدستورية في مقر مجلس النواب في بنغازي الاثنين المقبل.

من المواقف اللافتة، إصدار النائب المقاطع حمودة سيالة، وهو رئيس ما يعرف في ليبيا بالبرلمان المواز، وهو عبارة عن تجمع لعدد من نواب البرلمان الليبي السابقين، الذين أتخذوا من العاصمة طرابلس مقراً لهم، بياناً يرحب بإقرار التشكيلة الحكومية الجديدة.

ملف الميليشيات والمرتزقة … والسلاح الأجنبي في ليبيا

 رغم التقدم الكبير الذي حققته ليبيا على مستوى الحل السياسي، إلا أن المعضلة الأمنية والعسكرية مازالت قائمة، رغم وصول لجنة الخبراء المتقدمة للمراقبين الدوليين، ولجنة البعثة الأممية الخاصة بتنسيق المسار العسكري، إلى مدينة بنغازي الاثنين الماضي، وعقدها اجتماعاً موسعاً مع اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5).

 الاجتماع ركز على إجراءات تأمين مدينة سرت، وفتح طريقها الساحلي، وإزالة الألغام، على أن يبدأ فريق المراقبين سلسلة من الزيارات إلى مدن سرت ومصراتة وبنغازي خلال الأسابيع الخمسة المقبلة، للتجهيز لنشر مراقبين لوقف إطلاق النار في هذه المناطق. رغم هذه التطورات إلا أن التواجد العسكري التركي في الغرب الليبي مازال على حاله، فقد تم رصد تواجد دائم للبحرية التركية في ميناء الخمس شرقي العاصمة الليبية طرابلس.

يضاف إلى ذلك تمركز دائم للطائرات التركية دون طيار (بيرقدار) في مطارات الغرب الليبية، ناهيك عن استمرار رحلات طائرات الشحن العسكرية التركية إلى الغرب الليبي، بواقع رحلة إلى ثلاث رحلات يومياً، تهبط في قاعدة الوطية الجوية، وكذا في مطاري طرابلس ومصراتة.

وإذا أضفنا ذلك إلى استمرار شحن المعدات والآليات العسكرية التركية إلى الموانئ الليبية، وكذا وجود مجموعات من المرتزقة السوريين في الغرب الليبي، يمكن القول أن هذا الملف بجانب الملف الاقتصادي والأمني، هي الملفات الأكثر إلحاحا أمام الحكومة الجديدة، التي قد تجد نفسها أمام تحدي لسلطتها على الأرض، خاصة في ظل القلاقل الأمنية التي شابت مؤخراً، الوضع على الأرض في مناطق مثل بني وليد والزنتان.

 وأخيراً، في ظل تعاظم المعضلات الصحية المترتبة على تفشي جائحة كورونا في ليبيا، والتي دفعت المراكز الطبية الرئيسية في البلاد، مثل مركز بنغازي الطبي، ومعهد مصراتة القومي، إلى إعلان امتلاء سعتهم السريرية وعدم قدرتهم على استضافة مزيد من المرضي، يقف الليبيون أمام أشهر مفصلية، وصولاً إلى موعد الانتخابات المرتقبة، والتي يرى الكثير من المراقبين أن مسألة عقدها ستكون هي الفيصل بين استمرار الأوضاع الحالية على كافة المستويات، وبين دخول البلاد إلى مرحلة ديمقراطية كاملة. هذا الترقب دفع بعض منظمات المجتمع المدني الليبية، إلى إطلاق (حراك 24 ديسمبر)، الذي يستهدف الدفع باتجاه عقد الانتخابات العامة في موعدها، وعدم إنجاح أية محاولات خارجية او داخلية، لجعل الأوضاع الحالية في البلاد تستمر، بشكل يتم فيه تكرار تجربة حكومة الوفاق السابقة.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى