الأمريكتان

عودة “لولا”.. ماذا يجري في البرازيل؟

في خطوة مفاجئة، صدر حكم بإلغاء إدانة الرئيس البرازيلي الأسبق لويس ايناسيو لولا دي سيلفا، ما فتح الباب أمام الرئيس الأسبق لحزب العمال من أجل الترشح لانتخابات الرئاسة 2022.

“لولا” كما يطلق عليه في البرازيل، كان ضمن مجموعة من القادة اليسار الذين صعدوا إلى الحكم في أمريكا الجنوبية خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وقد انقسموا إلى يسار كلاسيكي مناهض للغرب ويسار جديد نيوليبرالي موال للغرب كما فعلها لولا، الذي قدم إصلاحات سياسية واقتصادية نهضت بالبرازيل في بضع سنين.

تولى دي سيلفا الرئاسة ما بين عامي 2003 و2011، نفذ خلالها رغبة المجتمع الدولي في تقليص نفوذ المؤسسة العسكرية البرازيلية، ووضع الاقتصاد البرازيلي تحت وصاية صندوق النقد الدولي والتوجه الى سياسة اقتصاد السوق المفتوح مع تقديم مزايا للعمال من أجل الحفاظ على لافتة “الحزب العمالي”، في اتجاه سياسي واقتصادي عرف خلال تسعينيات القرن العشرين والعقد الأول من القرن الجديد بعنوان “يسار الطريق الثالث” او “الطريق الثالث”، وهى الايدولوجيا التي انتجت يسارا مواليا للعولمة ومتفقا مع القيم النيوليبرالية التي انتصرت في الحرب الباردة على اليسار الكلاسيكي السوفيتي.

ومثل أغلب التجارب الاقتصادية النيوليبرالية، وعلى رأسها البرازيل وتركيا، ترنح اقتصاد البرازيل في سنوات لولا الأخيرة، ومنعه الدستور من الترشح لولاية ثالثة، فجرى التفكير في سيناريو “بوتين – ميدفيدف” الروسي، أي أن يتنحى لولا عن الرئاسة، ويتم تصعيد مساعدته المخلصة ديلما روسيف للرئاسة، على ان تتولى السيدة المخلصة رئاسة البلاد لدورة او دروتين قبل ان يعود لولا للولاية الثالثة.

ورغم ان الانتخابات في البرازيل تنافسية ولكن دعم لولا معشوق الجماهير لروسيف جعل فوزها سهلاً في انتخابات الرئاسة 2010، ولكن التدهور الاقتصادي الذي بدأ في المرحلة الأخيرة من حكم لولا انفجر في عام 2012، وبحلول عام 2013 اندلعت ثورة شعبية حادة في ابريل 2013 ولم تهدأ الثورة الا في يوليو 2016 حينما ازاح البرلمان البرازيلي الرئيسة روسيف بتهم الفساد وبدأت سلسلة المحاكمات بحقها وحق لولا، وتعيين نائبها ميشيل تامر رئيساً مؤقتاً في 12 مايو 2016.

لم يكن نائبها من حزب العمال وانما من الحركة الديموقراطية التي تمثل اليمين البرازيلي، ما شكل صعوده انتكاسة لليسار البرازيلي، بل وشكل صعود ميشيل تامر في البرازيل جزءاً من موجة مضادة في أمريكا الجنوبية تمثلت في صعود مؤقت لليمين المحافظ على ضوء تململ الشعوب من اليسار وقضايا الفساد التي ضربت سمعته.

ولكن مفاجأة البرازيل أن ساسة حزب الحركة الديموقراطية كانوا متورطين أيضاً في قضايا الفساد التي لاحقت عصري لولا وروسيلف، وكاد تامر نفسه يتعرض للعزل كما جرى مع روسيف قبل أن تأتي انتخابات الرئاسة البرازيلية عام 2018 لتفجر مفاجأة صعود اليمين القومي الجديد في البرازيل، ليس على أنقاض اليسار التقليدي أو الجديد فحسب ولكن ايضاً على حساب اليمين القديم.

شكل صعود اليمين القومي البرازيلي بدوره جزءاً من ظاهرة صعود التيار القومي حول العالم، مثل تيار الترامبية في أمريكا وبريكست في بريطانيا والبديل الألماني والرابطة الإيطالية وفوكس الاسباني ومارين لوبان في فرنسا، وفي يناير 2019 أدى جايير بولسونارو اليمين الدستوري رئيساً للبرازيل عن الحزب الاجتماعي الليبرالي.

أثار هذا الصعود غضب النظام العالمي، على ضوء دعم الجيش البرازيلي للرئيس الجديد الذي خدم في المؤسسة العسكرية ما بين عامي 1973 و1988 وترك الخدمة برتبة نقيب، وثارت مخاوف الغرب من عودة المؤسسة العسكرية البرازيلية للجم الفوضى السياسية في البرازيل، وعلى إثر ذلك بدأ الإعلام الغربي في تلقيب الرئيس البرازيلي بلقب “ترامب البرازيل” حتى اليوم.

حاول الغرب في انتخابات 2018 الرئاسية فرملة صعود اليمين القومي، حيث نسج لولا من خلف الستار تحالفاً فريداً من اليسار، ضم مرشح حزبه للرئاسة فرناندو حداد وزير التعليم وعمدة ساو باولو المحبوب، بالإضافة الى الناشطة الشابة “مانويلا دافيلا” التي ترشحت لمنصب نائب الرئيس من الحزب الشيوعي البرازيلي، ولكن “ترامب البرازيل” استطاع ان يأخذ الانتخابات إلى جبهة اليمين القومي في أول صعود من نوعه داخل أمريكا اللاتينية.

ومثلما جرى مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تآكل الاستقرار السياسي والصعود الاقتصادي مع جائحة كورونا، وبحلول 15 مارس 2020 اندلعت احتجاجات شعبية هادئة، لم تلبث ان اخذت دفعة قوية في يناير 2021 سواء على الأرض او عبر الدعم الإعلامي العالمي بالتزامن مع سقوط ترامب في أمريكا وعودة التيار النيوليبرالي الى البيت الأبيض في حاشية إدارة جو بايدن.

من المقرر ان تعقد انتخابات الرئاسة البرازيلية عام 2022، وعلى ما يبدو أن النظام العالمي يتعجل الخلاص من اليمين القومي في البرازيل حتى لا تنتقل العدوى إلى الجوار اللاتيني، ولن يكتفي الغرب في انتخابات 2022 بأن يقف لولا خارج حلبة الانتخابات يدعم هذا او ذاك كما جرى في انتخابات الرئاسة عامي 2010 و2018، ولكن الرهان الغربي اليوم هو ان يظفر لولا – ذو العلاقات المميزة مع الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما – بالولاية الثالثة ويعيد انهاء مساعي المؤسسة العسكرية البرازيلية لأنهاء الفوضى السياسية ويعيد تأسيس نظام سياسي برازيلي جديد موال للعولمة النيوليبرالية وقواميس الصوابية السياسية بعد سنوات من صعود اليمين القومي.

+ posts

باحث سياسي

إيهاب عمر

باحث سياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى