
ماذا يجري في السنغال؟
تُواجه دولة السنغال الواقعة غرب أفريقيا، أسوأ اضطرابات سياسية منذ سنوات بعد اعتقال زعيم المعارضة “عثمان سونكو”، وبَلغت الاحتجاجات ذروتها يوم الجمعة 5 مارس 2021، في ظل دعوة أحزاب المعارضة في السنغال إلى احتجاجات جديدة على مستوى البلاد منذ يوم السبت المُوافق 6 مارس 2021 بعد أيامٍ من الاشتباكات بين المتظاهرين والشرطة التي أسفرت عن مَقتل خمسة أشخاص على الأقل.
بعد وقت قليل من إلقاء القبض على المعارض “عثمان سونكو”، الذي جاء في المركز الثالث في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وكان من المتوقع أن يكون المنافس الرئيسي للرئيس “ماكي سال” خلال الانتخابات القادمة لعام 2024، حيث بدأت الاشتباكات الأولى يوم السبت المُوافق 6 مارس 2021 في جامعة الشيخ “أنتا ديوب”، الواقعة على مقربة من وسط العاصمة السنغالية، وفي نفس اليوم قُتل شاب يبلغ من العمر عشرين عامًا في احتجاجات بمدينة “بينونا” بإقليم كازامانس، ولكن لم تكشف الشرطة العسكرية السنغالية عن ملابسات وفاته.
وعليه، دعت حركة الدفاع عن الديمقراطية(M2D)التي تَجمع معارضي الرئيس “ماكي سال” بما في ذلك حزب عثمان سونكو، حزب باستيف (Pastef-Les Patriotes)، وجمعيات وأعضاء المجتمع المدني، في مؤتمر صحفي، لتنظيم مظاهرات في جميع أنحاء البلاد لمدة ثلاثة أيام اعتبارًا من يوم الاثنين المُوافق 8 مارس 2021، والدعوة للإفراج الفوري عن جميع السجناء السياسيين المحتجزين بشكل غير قانوني وتعسفي واحترام الحق في التظاهر، واستعادة تراخيص القناتين اللتين تم تعليقهما مؤقتًا لبث صور الاضطرابات.ومن المقرر أن يُمثّل “سونكو” أمام المحكمة يوم الاثنين الموافق 8 مارس 2021.
ما الذي أشعل شرارة الاحتجاجات؟
شَهدت السنغال مُوجةً من الاحتجاجات ومشاهد من أعمال النهب وصلت إلى حالةً من التصعيد غير المسبوق للعنف في العاصمة “داكار” التي تُعتبر عادةً جزيرة أمن واستقرار في قلب منطقة الساحل الأفريقي المضطرب وغرب أفريقيا. وجاءت هذه الاحتجاجات نتيجة التحقيق الجنائي مع المعارض “سونكو”، ودوافع سياسية أخرى. وعلاوةً على ذلك، ارتفاع السخط المُتراكم بسبب تدهور الظروف المعيشية، على الأقل منذ بداية جائحة “كورونا” عام 2020.
في البداية، اندلعت الاحتجاجات في العاصمة السنغالية في فبراير 2021 بعد أن فتحت السلطات تحقيقًا جنائيًا في مزاعم ارتكاب “سونكو” لاعتداء جنسي بعد أن صوّت المجلس الوطني على تجريد زعيم المعارضة من حصانته البرلمانية. تم القبض على عثمان سونكو رسميًا بتهمة الإخلال بالنظام العام، حيث تَوجهّ إلى المحكمة للرد على تُهم الاغتصاب التي وجههّا إليه موظف في صالون تجميل. ولذا، خرجت مظاهرات أخرى في 3 و4 مارس 2021 بعد اعتقاله بتهمة الإخلال بالنظام العام.
يُعتبر “سونكو” البالغ من العمر 46 عامًا أحد المنافسين المحتملين للرئيس الحالي “سال” خلال الانتخابات القادم، حيث بدأت الاضطرابات الأخيرة يوم الأربعاء الماضي، عندما سافر “سونكو” إلى المحكمة للدفاع عن تُهمة الاغتصاب، حيث تم القبض على “سونكو” قبل وصوله إلى المحكمة بتُهمة الإخلال بالنظام العام، مما تسبب في اندلاع اشتباكات بين الشرطة وأنصاره. وتسبب ظهوره في تجدد الاشتباكات في إطار الاحتجاجات التي تشهدها الدولة الواقعة في غرب إفريقيا بشكل يومي منذ الأربعاء الماضي.
يري مؤيدي “سونكو” أن هذه الاتهامات نسقتها إدارة الرئيس “سال” لتحييد شعبية “سونكو” المتزايدة لإبعاده عن الطريق إذا قرر “سال” تغيير الدستور والترشح لولاية ثالثة. كما استُهدف منافسون آخرون بتُهم جنائية في الماضي بما في ذلك عمدة دكار السابق “خليفة سال” و”كريم واد”، نجل الرئيس السابق “عبد الله واد”، الذي أزاح كلاهما من السباق الرئاسي لعام 2019.
تداعيات وخيمة
تفاقمت الاشتباكات لدرجة أعلى يوم الجمعة 5 مارس 2021 مع أعمال شغب ونهب على نطاق غير مسبوق منذ عدة سنوات، حيث وقعّت مشاهد حرب العصابات في المناطق الحضرية بالعاصمة “داكار”. وعليه، تم حجب الإنترنت عن المُستخدمين في السنغال لمنع إثارة التحريض على العنف.
- التعتيم على وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام: قالت منظمة مُراقبة أمن الشبكات والإنترنت NetBlocks إن وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات المراسلة بما في ذلك Facebook وWhatsApp وYouTube تم تقييدها في وقت مُبكر قبل مظاهرات يوم الجمعة الماضية في السنغال، حيث غرد “أوليفر لينو”، خبير الأمن الرقمي في DW، بأن الطلب على ما يُسمى بالشبكات الافتراضية الخاصة (VPN) للتحايل على حظر منصات التواصل الاجتماعي قد ارتفع في السنغال وفقًا لاتجاهات Google. بالإضافة إلى ذلك، هناك قيود على استخدام الإنترنت، حيث تم قطع الشبكات الاجتماعية وتطبيقات المراسلة جزئيًا في السنغال، مما تسبب في غضب وسوء فهم مستخدمي الإنترنت.وعلاوةً على ذلك، أوقفت السلطات السنغالية محطتين تلفزيونيتين؛ “سين تي في” و “وألف تي في”، لمدة 72 ساعةً من الخامسة مساءً يوم الخميس الماضي بتُهمة إثارة الكراهية والعنف.

- أعمال الشغب والنهب: تم نهب العديد من العلامات التجارية الفرنسية ثم إحراقها، حيث كانت محطات توتال ومحلات أورانج و14 متجرًا في أوشان رموز الوجود الفرنسي في السنغال هدفًا للمتظاهرين، وغادر بعضهم بعربات مليئة بالطعام. كما تم استهداف متاجر أخرى حتى العلامات التجارية السنغالي، مما تَسبب في مشاهد حرب العصابات وخنق العاصمة تحت سحابة من الغاز المسيل للدموع ودخان الإطارات المُحترقة. بالإضافة إلى نهب المتظاهرون مباني Obs وRFM وTFM، وهي ثلاث وسائل إعلام تعتبر قريبة الحكومة. كما لحقت الأضرار بالعديد من قطاعات داكار، وما زالت آثار المظاهرات في العاصمة السنغالية، حيث هاجم المتظاهرون المباني الحكومية في ديوب، ومُهاجمة مقر “لو سولي” لوسائل الإعلام المملوك للدولة.

ردود الفعل … ما بين الإدانة والدعوة لتجنب التصعيد
تَوالّت ردود الفعل المختلفة على خلفية الاحتجاجات والاشتباكات في السنغال، سواءٍ على المستوى المحلى من جانب الحكومة السنغالية وتحديدًا وزير الداخلية، وعلى المستوى الإقليمي، تَابعت منظمة (إيكواس) عن كثب الاضطرابات الأخيرة. فضلاً عن دعوة الأمم المتحدة لوقف التصعيد والتزام الهدوء، فيما ندد “موسي فقي”، بأعمال العنف والنهب والتحريض.
محليًا وإقليمًا: قال وزير الداخلية “أنطوان فيليكس عبد الله ديومي”، “الحكومة تأسف لسقوط أربعة أرواح في أحداث متجذرة في قطع الطرق والتمرد، واتهم سونكو بإصدار دعوات للعنف”. من خلال انتقاد القوى الغامضة والجريمة المنظمة والإرهاب في صفوف المتظاهرين. كما دعت الحكومة في بيان لها إلى “اتخاذ الإجراءات اللازمة لتخفيف التوترات وضمان حرية التظاهر السلمي”. فيما نددت الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بأحداث العنف الأخيرة في السنغال، داعية كل الأطراف الى ضبط النفس والهدوء.
دوليًا وقاريًا: قال “أنطونيو جوتيريش”، الأمين العام للأمم المتحدة إن الوضع قلق للغاية ودعا إلى تجنب التصعيد. ودعا “محمد بن شمباس”، مبعوث الأمم المتحدة الخاص لغرب أفريقيا إلى التزام الهدوء.كماأعرب “موسى فقي” رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي عن قلقه، وندد في بيان بـأعمال العنف والنهب وأي ميول تحريضية.
فيما أفادت منظمة العفو الدولية في بيان بوجود رجال يرتدون ثيابًا مدنية مُسلحين ويخرجون من الشاحنات الصغيرة إلى جانب قوات الأمن. وقالت المنظمة، “إن هؤلاء الرجال طاردوا المتظاهرين وضربوا من أوقفوهم أمام قوات الأمن في كثير من هذه الحالات، كما يساورها القلق إزاء العديد من الاعتقالات التعسفية والاعتداءات على حرية المعلومات المسجلة خلال الأيام الماضية.
وفى الأخير، يمكن القول إن هناك الكثير من الإشارات المقلقة للديمقراطية في السنغال، وهي بلد غالبًا ما يتم تقديمه كنموذج ديمقراطي تجاه جيرانه في منطقة الساحل الأفريقي وغرب أفريقيا. ومن المتوقع حدوث مزيد من الاحتجاجات وأعمال العنف خلال الفترة المُقبلة. ولذلك فإن الديمقراطية مُهددة بالنسبة للعديد من السنغاليين.