
“مصر والسودان”.. علاقات اقتصادية متكاملة
زخم العلاقات المصرية السودانية أصبح واضحًا جليًا للقاصي والداني خلال الفترة الأخيرة، فأصبحت القضايا المشتركة بين الدولتين أكثر عمقًا وتشابكًا، وعلى الرغم من التحديات المشتركة بين البلدين، إلا أن الأمر لم يزد العلاقات بينهما إلا صلابة، وقد يرجع ذلك إلى تاريخية العلاقات وامتدادها عبر عقود. فالروابط الأزلية التي تجمع شعبي وادي النيل، والترابط التاريخي بين مصر والسودان، ووحدة المصير والمصلحة المشتركة التي تربط بين الشعبين، كفيلة بأنها تعمل على بلورة تعاون جديد في المنطقة العربية وقارة إفريقيا، عنوانه بأن دولتي وادي النيل قادرين على تحقيق الأفضل لشعوبهما.
تاريخ العلاقات
يربط السودان ومصر شريان واحد (نهر النيل)، فالعلاقات بين البلدين علاقات استثنائية بحكم “التاريخ والجغرافيا”، فالأمن السوداني هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، فهي العمق الاستراتيجي الجنوبي لمصر.
وعلى خلاف العلاقات السياسية والأمنية والعسكرية بين البلدين شهدت العلاقات خلال الفترة الأخيرة نقلة نوعية في شتى المجالات. والتي تعد جزءا من سياسة “العلاقات الاستراتيجية الأخوية” التي دشنها الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ توليه سدة الحكم. وساهم في تسهيل حركة التجارة عضوية البلدين بمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى وبتجمع «الكوميسا».
العلاقات الاقتصادية
تاريخ التجارة بين البلدين يمتد عبر عصور مختلفة، وتمتاز روابط التجارة بين البلدين بالقوة والمتانة والاستدامة، ولا يوجد دليل أصدق من أن السودان هي الدولة الوحيدة التي لديها قنصلية في محافظة أسوان.
فقد وصل حجم التبادل التجار بين البلدين عام 2017 إلى نحو مليار دولار، فيما سجل نحو 862 مليون دولار عام 2020، ويقدر حجم الاستثمارات المصرية بالسوق السودانية بنحو 10 مليارات و100 مليون دولار وتوزعت الاستثمارات على 229 مشروعًا. ويوجد 122 مشروعًا صناعيًا بين البلدين باستثمارات 1.372 مليار دولار بصناعات الاسمنت وبالبلاستيك والرخام والأدوية ومستحضرات التجميل والاثاث والحديد والصناعات الغذائية.
كما يوجد 90 مشروعًا خدميًا مشتركًا بين البلدين باستثمارات تبلغ 8.629 مليار دولار بقطاعات المقاولات والبنوك والمخازن المبردة والري والحفريات وخدمات الكهرباء وغيرها من القطاعات.
و17 مشروعًا زراعيًا باستثمارات 89 مليون دولار بقطاعات المحاصيل الزراعية والإنتاج الحيواني والدواجن ونشاط صيد الأسماك. ويحتل القطاع الصناعي مقدمة التعاون الاقتصادي بين البلدين حيث تعمل 73 شركة باستثمارات تقدر بـ 50.4 مليون دولار والنشاط التمويلي ثانيًا بـ7 شركات.
وقد حقق الميزان التجاري فائضا لصالح مصر بلغ 130 مليون دولار عام 2020، وتمثل الصادرات المصرية إلى السـودان نحو 1.5 ٪ من إجمالي الصادرات المصرية، بلغ حجم الاستثمارات السودانية بمصر نحو 9.1 ملايين دولار عام 2020.
ومن أبرز محطات التعاون الأخيرة، مشاركة وزيرة التجارة والصناعة، نيفين جامع، يناير الماضي، كضيف شرف الدورة ٣٨ لمعرض الخرطوم الدولي، والذي شارك فيه العديد من الشركات المصرية وذلك بهدف المساهمة في تنمية العلاقات التجارية المشتركة بين مصر والسودان.
ووفقًا لمصرفيين وخبراء اقتصاد، فمن المتوقع زيادة حركة التجارة بين مصر والسودان، بعد قرار توحيد سعر صرف الجنيه السوداني، والذي يسهم في انخفاض تكلفة استيراد السلع من السودان. ويهدف القرار في الأساس إلى القضاء على السوق السوداء بالسودان، وعودة تدفقات موارد النقد الأجنبي في البنوك هناك.
ونظريا يؤدي خفض سعر عملة ما إلى تراجع قيمة السلع التي تباع في الدولة صاحبة العملة عند تقييمها بسعر عملة أخرى، وهو ما يسهم في زيادة جاذبية هذه السلع مع تراجع أسعارها بالعملات الأجنبية وبالتالي يعد ذلك أحد العوامل المؤدية لزيادة صادرات الدولة صاحبة العملة. وتستورد مصر من السودان بعض السلع مثل اللحوم الحية والمجمدة، والسمسم، ومنتجات العطارة، والحبوب، وثمار زيتية، ونباتات طبية وعلف، وقطن.
وتمثل كميات اللحوم الحية والمجمدة المستوردة من السودان نسبة صغيرة تصل إلى 2% فقط من إجمالي واردات مصر من اللحوم، مشيرا إلى أن هناك كميات أخرى من اللحوم تدخل بطريقة غير شرعية.
تحركات مصرية
وتسعى الصناعة المصرية التوجه بمنتجاتها إلى التصدير للخارج في مختلف القطاعات وتعتبر الدول الإفريقية وعلى رأسها السودان. وتسعى دولة السودان في التعاقد على الكثير من المنتجات المصرية في مختلف القطاعات، وأبرز هذه القطاعات الصناعات الكيماوية والغذائية ويليها الكهربائية والجلود والأدوية.
- الصناعات الكيماوية: المستهدف تنمية صادرات القطاع لإفريقيا بنسبة تتراوح بين 15 – 22%. ووفقا للمجلس التصديرى فإن أهم الأسواق التي اتجهت لها صادرات القطاع خلال 2020 حتى تاريخه السودان، وكينيا، وليبيا، والمغرب، والجزائر، وتونس، وأثيوبيا، ونيجيريا،
- الصناعات الغذائية: تعتبر مصر رابع أكبر دولة مصدرة إلى السودان في كل القطاعات السلعية بنسبة 6.1% من واردات السودان، وتأتى الصين في المرتبة الأولى بقيمة 2.3 مليار دولار وبنسبة 30%، ويليها الهند بقيمة مليار دولار وبنسبة 14%، وفى المركز الثالث الإمارات بقيمة 845 مليون دولار وتمثل 11%.
وبلغت إجمالي صادرات الصناعات الغذائية إلى السودان في الفترة من يناير إلى سبتمبر 2020، 57 مليون دولار وتمثل 86% من إجمالي صادرات الصناعات الغذائية إلى السودان.
ومن أهم السلع الغذائية التي تم تصديرها بالقيمة المشار إليها يأتي في مقدمتها السكر بقيمة 15 مليون دولار، وخمائر بقيمة 8 مليون دولار، بسكويت ومحضرات من الحبوب بقيمة 5.5 مليون دولار، مركزات لصناعة الكولا بقيمة 5 مليون دولار، لبنا بقيمة 4 مليون دولار، شيكولاته بقيمة 3.8 مليون دولار، دقيق قمح بقيمة 3.8 مليون دولار، تبغ مصنع 2.2 مليون دولار، بالإضافة إلى حلوى جافة بقيمة 2 مليون دولار.
وأوضح، أن قيمة صادرات الصناعات الغذائية المصرية إلى السودان في 2019 بلغت 40 مليون دولار محققة نسبة نمو 449% بالمقارنة بصادرات العام السابق عليه 2018 والتي بلغت 7.2 مليون دولار، ولفت إلى أن الصادرات المصرية إلى السودان تمثل 2.1% من إجمالي الصادرات الغذائية المصرية خلال الـ 9 أشهر الأولى من عام 2020 وتحتل المركز 15 في قائمة أهم الدول المستوردة.
ومن أبرز المشروعات المشتركة بين البلدين:
- خط الربط الكهربائي: وهو أحد أهم مشروعات الربط الكهربائي التي تسعى الحكومة على إنهائه في أسرع وقت ممكن، من منطلق حرص مصر على دعم دول إفريقيا وحوض النيل؛ لتلبية احتياجاتهم من الكهرباء.
وتبلغ قدرة المرحلة الأولى من المشروع 300 ميجاوات على ان يتم الانتهاء منها خلال العام الجاري، ويتم التوسع في هذا المشروع ليصل إلى 3 الآف ميجا وات في المرحلة الثانية من المشروع. وتبلغ التكلفة الاستثمارية لمشروع الربط الكهربائي مع السودان حوالي 56 مليون دولار، مشيرا إلى أن هذه التكلفة تعد قيمة الخطوط ومحطات المحولات التي سيتم إنشائها على أرض مصر، في حين تتحمل السودان تكلفة الخطوط على أرضها.
وتعاني السودان من النقص في الإمداد الكهربائي يصل إلى 60% وإن القطاع السكني يستحوذ على 80% من الإمدادات المتوفرة بينما تخصص 20% للقطاعات الصناعية والتجارية. ويأتي ذلك نتيجة شح الوقود في المحطات الحرارية والديون المتراكمة لشركات التوليد الخاص؛ بالإضافة إلى صيانات تجريها هيئة الكهرباء في محطتي الخرطوم بحري وإم دباكر بمدينة كوستي.
- خط السكة الحديد: اتفقت مصر والسودان على مسار خط السكة الحديد يربط البلدين، بطول ٦٠٩ كيلو مترات، وتضمن الاتفاق، الذي تقرر خلال الاجتماع التأسيسي الأول للمشروع، على أن يبدأ المسار الجديد من مدينة أبو حمد شرق السودان، حتى الحدود المصرية، ومن مدينة أسوان حتى الحدود مع السودان بطول ٢٦٩ كيلو مترا.
وهو ما سينعكس بالطبع على خفض أسعار السلع والبضائع المتبادلة بين البلدين، حيث إنه من المتعارف عليه أن تكاليف النقل تشكل 45 % تقريبا من قيمة السلعة، الأمر الذي سيوفر للمواطنين في البلدين، ويسهم في توفير السلع والمنتجات بأسعار مخفضة.
وكذلك طريق القاهرة/ السودان/ كيب تاون، المار بعدد 9 دول إفريقية، حيث أكد الوزير أن مصر تقوم حاليا بتنفيذ جزء المحور داخل الأراضي المصرية (القاهرة/ أرقين)، حيث يمر الطريق بمحافظات الفيوم وبني سويف والمنيا وأسيوط وسوهاج وقنا والأقصر وأسوان، ثم يمتد الطريق من أسوان وحتى الحدود المصرية مرورا بمفارق توشكى وحتى أرقين عند خط عرض 22 ومنها إلى السودان.
- مشروعات استراتيجية لاستصلاح الأراضي من بينها 100 ألف فدان في ولاية النيل الأزرق
- مشروع مصري لإنتاج اللحوم بالسودان على مساحة 40 ألف فدان في ولاية النيل الأبيض
- مشروع شركة للملاحة المصرية السودانية بين ميناءي أسوان وحلفا، وذلك لنقل البضائع والأفراد والسياحة.
لم تكن الروابط الاقتصادية هو الرابط الوحيد بين البلدين، فكان للصحة نصيب كبير من المبادرات الرئاسية الأخيرة، حيث كان السودان أحد الدول المستفيدة المبادرة الرئاسية لعلاج مليون أفريقي من فيروس الكبد الوبائي سي. تم تقديم أكثر من 200 ألف جرعات علاج فيروس سي، بالإضافة إلى تقديم منح تدريبية ودراسة للأطباء السودانيين، في أغسطس 2020.
كما وقفت مصر بقوة بجوار السودان، للمساعدة في التغلب على الآثار المدمرة للسيول والفيضانات التي ضربت مناطق عديدة، حيث تم إرسال 25 طن ألبان أطفال و25 طن أدوية إلى دولة السودان، كما تم إرسال 15 طن أدوية أطفال و2 شحنة أدوية ومستلزمات لمجابهة السول.
كما تم إرسال قافلة إغاثية بتوجيه من القيادة السياسية إلى دولة السودان تضم 9 أطباء و6 مسعفين و5 مهندسين، وتم مناظرة 19547 ألف حالة «باطني – أطفال»، كما تم إرسال قافلة إغاثية تشمل 45 طن من «المبيدات – الأجهزة والملابس الوقائية».
أما على الصعيد الديني، فشهدت الأيام الأخيرة تدشين قوافل دعوية مشتركة بين مصر والسودان. تضم أئمة وواعظات من الأوقاف المصرية، بهدف تعميق العلاقات بين البلدين في المجال الدعوي، وتعزيز التعارف والتواصل وتبادل الخبرات العلمية والعملية.
وتكون الوفد المصري من ستة دعاة وخمس داعيات لتنفيذ برنامجًا دعويًّا مع أشقائهم السودانيين في خمس ولايات هي: “الخرطوم- النيل الأبيض- شمال كردفان- شمال دارفور- جنوب دارفور”.
باحث أول بالمرصد المصري