
السياحة المصرية في 2021.. الفرص والتحديات
أحدثت جائحة كورونا المستجد مجموعة من الأزمات الاستثنائية على مستوى القطاعات الاقتصادية والصحية والاجتماعية في أغلب دول العالم، وكان لها الدور الرئيس في إحداث أكبر أزمة صحية في تاريخ صناعة السياحة على مستوى العالم، فخلال العام الماضي 2020 فقط خسر القطاع السياحي الدولي أكثر من 72% من جملة السائحين، وهو ما يساوي 900 مليون سائح دولي، وذلك بالمقارنة عن العام السابق عليه 2019، ولقد أدى هذا الانخفاض إلى خسارة مالية قدرت بـ 935 مليار دولار، لتزيد خسائر هذ العام عما سُجل في 2009م بأكثر من 10 مرات.

الأزمة السياحية وضعت 100 مليون عامل في قطاع السياحة الدولي تحت خطر فقدان العمل، وهددت بفقدان دول العالم لأكثر من من 2 تريليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي لاقتصاداتها، وهو ما يساوي 2% من جملة الناتج الإجمالي للعالم،
لكن الأحوال في 2021 تبشر بحلحلة الوضع الاستثنائي الصعب الذي وقع فيه العالم خلال العام الماضي؛ إذ بدأ العديد من دول العالم خاصة الغربية منها اتخاذ إجراءات عدة لتحييد انتشار الوباء وعودة الحياة إلى طبيعتها، وهو ما سيؤدي إلى استعادة نشاط حركة السياحة الدولية، مما سيساعد كافة الاقتصادات السياحية ومن بينها القطاع السياحي المصري على التعافي.
الأمل يعود للقطاع السياحي المصري
ظهرت خلال الأسابيع الأخيرة أخبار دولية ومحلية تبشر باحتمالية بدء التعافي التدريجي للحركة السياحية في مصر والعالم، ولقد جاء أول هذه الأخبار من دول الغرب التي بدأت في تطعيم مواطنيها بمئات الملايين من جرعات لقاح كورونا التي تنتجها شركات مثل فايزر واسترازينيكا وموديرنا. وتعد الولايات المتحدة من أبرز تلك الدول؛ إذ تمكنت حتى الآن من التعاقد على جرعات من لقاحات كورونا تكفي لـ22% من جملة مواطنيها، ولحقتها من دول أوروبا المصدرة للسائحين إلى مصر كل من إسبانيا وألمانيا وإيطاليا؛ إذ استطاعت الدول الثلاث توفير اللقاح لأكثر من 7% من جملة المواطنين.
لكن مع احتياج حركة اللقاحات في الدول الغربية إلى مزيد من الوقت حتى الوصول إلى المناعة الجماعية للمواطنين ارتأت الدولة المصرية أن تنفذ حلا ناجعا لإبقاء معدلات العمل بالقطاع السياحي، لذلك أطلقت في يناير الماضي حملة لجذب السياحة المحلية تحت اسم “شتي في مصر”؛ وذلك لدفع المواطنين المصريين إلى الاستمتاع بالمقومات السياحية المصرية، وهو ما سيعود بالنفع الاقتصادي على المنشآت السياحية والأثرية القائمة التي تعاني من أزمة انحسار توافد السياحة الأجنبية حاليًا.
ولم تكن مصر هي الوحيدة التي اتخذت هذا التوجه الناجح؛ فدول كبرى مثل الصين وروسيا قامت هي الأخرى بتشجيع السياحة الداخلية، مما أوصل حركة السياحة في تلك البلدان إلى المعدلات الطبيعية المسجلة خلال 2019. فضلًا عن أن عددًا من دول أوروبا بدأ في السير في ذات التوجه، خاصة مع بداية عمليات رفع الإجراءات الاحترازية الوقائية عن المواطنين بشكل تدريجي.
إلى جانب ما سبق ظهر العديد من الكتابات والتقارير الإعلامية التي تشجع السائح الدولي على الذهاب إلى المقاصد السياحية المصرية، والتي كان أبرزها التقارير الثلاثة التي نشرتها صحيفة التليجراف البريطانية منذ أواخر يناير الماضي، والتي أكدت جميعها أمان الحركة السياحية في مصر من الناحية الوبائية، بالإضافة إلى معقولية الأسعار المقدمة للزائر جنبًا إلى جنب مع الخدمة المميزة.
وقام عدد من المحطات الإذاعية والإعلامية الغربية مثل شبكة CNN والإذاعة الوطنية التشيكية بوضع مصر كواحدة من أفضل الوجهات السياحية العالمية في 2021، ولقد كان ملاحظًا أن مجموعة من المجلات المختصة بالملف السياحي مثل travel inside السويسرية وcomunicati stampa الإيطالية أشارت إلى المقصد المصري بأنه أصبح الأكثر طلبًا حاليًا في العديد من دول أوروبا.
ولقد أدت كافة المجهودات السابقة إلى رفع سقف توقعات منظمة السياحة العالمية حول تعافي حركة السياحة في مصر والمنطقة، فعلى الرغم من أن كافة الاحتمالات تشير إلى أن عودة الحركة السياحية إلى كافة أقاليم العالم لن تكون قبل نهاية 2022، إلا أن الدول السياحية في منطقة الشرق الأوسط وفي مقدمتها مصر ستبدأ في التعافي بحلول الربع الأخير من العام الحالي 2021.
تحديات يُنتظر من القطاع السياحي الوطني مجابهتها
أدى الانحسار السياحي الذي حدث خلال العام الماضي والذي وصل خلال الربع الثاني منه إلى معدلات صفر سياحة، إلى وقوع الشركات والمنشآت العاملة في القطاع في أزمة مالية ضخمة. فبعد أن استثمرت تلك الكيانات السياحية المليارات من الجنيهات لتطوير بنيتها التحتية وأصولها الثابتة والمنقولة، اضطر العديد منها إلى الإغلاق؛ وذلك لعدم وجود السائحين مما ووضعها تحت خطر الإفلاس والتصفية نتيجة لتراكم الديون المستحقة عليها للمؤسسات المالية. هذا بالإضافة إلى أن الأزمة السياحية وضعت نحو 72% من جملة العمالة تحت تهديد فقدان وظائفهم.
ومن المتوقع أن تستمر معاناة القطاع حتى بداية الربع الأخير من هذا العام؛ نتيجة وجود احتمالية لاستمرار القيود الاحترازية المفروضة على الدول الغربية المصدرة للسياحة إلى مصر حتى هذا التاريخ، وفي حالة عدم إثبات بعض اللقاحات الموجودة حاليًا فاعليتها أو زوال أثرها الوقائي ستضطر دول إلى إعادة الإغلاق تبعًا لوجود موجات جديدة من وباء كورونا، مما سيطيل أمد الازمة السياحية.
وكذلك، من المتوقع أن تساهم أزمة وباء كورونا في تقليل قدرة السائح الغربي على الإنفاق، فقد كان المتوسط الإنفاقي للسائح الغربي حوالي 3000 دولار خلال الرحلة الواحدة، لكن هذه النسبة ستتغير سلبًا بسبب ما تعانيه منطقة اليورو والمملكة المتحدة وأمريكا من آثار اقتصادية كبيرة جراء انتشار كوفيد-19.
وجنبًا إلى ذلك، لا يمكن تجاهل أن كافة دول العالم –وفي مقدمتها الدول المصدرة لحركة السياحة إلى مصر- ستركز على دعم وترويج المقاصد السياحية المحلية لمواطنيها؛ وذلك سعيًا منها إلى مساعدة اقتصادها السياحي على تجاوز كبوته، فضلًا عن سعيها إلى عدم التفريط في العملة الأجنبية، والحرص على إبقائها لصالح حركة الاقتصادات الوطنية، وهو ما سيقلل الطلب السياحي الدول يمن جهة، وسيزيد حدة التنافس بين الدول المستقبلة للسياحة، ومنها دول حوض البحر المتوسط والشرق الأوسط. ولعل هذا الأمر سيجعل من الضروري أن تنفذ الحكومة المصرية ممثلة في وزارة السياحة والآثار وهيئة التنشيط السياحي حملات ترويجية كبيرة؛ لاقتناص أكبر قدر ممكن من حركة السائحين العالمية فيما بعد أزمة فيروس كورونا المستجد.
ختامًا يمكننا القول إن حركة السياحة في 2021 ستشهد تحسنًا ملحوظًا، ومن المتوقع أن تصل مصر في 2022 إلى حالة التعافي السياحي الكامل، وربما العودة إلى معدلات 2019. لكن هذه العودة المتوقعة لحركة السياحة المصرية لا يمكن ان تتحقق بدون بذل مجهودات كبيرة على المستوى الدعائي عالميًا ومحليًا؛ لجذب أكبر قدر من السائحين. ولعل فترة الأزمة الحالية التي يشهدها القطاع وأيضًا طريقة الدولة الحكيمة في التعامل معها ستكون شاهدًا مستقبليًا على قدرة القطاع السياحي المصري على تجاوز أعتى أزماته، وذلك على خلاف اقتصادات سياحية أخرى أغلقت منشآتها السياحية منذ اليوم الأول وشردت الملايين من العاملين فيها.
باحث ببرنامج السياسات العامة