سياسة

“منظومة الجمارك المصرية الجديدة”.. طفرة غير مسبوقة لتحفيز التنمية الاقتصادية

تشهد المرحلة المقبلة طفرة جمركية غير مسبوقة تُسهم في تحفيز التنمية الاقتصادية بمصر، فموقع مصر في مركز العالم، جعلها حلقة الوصل بين قارات العالم القديم (أفريقيا، وأسيا، وأوروبا)، وامتلاكها بحرين وما يقرب من 50 ميناء، جعلها شريان رئيسي لحركة التجارة حول العالم على مر العصور، ورغم المزايا النسبية التي تمتلكها مصر ويمهد لجعلها مركز لوجيستي عالمي، إلا إنها تعاني من منافسة شرسة من قبل دول الجوار (السعودية، السودان، الأردن، اليمن، جيبوتي، إريتريا، سوريا، لبنان، تركيا، قبرص، اليونان)، خاصة وأن مصر تحظى بتقييمات متوسطة بالمؤشرات العالمية فيما يخص تنافسية الإجراءات الجمركية.

ترتيب عدد من الدول المنافسة بمؤشري الانفتاح التجاري، ودرجة تعقيد التعريفات الجمركية وفقًا لتقرير التنافسية العالمي 2019

وهو ما استوجب وضع استراتيجية لتطوير الموانئ ومنظومة الجمارك المصرية، لتضاهي التجارب العالمية الناجحة. 

أبرز مؤشرات الأداء المصري الجمركي بتقرير التنافسية العالمي 2019

خطى نحو الحلم

يحظى موضوع ميكنة وتطوير منظومة الجمارك المصرية، وتقليص زمن التخليص الجمركي، باهتمام كبير من قبل القيادة السياسية، وقد وجه الرئيس السيسي بالاستمرار في خفض النسب الحالية بتبسيط الإجراءات للوصول إلى أفضل المقاييس الدولية، وصولًا إلى تقليص زمن الإفراج الجمركي، لأقل من يوم، وذلك بهدف تسهيل عملية التجارة ونفاذ السلع وحوكمة عملية التصدير والاستيراد من وإلى الدولة.

وفي هذا الصدد، تم اتخاذ عدد من الخطى التي من شأنها ترجمة استراتيجية عامة لتطوير وزيادة القدرة التنافسية للنقل البحري المصري عام 2018 التي تم وضعها من قبل قطاع النقل البحري بوزارة النقل. لتعزيز التكامل والترابط بين الموانئ المصرية. كذلك  الرؤية الاستراتيجية لتطوير مصلحة الجمارك، والتي تقوم على خمسة محاور: 

  • إصدار قانون الجمارك الجديد: ليشمل إعداد قانون محكم للإعفاءات الجمركية يساير الممارسات العالمية في مجال التجارة الدولية وبما يضمن سهولة وسرعة الإفراج عن البضائع وتشديد العقوبات على المخالفين والمتهربين لردعهم. ويجيز القانون تقسيط الضريبة الجمركية المستحقة على الآلات والمعدات والأجهزة وخطوط الإنتاج ومستلزماتها التي لا تتمتع بأي إعفاءات أو تخفيضات بالتعريفة الجمركية متى كانت تعمل في مجال الإنتاج، وذلك نظير سداد ضريبة إضافية تحسب كنسبة من قيمة الضريبة الجمركية غير المدفوعة عن كل شهر أو جزء منه، وذلك باعتبار أن هذا الأمر يمثل استثناءً من القواعد العامة التي توجب الاستيفاء الفوري للضريبة الجمركية ما دامت أصبحت مستحقة.

كما سيتيح قانون الجمارك، والذي تمت الموافقة عليه أغسطس الماضي، إنشاء نظام إلكتروني لتتبع البضائع حتى مرحلة الإفراج النهائي، والتعامل جمركيًا مع البضائع المتعاقد عليها بنظام التجارة الإلكترونية الحديثة، مع إمكانية التخليص المسبق وسداد الرسوم الجمركية قبل وصول البضائع، والسماح بتبادل المعلومات والبيانات المؤمنة إلكترونيًا بين مصلحة الجمارك والجهات التابعة للدولة أو الجهات الخارجية المبرم معها اتفاقيات تقر ذلك، واستحداث نظام إدارة المخاطر؛ بما يؤدى للإفراج عن البضائع دون كشف أو معاينة عبر المسار الأخضر، وفقا للضوابط المقررة؛ وذلك من أجل تبسيط الإجراءات وسرعة الإفراج الجمركي.

يذكر أنه تم إصدار التعريفة الجمركية المنسقة بالقرار الجمهوري رقم 419 في سبتمبر 2018؛ بغرض التوافق مع التزامات مصر في منظمة الجمارك العالمية، ما يجعلها رسالة للاستقرار الاقتصادي بالدولة وكذا لتكون عامل جذب للاستثمار، وفي إطار الرغبة في تحقيق مطالب الصناعات المحلية، وإزالة بعض التشوهات الجمركية وحل مشاكل التطبيق.

  • تعميم مشروع النافذة الواحدة والذي  يهدف إلى تبسيط عمليات الاستيراد والتصدير من خلال توفير الآليات الرقمية التي تُمَّكن الكيانات أو الأشخاص المتعاملين في مجال التجارة الدولية من تقديم المستندات أو البيانات المرتبطة بحركة استيراد أو تصدير أو عبور البضائع مرة واحدة دون تكرار، بصرف النظر عن تعدد الجهات الحكومية المعنية.

يذكر أن منظومة النافذة الواحدة عبارة عن نقطة موحدة لتبادل المعلومات والمستندات من جميع الأطراف المشاركة في التجارة والنقل، تقوم بتوفير آليات لتسهيل إجراءات التجارة الخارجية، وتوحيد الفواتير وتطبيق نظام المدفوعات الرقمية، وتوحيد النماذج اللازمة للإفراج عن البضائع، وتطوير مؤشرات مراقبة الأداء ونظم المراقبة والإنذار المبكر، بحيث تكون مصر بأكملها منطقة لوجستية متكاملة تعمل من خلال منصة رقمية قومية.

وتم تطبيق “النافذة الواحدة” بمطار القاهرة في مارس 2019، وميناء غرب بورسعيد في مايو 2019، وميناء شرق بورسعيد في يوليو 2020، وميناء العين السخنة في يونيو 2020، وبدأ التشغيل التجريبي بميناء الإسكندرية في نوفمبر الماضي. وتمت تغطية ميناءي الإسكندرية ودمياط بمنظومة النافذة الواحدة بنسبة ١٠٠٪.

وأوضح الدكتور محمد معيط، وزير المالية، اعتياد أطراف المجتمع المينائى بدمياط على البيئة الإلكترونية، مما أسهم في إنجاح التشغيل التجريبي لمركز الخدمات اللوجستية، خاصة أنه تم تحقيق التكامل الإلكتروني مع شركات تداول الحاويات وهيئة الميناء، في ظل توفر الدعم الفني من شركة MTS، وتعاون العاملين بمصلحة الجمارك وهيئة الميناء، وممثلي كل جهات العرض ومنها: «الهيئة القومية لسلامة الغذاء، والحجر الزراعي، والحجر البيطري، ولجنة السياسات الدوائية».

لذا يتم تنظيم لجانًا مشتركة – تضم ممثلًا أو أكثر لمصلحة الجمارك، والهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات، والهيئة القومية لسلامة الغذاء، وباقي الجهات الأخرى المختصة بمُعاينة وفحص البضائع المستوردة أو المصدرة والرقابة عليها طبقًا للقوانين والقواعد المقررة – دائمة فى ساحات الكشف والمعاينة وساحات الفحص بالموانئ، تختص بوضع آلية واضحة، وجدول زمنى مُحدد لفتح الحاويات، أو الطرود التي تتضمن البضائع المستوردة، أو المزمع تصديرها، مرة واحدة فقط لجميع الجهات الرقابية، لأغراض المعاينة الجمركية لهذه البضائع، وفحص الجهات الرقابية لها، وسحب العينات إذا لزم الأمر 

وقد أوضحت نتائج المتابعة انخفاض زمن الإفراج الجمركي لكافة الموانئ والمنافذ الجمركية المصرية من متوسط قدره ٦ أيام ونصف في يناير ٢٠٢٠، إلى متوسط ٥,٢ أيام في نوفمبر ٢٠٢٠. في حين كان متوسط زمن التخليص الجمركي في 2018 حوالي 28 يومًا. وكان يرجع هذا التأخير إلى وجود عدد من الجهات مثل الحجر الزراعي والبيطري وهيئة الرقابة على الصادرات والواردات تتشابك أعمالها مع مصلحة الجمارك.

وسيتم تشغيل مراكز الخدمات اللوجستية بميناء الدخيلة نهاية مارس المقبل، ثم بميناء بورتوفيق، وميناءي الإسماعيلية وسفاجا قبل نهاية يونية ٢٠٢١؛ وبذلك تغطى منظومة «النافذة الواحدة» أكثر من ٩٥٪ من إجمالي البضائع الواردة إلى مصر، وتكون الموانئ بوابات عبور للبضائع، وليست أماكن لتخزينها أو تكدسها.

ومن الآليات المزمع انطلاقها قريبًا، النظام الجمركي للتسجيل المسبق للشحنات «ACI»، ومن المقرر تشغيلها تجريبيًا أول أبريل المقبل بالموانئ البحرية. 

هذا إلى جانب إصدار قائمة بالمستوردين ذوي السمعة الطيبة والصحيفة الخالية من المخالفات في التجارة الدولية، والتي تضم حاليا 115 شركة، والعمل على تفعيل نظام إدارة المخاطر الشاملة وخدمة الفاعل الاقتصادي المعتمد.

  • تطوير البنية التحتية التكنولوجية بما يضمن الربط بين المنافذ الجمركية وبعضها وميكنة الإجراءات الجمركية لتقليل زمن الإفراج وتوحيد المعاملة الجمركية بالمنافذ المختلفة. فمن المستهدف ربط مصالح الضرائب والجمارك والضرائب العقارية إلكترونيًا بنهاية يونية 2022.

هذا إلى جانب العمل على تخفيض عدد المستندات المتعلقة بالإفراج الجمركي، وقيام كافة جهات العرض بمراجعة كافة الاجراءات التي يتعين اتباعها بالموانئ وكافة المستندات اللازمة لتقديمها، وذلك بغرض تقليص الاجراءات غير الضرورية والمستندات التي يمكن الاستغناء عنها، وكذا السعي للانتهاء من احداث الربط الإلكتروني الكامل بين جهات المجتمع المينائى مما ييسر تدفق البيانات والمعلومات وتبادلها وذلك حتى يتسنى الوصول لإلغاء المنظومة الورقية.

وتُعد مصر أول دولة بالشرق الأوسط تُطبق منظومة الفاتورة الإلكترونية، والتي تهدف إلى إنشاء نظام مركزي يُمكن مصلحة الضرائب من متابعة جميع التعاملات التجارية بين الشركات بعضها البعض، والقضاء على السوق الموازية والاقتصاد غير الرسمي وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص والعدالة بين الشركات العاملة في السوق المصرية، وتسهيل وتسريع الإجراءات الضريبية. وترتكز على إنشاء نظام مركزي إلكتروني لتلقى ومراجعة واعتماد ومتابعة فواتير البيع والشراء للتعاملات التجارية بين الشركات من خلال التبادل اللحظي لبيانات الفواتير بصيغة رقمية.

وتم إطلاق المرحلة الأولى منها الأحد 15 نوفمبر 2020، وتنضم بقية الشركات للمنظومة تباعًا حتي نهاية يونيو ٢٠٢١، حيث إنه طبقا لأحكام المادة 35 من قانون الإجراءات الضريبية الموحد يتم إلزام الشركات وغيرها من الأشخاص الاعتبارية بتسجيل مبيعاتهم ومشترياتهم على النظام الإلكتروني، وكذلك المادة ( 37 ) من نفس القانون والتي تنص على إلزام كل ممول أو مكلف بإصدار فاتورة ضريبية أو إيصال في شكل الكتروني .

  • تنمية القدرات البشرية والتوسع في الانتداب والنقل والتدريب، فقد تم وضع برامج تخصصية لتدريب العاملين بالجهات، وخاصة على الجوانب الفنية والإجرائية والقانونية وكيفية الاهتمام بالوقت والبعد عن التعقيد.
  • إعادة هيكلة المصلحة واستخدام التقنيات الحديثة في حوكمة المنافذ من أجهزة فحص بالأشعة وكاميرات مراقبة، وأجهزة تتبع إلكتروني والأقفال الإلكترونية الذكية في البضائع المنقولة بنظام الترانزيت.

كما تم تركيب أجهزة تأمين لقياس الخلفية الإشعاعية اللازمة لأعمال المسح الإشعاعي، وتجديد واستخراج التراخيص المكانية لجميع الأجهزة، كما تم توفير عدد كبير من مهمات الوقاية الإشعاعية.

عوائد اقتصادية واجتماعية

تسهم منظومة «النافذة الواحدة» بالجمارك، وميكنة منظومة التخليص الجمركي بشكل عام، في تبسيط وميكنة الإجراءات، والتيسير على مجتمع الأعمال، على النحو الذي يُساعد في تحفيز مناخ الاستثمار، وتعظيم القدرات الإنتاجية، وتوسيع القاعدة التصديرية، وتسهيل حركة التجارة الداخلية والخارجية، وتحسين تصنيف مصر في المؤشرات دولية. كما يسهم في القضاء على ظاهرة التهرب الجمركي، وبالتالي زيادة نسبة التحصيل الجمركي. 

كما يسهم النظام الجمركي للتسجيل المسبق للشحنات «ACI»في القضاء على ظاهرة «الكاحول»- وهو الشخص مجهول الهوية الذى يكون الجاني في قضايا البضائع مجهولة المصدر، أو الممنوع دخولها البلاد، والشحنات المخالفة والمجرمة- ومن ثم تتخلص المنافذ أيضًا من البضائع المهملة والراكدة، حيث يلتزم المستوردون والناقلون بتبادل بيانات ومستندات الشحنات إلكترونيًا والحصول على موافقة مسبقة قبل الشحن، مع قيام النظام بمنح الموافقة خلال ٤٨ ساعة من وقت تقديم الطلب، بحيث يتم حماية الحدود المصرية من أى مواد خطرة، أو ضارة أو ممنوعة، وبدء إجراءات الإفراج المسبق عن الشحنات.

كذلك تُسهم منظومة التسجيل المسبق فى زيادة معدلات التخليص المسبق للإجراءات قبل وصول البضائع، والإفراج الجمركي عن الشحنات فور وصولها للموانئ، من خلال الاستفادة بما يُتيحه نظام «ACI» من تبادل مسبق لمعلومات ومستندات الشحنات إلكترونيًا؛ بحيث تكون الموانئ بوابات للعبور فقط وليست أماكن للتخزين.

كما أن تشديد الرقابة الجمركية يسهم بشكل و/أو بأخر في تحقيق العدالة الضريبية والمنافسة الشريفة بين المستوردين، وحماية حقوق الملكية الفكرية من خلال منع الإتجار في البضائع المقلدة والتي تضر المجتمع وتعود بالأثر السلبي على المواطنين، كذلك حماية الصناعة الوطنية حيث أن التهريب يؤدى إلى الخلل بمبادئ المنافسة العادلة حيث يُحمل المنتج الوطني بالضريبة وبالتالي عدم قدرته على منافسة السلع المهربة. 

أما على المستوى الدولي فتسهم في المحافظة على الاتفاقيات الدولية والثنائية والإقليمية وعدم إفراغها من مضمونها من خلال الخارجين عن القانون، والتصدي لظاهرة غسيل الأموال. 

هذا فضلا عن تقليل تكلفة السلع في الأسواق المحلية، ومن ثم الإسهام في تخفيف الأعباء عن المواطنين. فبعض المستوردون في ميناء الإسكندرية يتحملون ما يصل إلى 3 مليون دولار يوميا غرامات تأخير، بسبب تأخر المراكب بالبضائع في الموانئ لحين خروج بضاعتهم، في حين يصل وقت الانتظار إلى 21 يومًا حتى تجد المراكب مكانا على الرصيف لتفريغ بضائعها، أما المبلغ فيحمله المستورد على ثمن البضاعة، والمستهلك هو الذي يتحملها في نهاية الأمر. 

ففي النهاية تعمل استراتيجية تطوير وميكنة منظومة الجمارك المصرية على تحقيق العدالة ورضا العاملين والمتعاملين بقطاع الجمارك، وتحقيق التوازن بين التيسير والرقابة بما يعود بالنفع على المجتمع من خلال تيسير حركة التجارة المشروعة مما يؤدى الى جذب المزيد من الاستثمارات وزيادة حصيلة الخزانة العامة للدولة وحماية الوطن والمواطن والاقتصاد المحلى من الممارسات الضارة والتي تكون سببا رئيسيا في تخلف الدول.

كما تسهم في حماية المجتمع والسوق المحلى من استيراد والإتجار بالبضائع الممنوعة أو المحظورة مثل المخدرات والأسلحة أو التي تمس الصحة العامة مثل السلع المرفوضة والأدوية المغشوشة. 

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

هبة زين

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى