مكافحة الإرهاب

“تحذيرات بريطانيا تجاه مصر”.. نبوءات وشبهات

لو ما كان الدعم البريطاني للإخوان، ما كان لهذه الجماعة أن تعيش وتستمر لما يناهز تسعة عقود الآن. ذلك الكيان الخبيث الذي تم إنشاؤه بالدرجة الأولى بدعم من المحتل البريطاني لينشر أفكارا دعوية في ظاهرها، استمر حتى اليوم حتى وإن كان على استحياء. وأعيدت له الحياة بإنعاش بريطاني مرات بدلًا من المرة الواحدة.  هذه الحقيقة تقف إلى جانب أن أعضاء التنظيم غالبا ما يمارسون أعمال تجارية تطبيقا لدستور “حسن البنا” الذي أشار إلى أن العضو يجب أن يزاول عملا اقتصاديا مهما كان غنيا وأن يقدم على العمل الحر مهما كان ضئيلا وبهذا الدستور الشيطاني استطاعوا الإبقاء على هذه الجماعة حية حتى الآن.

أما المفوض السابق للعلاقات الدولية لجماعة الإخوان المسلمين ووزير مالية التنظيم المعروف بالـ”رجل الغامض”، ” يوسف ندا” بمثابة طرف الخيط للحديث عن تمويل الجماعة، رجل الأعمال الحاصل على الجنسية الإيطالية ومؤسس بنك التقوى الذي تورط في الإنفاق على كثير من العمليات الإرهابية لم توضع نشاطاته تحت المراقبة إلا من قبل “الولايات المتحدة الأمريكية” بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر.

واللافت للنظر أن أوراق تأسيس بنك التقوى وباقي المؤسسات المالية التابعة لـ”ندا” وجود أسماء كثير من القيادات الإخوانية الموجودة في بريطانيا بها والتي تقدر ثروة الإخوان المسلمين فيها بـ10  مليار دولار.، ومن مصادر مباهاة التنظيم بشكل عام انتشاره أعضائه في نطاق 72 دولة.

      تجذر العلاقات بين الحليفين

تاريخ طويل يربط بريطانيا وجماعة الإخوان، منذ نشأة الجماعة في عشرينيات القرن الماضي، إذ تؤكد المعلومات التاريخية أن مؤسس الجماعة حسن البنا حينما تحالف مع لندن وتلقى منها دعمًا وتمويلًا لتأسيس جماعته، وأن بريطانيا رأت في هذا الدعم فرصة لمواجهة الأحزاب السياسية المناوئة للاستعمار والمطالبة بالاستقلال، وعلى رأسها حزب الوفد، بهدف إضعاف الحركة الوطنية المصرية، ولذلك ذهب بعض الباحثين إلى أن المخابرات البريطانية هي التي كوّنت الجماعة وأسستها لهذا الهدف.

ومنذ ذلك الوقت ظلّت بريطانيا هي الركن الذي تأوي إليه الجماعة في كل حين، في ظل الأجواء المفتوحة التي وفرتها لها ولاستثمارات قياداتها وأعضائها التي بلغت مليارات الدولارات، ولمراكز الجماعة ومساجدها التي انطلقت منها أفكارها المتشددة إلى المسلمين في بريطانيا وأوروبا كلها.

صديقك من يعرفك وقت الشدة كما يعرفك وقت الرخاء، ولهذا بعد أن أسقط الشعب المصري حكم جماعة الإخوان في ثورة 30 يونيو، كانت بريطانيا من أبرز الدول التي دعمت الجماعة، وآوت قياداتها، حتى أنها أصدرت قرارا يتيح لعناصر الإخوان حق اللجوء السياسي إليها، مثلما وفرّت لهم هذا “الحق” عام 1990 بعدما ضيّق عليهم الرئيس الأسبق مبارك الخناق داخل مصر.

وعلى الرغم من إدراج الحكومة البريطانية حركتي “حسم” و”لواء الثورة” الإرهابيتين المنبثقتين من جماعة الإخوان على قوائم المنظمات الإرهابية في عام 2017، بعد أن “استوفت معايير الحظر”، وهو ما عدّه بعض الباحثين بأنه خطوة نحو تصنيف الجماعة الأم كجماعة إرهابية داخل بريطانيا، ولكن آخرون رأوها محاولة من قبل لندن لتبييض وجه الجماعة أمام العالم، وإظهارها بمظهر الجماعة السلمية التي لا علاقة لها بالإرهاب.

ولكن يبدو أن استيفاء المعايير لم يتحقق مع جماعة الإخوان، رغبة من بريطانيا في عدم تجفيف منبع تمويل التنظيمات الإرهابية، وهو الإخوان.

          تخمينات بريطانية للإضرار بمصر

لا يمكن تحديد السبب وراء الحادث قبل التحقيق، قاعدة متفق عليها، ولكن بريطانيا لا تعترف بها، فبعدما سقطت الطائرة الروسية في شرم الشيخ عام 2015 لم تجرؤ أي دولة على القول بإن الطائرة سقطت بفعل عمل إرهابي، حتى وزير النقل الروسي قال إنه لا يوجد دليل على وجود عمل إرهابي خلف سقوط الطائرة الروسية، ولكنّ بريطانيا رأت عكس ذلك، وقالت بعد يومين من الحادث إن الطائرة “ربما تكون قد أسقطت جراء انفجار عبوة ناسفة”.

وفي 23 أغسطس 2017 حذرت وزارة الخارجية البريطانية، رعاياها من السفر إلى شمال وجنوب سيناء وغرب وادي النيل ومناطق الدلتا، وذلك بالتزامن مع زيارة وزير شؤون الشرق الأوسط والتنمية الدولية البريطاني “أليستر بيرت” للقاهرة، ولم  تحدث أية عمليات إرهابية بالداخل المصري في هذه الأثناء أو بعدها، ولكن الملاحظ أن هذا التحذير قد صدر بعد بدء عودة السياحة إلى معدلات مقبولة، بعد تأثرها نتيجة سقوط الطائرة الروسية، وذلك بحسب تصريح وزارة السياحة، إن نسب الإشغال صعدت إلى 50.7 % خلال الربع الأول من 2017، مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي 2016 التي لم تتجاوز الـ 40%..

وفي 29 يوليو 2018 حذرت الخارجية البريطانية رعاياها في مصر من ابداء أية آراء سياسية بزعم ان ذلك قد يسبب مشكلات أمنية لهم، هذا بالرغم من تصريح الخارجية البريطانية نفسها بأن 319 ألف بريطاني زاروا مصر خلال عام 2017، وإن هذه الزيارات تمت دون وقوع مشكلات.

وآخر التحذيرات البريطانية حول مصر، كانت في الـ20 من يوليو الماضي، إذ أقدمت الخطوط الجوية البريطانية على تعليق الطيران إلى القاهرة لمدة أسبوع، بدعوى الإجراءات الاحترازية من مخاوف أمنية وتزايد المخاطر الإرهابية ، وكان القرار البريطاني بتعليق الرحلات إلى القاهرة، مسارا أحاديا، إذ إن مختلف شركات الطيران العالمية لم تعلق رحلاتها التي استمرت من وإلى القاهرة بشكل طبيعي، وهو ما يأتي متسقا مع استمرار قرار بريطانيا بتعليق رحلاتها إلى شرم الشيخ، بشكل أحادي، رغم آراء وقرارات الوفود الأمنية متعددة الجنسيات التي زارت المطار، وأقرت بجودة الإجراءات الأمنية المُتبعة، وقيام أكثر البلدان التي اتخذت مثل هذا القرار بإلغاء قراراتها، واستئناف الرحلات.

    خطوات إن أبطأ بها الزمن، لا بد أن تكون 

كبريات الدول في العالم غالبًا ما تسعى لتوثيق علاقتها بمحيطها الخارجي عن طريق دعم جماعات إثنية هادفة إلى وجود نخبة تساعدها في تنفيذ مخططاتها وهو ما فعلته بريطانيا مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر. على أن تكون نخبة ناقمة على كل ما هو مدني أو ساع للازدهار لمساعدتها في بسط هيمنتها ونفوذها وضرب الهيمنة الناصرية على الدول المستعمرة ومن خلفها سارت الولايات المتحدة الأمريكية.

ومرت علاقات ببريطانيا بالإخوان بمراحل عديدة شهدت حالات مد وجزر حتى وصل ديفيد كاميرون للسلطة فشكل لجنة رسمية لدراسة أنشطة الحركة، والتي  خرجت بنتائج توصف الجماعة بالعنف، وإن لم توصِ بالحظر الكامل للجماعة، وفي وقت تتخذ فيه كثير من الدول خطوات جدية في حين وبعيدة عن الجدية في أحيان لحظر أنشطة تلك الجماعة يبدو الطريق إلى حظرها نهائيًا في آخر النفق ، ولكن الخطوة وإن بعدت فلابد لها أن تكون.

         بريطانيا تخون شعبها

أما محددات العلاقات بين جماعة الإخوان وبريطانيا فتتلخص في  أنه بينما تضطلع الأولى بدور مهم في توفير غطاء سياسي وشرعي للندن للتدخل في شئون الدول العربية فإن أموال تبرعات الإخوان التي تمر من بريطانيا توفر للأخيرة استثمارات بالملايين ولذلك فإن المنفعة تبادلية. 

وطبقا لهذه المحددات يحكم العلاقات بين الطرفين في النهاية ما يعرف بـ” ميثاق الأمن” وهو الذي يخول لجماعة الإخوان التحرك بحرية على أن لا تكون بريطانيا هدفًا وهو ما لم يسر بهذا الشكل في كثير من الأحيان كان أبرزها “هجمات لندن” 2005 ،الأمر في النهاية هو أن  بريطانيا تخون شعبها.

    تقرير “2008” إخوة في الأسلحة

أصدر معهد أبحاث السياسة العامة تقريرا أوصى فيه بضرورة إشراك الإخوان المسلمين في مصر باعتبارها عنصرا حاسما في المجال السياسي المصري، وأنه ينبغي إشراكها أيضا في أي من العمليات السياسية المستقبلية وعلى الرغم من ميول الجماعة الدينية في الحكم إلا أن التقرير غض الطرف عن ذلك واعتبرها جماعة ملتزمة تحكم. 

 وثائق بنما تكشف سير أموال الجماعة الدعوية

لفتت وثائق بنما الأنظار لما يمسى بـ” الملاذات الضريبية” التي تتواجد في دول صغيرة  لا تتمتع بنظام ضريبي أو مالي يحكم سير المعاملات المالية،ما يجعل هذه الدول ملجأ لعمليات غسيل الأموال وقبل الكشف عن هذه الوثائق  بثلالثة عقود أدرك الإخوان لب الموضوع، ولذلك قاموا بإنشاء بنك التقوى لغسل أموال الجماعة. وبعد أن أصبح هذا البنك كيانا يمول الكثير من التنظيمات والعمليات أعلن “يوسف ندا” عن إفلاسه فجأة لييسر على قيادات الجماعة التلاعب بأموال تبرعات التنظيم والاستيلاء عليها مثلما حدث في فضيحة التسريبات الأخيرة. 

  هيئة الإذاعة البريطانية.. الموضوعية المدعاة

في الفترة من الأول من أغسطس 2018 وحتى يوليو الجاري اهتمت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في نسختها العربية بالشأن المصري، وبرزت أوقات تسليط الضوء على الداخل المصري مع كل حدث بارز على الساحة من التعديلات الدستورية مرورًا بتنفيذ حكم الإعدام على 9 من قتلة النائب العام هشام بركات وحتى وفاة الرئيس المعزول محمد مرسي. 56% من المحتوى الذي نشرته “بي بي سي بالعربي” عن الشأن المصري يندرج تحت المحتوى “السلبي” في تدليل واضح على افتقاد هيئة الإذاعة البريطانية للحيادية التي ادعتها منذ إنشائها. كما سلط 35% من المحتوى الذي بثته الهيئة حول الشأن الاجتماعي المصري في إشارة أيضا على الاهتمام الذي توليه البي بي سي لرصد الواقع الاجتماعي المصري بمحتوى يبتعد عن الموضوعية في كثير من الأحيان.

كاتب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى