أفريقيا

مجموعة الأزمات الدولية: ماذا ينتظر الاتحاد الأفريقي في 2021؟

عرض – شيماء البكش

انتقلت رئاسة الاتحاد الأفريقي في القمة الأخيرة التي عقدت في فبراير الجاري من جنوب أفريقيا إلى الكونغو الديمقراطية. ويحلّ هذا العام، مع استمرار تداعيات جائحة كوفيد-19 على اقتصاديات القارة، في ظل تنامي التحديات السياسية والأمنية التي انشغل عنها الاتحاد في العام الماضي؛ نظرًا لتركيز الجهود القارية على مواجهة واحتواء ما تسببه انتشار فيروس كورونا من تقويض الأنظمة الصحية وتداعي الأنظمة الاقتصادية، على نحوٍ دفع بإرجاء الهدف القاري “إسكات البنادق 2020” عشرة سنوات إضافية.

وفي هذا التقرير، الذي نشرته مجموعة الأزمات الدولية، في الثالث من فبراير الجاري، تمّ تسليط الضوء على ثماني قضايا قارية، تُعد هي الأبرز ضمن قضايا وملفات عديدة تعج بها القارة. وقبل التعرض لتلك القضايا، ألقى التقرير نظرة خاطفة على الجهود والقضايا الأبرز في فترة رئاسة جنوب أفريقيا للاتحاد. 

جنوب أفريقيا والدور الدبلوماسي

في العام الماضي، شهد الاتحاد الأفريقي أدوارًا دبلوماسية في قضايا مختلفة. جاءت الاستجابة للانقلاب الذي شهدته مالي كأبرز تلك الاستجابات. نظرًا لما قام به الاتحاد من دور فاعل في الانتقال السياسي بالبلاد؛ فقام بداية بتعليق عضوية البلاد لثلاثة أشهر، ومن ثم الاشتراك في لجنة مراقبة تتبع الانتقال نحو حكم مدني. 

في المقابل، تراجع هذا الدور الفاعل في السودان؛ فبعد أن لعب الاتحاد دورًا في المفاوضات التي سعت لتأمين عملية الانتقال، أصبح دوره هشًا في تأمين المسار الانتقالي الهشّ بالبلاد. وعلى الجانب الآخر، لم تلعب المنظمة دورًا في مواجهة الانقسام الحادث في إطار هيئة الإيجاد فيما يخص الانتقال الهشّ بالبلاد.

وعلى المستوى المؤسسي، شهد العام الماضي توسّع دور مكتب الاتحاد الأفريقي (يتكون من خمسة قادة عن كل منطقة)، بعدما كان دوره إداريًا يتعلق بالاعداد للقمة، أصبح له دور سياسي تعلق بتيسير مفاوضات سدّ النهضة، وأيضًا الانعقاد المنتظم للتعامل مع وباء كورونا.  

وفي هذا العام، وعلى الجانب الاقتصادي، تُعقد الآمال على منطقة التجارة الحرة القارية التي تمّ إطلاقها مطلع هذا العام، كأحد آليات الاستجابة للتداعيات الاقتصادية لكورونا، لكن بالتوازي ما زالت هناك حاجة ماسة لإيلاء المزيد من الاهتمام لمناقشة القضايا الأخرى المتعلقة بالسلم والأمن في القارة. ويمكن التعرض لأبرز هذه القضايا على النحو التالي:

إدارة انتخابات مفوضية الاتحاد

كانت هناك تخوفات مثارة بشأن إمكانية عقد الانتخابات، في ظل التصويت الافتراضي، على نحوٍ قد يدفع بتأجيل الانتخابات، مما يصرف انتباه المفوضية عن قضايا السلم والأمن. 

وبالإضافة إلى لشكوك التي كانت مثارة حول احتمالية فوز موسى فكي بولاية ثانية وأخيرة، تتجلى تخوفات بشأن آليات عمل المفوضية، بعد التعديل الهيكلي، الذي تم بمقتضاه دمج مفوضية الشؤون السياسية مع السلام والأمن ومفوضية الاقتصاد مع الطاقة والبنية التحتية وتخفيض عدد المفوضين من ثمانية إلى ستة مفوضين.

التعامل مع الفوضى الانتخابية في أفريقيا الوسطى

على الرغم من إبرام اتفاق للسلام عام 2019 برعاية الاتحاد الأفريقي بين الحكومة وأربع عشرة جماعة مسلحة، بما في ذلك المجموعات الست التي تشارك في الأعمال العدائية الحالية، إلا أن البلاد شهدت قبل إجراء الانتخابات الرئاسية في 27 ديسمبر الماضي اندلاعًا للعنف بين الحكومة وست مجموعات مسلحة رئيسة.

وفي ظل هذا العنف، أعلنت هيئة الانتخابات الوطنية، في 4 يناير الماضي، فوز الرئيس فاوستين أرشانج تواديرا.  وأكدت المحكمة الدستورية فوزه في 18 يناير. دفعت هذه النتيجة المعارضة إلى التشكيك في صحتها، متعللة بتضييق المعارك المتجددة على فرصها في إجراء الحملات الانتخابية ومنعت أكثر من نصف الناخبين المسجلين من الإدلاء بأصواتهم. 

في هذا الصدد، فإن الاتحاد الأفريقي والجماعة الاقتصادية لوسط أفريقيا(إيكاس) اعترفا بالرئيس الفائز لمنع تقويض السلام الذي كانا ضامنين له ومنع تجدد العنف، وبذلك فإن هناك مساعي للتوفيق بين الحكومة والمعارضة وإعادة الأطراف المتحاربة إلى طاولة التفاوض. 

وقد اندلع العنف مجددًا، بعدما رفضت المحكمة الدستورية ترشح الرئيس السابق فرانسوا بوزيزيه، الذي يعد الآن جزءًا من تحالف المعارضة الرئيس المكون من ست جماعات، بما فيها أنتي بالاكا وسيليكا التي أطاحت به في 2013. وعلى الرغم من فشل الجماعات في إلغاء الانتخابات، إلا أنها أثبتت قدرتها التخريبية والتمدد باتجاه العاصمة، في ظل دعم القوات الروسية والرواندية وقوات حفظ السلام للحكومة.

في ضوء ذلك، يتعين على الاتحاد الأفريقي استغلال خبرته في الحوار مع الجماعات المتمردة على مدار عامين، بهدف إعادتهم إلى طاولة التفاوض، والتوسط في المحادثات بين بوزيزي وتواديرا؛ لأن العداء المتبادل بينهما يؤجج التوترات بين المجموعات العرقية لكل منهما.

معالجة تداعيات نزاع التيجراي الإثيوبي

يدعو التقرير الاتحاد الأفريقي إلى ضرورة لعب دورًا مهمًا فيما يتعلق بالحوار الوطني في إثيوبيا، وفي تهيئة وصول المساعدات الإنسانية إلى إقليم تيجراي، ومعالجة التداعيات الإنسانية، بعد الأزمة التي خلفها الصراع في الإقليم والتي تركت نحو 4.5 مليون من سكان تيجراي بحاجة إلى المساعدة، ونزوح ما لا يقل عن 2.5 مليون شخص من المنطقة.

يأتي هذا الدور في ظل عدم تدخل الاتحاد الأفريقي في الشؤون الداخلية لإثيوبيا، مقر الاتحاد، التي كانت تنعم باستقرار نسبي على مدار الثلاثة عقود الماضية. إلا أنه مع اندلاع الصراع في إقليم تيجراي في أوائل نوفمبر الماضي، بدأ الاتحاد الأفريقي في الانخراط في حوار مع الحكومة الإثيوبية.

ولا يزال الصراع مستمر على الرغم من سيطرة الحكومة الفيدرالية على ميكيلي ومعظم المدن الرئيسية، ومعظم القادة المطلوبين من التيجراي هم طلقاء. وعلى الرغم من إرسال رئيس الاتحاد الأفريقي لمبعوثين إلى أديس أبابا، حيث التقوا كبار المسؤولين الفيدراليين في محاولة للحد من التوترات، فإن الحكومة الفيدرالية لم تسمح لمبعوثي الاتحاد الأفريقي بالوصول إلى تيجراي، ورفض رئيس الوزراء آبي أحمد طلباتهم بإجراء محادثات مع تيجراي، منتقدًا التدخل الدولي.

في ظل ذلك، لم يعرض مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي أزمة تيجراي على جدول أعماله، ومن غير المرجح أن يفعل ذلك بينما تشغل إثيوبيا مقعدًا في المجلس، وسيظل الأمر هكذا حتى عام 2022. ورغم هذه التحديات، فإن مبادرة مبعوثي الاتحاد الأفريقي جديرة بالاهتمام، ويجب على الاتحاد أن يدعم مبادرة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي من أجل وصول المساعدات الإنسانية غير المشروطة ودعم حالة حقوق الإنسان. هذا بالإضافة إلى ضرورة دعم إجراءات التصالح في الأقاليم الأخرى بما فيها الأورومو.

اغتنام الفرصة للانخراط في ليبيا

يتعرض التقرير لدور الاتحاد الأفريقي في الأزمة الليبية لبحث مقترحات تفعيل هذا الدور الفترة القادمة، بعد تراجعه لفترات طويلة. ويأتي هذا في ضوء أهمية ليبيا لمنطقة الساحل والصحراء، وليس شمال أفريقيا فحسب. ومع توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في جنيف 23 أكتوبر 2020، تتهيأ الفرصة لدور أكبر للاتحاد في الدفع بالمحاولة الجديدة لعملية السلام في ليبيا.

وبالنظر إلى موقف الاتحاد من القضية الليبية، فإنها شهدت انقسامًا دبلوماسيًا بين أعضاء مجلس السلم والأمن الأفريقي، منذ 2011، بسبب اختلاف المواقف بين الدول الأعضاء تجاه القذافي. فقد كان الموقف العام للاتحاد مناهضًا للتدخل العسكري للناتو، ومؤيدًا لإجراء مفاوضات سياسية. وعليه، تمّ تهميش دور الاتحاد، وقد رفض مجلس الأمن، في عام 2020، مقترحات بشأن تعيين مبعوث مشترك بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي. 

غير أن الوقت الآن يمثل فرصة لانخراط الاتحاد لدعم العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، بهدف الوفاء بشروط وقف إطلاق النار. فيمكن للمنظمة دعم جهود جلب الليبيين إلى طاولة مفاوضات مسار الأمم المتحدة، كخيار أفضل من استضافة الاتحاد الأفريقي لمؤتمر مصالحة منفصل. وكذلك فإن الاتحاد يمكنه المساهمة في الانتخابات المزمع عقدها في 24 ديسمبر 2021، بجانب الأمم المتحدة. وفيما يتعلق بوقف إطلاق النار، يركز التقرير على دور المنظة في إخراج المقاتلين الأجانب من ليبيا، بما في ذلك المجموعات المسلحة من السودان وتشاد، والتنسيق مع الأمم المتحدة في تسريح هذه المجموعات. 

وضع السياسة أولًا في منطقة الساحل

مع استمرار التهديدات الأمنية في منطقة الساحل، يشير التقرير إلى الحاجة إلى إعادة التفكير بشأن إرساء الاستقرار في المنطقة. فقد كان عام 2020 الأكثر دموية في منطقة الساحل؛ مع تصاعد العنف بين القبائل، مما أتاح للجهاديين والميليشيات العرقية المزيد من الفرص لإحداث الفوضى. وبينما لا تزال الاستجابة لتلك التهديدات أمنية، تبرز الحاجة للحلول السياسية، مع الانقلاب الذي شهدته مالي في أغسطس الماضي نتيجة للاحتجاجات الشعبية ضد الفساد وانعدام الأمن الذي عمق غضب الناس تجاه قادتهم. 

وتبرز تلك الحاجة مع اتساق موقف الاتحاد مع الاستجابة الغربية والذي مال مؤخرًا نحو العمل العسكري، والتخطيط لإرسال قوة من الاتحاد الأفريقي إلى منطقة الساحل، لدعم القوة العسكرية المشتركة. فيما تبرز مشاكل التمويل لهذه القوة، مع بطء تسديد مساهمات الدول الأعضاء، بما في ذلك الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، في صندوق السلام التابع للاتحاد.

وعليه، تقتضي الحاجة أن يطور الاتحاد استراتيجية سياسية تضع أفريقيا في صدارة الاستجابة لأزمة منطقة الساحل وتركز على الأسباب الجذرية للأزمة، بما في ذلك حاجة دول الساحل إلى إعادة ترسيخ نفسها في المجتمعات المحلية، بما في ذلك المشتبه بهم في إيواء الجهاديين، ذلك بما لا يتعارض مع استمرار المواجهة العسكرية.

دعم الصومال في انتخاباتها وما بعدها

يتعين على الاتحاد هذا العام، إيلاء القضية الصومالية قدرًا من الاهتمام. فمع إرجاء الانتخابات التي كان مقررًا عقدها بعد يوم واحد فقط من انتهاء قمة الاتحاد في 8 فبراير الجاري، تتأكد حالة عدم الاستقرار في البلاد. وتشهد البلاد حالة من التوتر منذ تأجيل الانتخابات التشريعية في ديسمبر الماضي. يأتي ذلك في ظل تدهور العلاقة بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات. يوفر هذا الوضع الفرصة لحركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال، لاستغلال الاضطرابات المرتبطة بالانتخابات.

ويدعو التقرير بعثة الاتحاد الأفريقي إلى تكثيف التعاون مع القوات المحلية للمساعدة في تأمين الانتخابات، والتنسيق مع الأمم المتحدة، بدلًا من تكرار الجهود. هذا بالإضافة إلى ضرورة النظر في مستقبل بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، مع اقتراب الموعد المقرر للانسحاب البعثة في 2021، ومع إعادة نظر الاتحاد الأوروبي في آليات التمويل الجديدة لعمليات السلام والأمن العالميين، على نحوٍ قد يُفقد البعثة مصدرًا مهمًا للتمويل.

يأتي ذلك في ظل الاحتمالات السلبية التي قد تترتب على انسحاب البعثة المحتمل أو خفض تمويلها، بما يفرض هذا الوضع على الاتحاد الأفريقي الضغط على الحكومة الصومالية بهدف إعادة بناء قوات الأمن ووضع جدول للانتخابات، بما يفرّغه لمواجهة حركة الشباب.

إعادة الانخراط في العملية الانتقالية في السودان

بعد أن كان للاتحاد دور في التوسط حتى تشكيل حكومة مدنية–عسكرية في السودان، بعد الإطاحة بعمر البشير، ودوره كشاهد على توقيع اتفاق السلام بين الخرطوم والحركات المتمردة من دارفور والمنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق)، يجب عليه أن يستأنف دوره كضامن ومراقب لعملية الانتقال، والمساعدة في إدماج الجماعات المتمردة التي لم توقع على اتفاق جوبا مع الحكومة الانتقالية.

ويقترح التقرير، تعيين مبعوث للاتحاد الأفريقي للسودان، في مكتب الاتصال التابع للاتحاد الأفريقي. هذا إضافة إلى الحاجة إلى تكثيف وساطته السياسية، مع استمرار التوترات في دارفور، في ظل انسحاب بعثة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور (يوناميد).

لفت الانتباه إلى المخاطر الأمنية لتغير المناخ

مع عقد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في 2021، وانضمام الولايات المتحدة لاتفاقية باريس لتغير المناخ، على الاتحاد الأفريقي استغلال هذا الزخم، لتسليط الضوء على التهديدات الأمنية وانعكاساتها على القارة، بهدف صياغة السياسات التي تهدف إلى الحد من احتمالية نشوب الصراعات. 

ذلك مع تعطيل التغيرات المناخية لسبل العيش، وتأثيرها على الأمن الغذائي في القارة، والتسبب في حالات الهجرة الجماعية، ناهيك عن حالات الصراعات على الموارد. ولعل أبرز تلك الصراعات، الصراعات بين المزارعين والرعاة، والتي ترتبط بشكل كبير بالاستجابة الحكومية لتلك التغيرات المناخية. فقد تسهم السياسات الحكومية في تسريع وتيرة الصراع أو تثبيطه. ويدعو في إطار ذلك الوضع، إلى إعادة تفعيل مقترح بتعيين مبعوث للاتحاد الأفريقي لتغير المناخ، الذي لم يفعّل منذ 2018.

شيماء البكش

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى