نجح ماريو دراجي منقذ أوروبا من الأزمة الاقتصادية العالمية (2008 – 2013) في اختبار جديد، حينما أدت وزارته الائتلافية اليمين أمام الرئيس الإيطالي ظهر السبت 13 فبراير 2021، بعد توقعات بفشله في أن تبصر حكومته النور وأن تذهب روما إلى انتخابات برلمانية مبكرة عوضًا عن الانتظار لموعد الانتخابات في يونيو 2023.
وتعكس التشكيلة المعقدة للحكومة الإيطالية الجديدة مدى حاجة روما إلى حكومة ائتلافية وتكنوقراط من أجل تجاوز حقيقة أن إيطاليا كانت المتضرر الأوروبي الأكبر من وباء كورونا، حتى أن الأزمة الإيطالية كانت مضرب المثل بمدي استفحال وانهيار النظام الصحي أمام الجائحة العالمية، لدرجة أن نظريات المؤامرة سرت مثل النار في الهشيم بين الشعب الإيطالي حول أن “الأمة الرومانية” تتعرض لمؤامرة إبادة دولية لآخر معاقل شعوب الإمبراطورية الرومانية العظمى، وأن حكومة جوزيبي كونتي اليسارية نفذت برنامجًا سريًا للتخلص من السكان المسنين فوق الستين عامًا.
دراجي أُطلق عليه في عموم أوروبا لقب “سوبر ماريو” نسبة إلى بطل إحدى ألعاب الفيديو القديمة، وذلك عقب إنقاذه أوروبا من الأزمة الدولية، ويُنتظر أن ينقذ إيطاليا من عثرتها الاقتصادية، وسعي روما إلى الظفر بـ 200 مليار يورو مساعدات من الاتحاد الأوروبي ضمن صندوق قاري لإنقاذ الدول الأوروبية المتعثرة من التداعيات الاقتصادية للجائحة العالمية.
حصل سوبر ماريو على دعم ستة أحزاب إيطالية دفعة واحدة لحكومته، من أجل تأمين اغلبية برلمانية لقراراته، وللذهاب إلى الاتحاد الأوروبي في بروكسل للظفر بالمساعدات الأوروبية الضخمة، والأحزاب الستة هي:
1 – حركة النجوم الخمس، المحسوبة على التيارات الشعبوية ولكنه حزب يميل إلى اليمين القومي الجديد.
2 – حزب الرابطة: معقل اليمين القومي الإيطالي الجديد بقيادة ماتيو سالفيني نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية الأسبق، الحزب يطالب بخروج إيطاليا من الاتحاد الأوروبي، دعا الحزب إلى استقلال شمال إيطاليا تحت اسم جمهورية Padania خلال تسعينات القرن العشرين قبل أن يطالب بتطبيق فيدرالية صارمة في البلاد وإعلاء قيم القومية الشمالية الإيطالية في السياسة الداخلية.
3 – الحزب الديمقراطي (الحزب الشيوعي الإيطالي سابقًا): المعقل التاريخي لليسار الإيطالي التقليدي.
4 – حزب إيطاليا فيفا (تحيا إيطاليا): حزب يساري منشق عن الحزب الديمقراطي، يقوده ماتيو رينزي رئيس الوزراء الأسبق.
5 – حزب إيطاليا إلى الامام (فورزا إيطاليا Forza Italia): المعقل التاريخي لليمين التقليدي في إيطاليا، برئاسة سيلفيو بيرلسكوني، ملياردير ميلانو البالغ من العمر 84 عامًا، صاحب ثروة تقدر في يوليو 2020 بــــ 6.4 مليار دولار أمريكي، الرجل الذى أخذ على عاتقه تأسيس اليمين المحافظ الإيطالي التقليدي عقب انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية، واستطاع تأسيس ورئاسة أكثر من حزب يميني، ما شكّل ثنائية اليمين المحافظ واليسار الشيوعي أو الاشتراكي التقليدي الإيطالي منذ بداية تسعينات القرن العشرين وحتى اليوم.
شكل الوزارة الإيطالية ثلاث مرات، ما بين عامي 1994 و1995، والثانية ما بين عامي 2001 و2006، والثالثة ما بين عامي 2008 و2011.
عبر ثلاثة عقود من الزمان سعى ملياردير ميلانو الذي أبصر الحياة في العصر الملكي إلى أن يكرس إمبراطوريته الإعلامية والرياضية في سحق اليسار الإيطالي، وعقب تأليف وزارة سوبر ماريو، عقد بيرلسكوني اجتماعًا تاريخيًا مع ماريو سالفيني، ليجتمع اليمين الإيطالي المحافظ التقليدي مع اليمين الإيطالي القومي الجديد على قلب رجل واحد في وزارة سوبر ماريو، ومن المقرر أن ينسق الرجلان معًا في انتخابات إيطاليا 2023.
6 – تكتل الحرية والمساواة: تكتل برلماني متصدع من شخصيات تنتمي إلى أيدولوجيا الخضر واليسار، بقيادة الرئيس الإيطالي السابق بياترو جراسو الذي ترأس الجمهورية بشكل مؤقت ما بين 17 يناير و3 فبراير من العام 2015، وذلك بصفته رئيسًا لمجلس الشيوخ الذي يتولى منصب رئاسة الجمهورية حال فراغ المنصب كما حدث وقتذاك.
حكومة المتخصصين
ورغم وجود رئيس جمهورية سابق واثنين من رؤساء الحكومات السابقة إضافة إلى نائب رئيس وزراء أسبق، إلا أن الاتفاق جرى حول حكومة تكنوقراط أو متخصصين وليس حكومة سياسية يشارك فيها زعماء إيطاليا، لذا غاب رؤساء الأحزاب والزعامات التقليدية داخل اليمين واليسار الإيطالي القديم والحديث، وتضم الوزارة الجديدة 24 وزيرًا منهم 9 مستقلين على رأسهم رئيس الوزراء نفسه.
وحصلت حركة النجوم الخمس على أربعة مقاعد، مقابل ثلاثة لكل من الرابطة وإيطاليا إلى الامام والديمقراطي، ومقعد واحد لكل من التكتل وتحيا إيطاليا.
وفيما يتعلق بأبرز الأسماء الحكومية، تقرر استمرار لويجي دي مايو وزيرًا للخارجية، وتعيين نائب حاكم بنك إيطاليا المخضرم دانيال فرانكو وزيرًا للاقتصاد.
حكومة منسجمة مع الاتحاد الأوروبي وإدارة بايدن
ورغم وجود حزب الرابطة اليميني وحتى حركة النجوم الخمس، إلا أنه من المتوقع ألا تصطدم الحكومة الإيطالية الجديدة بالاتحاد الأوروبي وإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، وأن تعمل حكومة ماريو دراجي على تنفيذ قواميس الصوابية السياسية المشتركة بين أوروبا وأمريكا في الوقت الراهن؛ من أجل الظفر بالمساعدات الأوروبية وحتى الأمريكية.
ومن أهم بنود الأجندة النيوليبرالية الأمريكية الأوروبية المشتركة هو ربط السياسة الخارجية بملفات حقوق الإنسان والمجتمع المدني والتغير المناخي، لذا أعلن دراجي عن استحداث “وزارة كبرى” للتحوّل البيئي، يتولاها عالم الفيزياء المعروف روبرتو كينجولاني المسؤول منذ سبتمبر 2019 عن الإبداع التكنولوجي لدى شركة “ليوناردو” العملاقة للفضاء.ومن المتوقع أن تتشدد روما في ملفات حقوق الانسان حينما تتعامل مع الشرق الأوسط. وكذلك، من غير المتوقع أن تخرج روما عن رؤية واشنطن فيما يتعلق بالملف الليبي حول أهمية دمج الحركات الإرهابية والمسلحة والمدعومة تركيًا في العملية السياسية الليبية، عكس أفكار المحور المصري الإماراتي الذي نجح في دعم القوى المدنية الليبية التي أسقطت المشروع التركي والمشروع الإخواني في ليبيا.
باحث سياسي
