شرق المتوسط

“فيليا”.. منتدى الصداقة والسلام في أثينا

عُقد يوم الخميس 11 فبراير 2021 اجتماع منتدى فيليا تحت عنوان “بناء الصداقة والسلام والازدهار من البحر المتوسط إلى الخليج” الذي تستضيفه اليونان؛ بمشاركة دول مصر والإمارات وقبرص والبحرين والسعودية والأردن.

وتم التأكيد خلال الكلمة الافتتاحية لرئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس أن الهدف هو “إطلاق حوار ديني وحضاري لحماية الشعوب والعلاقات بين مختلف الدول”. قائلا “نأمل من خلال المنتدى أن نلتقي بشكل مكثف ونضع الأرضية المناسبة من أجل مستقبل شعوبنا، وأن المنتدى مثال للتعاون بين البلدان خاصة خلال هذه الفترة الحرجة التي يمر بها العالم”

وفي سياق انعقاد المؤتمر تم عقد لقاءات على المستوى الثنائي؛ إذ التقى وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس مع وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف بن راشد الزياني ووزيرة الدولة الإمارتية للتعاون الدولي ريم الهاشمي. أيضا التقى رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس في قصر مكسيموس مع وزير خارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان آل سعود. والتقى وزير الخارجية المصري سامح شكري بوزير الخارجية القبرصي نيكوس خريستودوليدس، وتم الاتفاق بينهما على تنفيذ المشروعات المشتركة سواء في إطار التعاون الثنائي أو في إطار آلية التعاون الثلاثي مع اليونان، وتنفيذًا لما جاء في القمة الثلاثية في نيقوسيا في أكتوبر 2020.

دلالات انعقاد منتدى فيليا

  • يهدف منتدى فيليا إلى تعزيز التعاون في مجالات الاهتمام المشترك، وتوطيد علاقات الصداقة بين دول المنطقة الممتدة من البحر الأبيض المتوسط ​​إلى الخليج، إضافة إلى مناقشة الرؤى المشتركة لمواجهة أزمة كوفيد-19، فضلا عن مواجهة التحديات الأمنية المشتركة في المنطقة.
  • يمثل هذا المنتدى أهمية جيوسياسية كبيرة؛ نظرًا لأنه الأول بعد تأسيس منتدى شرق المتوسط، ويشارك فيه ما لا يقل عن أربع دول عربية ودولتين عضوتين في الاتحاد الأوروبي. ويعكس انعقاد المؤتمر في أثينا الدور المهم لليونان كحلقة للوصل بين الشرق الأوسط مع دول البلقان وباقي الدول الأوروبية، فضلًا عن أن الدول المشاركة في الاجتماع موقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار وتؤكد أحقية اليونان في مياها الإقليمية إلى 12 ميل بحري.
  • إطلاق مسمى “منتدى الصداقة” كونه يعكس التعاون والصداقة بين جميع دول المنطقة، وهو ليس تحالف دفاعي بل مفتوح أمام الدول التي تتبنى مبادئ حسن الجوار واحترام قواعد القانون الدولي.
  • يأتي انعقاد المنتدى في توقيت بالغ الأهمية بعد وصول إدارة جديدة إلى البيت الأبيض برئاسة جو بايدن مما يعكس حرص دول المنتدى على صياغة رؤية مشتركة لترتيبات منطقة شرق المتوسط؛ بهدف إيصال رسالة إلى الإدارة الجديدة عن قواعد ومبادئ العمل في منطقة شرق المتوسط لاسيما التفاعلات الأمنية في المرحلة القادمة، وترتيبات أمن الطاقة في المنطقة.

لاسيما وأن الإدارة الأمريكية الجديدة قد تلعب دورًا أكثر حزمًا في مواجهة تركيا، خاصة وأن الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أعلن في أكثر من مرة موقفه الرافض للتحركات التركية، علاوة على معارضته للاحتلال التركي لشامل قبرص، ما يعني أن الإدارة الأمريكية ستكون أكثر حزمًا تجاه تحركات تركيا بشكل عام وفي القلب منها شرق المتوسط.

  • ربما يثار في هذا المنتدى مناقشات حول انضمام السعودية والبحرين إلى منتدى شرق المتوسط، وربما الحديث عن شراكات إقليمية في مجالات عديدة وتبني مجموعة من المبادرات بهدف حفظ السلم والأمن في شرق المتوسط، لاسيما في ضوء الدور المحوري الذي تقوم به الدولة المصرية منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسى، وإيلاء الاهتمام بالدائرة المتوسطية.

تحديات مشتركة

هناك عدد من التحديات المشتركة التي تواجه دول المنطقة، نظرًا للأهمية الجيوسياسية والاقتصادية لمنطقة شرق المتوسط، وهو ما يجعلها مركزًا لتنافس القوى الدولية الإقليمية، ومسرحًا للصراع بينها، لاسيما بعد الاستكشافات الضخمة للغاز التي شكلت محور للصراع من قبل الدول المختلفة.

هذا بالإضافة إلى التحديات الأمنية  كالإرهاب العابر للحدود والهجرة غير الشرعية وتحديات الأمن البحري، مما يجعل من هذه التحديات فرصا استراتيجية لبعض دول شرق المتوسط للتعاون فيما بينها لتحقيق منافع بالإضافة إلى مواجهة التحديات المشتركة، الأمر الذي دفع هذه الدول إلى تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط والذي يمثل آلية للتعاون بين هذه الدول للاستفادة من استكشافات الغاز، وتنسيق سياسات الطاقة، وإقامة سوق غاز إقليمي بما يعزز فرص التنمية المستدامة لتلك الدول، من خلال الاستفادة من مواردها الهائلة من الغاز الطبيعي وتصديره إلى الدول الأوربية.

ويضم المنتدى دول مصر وإيطاليا واليونان وقبرص والأردن وإسرائيل وفلسطين، والذي أعلن في 14 يناير 2019 ومقره القاهرة، وعضويته مفتوحة لمن يرغب من دول شرق البحر المتوسط المنتجة أو المستهلكة للغاز الطبيعي أو دول العبور ممن يتفقون مع المنتدى في المصالح والأهداف. وقد صدقت على ميثاق المنتدى عدد من الدول وسوف يدخل حيز التنفيذ مارس القادم.

وتشكل الصراعات في بعض دول شرق المتوسط ولاسيما سوريا وليبيا وما صاحبها من تنامي ظهور مهددات الأمن غير التقليدي مثل الإرهاب العابر للحدود والهجرة غير الشرعية تحديات ملحة وضاغطة أمام دول المنطقة، فضلا عن تزايد حالات النزاعات بين العديد من دول شرق المتوسط على إثر خلافات ترسيم الحدود البحرية فيما بينها وخاصة مع تنامي الاكتشافات الهائلة للغاز، حيث قدرت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية تقديراتها لكمية احتياطات الغاز الطبيعي الموجودة بالبحر المتوسط إلى 122 تريليون قد مكعب.

وكذلك، هناك تحديات سياسية تؤثر على إنتاج الغاز في المنطقة وتصديره منها اعتراض تركيا على اتفاقيات تعيين الحدود البحرية بين مصر وقبرص واليونان، على اعتبار أن بعض هذه الحدود يدخل ضمن حدود الجرف القاري لها، وأن هذه الاتفاقيات تتجاهل حقوق قبرص الشمالية التي لا يعترف بها سوى تركيا.

رفضت تركيا اتفاق ترسيم الحدود بين مصر واليونان في 6 أغسطس2020 بدعوى أن المنطقة التي شملها الاتفاق تقع ضمن الجرف القاري لتركيا، ويدخل الرفض التركي للاتفاق ضمن سياستها المستمرة الرامية إلى رفض كافة الاتفاقيات البحرية شرق المتوسط كما هو الحال في رفضها لاتفاق ترسيم الحدود بين مصر وقبرص علاوة على الاعتراض على اتفاق ترسيم الحدود بين قبرص وإسرائيل.

لدى تركيا طموح في شرق المتوسط وتهدف إلى تنفيذ مشروع “الوطن الأزرق” الذي يضمن لها ممارسة دور إقليمي ودولي فاعل عبر النفاذ للبحار الثلاثة المحيطة بها، وتأمين احتياجاتها من الطاقة، لذا تعمل أنقرة على مواصلة نهجها المعتاد وإجراءاتها للتنقيب عن الغاز بصورة غير مشروعة. وهو ما يثير دول أوروبا التي ترفض السلوك التركي شرق المتوسط، والذي اتخذ صورة حادة في الفترات الأخيرة كاد أن يصل إلى حد الاشتباك بين فرنسا وتركيا على خلفية تحرش الأخيرة بفرقاطة فرنسية كانت في مهمة تابعة للناتو.

وكذا، تكثف تركيا من تحركاتها وسياستها العسكرية في المنطقة، خاصة بعد إعلانها في ديسمبر 2020 عن عودة سفن التنقيب في المتوسط مرة أخرى، وتعمل تركيا على مواصلة التحرش وإيقاف السفن أو منع شركات التنقيب من القيام بأعماله أو عبر إجراء مناورات عسكرية في البحار الثلاثة المحيطة بها.

الأمر الذي يعني أن عسكرة تركيا لشرق المتوسط من شأنه أن يؤثر على استقرار وأمن المنطقة ومن ثم الأمن الأوروبي، حيث تؤكد التقديرات على حاجة الاتحاد الأوروبي لاستيراد نحو 113 مليار متر مكعب من الغاز بحلول 2030، واستقرار المنطقة من شأنه أن يسرع من عمليات اكتشافات الغاز وانشطة الإنتاج مما قد يقلل اعتماد أوروبا على الغاز الروسي، وهو أمر استراتيجي بالنسبة لدول أوروبا.

ختاما؛ يمكن القول إن انعقاد المنتدى وفي ذلك التوقيت له دلالة مهمة، لاسيما في ضوء مشاركة عدد من الدول المختلفة، وأن المنتدى هو استمرار للتعاون بين دول شرق المتوسط لمواجهة التحديات المشتركة، وصياغة رؤية مستقبلية حول الاستقرار والسلام في هذه المنطقة.

+ posts

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

رحاب الزيادي

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى