روسيا

القيم الأوروبية تنهار على صخرة “أزمة طرد الدبلوماسيين” واحتجاجات “نافالني”

تُعد اتفاقية “فيينا” لتنظيم العلاقات الدبلوماسية واحدة من أكثر الصكوك والمعاهدات الدولية، التي تم إبرامها في إطار الأمم المتحدة لتدوين القانون الدولي وتطويره، نجاحا من حيث التزام الدول الأطراف بها.

وتتمتع هذه الاتفاقية، التي يوجد بها مشاركة شبه عالمية من قِبَل الدول ذات السيادة، بدرجة عالية من التقيد بها من قبل أطرافها في المجتمع الدولي، فيما يرجع الفضل في هذا النجاح إلى الاستقرار الطويل للقواعد الأساسية للقانون الدبوماسي، بالإضافة إلى فاعلية مبدأ المعاملة بالمثل بين الدول جزاء لعدم الامتثال.

تم توقيع الاتفاقية عام 1961، ووصولاً إلى عام 2018 كان عدد الدول الأطراف الموقعة عليها وصل إلى 192 دولة. ووفقًا لما ورد بالاتفاقية، فإنه يُعهد إلى البعثة الدبلوماسية بتمثيل دولتها أمام الدولة المُضيف بالشكل الذي يضمن حماية مصالح بلادها ومصالح رعاياها الموجودون في الأراضي الخارجية في إطار الحدود، التي يُقرها القانون الدولي. ونصت المادة 41 من اتفاقية فيينا على أنه يحظر على الدبلوماسي انتهاك قوانين الدولة المضيف والتدخل في شؤونها الداخلية. 

كيف بدأت أزمة طرد الدبلوماسيين الأخيرة؟!

في الآونة الأخيرة، شهدت أنحاء متفرقة من روسيا احتجاجات متعلقة باحتجاز المعارض الروسي “أليكسي نافالني”. وكانت الشرطة الروسية قد واجهت الاحتجاجات بالقوة نظرًا لأنها احتجاجات غير مرخصة وفقًا للقانون الروسي.

تلى ذلك أن واجهت روسيا اعتراضات أوروبية وغربية على اعتقال المعارض الروسي ومحاكمته ومحاولة السلطات الروسية لاحتواء المظاهرات ومنعها من الاندلاع. لكن لم تتوقف الأمور عند حد الاعتراض الأوروبي العلني فحسب، إذ أنه امتد إلى درجة أن شارك دبلوماسيون أجانب في الاحتجاجات بأنفسهم، وهو الأمر الممنوع تمامًا بموجب القانون الدولي المنظم للعلاقات ما بين الدول ودور وطبيعة الدبلوماسيين في كل بلد.

لذلك، أعلنت وزارة الخارجية الروسية بتاريخ 5 فبراير، طرد 3 من موظفي البعثات الدبلوماسية الألمانية والسويدية والبولندية بسبب مشاركتهم في المظاهرات غير المصرح بها دعمًا للمعارض المعتقل أليكسي نافالني.

وذكرت الخارجية الروسية، في بيان، أنها استدعت سفير المملكة السويدية والقائم بأعمال جمهورية بولندا ومبعوث سفارة جمهورية ألمانيا الاتحادية، حيث أبلغتهم باحتجاجها “على المشاركة المسجلة لموظفين في القنصليتين العامتين السويدية والبولندية في سان بطرسبورغ والسفارة الألمانية في موسكو في المظاهرات غير الشرعية يوم 23 يناير 2021”. وشددت الوزارة على أن “مثل هذه التصرفات من قبلهم تعتبر غير مقبولة وهي لا تتطابق مع صفاتهم الدبلوماسية”.

وبناءً عليه استخدمت الخارجية الروسية حقها القانوني وأعلنت الدبلوماسيين المشاركين باعتبارهم شخصيات غير مرغوب فيها على الأراضي الروسية، وقامت بطردهم. 

وقالت الوزارة إن الجانب الروسي يتوقع أن تلتزم البعثات الدبلوماسية السويدية والبولندية والألمانية مع كوادرها بأحكام القانون الدولي بشكل صارم.

وهي الخطوة التي ردت عليها الدول الأوروبية بأن “طردت” في المقابل دبلوماسيين روس. فقد قامت ألمانيا، بتاريخ أمس الاثنين 8 فبراير، بطرد أحد موظفي السفارة الروسية وإعلانه شخصًا غير مرغوب فيه على خلفية أزمة نافالني. كما أعلنت السويد اعتزامها طرد دبلوماسي روسي كذلك، وفعلت بولندا بالمثل.

أوروبا والغرب أمام عصا القانون الدولي: ازدواجية مقصودة

لطالما أشهر الغرب التزامه بالقانون الدولي، موجهًا أصابع اللوم لموسكو، التي من وجهة نظر غربية لم تمتثل لهذا القانون في مواقف عدة من قبل. لكن اليوم تنقلب الآية، ويبدو المشهد بشكل عكسي. إذ أن وزارة الخارجية الروسية طردت الدبلوماسيين الأوروبيين بسبب عدم امتثالهم لبنود اتفاقية فيينا المنظمة للعلاقات الدبلوماسية وخروجهم عن الدور المنصوص لهم وفقًا لمقتضيات القانون الدولي ومشاركتهم في احتجاجات داخلية.

لكن السؤال هنا، كيف ردت أوروبا على هذه الخطوة؟ هل اعترفت بمقتضى ضرورة الموقف بأن دبلوماسييها انتهكوا القانون الدولي وقدمت اعتذارًا على هذا الأمر؟! هل أوضحت أن تصرفات هؤلاء الدبلوماسيين كانت نابعة من قرارات فردية –وهذا أيضًا يعد أمرًا غير مباح بموجب القانون الدولي- لتدارك الموقف؟!

حينها، أعلن وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أنه “يدين بشدة” قرار روسيا طرد دبلوماسيين أوروبيين خلال زيارته لموسكو، داعيا إلى “إعادة النظر” في هذا القرار. كما قال المتحدث باسمه بيتر ستانو، إن بوريل علم خلال لقائه سيرجي لافروف، وزير الخارجية الروسي، أنه سيتم طرد دبلوماسيين أوروبيين من روسيا، وأدان هذا القرار بشدة ورفض مزاعم قيامهم بأنشطة تتعارض مع وضع بلدانهم كدبلوماسيين أجانب. وجدد بوريل دعوة التكتل لروسيا لإطلاق سراح الناشط الروسي نافالني خلال محادثاته مع وزير الخارجية الروسي.

وفي نفس السياق، نددت المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل”، بطرد روسيا للدبلوماسيين ووصفته بأنه خطوة أخرى تبتعد بها موسكو عن حكم القانون! حيث قالت المستشارة ميركل للصحفيين بعد مؤتمر مشترك، الجمعة 5 فبراير، عبر الإنترنت، مع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، حول قضايا الدفاع والأمن “نعتبر أن الطرد غير مبرر”.

إذا، نعرف أن روسيا “طردت” الدبلوماسيين استنادًا إلى نصوص القانون الدولي المنظمة للعلاقات الدبلوماسية بين الدول الأطراف. ونعرف أيضًا أن أوروبا اعترضت على هذه الخطوة، ووفقًا لكلمات “ميركل”، إن روسيا بهذه الطريقة تبتعد أكثر عن القانون الدولي!

السؤال هنا، أي نوع من أنواع القانون الدولي هو الذي تحتكم إليه أوروبا بالضبط؟ وهل يوجد هناك عدد من القوانين المختلفة التي تنظم العلاقات الدبلوماسية العالمية. بمعنى أن يكون هناك قانون منظم عندما لا تُعارض المسألة رغبة أوروبا، ولكن عندما تُعارض المسألة أو القضية الرغبات الأوروبية، يتضح أنه يوجد هناك عدد من القوانين المختلفة. أحدهما تنصاع له أوروبا وتحترمه، والآخر لا تعتد به على الرغم من أنها بالفعل طرفًا في اتفاقياته.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

داليا يسري

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى