
لماذا ثبت البنك المركزي أسعار الفائدة في اجتماعه الأخير؟
قررت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري الإبقاء على سعر الفائدة على الإيداع والإقراض لليلة الواحدة وسعر العملية الرئيسية للمركزي عند مستويات تبلغ 8.25% و9.25% و8.75% على الترتيب.
وقد برر المركزي هذه الخطوة بأن لجنة السياسة النقدية ترى أن أسعار العائد الأساسية لديه تُعد مناسبة في الوقت الحالي وتتسق مع تحقيق معدل التضخم المستهدف والبالغ 7% (± 2 نقطة مئوية) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2022، ومع مستهدف استقرار الأسعار على المدى المتوسط، مؤكدًا مساعيه لمتابعة جميع التطورات الاقتصادية عن كثب؛ من أجل استخدام جميع أدوات السياسة النقدية المناسبة لدعم تعافي النشاط الاقتصادي مع احتواء الضغوط التضخمية.
وفي هذا الإطار يستهدف هذا التحليل الإجابة على بعض التساؤلات التي تتمركز أبرزها في “لماذا ثبت المركزي الفائدة في الاجتماع الأخير؟” و”ما أهم التداعيات التي من الممكن أن تترتب على هذا القرار؟”
دوافع تثبيت سعر الفائدة رغم الموجة الثانية من كورونا
عادةً ما تتخذ البنوك المركزية قراراتها حول أسعار الفائدة وفقًا للعديد من العوامل؛ تتمثل أبرزها في تغير معدل التضخم وحركة النشاط الاقتصادي. فإذا كان يسعى لرفع معدل النمو فإنه سيلجأ إلى خفضها من أجل تشجيع المستثمرين على الاقتراض، وإطلاق المزيد من المشروعات مما سيؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة وزيادة معدلات التشغيل وتعزيز النمو الاقتصادي في نهاية المطاف. ومن ناحية أخرى يساهم خفض الفائدة في انخفاض الإقبال على الودائع، وهو ما يعني زيادة السيولة في أيدي المواطنين وارتفاع مستوى الإنفاق الذي سيصب في النهاية في زيادة معدلات التضخم.
وبناء على المؤشرات الآتية قام البنك المركزي بتثبيت الفائدة في اجتماعه الأخير رغم بدء الموجة الثانية من فيروس كورونا، وبناء على المؤشرات الآتية قام البنك المركزي باتخاذ هذا القرار.
- معدل النمو:
تباطأ نمو الاقتصاد المصري خلال الربع الأول من العام المالي 2020-2021 (يوليو – سبتمبر) بضغطٍ من تأثير فيروس كورونا على الأنشطة الاقتصادية كالسياحة والصناعة، فيما أكدت وزيرة التخطيط “هالة السعيد” أن الإجراءات التي اتخذتها الدولة ساهمت في تحقيق معدل نمو إيجابي، وبدون تلك الإجراءات كان من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد بنحو 1.2%، وفيما يلي استعراض لتطور معدل النمو خلال 2020:
الشكل (1): معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي 2020 المصدر: تصريحات وزيرة التخطيط خلال اجتماعات مجلس الوزراء.
يتضح من الشكل السابق أن آثار الإجراءات الاحترازية الهادفة لاحتواء فيروس كورونا بدأت في الظهور خلال الربع الثاني من 2020، حيث سجل الاقتصاد أول انكماش ربع سنوي منذ الربع الرابع من العام المالي 2011-2012، فيما تعافى معدل النمو عقب ذلك مع إعادة فتح الاقتصاد مرة أخرى.
- معدل التضخم:
انخفض المعدل السنوي للتضخم العام لإجمالي الجمهورية إلى 6% في ديسمبر 2020 مقارنة مع 6.3٪ في نوفمبر 2020، كما انخفض المعدل السنوي للتضخم العام في الريف إلى 6.6 ٪ خلال ديسمبر 2020 مقابل 6.9٪ في نوفمبر 2020.
كما تراجع المعدل السنوي لتضخم السلع الغذائية إلى 2.8% في ديسمبر 2020 من 3.6% في نوفمبر 2020 ،مدفوعًا بانخفاض المساهمة السنوية للخضروات الطازجة. في ذات الوقت، ظل المعدل السنوي لتضخم السلع غير الغذائية دون تغيير عند مستوى 6.6 ٪ في ديسمبر 2020، بعدما انخفض في نوفمبر 2020 من 6.9% في أكتوبر 2020.
ولتوضيح أثر انتشار فيروس كورونا على التضخم بشكل شهري، يُمكن الاستعانة بالشكل التالي:
الشكل (2): المعدل السنوي للتضخم العام في الحضر خلال 2020 المصدر: البنك المركزي المصري، النشرة الإحصائية الشهرية.
يتضح من الرسم السابق مدى تأثير فيروس كورونا على الأعمال التجارية والصناعية، وتراجع الإنتاج والإنفاق، بالإضافة إلى انخفاض أسعار النفط العالمية منذ شهر مارس 2020، وعلى مدار 2020 سنجد أن معدل التضخم قد هبط سريعًا منذ يناير وحتى أغسطس من 7.2% إلى 3.4%، ليتعافى بعد ذلك بداية من سبتمبر وحتى نوفمبر مسجلًا 5.7%، منخفضًا عقب ذلك إلى 5.4% في ديسمبر.
- الاحتياطي النقدي:
ارتفع الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي المصري خلال السبعة أشهر الماضية بنحو 4.06 مليار دولار أو بنحو 11.27% من 36 مليار دولار في مايو إلى 40.06 مليار دولار في ديسمبر. وعلى مدار العام بأكمله، تراجعت قيمة الاحتياطي النقدي بنحو 11.87% من 45.46 مليار دولار في يناير إلى 40.06 مليار دولار بحلول نهاية العام، وهو ما يتضح على النحو الآتي:
الشكل (3): تطور الاحتياطي النقدي خلال (مليار دولار) المصدر: البنك المركزي المصري، النشرة الإحصائية الشهرية.
يتبين من الرسم السابق أن الاحتياطي النقدي قد بدأ في التعافي التدريجي منذ يونيو الماضي وذلك بعد مرور فترة الإغلاق الناجمة عن فيروس كورونا وتخفيف حدة الإجراءات الاحترازية وإعادة النشاط السياحي مرة أخرى، فضلًا عن ارتفاع الاستثمارات الأجنبية في أذون الخزانة أو ما يُعرف بالـ”Hot Money”.
كيف تطورت أسعار الفائدة في 2020؟
خفض البنك المركزي أسعار الفائدة بمجموع 4% خلال عام 2020، منها 3% مرة واحدة في مارس الماضي كإجراء استباقي لمواجهة تداعيات جائحة فيروس كورونا، وبشكل عام اتبع البنك المركزي سياسة نقدية توسعية عبر خفض معدلات الفائدة على الإيداع والإقراض على مدار العام الجاري وهو ما يُمكن رصده على النحو التالي:

يتضح من الجدول السابق أن أسعار الفائدة شهدت تطورًا كبيرًا خلال العام الماضي، حيث قرر “المركزي المصري” خفضها بنسبة 4% كما سبق القول. وخلال 10 اجتماعات عقدتها لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري على مدار العام الماضي، فقد قامت بتثبيت أسعار الفائدة خلال 7 اجتماعات، فيما شهدت 3 اجتماعات خفض أسعار الفائدة.
وثبت المركزي المصري خلال الاجتماع الأخير للجنة السياسة النقدية في ديسمبر 2020 سعر الإقراض لليلة واحدة عند 9.25% وسعر إيداع ليلة عند 8.25%، وهو أدنى مستوى لأسعار العائد منذ يوليو 2014.
جدول اجتماعات السياسة النقدية خلال 2021
يتوقع العديد من المحللين الاقتصاديين أن يخفض البنك المركزي أسعار الفائدة بنسبة 1% خلال عام 2021، وذلك استكمالًا لسياسته التيسيرية التي بدأها في عام 2018، بعد رفع الفائدة بمجموع 7% خلال الفترة منذ تعويم الجنيه في 3 نوفمبر 2016 وحتى يوليو 2017.
ومن المقرر أن تعقد لجنة السياسة النقدية 7 اجتماعات أخرى على مدار العام الحالي لبحث مصير أسعار الفائدة، أقربها في الثامن عشر من مارس المقبل، كما هو موضح بالنقاط التالية:
- 18 مارس.
- 29 أبريل.
- 17 يونيو.
- 5 أغسطس.
- 16 سبتمبر.
- 28 أكتوبر.
- 16 ديسمبر.
وترجع توقعات المحللين بخفض الفائدة بمقدار أقل مما حدث في 2020 بسبب ترقب العالم لتوافر لقاح لعلاج فيروس كورونا والتي بدورها قد تخفف من حالة عدم اليقين السائدة على المدى المتوسط.
وفي الختام، يعطي قرار تثبيت الفائدة دليلًا على استقرار الاقتصاد المصري مع وجود توقعات باستمرار هذا الاستقرار خلال الفترة المقبلة، وذلك في ضوء بقاء معدل التضخم ضمن مستهدف المصرف المركزي رغم الانخفاض الطفيف الحادث في ديسمبر 2020.
باحثة ببرنامج السياسات العامة