
الرئيس الخامس للحكومة الليبية … من هو عبد الحميد الدبيبة؟
لا يعد عبد الحميد الدبيبة الرئيس الخامس للحكومة الليبية وجهًا غريبًا على السياسة الليبية، رغم أنه يصنف في الأساس كرجل أعمال. يبلغ الدبيبة من العمر 62 عامًا، وينحدر من مدينة مصراته شمالي غرب ليبيا، وينتمي إلى عائلة يعمل معظم أفرادها في المجال الاستثماري. وهو حاصل على درجة الماجستير في الهندسة المدنية من جامعة تورنتو الكندية.
الخلفية الأساسية للدبيبة كانت المجال الاستثماري الحكومي، فقد تولى خلال حقبة القذافي رئاسة مجالس إدارات عدة مؤسسات وشركات تابعة للدولة الليبية، منها جهاز تنمية المراكز الإدارية (أوداك) في الفترة ما بين عامي 1989 و2011، والشركة الليبية القابضة للتنمية والاستثمار (ليدكو) منذ عام 2006 وحتى الآن، وقد كان نشطًا في مجال التنمية والاستثمار خلال فترة حكم القذافي، وشارك منذ عام 2007 في التجهيز لمشروع (ليبيا الغد) الذي اشتمل على عشرات المشاريع التنموية، بجانب خطط لتطوير البنية التحتية وتعزيز التعليم.
على المستوى السياسي، لم يشغل الدبيبة سابقًا أية مناصب رسمية، لكنه أسس خلال الفترة التي تلت سقوط نظام القذافي عدة مبادرات سياسية، من بينها تجمع (ليبيا المستقبل)، وتيار (ليبيا الموحدة). وقد برز اسمه بشكل مفاجئ في المسارات السياسية الليبية، في أبريل 2017 حين التقى في موسكو مع غينادي غاتيلوف نائب وزير الخارجية الروسي. خلال رحلته هذه إلى موسكو صرح للصحافة الروسية بأنه يرى في التوجهات السلمية المسار الأوحد للوصول إلى حل في ليبيا، وأعرب حينها عن رغبته في وقوف روسيا إلى جانب ليبيا، وأن تتم استعادة العلاقات الدافئة التي كانت تربط بين موسكو وطرابلس.
في يوليو 2017، كانت له تصريحات حول الشأن الداخلي الليبي، حيث عبر عن أسفه لما يحدث في ليبيا من قتل وغياب للأمن، وأعرب عن أنه ضد العنف مهما كانت مبرراته، وضد تهجير الليبيين، ودعا في هذا السياق الجميع إلى وقف العنف والجلوس على طاولة حوار واحدة من أجل ليبيا ومن أجل الأجيال القادمة، وأكد أنه مع بناء دولة القانون والمؤسسات الحكومية والغير حكومية مثل الاتحادات والمراكز والجمعيات، بشكل يتيح للجميع “المشاركة في بناء وخدمة الوطن والشعب”.
في أغسطس 2018، تحاورت معه مجلة (جون أفريك) الفرنسية، واتضح من خلال هذا الحوار الملامح الأساسية لتوجهاته السياسية، حيث تحدث عن رؤيته للحل السياسي في ليبيا، والتي تقتضي إقرار دستور دائم للبلاد أولًا قبل أية خطوات سياسية، وأكد خلال حديثه أن الحل السياسي في ليبيا حسب رأيه ينبغي إلا يتضمن إقصاءً لأي مكون ليبي، بما في ذلك قبيلة القذاذفة، بل يجب أن يتم بناء هذا الحل على أساس توافقي يوحد صفوف الليبيين من شرق البلاد إلى غربها وجنوبها.

على مستوى العلاقات الليبية مع الجوار العربي، قال الدبيبة خلال هذا الحوار إنه يريد تكوين علاقات طيبة مع الجميع، ولا يرغب لا في احتلال أجنبي ولا تدخل اي طرف في الشأن الداخلي الليبي، بل يريد تكوين شراكات اقتصادية مع الجوار العربي، خاصة وأن ليبيا تمتلك امتيازات حقيقية لاستقطاب المستثمرين، وهذ امتيازات يجب استغلالها في دعم مشاريع البنية التحتية، لا في شراء الأسلحة.
في الخامس عشر من أكتوبر 2018، التقى الدبيبة في القاهرة بكل من المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا لأمين العام للأمم المتحدة غسان سلامة، ونائبته للشؤون السياسية آنذاك ستيفاني وليامز، ومنذ ذلك التاريخ اتضحت بشكل أكبر طموحاته السياسية والاقتصادية، وشارك بشكل مكثف في جلسات ملتقى الحوار الليبي في جنيف، وألقى أمامه كلمة قبيل جلسة الانتخابات الأخيرة، أعرب خلالها عن تعهده بتأمين الانتخابات في حالة فوزه، ودعم المفوضية الوطنية العليا للانتخابات ماديًا ومعنويًا، وتكثيف جهود التوعية الانتخابية للمواطنين، واللجوء إلى المنظمات الدولية، ومنها الأمم المتحدة لدعم الانتخابات لوجستيًا وأيضًا مراقبتها.
وتعهد بأنه سيركز في رؤيته الاقتصادية على دعم التعليم والتدريب، كوسيلة لنشر الوعي وتقليل البطالة، وتعهد بحل أزمة انقطاع التيار الكهربائي في مدة ستة أشهر فقط.
من النقاط اللافتة في توجهات الدبيبة، والتي ستضعه في اختبارات جدية خلال الأشهر المقبلة، حديثه خلال كلمته عن نيته تأسيس مؤسسات أمنية احترافية، توقف فوضى السلاح، وهذا إن وضعناه جنبًا إلى جنب مع انتقاداته المتتالية لفوضى السلاح، والتي وصلت إلى حد مخاطبته لأبناء مدينته لإيقاف هذه الفوضى، بالقول “يا أبناء مدينتي ورجال وطني لقد ذهب رشدكم وتماديتم عندما اعتقدتم أنكم بالحديد والنار قد تتمكنون من نيل ما تطمحون إليه والله لقد خاب ظنكم وأخطأت أذهانكم، فما هكذا تبنى الدول ولا بمثل ما تسلكون تبنى المجتمعات”، نصل إلى خلاصة مفادها أن الدبيبة لديه نوايا جدية في إيجاد حل جذري لأهم المشكلات التي تعوض الوصول إلى الاستقرار في ليبيا، وهي مشكلة الميليشيات وفوضى السلاح. والأيام المقبلة كفيلة بإظهار ما إذا كان لديه القدرة السياسية والفعلية على ذلك أم لا.
باحث أول بالمرصد المصري