اليمن

كيف تتعامل إدارة بايدن مع حرب اليمن؟

نفذ الرئيس الأمريكي جو بايدن وعوده الانتخابية بحق حرب اليمن الثانية، إذ أعلن عن تعيين مبعوث امريكي خاص لليمن، بالإضافة إلى تعليق الدعم العسكري الأمريكي للتحالف الداعم للشرعية الذي تقوده المملكة العربية السعودية، بالتزامن مع إعلان مستشاره للأمن القومي جيك سوليفان أن السعودية والإمارات أبلغتا واشنطن تفهمهما لهذا الإجراء الذي سبقه تعليق صفقات السلاح الأمريكية لكلا البلدين في الأسبوع الأول من بدء ولاية بايدن.

الرئيس الأمريكي أعلن يوم الخميس 4 فبراير 2021 في مؤتمر موسع لعرض سياسته الخارجية أن بلاده تسعي إلى إنهاء حرب اليمن، مستكملًا رؤية أمريكا الجديدة لهذه الحرب عقب تصريحات أنطوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي التي ألمحت إلى إلغاء واشنطن لقرار إدارة ترامب بتصنيف تنظيم الحوثي حركة إرهابية.

ولم تبدأ مشاكل اليمن مع اضطرابات الربيع العربي عام 2011، ولكن البداية حينما رعت إيران التمرد الحوثي عام 2004 من أجل السيطرة على الحدود اليمنية المشتركة مع السعودية، وبدء استهداف الرياض الغريم الخليجي لإيران، وبالفعل بحلول عام 2009 كانت الميلشيات الحوثية تتوغل بعمق 50 كلم في الأراضي السعودية، ما جعل الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز آل سعود يطلق عملية عسكرية أخمدت التسلل الحوثي للأراضي السعودية.

ومع بداية العام 2011 راعت تركيا وقطر لعبة تفجير اليمن بالمظاهرات الشبابية ضد الرئيس علي عبد الله صالح، وبحلول عام 2012 نجح تنظيم الإخوان في اليمن إضافة إلى المعارضة التي أصبحت القوى الثورية في تسلم الحكم، حيث تم تنصيب المشير عبد ربه منصور هادي رئيسًا للدولة إلى جانب مجلس وزراء ائتلافي ما بين الإخوان والثوار.

ولم تستطع القوى الإخوانية والثورية أن تخرج اليمن من عثرته وأزماته، رغم المساعدات القطرية والتركية سياسيًا ودبلوماسيًا، أو اعتراف المبادرة الخليجية بقيادة السعودية بهذه الحكومة.

ومع وفاة الملك عبد الله في يناير 2015، نظرت إيران إلى اليمن مرة أخرى بوصفه الفناء الخلفي للسعودية الذي يجب اختراقه واحتلاله وضرب السعودية عبره، وفى فبراير 2015 نفذت الحركة الحوثية انقلابًا وسيطرت على اليمن الشمالي، وهرب الرئيس إلى عدن جنوب البلاد.

وفى مارس 2015 شكّلت السعودية والإمارات والبحرين تحالفًا من دول عربية تحت مسمى “التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن”؛ من أجل ردع التمرد الحوثي، وإعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى صنعاء مرة أخرى، لتندلع حرب اليمن التي يتم ترقيمها بالحرب الثانية تمييزًا عن حرب اليمن الأولى في ستينات القرن العشرين.

ولقد انتهزت قوى دولية وإيران على حد سواء حقيقة أن السعودية قادت تحالف دعم الشرعية في تحميل الرياض مشاكل اليمن منذ إعلان النظام الجمهوري، أو مشاكل اليمن منذ عام 2011، بينما لا تجد كلمة واحدة في الإعلام الدولي أو العربي عن جرائم قطر وتركيا في دعم الربيع العربي باليمن ما بين عامي 2011 و2015، أو الجرائم الإيرانية بدعم التمرد الحوثي منذ عام 2004 وصولًا إلى انقلاب عام 2015.

وهكذا أصبحت محاولة السعودية حماية حدودها الجنوبية منذ مارس 2015 فحسب هو السبب في الكوارث الإنسانية التي تسببت فيها قطر وتركيا وإيران منذ عام 2004 على الأقل مرورًا بالثورة والحكومة الإخوانية الثورية والانقلاب الحوثي!

وقد زاد تعقيد المشهد اليمني أن القوى الإقليمية التي رفضت انقلاب الحوثي ودعمت الرئيس الشرعي، لم تكن لديها رؤية موحدة لمستقبل اليمن بعد دحر الانقلاب الحوثي، إذ راهنت الإمارات على قوى الحراك الجنوبي الساعية إلى عودة جمهورية اليمن الجنوبي، لكون تلك القوى علمانية الطابع ولا تضم قوى تابعة للإسلام السياسي، وبالفعل بدأت الاستثمارات الإماراتية تتدفق إلى محافظات الجنوب خاصة عدن.

بينما مدت سلطنة عمان بصرها إلى محافظة المهرة شرق اليمن على ضوء الحدود المشتركة، أما قطر وتركيا فقد تقاتلا على كسب ولاء تنظيم داعش اليمن وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب إلى جانب أجنحة قبيلة الأحمر المسيطرة على التجمع اليمني للإصلاح المعروف اختصارً بحزب الإصلاح، وسواء القبيلة او الحزب فكلاهما معقل تنظيم الإخوان في اليمن منذ عقود.

وإذا كانت الامارات اهتمت بمحافظة عدن وكذا عمان بمحافظة المهرة فإن للسعودية اهتمام تاريخي بمحافظة حضرموت، لتحقيق هدف جيوسياسي وجيواقتصادي تاريخي يتمثل في وصول السعودية إلى مياه بحر العرب وخليج عدن، ما يعني عمليًا امتلاك السعودية لحدود بحرية مطلة على المحيط الهندي، إضافة إلى وضعها الحالي المطل على البحر الأحمر غربًا والخليج العربي شرقًا.

وأثبتت الرياض أنها الأكثر خبرة في ملف اليمن عن قطر وتركيا وعمان، حيث استثمرت العلاقات التاريخية مع آل الأحمر وحزب الإصلاح، وأبعدت تركيا وقطر عن تنظيم إخوان اليمن، فضلًا عن أن العمليات العسكرية السعودية قلصت نفوذ داعش والقاعدة في مناطق تريدها قطر وتركيا، وبحكم العلاقات القديمة تواصلت المخابرات السعودية مع تنظيم القاعدة في حضرموت لتجنب حمامات دم متبادلة.

وكانت آخر فصول حرب اليمن مع استمرار القتال بين الحكومة والتمرد الحوثي واستهداف العمق السعودي بصواريخ الحوثي الإيرانية، هو محاولة الحراك الجنوبي إعلان جمهورية اليمن الجنوبي من جانب واحد، وجرت اشتباكات ما بين تنظيم القاعدة والحراك الجنوبي أسفر عن تدخل السعودية والإمارات لإنهاء محاولة اللواء عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي إعلان عودة اليمن الجنوبي، وانسحاب الإمارات عسكريًا من اليمن الجنوبي في أكتوبر 2020 والاكتفاء بالحضور الاستثماري والتجاري في الجنوب خاصة عدن.

وفى سنوات ترامب الأربع، رفض الرئيس الأمريكي السابق تعليق المساعدات العسكرية للسعودية، أو تعليق المشاركة العسكرية في حرب اليمن، فقام الطيران الأمريكي بتصفية العشرات من قادة وعناصر الجماعات الإرهابية التي اتخذت من فوضى اليمن مقرًا لها، بينما وعد بايدن بالتوقف عن كل ما سبق، وهو ما نفذه في شهره الأول بالبيت الأبيض.

وفى إجراء غير مسبوق قرر بايدن تعيين مبعوث أمريكي لليمن، وهو منصب أعلى من السفير، ومن المقرر أن يعمل هذا المبعوث على إنهاء حرب اليمن، ودمج الحوثيين والإخوان والقوى المدنية والحراك الجنوبي في عملية سياسية موحدة، إلى جانب توقف الحوثيين عن استهداف دول الجوار اليمني.

المبعوث الأمريكي تيموثي ليندركينج Timothy lenderking لا تجد له معلومة تذكر عبر مواقع الموسوعة الحرة او عشرات المواقع الخاصة بالسياسة الدولية رغم توفر معلومات كافية عن مسؤولين أقل منه خبرة في المحافل ذاتها، فهو أحد رجالات الظل لوزارة الجيش الأمريكية التابعة لوزارة الدفاع “البنتاجون” إضافة إلى وزارة الخارجية والبيت الأبيض لسنوات، فهو مؤرخ حصل على ماجستير في التاريخ من جامعة واشنطن قبل أن يكمل دراسة الدكتوراه في مجال الشؤون الدولية والعلاقات الخارجية، يتحدث أربع لغات –إلى جانب لغته الإنجليزية الأم– هي العربية والصينية والفرنسية والبنغالية.

التحق بالخارجية الأمريكية في سنوات إدارة بيل كلنتون، وعمل في دكا (بنجلاديش) ودمشق (سوريا)، ثم أصبح مسؤول مكتب لبنان في الخارجية الأمريكية ما بين عامي 2000 و2001، قبل أن تتوالى المناصب:

  • مساعد وكيل وزارة الخارجية الأمريكية ما بين عامي 2001 و2002.
  • المستشار السياسي للسفارة الأمريكية في الرباط (المغرب) ما بين عامي 2002 و2006.
  • المستشار الاقتصادي للسفارة الأمريكية في الكويت.
  • مستشار دبلوماسي في العراق ما بين عامي 2009 و2010.
  • مدير إدارة باكستان في الخارجية الأمريكية ما بين عامي 2010 و2013.
  • الرجل الثاني في السفارة الأمريكية بالسعودية ما بين عامي 2013 و2016.
  • نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الخليج العربي.
  • نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون إيران والعراق.
  • مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى.

ويلاحظ أنه عمل بلا انقطاع مع الإدارات الجمهورية والديموقراطية المختلفة، سواء كلينتون وبوش الابن وأوباما وترامب وصولًا إلى بايدن، إذ يعد خبيرًا أمريكيًا بالشؤون العراقية والإيرانية والخليجية وشبه جزيرة الهند (الهند وباكستان وبنجلاديش).

عرف عنه تقربه من قطر، فقد حاول حصد تصنيف “حليف من خارج الحلف” للدوحة لدى حلف الناتو صيف 2020، واتهمته الصحف الأمريكية بتجاهل قضية جارية أمام محاكم فلوريدا وبوسطن تتهم الشيخ خالد بن حمد أخا الأمير تميم حاكم قطر الحالي، بأنه مول أعمالًا إرهابية أودت بحياة عشرة مواطنين يحملون الجنسية الأمريكية، وهي القضية التي تم اتهام بنك قطر الوطني ومؤسسة قطر الخيرية فيها دون أن تُذكر في الإعلام الأمريكي أو الدولي أو العربي، ولا تزال المحاكم الأمريكية تنظر فيها وسط تعتيم اعلامي غير معتاد على القضاء الأمريكي.

إن السؤال الحقيقي هو مدى جدية العزم الأمريكي لإنهاء حرب اليمن وفك الاشتباك بين المصالح الرؤى المترامية بين السعودية وإيران والامارات وقطر في اليمن، وهل يمكن فعلًا الوصول إلى صيغة إيرانية سعودية تؤدي إلى ضوء أخضر سعودي لدمج الحوثيين بالحكومة الشرعية، مقابل توقف العدوان الحوثي على السعودية، أم أن أمريكا سوف تستمر في سياسة “إدارة الصراع” وليس “حل الصراع” كما تفعل ذلك في كافة قضايا الشرق الأوسط والأدنى؟

+ posts

باحث سياسي

إيهاب عمر

باحث سياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى