
هنود العولمة.. من سيد قطب إلى كامالا هاريس
لم تهيمن جنسية بديلة أو مزدوجة على إدارة أمريكية من قبل كما هيمنت الأصول الهندية لعددٍ كبير من أعضاء إدارة الرئيس جو بايدن، ولا يتوقف الأمر عند الأصول الهندية لنائبته كامالا هاريس أو بعض وزرائه، ولكن تكتظ حاشية السيدة الأولى جيل بايدن بالمستشارات الهنديات، إضافة إلى مكتب هاريس وحتى بايدن نفسه.
منذ بدء الاحتلال البريطاني لشبه الجزيرة الهندية عام 1765، وعبر 250 عامًا، لعب الهنود الموالون للغرب أدوارًا مهمة للغاية في تنفيذ سياسات النظام العالمي، سواء الهنود الهندوس والمسلمين أو المسيحين.
شعوب شبه جزيرة الهند سواء باكستان أو بنجلاديش وبورما وبلوشستان إلى جانب الهند الحديثة ظهروا مرارًا في الغرب والشرق تحت راية المشروع البريطاني ثم الأمريكي، إذ إن بريطانيا ابتكرت الإسلام السياسي الموالي للغرب عبر تلك العرقيات الهندية بحلول القرن التاسع عشر.
وحينما قررت بريطانيا توظيف القومية العربية في الحرب العالمية الأولى عبر لورانس العرب لقيام الثورة العربية الكبرى في الولايات العثمانية الناطقة باللغة العربية، كان الرعيل الأول من القوميين العرب برعاية بريطانيا بحاجة إلى جيش من المتطوعين، وللمفارقة فأن بريطانيا عبر سفنها نقلت المئات من الهنود المسلمين من شبه الجزيرة الهندية إلى شبه الجزيرة العربية، لكي يحارب الهنود في صفوف القوميين العرب!
وللمفارقة فإن أهم ثلاثة منظرين للعمل الجهادي المسلح باسم دين الإسلام في القرن العشرين ينتمون إلى أصول هندية، سواء الباكستاني أبو الأعلى المودودي او المصري سيد قطب او الإيراني روح الله مصطفى احمد الموسوي الخميني؛ المودودي أسس الجماعة الإسلامية الهندية من أجل تنفيذ الرؤية البريطانية بتقسيم الهند إلى دولة للمسلمين تسمى باكستان ودولة لباقي العرقيات الهندية وهو ما تم بالفعل، ولاحقًا انتقل المودودي إلى باكستان لاستكمال مهمته، وحينما أصبح ورقة محروقة، استضافته الولايات المتحدة الأمريكية معززًا حتى وفاته عام 1979.
أما الأصول الهندية لسيد قطب إبراهيم الشاذلي الأب الروحي للسلفية الجهادية، والذي ترجم أغلب ديباجات المودودي في هذا المضمار ونسبها لنفسه عقب عودته من زيارة الولايات المتحدة الأمريكية، فهي أصول سعى سيد قطب وتنظيم الإخوان الذي انتمى إليه لمحوها وإخفائها، في إجراء نادر على تنظيم الاخوان ورجالاته الذين لا ينفرون من الأصول غير المصرية لعناصرهم.
وفى الهند أيضًا تحول رجل مسيحي بريطاني إلى دين الإسلام في ظروف غامضة، إبان الاحتلال البريطاني للهند، هذا البريطاني الغامض هو جد الخميني قائد الثورة الإسلامية الإيرانية ومؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية حتى اليوم.
ورغم أن العولمة ابتكار أيديولوجي ينتمي إلى سبعينات القرن العشرين بعيدًا عن إرهاصته التي بدأت في الأربعينات من القرن ذاته، إلا أن إرث هنود المشروع البريطاني والأمريكي قد استمر مع العولمة، “هنود القومية العربية” و”هنود لورانس العرب”، والإسلام السياسي الذي صدح في القرن العشرين على يد أبو الأعلى المودودي وسيد قطب وروح الله الخميني.
ومع بدء لعبة توطين المسلمين والعرب في الدول الغربية التي بها مد قومي ووطني أو من أجل الوقاية من المد الشيوعي، واستخدام تلك الأقليات سياسيًا في هزيمة التيارات القومية والوطنية واليمين القومي، أو اليسار الشيوعي الموالي للاتحاد السوفيتي، بدأت الوجوه الهندية تظهر بقوة في الأحزاب الرئيسية في بريطانيا وكندا والولايات المتحدة.
وحينما انتخبت لندن اول عمدة مسلم لها كان صادق خان من أصول باكستانية هندية، بينما زميله ساجد جاويد قد اختير وزيرًا للداخلية ثم المالية، وتجسس على بوريس جونسون رئيس الوزراء القومي لصالح التيار الرافض للفكر القومي داخل حزب المحافظين البريطاني، ما أدى إلى إقالة جاويد مع مستشارته الإعلامية – هندية الأصل ايضًا– سونيا خان.
وحينما اختار جونسون وزيرًا للداخلية اختار السياسية من أصول هندية بريتي باتيل لشغل المنصب، كما تشغل منيرة ميرزا منصب مديرة وحدة السياسات بمجلس الوزراء البريطاني.
ومن نفس طائفة “هنود لندن”، ينشط في حزب العمال عضوة البرلمان روزانا آلين خان، وأفضل خان وعمران حسين وياسمين قريشي، إلى جانب حمزة يوسف وزير العدل في اسكتلندا، بالإضافة إلى سلمى يعقوب وارشد على حيث تولى كلاهما رئاسة حزب الكرامة البريطاني الذي اسسه جورج جالاوي.
وفى الولايات المتحدة الأمريكية، الباكستانية الهندية هوما عابدين لعبت دورًا رئيسًا في سنوات باراك أوباما، وذلك حينما كانت مستشارة هيلاري كلنتون وزيرة الخارجية، سواء دورها كضابط اتصال بين الخارجية الأمريكية ونشطاء الربيع العربي، أو ضابط اتصال بين إدارة أوباما والتنظيم الدولي للإخوان، إلى جانب أنها أحد مهندسي إزاحة تميم بن حمد لوالده أمير قطر عن الحكم، وصاحبة قناة اتصال مفتوحة بين شيري بلير والشيخة موزة وهيلاري كلنتون، وكان يفترض أن تصبح وزيرة للخارجية حال فوز كلنتون برئاسة أمريكا في انتخابات نوفمبر 2016.
حملة كلنتون 2016 ضمت خضر خان وغزالة خان، وكلاهما كان متحدث رئيسي في مؤتمرات تنصيب كلنتون مرشحة للحزب الديموقراطي، بينما شهدت انتخابات الحزب عام 2020 لاختيار مرشحة للرئاسة تولي الهندي الأصل رو خانا إدارة حملة بيرني ساندرز الانتخابية، ولاحقًا ينسق الاثنان رو خانا وبيرني ساندرز، عبر عضويتهما بالكونجرس الأمريكي بداية من يناير 2021 في ملف استهداف مصر عبر المطالب الحقوقية والسعودية عبر ملفات حرب اليمن.
هكذا سواء كان الحديث عن “هنود القومية العربية” أو “هنود الإسلام السياسي” ولاحقًا “هنود نخب لندن وواشنطن” هنالك خط رفيع يربط الكل بأجندة الغرب قديمًا والعولمة حديثًا، حيث نرى وللمفارقة نفس العرق والأصل الهندي يربط كافة تلك الأسماء التي في مجملها استهدفت نفس الدول والمصالح ولنفس الأطراف الدولية.
باحث سياسي