آسيا

ميانمار جار الصين المزعج.. ماذا يجري في جنوب شرق آسيا؟

في الساعات الأولى من الاثنين الأول من فبراير 2021، قام جيش ميانمار بتفعيل المادة 417 من الدستور والتي تكفل للجيش الحفاظ على تماسك “اتحاد ميانمار” وتولى السلطة وقت الطوارئ الوطنية.

وبينما كانت شاشات الإعلام الدولي تعنون كلمة “انقلاب” قبل أن تقدم رؤية دستورية لما يجرى في الجمهورية الفيدرالية الواقعة جنوب شرق آسيا وذات الحدود المتاخمة للهند والصين على حد سواء، كان الجيش الفيدرالي يعتقل الرئيس وحكومته، متهمًا إياهم بالفساد ووضع البلاد في حالة غير مسبوقة.

وبحسب الدستور، ميانمار جمهورية اتحادية (فيدرالية)، تتركز السلطة بيد المستشار كما النظام في ألمانيا الاتحادية، وهو منصب موازٍ لرئاسة الوزراء في الجمهوريات البرلمانية، ويمتلك رئيس الدولة بعض الصلاحيات، بينما هناك رئيس وزراء منتخب لسبع ولايات وسبع أقاليم يتألف منهم اتحاد ميانمار لتضم الفيدرالية 14 منطقة متنوعة الأديان والاعراق.

وبعد سنوات من هيمنة المؤسسة العسكرية على البلاد بسبب التمرد المدعوم أمريكيًا في ولاية راخين، والساعي إلى تحويل ميانمار إلى أفغانستان ثانية بوجه الصين، وتفجير ميانمار بالإسلام السياسي وتحويلها إلى قاعدة عسكرية للإرهاب الذي يتم تصديره بانتظام إلى الداخل الصيني.

وفى المقابل نظم الغرب ما يسمى بالمعارضة المدنية وأغدق على زعمائها بالأضواء الإعلامية والجوائز الدولية في مجال الحريات والديمقراطية. وتحت الضغوط الشعبية قررت المؤسسة العسكرية رفع حمايتها للنظام الحاكم الذي أصبح ورقة محروقة، وتسليم السلطة لإدارة منتخبة عبر تنظيم الانتخابات البرلمانية عام 2010.

وكان الجيش قد نظم الانتخابات وعملية كتابة دستور 2008 الذي تصفه القوى السياسية الميانمارية بأنه الدستور المدني، ويتضمن الدستور حق قائد الجيش في تعيين 25% من أعضاء البرلمان، والاحتفاظ بحقائب وزارية ثلاث هي الداخلية والدفاع وشؤون الحدود؛ من أجل السيطرة على حدود ميانمار مع الصين والهند، وعدم انخراط ميانمار في لعبة الأمم الخاصة بإدخال “مجاهدي الإسلام السياسي” من البلاد إلى الصين أو تحول البلاد إلى معبر للمجاهدين من الهند إلى الصين.

ومع تسليم السلطة في 30 يونيو 2011 لإدارة منتخبة، انزوى الجيش لمكافحة الإرهاب وعدم تحويل البلاد لجمهورية إرهابية تأوي الإرهاب وتصدره لدول الجوار، وعام 2015 عُقدت ثاني انتخابات حرة على التوالي، وتولى منصب المستشار السيدة “أونج سان سو تشي” الحاصلة على نوبل للسلام بسبب ما أسمته المنظمة المانحة للجائزة “معارضتها للحكم العسكري”، إذ تولت منصبها في 6 أبريل 2016، وأدى “وين مينت” اليمين الدستوري رئيسًا في 30 مارس 2018.

أصبحت المستشارة أونج سان سو تشي منذ عام 2016 هي الحاكم الفعلي للبلاد، على ضوء ترؤسها للحزب الحاكم، حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، ومع ذلك لم تكن العلاقة بينها وبين المؤسسة العسكرية على ما يرام، على ضوء علاقتها الجيدة بالدوائر الغربية المؤيدة لتصعيد الإسلاميين في جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط من أجل تطويق النمور الآسيوية مثل الهند واليابان والصين وكوريا الجنوبية إلى جانب روسيا، فضلًا عن أن المستشارة قد احتفظت لنفسها بمنصب وزيرة الخارجية إضافة إلى وزير مكتب رئيس الدولة ما جعلها تسحب صلاحيات الرئيس الشرفية لصالحها، وكذلك تقلدت حقائب التعليم والكهرباء والطاقة لفترة قصيرة من أجل هندسة سياسات تلك الوزارات.

ودخلت البلاد في أزمة عقب انتخابات 8 نوفمبر 2020 التي فاز فيها حزب المستشارة المقربة للغرب بالأغلبية البرلمانية، بينما أصرت المعارضة بقيادة حزب التضامن الوحدوي والتنمية بوجود تزوير، وهو ما أيدته دوائر من الجيش، وتم التحرك للمحكمة الدستورية، إلا أن المحكمة المليئة بأعضاء موالين للغرب رفضت مزاعم التزوير وأقرت النتيجة.

وكان يُفترض للبرلمان الجديد أن ينعقد الاثنين 1 فبراير 2021، ولكن الجيش أعلن حالة الطوارئ لمدة عام، ما يمكنه من تفعيل مواد الطوارئ بالدستور الخاصة بتولي السلطة، وتعهد الجيش في بيان عبر التلفزيون الحكومي بتنظيم انتخابات جديدة خلال أقل من عام.

ويُلاحظ أن الإعلام الدولي لم يقم بتغطية مزاعم التزوير بالقدر الكافي طيلة ثلاثة أشهر، عكس مزاعم التزوير في الجمهوريات السوفيتية السابقة وآخرها بيلاروسيا، والتي يطلق فيها الإعلام الدولي مزاعم التزوير من قبل أن تفعلها المعارضة داخل تلك الجمهوريات. وادعى الإعلام الدولي أن الجيش الميانماري قد عين الجنرال مينت سوي رئيسًا للدولة، بينما قام الجيش بعزل الرئيس الدمية وين مينت.

وبحسب الدستور، فإن نائب الرئيس يقوم بمهام الرئيس، ويشغل مينت سوي هذا المنصب منذ 30 مارس 2016، وسبق وأن أصبح رئيسًا بالإنابة ما بين 21/30 مارس 2018 لغياب الرئيس الأسبق، وقد أنهى خدمته العسكرية منذ عام 2010. ولم يقم الجيش بتعيينه رئيسًا، ولكنه تولى الرئاسة بشكل دستوري سليم خصوصًا أن الجيش لم يعلق العمل بالدستور.

الرئيس المؤقت بادر بالفور بتعيين قائد الجيش الجنرال “مين أونج هلاينج” في منصب المستشار، ليصبح قائد الجيش وقائد حركته في 1 فبراير 2021 هو الحاكم العملي دستوريًا لميانمار.

ومن المتوقع أن يلقى تحرك الجيش صدىً إيجابيًا في الصين التي نظرت بعين الشك للنظام الميانماري الموالي للغرب طيلة السنوات العشر الأخيرة، أما خيارات المستشار مين أونج هلاينج فتشمل التعاون مع المعارضة أو تأسيس حزب سياسي من أجل خوض الانتخابات المقبلة قبل مارس 2022 من أجل تلافي الدخول في دوامة العقوبات الدولية.

+ posts

باحث سياسي

إيهاب عمر

باحث سياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى