أفريقيا

معضلة الولاية السادسة: تحديات تنتظر “موسيفيني” بعد فوزه برئاسة أوغندا

عُقدت الانتخابات الرئاسية بأوغندا في الرابع عشر من يناير الجاري، تنافس خلالها أحد عشر مرشحًا؛ من بينهم الرئيس الحالي يوري موسيفيني، وأبرز معارضيه المغني المشهور “بوب واين”، ووباتريك أموريات من منتدى التغيير الديمقراطي حزب المنافس التاريخي السابق كيزا بيسيجي.

وشارك نحو عشرة ملايين مواطن من بين 18 مليون يحق لهم الإدلاء بأصواتهم في 35 ألف مركز اقتراع في جميع أنحاء أوغندا. فيما أعلنت لجنة الانتخابات، السبت الماضي، فوز موسيفيني بعد حصوله على 5,85 مليون صوت من مجموع الأصوات، في حين جمع منافسه وأبرز معارضيه بوبي واين، 3.48 مليون صوت، حسبما قالت لجنة الانتخابات. وبذلك يمدد موسيفيني إرثه المستمر منذ 35 عام.

سياق ضاغط

جرت الانتخابات في سياق شديد التعقيد، مع إحكام الخناق على المعارضة، وتقييد وسائل الإعلام، وتشديد الإجراءات الاحترازية المرتبطة بكوفيد-19، خاصة في المناطق التي يوجد بها مؤيدو المعارضة، على نحوٍ يحجم الحملات الانتخابية للمعارضة. وتعرض المعارضة لحملات عنف وترويع، دفع بمنظمة العفو الدولية، لمناشدة السلطات الأوغندية لوضع حد للانتهاكات قبل الانتخابات العامة والرئاسية. فأشارت التقارير إلى أنه منذ اليوم الأول الذي أعلن فيه بوبي واين عن ترشحه وهو يتعرض لمضايقات أمنية؛ إذ ألقت الشرطة القبض عليه في نوفمبر الماضي، فور قبول اللجنة الانتخابية ترشحه. فيما أعلن واين، أن أحد حراسه الشخصيين قتل دهسًا بسيارة تابعة للشرطة.

وفي نهاية ديسمبر الماضي، تمّ تعليق الدعاية الانتخابية في العاصمة كمبالا ومناطق ومدن أخرى، صنفتها وزارة الصحة بأنها تشهد انتشارًا كبيرًا لفيروس كورونا، فيما رأت المعارضة أن هذه المناطق تشهد تأييدًا واسعًا للمعارضين. فيما أغلق موقع فيس بوك، الحسابات الشخصية لمسؤولين أوغنديين متهمين بالسعي للتلاعب بالنقاش العام قبل الانتخابات. إذا أعلنت الحكومة عن “ضريبة وسائل التواصل الاجتماعي”، مجبرةً الأوغنديين على دفع 200 شلن (حوالي خمسة سنتات أمريكية) يوميًّا لاستخدام باقة من 60 تطبيق، بما في ذلك “تويتر”، و”واتساب”، و”فيسبوك”، و”انستغرام”، بما يقيد فرص المعارضة في التعبير عن رأيها.

إرث موسيفيني

لم تشهد أوغندا أي تناوب سياسي أو انتقال سلمي للسلطة منذ وصول موسيفيني إلى السلطة عام 1986. وفي حقيقة الأمر، استطاع موسيفيني تحقيق قدرًا كبيرًا من الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي منذ توليه مقاليد الحكم. إذ إن البلاد قبل ذلك التوقيت، كانت تعاني من عدم الاستقرار السياسي، منذ استقلالها عن بريطانيا 1962. وتمكن موسيفيني من ذلك عقب سيطرة مجموعته المسلحة على العاصمة كمبالا وتنصيبه رئيسًا للبلاد. بعد حرب استمرت ستة أعوام (1980-1986)، استطاع بعدها جيش المقاومة الوطنية المتمرد (NRA) السيطرة على البلاد.

ومنذ إقرار الدستور عام 1995، ترّشح موسيفيني للرئاسة في خمس دورات انتخابية، لتكون هذه هي المرة السادسة، بعدما أجرى تعديلين في الدستور، الأول عام 2005، لمراجعة مدد الرئاسة وفي 2017، جرى تعديل آخر لمراجعة الحد الأقصى لسن الرئاسة، الذي كان محددًا بخمسة وسبعين عامًا، بينما يبلغ موسيفيني 76 عامًا هذا العام، كما تمت إعادة فرض ولايتين رئاسيتين مرة أخرى.

وارتبط وصوله بإصلاحات سياسية واقتصادية في البلاد. فاستطاع السكان المحليون المشاركة سياسيًا عبر مجالس المقاومة، غير أن ذلك لم ينهِ شعور الأتشولي في الشمال بالتهميش، الذي كان أحد عوامل الخصبة لجيش الرب الذي ساهم بشكل كبير في عدم الاستقرار الأمني في البلاد والبلدان المجاورة لها.

ومع ذلك، شهدت أوغندا استقرارًا نسبيًا مقارنة بدول الجوار، التي وصلت في بعض الحالات لحرب أهلية، فيما اعتبرها الغرب إحدى البلدان الرئيسية في مواجهة الإرهاب. وكذلك كانت الاضطرابات التي تصاحب حملات الانتخابات بين موسيفيني ومعارضه البارز كيزا بيسيجي تتجدد مع كل موعد لهذه العملية الديمقراطية، حتى بات العنف عاملًا حاضرًا في كل موعد انتخابات تجرى في أوغندا. 

وعلى الصعيد الاقتصادي، استطاع موسيفيني عبر تخليه عن خطابه الاشتراكي في بداية حكمه إلى الاقتراب من المعسكر الغربي، ومع تبنيه خطة صندوق النقد والبنك الدوليين أصبحت أوغندا من بين البلدان المؤهلة لمبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون، وبلغ معدل النمو ما بين 6.5 إلى 7.5%، بما جعلها دولة جاذبة للمانحين الغربيين. 

فبفضل هذه السياسات الليبرالية، نجح موسيفيني في وضع أوغندا ضمن أسرع عشرة اقتصادات نموًا في العالم حتى أوائل عام 2010، غير أن ذلك الوضع صاحبه عدم المساواة بين طبقات المجتمع. فيما يظل يحظى الرئيس بشعبية في المناطق النائية والريفية، رغم هذه الأوضاع، إذ يراه الكثير الزعيم الوحيد القادر على الحفاظ على السلام، في بلد يعاني من ماضٍ مضطرب.

إلا أن النمو الاقتصادي بدأ في التباطؤ، منذ 2016، مع نمو الإنفاق الحكومي وتصاعد الدين العام، كما عانى سوق التصدير مع الحرب الأهلية في جنوب السودان، التي كانت وجهة للصادرات الاوغندية. ويعاني الشباب من البطالة، ويعاني السكان من أدنى معدلات في وصول الكهرباء في إفريقيا، التي تصل إلى أقل من ربع السكان فقط.

معضلة الولاية السادسة

تواجه أوغندا العديد من التحديات التي قد تؤثر على الاستقرار في المستقبل، بما في ذلك النمو السكاني الهائل، وقيود السلطة والبنية التحتية، والفساد، والمؤسسات الديمقراطية المتخلفة، وتراجع حقوق الإنسان. وبذلك أصبح السكان يرون أنفسهم تحت حصار الأبوية السياسية وعدم المساواة الاقتصادية.

العنف الانتخابي: الذي صاحب العملية الانتخابية، مع حملات القمع مواجهة الحملات الانتخابية للمعارضين، والمتضح أنه سيستمر لفترة بعد إعلان النتائج. فقد أعلن المرشح المعارضة، بوبي واين، قبل إعلان النتيجة أنه الفائز بفارق كبير، رغم ما شهدته الانتخابات من عنف وتزوير. فيما أعلن حزبه “الوحدة الوطنية” نيته الطعن في نتائج الانتخابات، وأدان الحزب تحديد إقامة واين وزوجته، فيما أعلنت الشرطة أنها تؤمن منزلهم. وحثّ واين مؤيديه على رفض نتائج الانتخابات. في ضوء ذلك، حذّر يوري موسيفيني من الفوضى والعنف، مشيرًا إلى أن قوات الأمن ستوقف بعنف كل من يحاول إحداث فوضى.

تنذر الأجواء التي جرت فيها الانتخابات، بأن الولاية السادسة لموسيفيني لن تكون يسيرة، وذلك على الرغم من أن حالة الإضطراب والعنف المصاحب للانتخابات متكررة مع كل مشهد انتخابي، مع احتدام المنافسة بين موسيفيني وأبرز معارضيه، كيزا بيسيجي. 

التنمية الاقتصادية: على الرغم من النمو الاقتصادي الذي شهدته البلاد، إلا أن التفاوتات الاجتماعية التي زادت خلال العقد الأخير ساهمت في تدهور شعبية موسيفيني. وفي الانتخابات الأخيرة، ترشح موسيفيني تحت شعار “اضمن مستقبلك”، غير أن ذلك المستقبل بحاجة للكثير من برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتوفير فرص عمل للشباب العاطل عن العمل، وتهيئة المناخ الاستثماري لجذب المزيد من الاستثمارات. 

وكان واين قد أطلق حملة لتغيير القيادة وخلق خمسة ملايين وظيفة في ولايته الأولى للشباب، من خلال الاستثمار في التكنولوجيا والتصنيع، وزيادة وصول الشباب إلى رأس المال، من خلال تسهيل إنشاء الصناديق الائتمانية. وبالتالي فالرئيس مهمته الحد من مظاهر الفقر، وتعزيز الانتاجية، ورفع القدرة التنافسية للبلاد.

الحياة السياسية: تشير الخبرة السياسية في أوغندا إلى أن مسار الإصلاحات السياسية هو مسار متكرر عقب كل انتخابات، في ظل الاضطرابات التي تعقب كل انتخابات، إلا أنها كانت تظل رهن الإرادة السياسية للحكومة التي تعود للممارسات المعهودة بعد مرور الوقت.

غير أن المسألة تبدو مختلفة هذه المرة؛ فنسبة كبيرة الآن من الشباب غير مترسخ في ذاكرتها تاريخ موسيفيني، ولم يرَ الكثير منهم رئيسًا آخر غير موسيفيني. ورغم التقييد في وسائل التواصل الاجتماعي وحالة القمع الداخلي، إلا أن الخبرات تشير إلى قدرة الشباب على مواصلة الضغط، حال وجود قيادة معارضة لتنظيم تحركهم.

فقد عكست الحملة الانتخابية، دلالة رمزية بأن الرجل العجوز يحمل البندقية في مواجهة الشاب الذي يحمل الميكروفون. أي أن القمع في مواجهة الحوار والتواصل، في ظل توق الشباب والمجتمع للمشاركة، وفي سياق إقليمي يشهد تغييرًا على أنظمة أبوية في كثير من البلدان.

وقد أثار التكثيف الأمني في الشوراع واللجان الانتخابية، استياء الشباب، الذين رددوا شعارات مهينة للرئيس وقوات الأمن. ويُعدُّ فوز واين وحزبه بأغلبية في معقل الرئيس مؤشرًا على تصاعد حالة الاحتقان والتراجع النسبي في شعبية موسيفيني. هذا مقابل تصاعد شعبية واين، الذي استغل منصبه، فور وصوله للبرلمان، وربط بين منصبه وأعماله الخيرية وأغانيه التي تعبر عن مشاكل المجتمع، بما أكسبه لقب “رئيس الفقراء”.

يفرض هذا الوضع على الرئيس وحزبه، حركة المقاومة الوطنية، إجراء المزيد من الإصلاحات السياسية، وتوسيع مشاركة المعارضة في الحكومة الجديدة. فضلًا عن ضرورة إجراء حوار وطني ومصالحة، مع الندوب العميقة التي ما زالت راسخة، بعد انتهاك الحقوق والترهيب وإساءة استخدام السلطة، ومظاهر الرشوة والتزوير، والاعتداءات على الصحفيين والمجتمع المدني.

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

شيماء البكش

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى