
كيف ستؤثر الخطوات الأخيرة لإدارة ترامب تجاه الصين على آفاق تعامل بايدن؟
مر عام على بدء تنفيذ المرحلة الأولى للاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة والصين، في وقت تشهد الولايات المتحدة انتقالًا نحو إدارة ديمقراطية بقيادة جو بايدن. يفتح هذا مجالًا لتسليط الضوء على الخطوات الأخيرة التي اتخذتها إدارة ترامب تجاه الصين، وإلى أي مدى قد تتأثر إدارة بايدن بها؟
رفع القيود مع تايوان
قبل نهاية ولاية فريق إدارة الرئيس دونالد ترامب، أصدر وزير الخارجية مايك بومبيو بيانًا يؤكد فيه أن تايوان “ديمقراطية متطورة وشريك موثوق من الولايات المتحدة”. وأعلن رفع كل القيود المفروضة على التعاون الدبلوماسي بين الجانبين بشكل أحادي الجانب، وعدّ كل الإجراءات السابقة الخاصة بالتواصل مع تايوان “باطلة وغير معمول بها” بعدما كانت الولايات المتحدة تقوم بذلك لاسترضاء بكين، لكنها “لم تعد بحاجة لذلك”.
جاء الرد الصيني ناقدًا وحادًا، إذ قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية إن “الإجراءات التي تضر بالمصالح الصينية ستُقابل بردود حازمة”. قد يكون هذا وراء إلغاء زيارة سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة إلى تايوان تطبيقًا لقرار وزارة الخارجية الأمريكية بإلغاء أي زيارات خارجية في هذا الوقت، وتوعّدت بكين واشنطن بأنها ستدفع الثمن في حالة إتمام هذه الزيارة، وطالبت البعثة الصينية في الأمم المتحدة أن تتوقف واشنطن عن استفزازاتها وعدم وضع عقبات جديدة أمام علاقات البلدين.
أما عن رد تايوان، فقد اقتصر على موقف وزير الخارجية وممثل تايوان في واشنطن في التعبير عن تقدير الموقف الأمريكي، لكن لم يصدر أي موقف من الرئيسة تساي إنغ أو على سبيل أخذ الحيطة في ظل الفترة الانتقالية لإدارة جديدة، وانتظار كيف ستتعامل مع هذا القرار بالقبول أو الرفض، يأتي ذلك تماشيًا مع موقف تساي بالتوازن في الحكم.
أُبرم قانون العلاقات مع تايوان في الكونجرس الأمريكي ضمن تبعات إقامة العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن وبكين في نهايات السبعينيات من القرن العشرين، يستهدف القانون عدم إقامة علاقات دبلوماسية بين الولايات المتحدة وتايوان، ووضع حدود لطبيعة التعامل غير الرسمي بين الجانبين التي شهدت توسعًا في عهد إدارة كلينتون والحديث عن مسألة مبيعات الأسلحة إثر أزمة مضيق تايوان في 1995-1996، مما ساهم فيما بعد لتعزيز العلاقات بينهما.
وازداد الأمر في إدارة ترامب، إذ تم الإعلان عن الاستعداد لعقد صفقات تسليح لطائرات مقاتلة، والتأكيد أن الولايات المتحدة ملتزمة بحماية تايوان. وكان مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون ضمن المعارضين لمبدأ “صين واحدة”، ودعا للاعتراف باستقلال تايوان. وفي أغسطس عام 2020، أُجريت أول زيارة أمريكية رفيعة المستوى إلى تايبيه منذ 1979، كان على رأسها وزير الصحة أليسك عازار ضمن الدعم المقدم وتعزيز التعاون في الصحة العامة والإشادة بتجربة تايوان في إدارة أزمة جائحة كورونا بشفافية.
تنظر الصين إلى تايوان أنها أحد مقاطعاتها وليست كيانًا مستقلًا عنها، وتفرض عليها الضغوط العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية بسبب رفض الجزيرة أن تكون ضمن “صين واحدة”. وكانت النتيجة مئات العمليات العسكرية بالقرب منها.
فرض عقوبات على شركات صينية تدعم مطالب بكين في بحر الصين الجنوبي
أعلن بومبيو أن مطالبات بكين في بحر الصين الجنوبي غير قانونية، وبناء عليه تم فرض عقوبات على أكثر من 20 شركة صينية تقدم المساعدات في هذه المطالبات، منها شركة النفط الحكومية الصينية ومؤسسة النفط البحرية، ومنع المواطنين الأمريكيين من ممارسة الأعمال التجارية معها. وأكد أن العالم لن يسمح بمعاملة بحر الصين الجنوبي على أنه امبراطورية الصين البحرية. وكان قد تم فرض حظر سفر على عدد من المسؤولين الصينيين وعائلاتهم بسبب “انتهاكات المعايير الدولية” المتعلقة بحرية الملاحة هناك.
نمو اقتصادي صيني رغم العقوبات والجائحة
أصدر صندوق النقد الدولي توقعاته بشأن نمو الاقتصادات لعام 2021، بأنه قد يبلغ نمو الاقتصاد الصيني 8.2% هذا العام، وسيشهد انتعاشة قوية رغم جائحة كورونا، واستمرار الحرب التجارية مع الولايات المتحدة. وبعد مرور عام من المرحلة الأولى للاتفاق التجاري بين البلدين، انخفضت واردات الصين من الولايات المتحدة 16% عن عام 2017، لكنها ارتفعت مع بقية العالم بنسبة 20%.
ويرى خبراء أن التزام الصين بشراء السلع أمريكية الصنع لم يتجاوز 53% من الهدف المنشود في الاتفاق، لأنه ليس من السهل توجيه القطاع الخاص الذي يمثل 80% من الطلب الصيني على الواردات الأمريكية لشراء سلع أمريكية عليها هذه التعريفة الجمركية المرتفعة، ومن ناحية أخرى ستزداد مشكلات الشركات المملوكة للدولة إذا تُركت وحدها تتحمل الأمر.
ومن جانب آخر، تشير دراسات إلى أن الحرب التجارية أدت لانخفاض القيمة السوقية للشركات الأمريكية خاصة تلك التي تم إجبارها على قبول هامش ربح أقل وتخفيض الأجور والعمالة، ولم تحصل الشركات التي تتلقى الحماية الجمركية على فوائد قوية جراء فرض التعريفات المفروضة.
وفي إطار حماية الصين للشركات في الحرب التجارية، أصدرت الحكومة قرارًا بداية هذا العام يحظر على الشركات الامتثال للقوانين الأجنبية التي تجرم التعاملات مع شركاتها، وذلك بهدف مكافحة التشريعات الخارجية التي تقيد الأفراد والشركات الصينية أثناء ممارسة الأنشطة الاقتصادية، ومن ثم الدفاع عن المصالح الصينية وحماية النظام الاقتصادي الدولي.
كيف سيتعامل الطرفان بعد تولي بايدن؟
مما سبق يتضح أن إدارة ترامب تحاول قبل نهاية ولايتها فرض مزيد من العقبات أمام العلاقات الأمريكية مع الصين، لإجبار بايدن بشكل أو آخر على اتباع نفس النهج لإظهاره بأنه سيكون مهادنًا في حالة تراجعه عن أي من تلك المواقف.
اكتفت الصين حتى الآن بتوجيه رسالة تهنئة لبايدن، أشار فيها الرئيس الصيني شي جين بينج إلى رغبته بأن يلتزم الجانبان بروح عدم الصراع والاحترام المتبادل والتعاون المربح للطرفين. ولم يتم إجراء مكالمة هاتفية حتى الآن، ورأى محللون ذلك تجنّبًا لإثارة أية إجراءات من إدارة ترامب قبل نهايتها قد لا تستطيع إدارة بايدن التعامل معها.
قد تترك بكين بعض المساحة لرد الفعل بخصوص مسألة تايوان بعد تنصيب بايدن رسميًا تجنبًا لأي موقف استباقي يزيد من التصادم مع واشنطن. قد يتراوح رد بايدن بين عدة أمور، إما التراجع عما صدر من بومبيو، أو التمسك به، أو القيام بمراجعة شكل الاتصالات بين واشنطن وتايوان والتوصل لإجراءات جديدة محدّثة تقوم على تقييم مصالح وأولويات الولايات المتحدة في علاقتها غير الرسمية معها. اكتفى فريق بايدن حاليًا بتأكيد دعم سياسة “صين واحدة”، والحل السلمي للقضايا المتعلقة بمصالح شعب تايوان، بما يحفظ الأمور بعيدًا –ولو موقتًا- عن التدهور نحو الأسوأ.
أبدى بايدن انتقاده للحرب التجارية التي شنها دونالد ترامب، لكنه في نفس الوقت أكد نيته لاتباع نهج صارم تجاه بكين. قد يختلف نهج بايدن في مواجهة الصين في أنه سيفعل ذلك بالمشاركة مع الديمقراطيات الغربية، فيرى محللون أن استمرار بايدن على نفس خطى ترامب في الحرب التجارية مع الصين قد يتسبب في عواقب غير محمودة، وهو ما سيجعله غير مقدم على التخلي عن اتفاق المرحلة الأولى، وسيلجأ للتريث ومراجعة الاتفاق والتشاور مع الحلفاء والعمل على تطوير استراتيجية متماسكة.
لكن يجب النظر إلى جهود الصين لتقوية تحالفاتها هي الأخرى، فقد أبرمت مع الاتحاد الأوروبي الاتفاقية الشاملة للاستثمار أواخر العام 2020، ووقعت مع دول الآسيان الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة بالإضافة لليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزلندا. قد يفرض هذا عراقيل على ما تريده الولايات المتحدة من تطويق الصين، إذ سيتزايد حجم التجارة بين الآسيان وشركائها في الاتفاقية المذكورة، خاصة أن الرابطة تشكل رابع أكبر سوق تصدير للولايات المتحدة. من جانب آخر، سيؤدي إنشاء منطقة تجارة حرة بين الصين واليابان وكوريا الجنوبية إلى دعم سلاسل التوريد في شمال شرق وغرب المحيط الهادئ. كذلك، يجب الأخذ في الحسبان أن الصين في السنوات الأخيرة تتبع دبلوماسية “الذئب المحارب” والتي تقوم على اتباع تكتيكات عدوانية واستباقية وعالية المستوى.
كل هذا سيضع الولايات المتحدة أمام ضرورة إعادة التفكير في مركزية الدور الصيني في الاقتصاد العالمي والعمل على إبرام اتفاقية تعود بالنفع على الطرفين. وقد تكون العودة للشراكة عبر المحيط الهادئ التي انسحب منها ترامب، وجهود الصين للانضمام للاتفاقية الشاملة والتقدمية للشراكة عبر المحيط الهادئ فرصة قوية لتعزيز هذا الأمر.
يمكن في هذا السياق أيضًا ذكر بعض المؤشرات الإيجابية منها ما أدلت به غرفة التجارة الأمريكية لوكالة رويترز بأن وفدًا صينيًا يخطط لزيارة واشنطن مع بدايات ولاية بايدن، وذكرت تقارير أن هناك مساعٍ من دبلوماسيين أمريكيين للتواصل مع نظرائهم على الجانب الصيني لمناقشة سبل فتح حوار جديد، مما يعكس احتمالية أن تعمل الإدارة الجديدة على تعزيز التعاون ومعالجة النزاعات العالقة بينهما، لكن هذا لن ينفي أن المنافسة مع الصين ستكون موضوعًا أساسيًا في مجالات مثل المنافسة التكنولوجية والتوسع العسكري وحقوق الإنسان على سبيل المثال، وذلك لأن بايدن لن يستطيع تجاهل آراء أعضاء الكونجرس التي تؤيد استمرار التنافس مع الصين.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية