إيران

مركز إسرائيلي: هل اقتربت إيران من امتلاك قنبلة نووية؟

عرض – علي عاطف

بعد إعلان إيران أوائل الشهر الجاري بدء تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، أُثيرت عدة تساؤلات ومخاوف تتعلق بطبيعة الأنشطة الإيرانية خلال الفترة المقبلة ومدى الفترة الزمنية اللازمة لها للتوصل إلى قنبلة نووية، وهل ستختصر زيادتُها لتخصيب اليورانيوم بهذه النسبة الفترةَ الزمنية لإنتاج قنبلة نووية؟

حاولت العديد من الأبحاث الإجابة على هذا التساؤل وكان من بينها مقال للكاتبين الإسرائيليين “افرايم اسكولاي” و”عاموس يدلين” نُشر في “معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي” تحت عنوان “ما مدى قرب إيران من التوصل إلى قنبلة نووية؟“.

وإليكم نص المقال:

تعتقد الاستخبارات الإسرائيلية أنه من اللحظة التي تقرر فيها طهران إنتاج قنبلة نووية، فإن الأمر سيستغرق عامين للانتهاء من هذه العملية. ويُعد هذا سيناريو متفائلاً إلى حدٍ ما. ولكن هل هو مبرر؟، وهل سيؤثر قرار إيران باستئناف تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 20% على الجدول الزمني لإنتاج القنبلة النووية؟.

 في 4 يناير 2021، أعلنت إيران أنها بدأت تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 20% في منشأة محصنة جيداً في موقع فوردو. وينتهك مستوى التخصيبب هذا بشكل كامل التزام إيران المنصوص عليه في الاتفاق الذي تم التوصل إليه في 2015 مع القوى الكبرى (وهي خطة العمل الشاملة المشتركة).

(منشأة فوردو في محافظة قم شمال إيران)

 ويوجد سببان محتملان لهذا الإعلان الإيراني: الأول، أن يكون الغرض منه استفزازاً لممارسة الضغط على القوى الكبرى لرفع العقوبات المفروضة على إيران، التي جددتها الولايات المتحدة. والثاني، نية إيران تكديس اليورانيوم المخصب بمستوى وكمية تقلل من الوقت الذي تحتاجه إيران منذ اللحظة التي تقرر فيها إنتاج متفجرات نووية. فلمدة 12 عاماً، وقعت إيران في نطاق زمني ما بين أشهر عدة إلى عامين اثنين، ولم تتخذ بعد قرار الانطلاق للحصول على قنبلة نووية.

 ويتطرق هذا المقال إلى العمليات التي يجب أن تمر بها إيران من قرار الانطلاق وحتى حصولها على سلاح نووي، كما يسلط الضوء على الحاجة إلى النظر في الافتراضات لحساب الأوقات اللازمة للعملية.

وإن الاتفاق بين إيران ومجموعة (5+1)، (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، الصين، روسيا، وألمانيا)، منذ يوليو 2015، ينص، من بين العديد من الأمور، على السماح لإيران بالحصول على ما يصل إلى 300 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب ذاتياً بمستوى 3.67%. وحدد الاتفاق كذلك عدد أجهزة الطرد المركزي التي تقوم بالتخصيب، وأنواعها، وموقعها. ففي ذلك الوقت، صرّح الرئيس باراك أوباما أنه وفي ضوء الاتفاق، يبلغ الجدول الزمني هذا (كما أشار إليه، لإنتاج يورانيوم مخصب يكفي لإنتاج أول قنبلة) عاماً واحداً بدلاً من مدة زمنية أقل بكثير قبل الاتفاق.

 وتقول تقديرات الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، حسبما نُشرت في مقابلة مع رئيس قسمها للأبحاث في 9 أكتوبر 2020، إنه منذ لحظة قرار الانطلاق لإنتاج القنبلة، فإن إيران سوف تستغرق عامين للحصول على قنبلة.

  وإذا كان الأمر هكذا، كيف لا يزال بعيداً للغاية الحصول على قنبلة بالنظر إلى الوضع الحالي في إيران الذي أصبحت فيه أجهزة الطرد المركزي أكثر كفاءة اليوم مما كانت عليه منذ 5 سنوات، وأن إيران خصّبت منذ 2019 يورانيوم فوق الحد المسموح به في الاتفاق النووي وكدّست بالفعل أكثر من 8 أضعاف الكمية المسموح بها في الاتفاقية النووية.

 وستكون الإجابة بشكل جزئي على السؤال هي أنه اعتباراً من نوفمبر 2020، جرى تركيب بعضٍ من أجهزة الطرد المركزية ولكن لم تتم تغذيتها حتى الآن بغاز اليورانيوم، فبعضها تم تركيبه ولا يزال البعض الآخر قيد التطوير/ الإنتاج. أما الإجابة الكاملة هي أن الوقت اللازم للحصول على قنبلة في الماضي كان محسوباً على أساس تراكم المواد الانشطارية، إلا أن البعض يضيف اليوم إلى تخصيب اليورانيوم آليةَ التفجير النووي الضرورية لإنتاج السلاح نفسه.

 وتتطلب الأسلحة النووية 3 مكونات رئيسية هي: المواد الانشطارية –وهي في الحالة الإيرانية اليورانيوم المخصب عسكرياً- ونظام الأسلحة ومنصة لنقل القنبلة النووية. وتملك إيران بالفعل المنصات، حيث إن الصواريخ بإمكانها حمل الأسلحة النووية، ولديها كذلك القدرة على إنتاج المواد الانشطارية، أي القدرة على تخصيب اليورانيوم الذي يُقال إنه لأغراض مدنية لكنه ذو استخدام مزدوج ويمكن أن يدخل ضمن مكونات قنبلة.

 ويمكن تفسير الاختلاف في التقديرات من خلال افتراضات حساب المسافة الزمنية اللازمة للحصول على قنبلة. فعلى رأس التقييمات العديدة تأتي جدلية المدة الزمنية ومستوى تزامن تطوير أنظمة الأسلحة التي تنكر إيران أنها تتطورها. وبغض  النظر عن مسألة تطوير الآلية التفجيرية، فإن أي تقدير شامل ينبغي أن يأخذ في الحسبان 8 معايير تؤثر على توقيت توصل إيران إلى قنبلة نووية.

 هل الهدف قنبلة نووية أولى، في الوقت الذي تُحسب فيه الترسانة العملياتية من 5 قنابل، أم إنتاج مجموعة عملياتية (منصات إطلاق عملياتية)؟ هل من الشائع التركيز على الوقت الذي سوف تتوصل فيه إلى قنبلة نووية بافتراض صعوبة إيقاف برنامج نووي بعد الحصول على القنبلة الأولى. ومن الشائع الافتراض بأن القنبلة الأولى تتطلب 25-30 كليوجرام من اليورانيوم العسكري، بحوالي 90%.

 هل معايير التجارب “الباردة” والأمان “غربية”، أم أن المشروع سينفذ في إطار إجراء طارئ بهوامش أمان دنيا؟. إن الافتراض السائد هو أن الجدول الزمني لإيران سوف يتميز بأقصر وقت ممكن، ولذا فلا يجب حساب هوامش الأمان أو اختبارات المعايير الغربية للسلامة.

هل عملية توصل إيران لقنبلة سري أم علني؟ فإذا كان سرياً فسوف يتطلب مواقع خفية أو صغيرة غير معلومة والتي بحكم التعريف سوف تكون أبطاً. وعلى الجانب الآخر، إذا كان لإيران مواقع سرية تشارك في عمليات التخصيب المعلنة في إطار قرار غير علني بالبدء، فإنها سوف تختصر وقت الحصول على القنبلة. وطبقاً لأغلب التقارير، فإن الافتراض الأنسب هو أن إيران لا تملك مواقع سرية، أو أنها عديمة الأهمية. فإذا كان العنصر السري ذا أهمية، فإن احتساب وقت العملية والقرار سيكون بلا معنى.

جيل أجهزة الطرد المركزي التي سوف تستعملها إيران:

حتى اتفاق 2015، كانت أجهزة الطرد المركزية في إيران من الجيل الأول (IR-1). وكان مستوى التخصيب العام SQ  (25 كليوجرام) يتطلب تشغيل 3 آلاف من أجهزة الطرد المركزية من الجيل الأول لمدة عام. ولكن بدءً من نوفمبر 2020، بدأت إيران في تركيب أجهزة طرد مركزي من طراز متقدم في موقع التخصيب الرئيسي، ما يعني أن معدل سرعة التخصيب سوف ينجز بشكل أسرع.

 ما هو المخزون الأولى من اليورانيوم المخصب وعلى أي مستوى من التخصيب؟  

 إن إيران باستطاعتها تخزين يورانيوم مخصب بمستويات مختلفة وبكميات متفاوتة. وبالنظر إلى نفس كمية ونوعية أجهزة الطرد المركزي، فإن الزمن اللازم للتوصل إلى سلاح نووي بتخصيب 0.7 % أو يورانيوم بنسبة 20 %، وحتى بـ 4.5 % تخصيب، يُعد متفاوتاً للغاية. ففي نوفمبر 2020، كان لدى 1.7 طن فقط من اليورانيوم المخصب بنسبة 4.5 % بدرجات مختلفة، وبرغم ذلك فمن المحتمل الوصول إلى مواد كافية لإنتاج قنبلة نووية واحدة مع وجود 1000 جهاز طرد مركزي متقدم. وتُقدر هذه المدة الزمنية طبقاً لذلك بشهر واحد إلى 3 أشهر. وعلاوة على ذلك، إذا خصّبت إيران كمية كافية من اليورانيوم، فإن الوقت اللازم لإنتاج قنبلة نووية سيقل أكثر، لأن التخصيب بنسبة 90 %، وهو المستوى المطلوب لامتلاك أسلحة نووية، يستلزم عدداً صغيراً من أجهزة الطرد المركزي ووقتاً قصيراً للتخصيب.

افتراضات حول تطوير أنظمة الأسلحة وحالتها: صعوبة وطول مشروع تطوير الأسلحة

يُعد هذا العامل (صعوبة وطول المشروع) هو الأهم بسبب طول الوقت الذي تحتاجه لإنتاج قنبلة نووية. يقول البعض إن تطوير نظام أسلحة لم يعد أمراً صعباً كما كان عليه قبل 50 أو 70 عاماً. وتُمكِّن معرفة أنظمة الأسلحة النووية وأنظمة الحواسب الآلية وتكنولوجيا الاستخدام المزدوج من تطوير أنظمة أسلحة خلال فترة تُقدر بأشهر.

ويقول آخرون، من بينهم مجتمع الاستخبارات الأمريكية، إن التحدي لا يزال هائلاً لأن الفترة الزمنية لم تقصر حتى الآن، وأن عملية التطوير هذه حساسة وتستغرق عاماً على الأقل وربما عامين.

 التزامن بين برنامج التخصيب وبرنامج الأسلحة:

من غير الواضح إن كانت إيران قد استمرت في العمل بعد 2003 على برنامجي الأسلحة والتخصيب. ويُقصِّر العمل المتوازي هنا من الوقت، خاصة بافتراض أن تطوير الأسلحة لا يستغرق كثيراً. ففي أغلب الدول، إن لم يكن جميعها، التي طوّرت أسلحة نووية، كانت القضية الأهم هي إنتاج مواد انشطارية في الوقت الذي تم فيه تطوير آلية التفجير بشكل أسرعَ ثم جرى تحسينها بمرور الوقت.

وحسب المعلومات الاستخباراتية التي نشرتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأرشيف الموساد الإسرائيلي النووي، من المعروف أن إيران شرعت في تطوير آليات التفجير منذ عام 2003 وربما قبل ذلك.

التقدم الإيراني في مشروع الأسلحة منذ عام 2003:

تفترض أغلب أجهزة الاستخبارات أن مشروع الأسلحة غير نشط، وإذا كانت هذه حقيقة فسيكون تطوير مكونات غير بسيطة للقنبلة أمراً مطلوباً بافتراض معقول يرجح أن الأسلحة سوف تستخدم تقنية الانفجار الداخلي (أو الانبجار):

من معالجة اليورانيوم وتصنيع اللب، بناء نظام انفجار دقيق، تركيب مصدر للنيوترون، دمج جميع المكونات، وإعداد وإجراء سلسلة من التجارب والاختبارات المعقدة. ولكن إذا كان لدى الإيرانيين برنامج أسلحة سري وتم الانتهاء معه من تطوير نظام أسلحة، فسيكون الوقت اللازم لوصول إيران إلى قنبلة نووية مقدراً بأشهر قليلة حتى إحداث التكامل النهائي.  

كيف يمكن ربط هذه النتائج المختلفة بالمدة الزمنية التي سوف تستغرقها إيران للوصول إلى قنبلة؟

 ولتفسير هذا الاختلاف، سيتم تسليط الضوء على 3 مجموعات من الافتراضات ستتراوح ما بين: متشائمة، محتملة، ومتفائلة. وفي جميع السيناريوهات الثلاث ستكون الإشارة إلى القنبلة الأولى كخط النهاية، بافتراض أن إيران لا تطبق المعايير الغربية وأنها لا تملك مواقع تخصيب سرية.

السيناريو/الافتراض المتشائم: حدوث تطوير لآلية التفجير بالتوازي مع التخصيب إلى مستوى عسكري

يفترض أن أغلب مكونات نظام الأسلحة تم تطويرها سرياً وأن 3 أشهر فقط هي الوقت الإضافي اللازم لتطوير أسلحة.

 تملك إيران 1000 جهاز طرد مركزي متقدم على الأقل تُقدر معه المدة الزمنية لتخصيب الكمية المطلوبة لإناج نواة واحدة (SQ) بـ 3 أشهر. وفي هذه الحالة، من المرجح أن تنتج إيران قنبلة في غضون 4-6 أشهر من اتخاذها قراراً بالبدء في ذلك.

السيناريو المحتمل: لم ينته تطوير أسلحة ولكن إيران في مرحلة متقدمة تستغرق 6 أشهر 3 منها بالتوازي تختص بإكمال عملية التخصيب

إيران لا تملك أية أجهزة طرد مركزي متقدمة نشطة، وسوف يتطلب الأمر 3 أشهر لتفعيلها وتركيب أجهزة أخرى. وهنا، سوف يستغرق وقت التخصيب لإنتاج كمية كافية 5 أشهر، ولإنتاج قنبلة 8 أشهر إلى عام، اعتباراً من أواخر 2020.

السيناريو المتفائل: سيكون الوقت المطلوب لإنتاج السلاح عام ونصف بسبب النهج الحذر للتسليح. وسيحدث هذا بعد إنتاج الكمية الكافية (بواسطة أجهزة طرد مركزية تشغيلية من الجيل الأول فقط) والتي تتطلب 6 أشهر

وسيكون الوقت الكافي هنا لإنتاج القنبلة عامين. ويستند هذا الافتراض، الذي يُعد غير محتمل للغاية، على مفهوم استخباراتي (قوي نسبياً ولكنه محفوف بالمخاطر) بأن إيران لم تتعامل مع عملية التسليح منذ 2003.

ولا تأخذ هذه التقديرات في الحسبان الدوافع السياسية مثل انسحاب إيراني من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT) والذي يستلزم 3 أشهر من لحظة الإعلان وحتى التطبيق الفعلي. ولكن من المحتمل أن هذا الإجراء لن يكون مهماً لإيران إذا ما قررت البدء في العمل على إنتاج قنبلة.

 وختاما

سيكون علينا أن نرى ما إذا كان هناك مبرر لافتراض متفائل، اعتماداً على التقدير القائل بأن إيران علّقت الأنشطة المتعلقة بالأسلحة النووية ومحاولات تطوير مكوناتها، أي جميع الجوانب الرئيسية للمشروع النووي.

 وعليه، فمن الأفضل الاعتماد على السيناريو المنطقي الذي يفترض إضافة حوالي 3 أشهر عقب نهاية عملية تخصيب اليورانيوم وحوالي 8 أشهر إلى عام كحد أقصى من اتخاذ قرار العمل على إنتاج قنبلة نووية وحتى الانتهاء من القنبلة الأولى.  

 وبعيداً عن هذا النقاش، سيتطلب التخصيب الفعلي لليورانيوم بكميات هائلة إلى مستوى 20% إعادة تقييم شامل للجدول الزمني لمشروع الأسلحة النووية الإيرانية.

+ posts

باحث بالمرصد المصري

علي عاطف

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى