سياسة

حصاد العدالة الاجتماعية في 10 سنوات.. من شعار للمظاهرات إلى استراتيجية دولة

قبل 10 سنوات طالب المصريون في مظاهرات 25 يناير بالعدالة الاجتماعية، وكان هو الشعار الأثير المرفوع في ميدان التحرير ويتحدث عنه كل الخبراء والمحللين. والحقيقة أن العدالة الاجتماعية كانت غائبة عن خطط الدولة المصرية قبل عام 2013، فقد انتشرت مظاهر غياب العدالة الاجتماعية وأخطرها انتشار العشوائيات في المدن الرئيسة، وزيادة الفوارق بين الطبقات واتساع الهوه بين الأغنياء والفقراء، وغياب برامج الحماية الاجتماعية والخدمات الصحية الملائمة. 

وكان واضحًا أن هناك انفصالًا بين توجهات الدولة في ذلك الحين وما استقرت عليه الأمم المتحدة التي أطلقت مفهوم العدالة الاجتماعية مع بداية الألفية الجديدة، وتحوله إلى مبدأ أساسي من مبادئ التعايش السلمي عبر توزيع الدولة لمزايا وأعباء المجتمع وتحقيق التنمية وصون كرامة الإنسان عبر نظام اقتصادي واجتماعي يهدف إلى إزالة الفوارق الاقتصادية الكبيرة بين طبقات المجتمع.

التمكين الإخواني

عقب أحداث 25 يناير تعرض ذلك لأزمة كبيرة نتيجة الفوضى التي ضربت البلاد وأثرت على أداء الحكومة ومؤسسات الدولة، وظهور رغبة جماعة الإخوان المسلمين المصنفة إرهابيًا في عدد من دول العالم للاستئثار بالسلطة، عبر احتكار المناصب القيادية، وإقصاء باقي التيارات السياسية والاجتماعية، واضطهاد الأقباط والاعتداء على الكنائس ودور العبادة ومحاصرة المحكمة الدستورية العليا ومدينة الإنتاج الإعلامي لوقف أي رفض لخطتهم للتمكين، وهو ما عرّض البلاد للخطر وأثر في زيادة نسب الفقر والبطالة، وغياب أي برامج حمائية للمواطنين.

ونتيجة لذلك التعثر في تطبيق أهم ما طالب به الشعب خلال انتفاضته في 25 يناير، خرج الشعب مرة أخرى بحثًا عن العدالة الاجتماعية في ثورة 30 يونيو، وقرر تصحيح المسار والتخلص من مظاهر التقسيم على أساس طائفي أو التهديد بالإرهاب واحتكار السلطة.

توطين المفهوم

إذا أرادت أي الدولة تطبيق العدالة الاجتماعية في الدولة فلابد أن يواكب ذلك عملية تنمية شاملة بكافة جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فالتنمية السياسية تستلزم بناء مؤسسات تستطيع استيعاب التغيرات الحادثة في الدولة وحشد الرأي العام ومؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية لبذل أقصى جهد لتطبيق العدالة الاجتماعية.

ولا يختلف الأمر كثيرا في التنمية الاقتصادية، فوجود النية لإقامة عدالة اجتماعية لابد أن توازيه عملية تنمية اقتصادية تستطيع توفير احتياجات الطبقات المختلفة وخاصة الدنيا منها فيما يتعلق بمسألة الدعم وغيرها، كشرط أساسي لنجاح العدالة الاجتماعية وجود تنمية مجتمعية لتستطيع طبقات المجتمع استيعاب موجات التغيير القادمة.

وبدأت دولة 30 يونيو مسارًا جديدا لتوطين مفهوم العدالة الاجتماعية عبر مواد دستورية تكفل العدالة الاجتماعية لجميع المواطنين وعدم التمييز بينهم، وأن التفرقة تكون على أساس الكفاءة فقط لا غير في دستور 2014.

وقام مجلس النواب 2015 بإصدار عدد من القوانين التي تحقق مفهوم العدالة الاجتماعية على أرض الواقع، كان أبرزها قانون رقم 104 لسنة 2015 الخاص بتحقيق العدالة الضريبية، وقانون رقم 242 لسنة 2011 بشأن الحد الأقصى للدخول وربطه بالحد الأدنى، وقانون 67 لسنة 2016 وصدور قانون الضريبة على القيمة المضافة، وقانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016، وقانون 60 الصادر في العام ذاته والخاص بزيادة المعاشات وتعديل بعض أحكام قوانين التأمين الاجتماعي.

رؤية مصر 2030

في فبراير 2016 ظهرت رؤية مصر ٢٠٣٠ وهي أجندة وطنية تعكس الخطة الاستراتيجية طويلة المدى للدولة لتحقيق مبادئ وأهداف التنمية المستدامة في كل المجالات، وتوطينها بأجهزة الدولة المصرية المختلفة. إذ أولت اهتمامًا خاصًا بالعدالة الاجتماعية والارتقاء بجودة حياة المواطن وتحسين مستوى معيشته، فنص الهدف الثاني من الرؤية على العدالة والاندماج الاجتماعي والمشاركة وتحقيق المساواة في الحقوق والفرص، وتوفير الموارد في كل المناطق الجغرافية، في الريف والحضر على حد سواء، وتعزيز الشمول المالي، وتمكين المرأة والشباب والفئات الأكثر احتياجًا، ودعم مشاركة كل الفئات في التنمية، وتعزيز روح الولاء والانتماء للهوية المصرية.

إسكان العشوائيات

أولى الرئيس عبد الفتاح السيسي عقب توليه السلطة اهتمامًا خاصًا بملف العشوائيات الذي أهملته الحكومات السابقة على مدار 30 عامًا، وبدأ في خطة طموحة لتطوير المناطق غير الآمنة والتي بدأت بمشروع نهضة المحروسة وحي الأسمرات وتطوير منطقة ماسبيرو وبشاير الخير والإسكندرية. فقد تم افتتاح مشروع بشاير الخير 1 في الاسكندرية في شهر ديسمبر عام 2016، والذي أقيم على مساحة 12.5 فدانًا لخدمة عشرة آلاف مواطن. 

وفي عام 2016 افتتح الرئيس السيسي المرحلتين الأولى والثانية من مشروع الأسمرات الإسكاني بحي المقطم، وظهرت مدينة الأسمرات بمراحلها الثلاث، أول وأهم وأكبر المشاريع لتطوير العشوائيات والتي استوعبت أكثر من 15 ألف أسرة حتى الآن؛ إذ تم إنشاء 3 مراحل بمدينة الأسمرات على مساحة 185 فدان تقريبًا، وتم تسكين المرحلتين الأولى والثانية، وجارى التسكين في المرحلة الثالثة، بإجمالي 18420 وحدة سكنية لكل المشروع.

وفي ديسمبر 2018 افتتح الرئيس السيسي مشروع بشاير الخير 2 بمنطقة “غيط العنب” غرب الإسكندرية، لاستقبال مئات الأسر من المناطق العشوائية في 1869 وحدة سكنية جديدة، بتكلفة تقرب نحو 625 مليون جنيه، وتم تسليم 1632 وحدة سكنية خلال المرحلة الأولى، وتضمنت المرحلة الثانية إنشاء 18 بلوك وعمارة فردية، بإجمالي 37 عمارة، تشمل 1869 وحدة سكنية، بمساحة 100 متر مربع لكل شقة.

وبحسب بيانات صندوق تطوير العشوائيات فقد انتهى من تطوير 188 منطقة غير آمنة تضم 105328 وحدة، وجارٍ الانتهاء من تطوير 90 منطقة أخرى بها 90466 وحدة، علاوة على الانتهاء من تطوير 52 منطقة غير مخططة وجارٍ تطوير 18 منطقة أخرى بها 284108 وحدات.

وأيضًا، تم الانتهاء من تطوير 18 سوقًا عشوائية، وجارٍ تطوير 26 أخرى تضم 3645 وحدة، إلى جانب تنفيذ 70 مشروعًا العام الحالي وهي 11 مشروعًا لتطوير 27 منطقة غير آمنة. وقامت الدولة بتطوير مشروع مثلث ماسبيرو من خلال إزالة المناطق العشوائية وإيجاد مناطق بديلة للأهالي.

حياة كريمة

يُعد الضمان الاجتماعي أحد الأركان الأساسية للعدالة الاجتماعية، ويشمل الضمان الاجتماعي الحق في الحصول على استحقاقات أو ضمانات مادية وغير ذلك. وفلسفة ذلك هو محاولة ربط نسيج الشعب وتقليل الفجوات بينهم دون تمييز، ويتضمن كذلك عدة أمور من أمثلة تقديم مساعدات مالية إلى الأفراد الأكثر احتياجًا في المجتمع، وتقديم رعاية صحية جيدة لكل طبقات المجتمع، وكفالة الأفراد الذين وُلدوا في طبقات فقيرة عبر تقديم تعليم فعال وعمل لائق.

وقد أطلق الرئيس ‏عبد الفتاح السيسي عدة مبادرات لتطبيق مفاهيم الضمان الاجتماعي وبرامج الحماية الصحية المختلفة، وكانت البداية بمشروع تكافل وكرامة وهـو برنامـج للتحويـلات النقديــة المشروطـة تحـت مظـلة تطويــر شــبكات الأمـان الاجتماعــي. ثم أطلق مبادرة حياة كريمة التي تتعاون فيها الدولة مع القطاع الخاص والمجتمع المدني والتي جاءت لتحقق ما جاء في نصوص العهد ‏الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية كحق الإنسان في المسكن الملائم وحقه في الحصول خدمات جيدة وتعامل ناجز مع الفقر ‏والبطالة.  ‏

وقد بدأت قبل أيام المرحلة الثانية من المشروع -الذي حصل على إشادات أممية سابقة- وقد وفرت له الدولة حوالي 500 مليار جنيه لتطوير القرى بالمحافظات وكان مستهدفًا في البداية 232 قرية، إلا أن الرئيس ‏وجه العمل في 50 مركزًا في المحافظات المختلفة على مستوى الجمهورية بإجمالي 1381 قرية، وقرر أن يتابع بنفسه مراحل ‏تنفيذها.

وتقوم المبادرة على دعم مشروعات التمكين الاقتصادي وتوفير فرص عمل وكذلك مشروعات متناهية الصغر في إطار تعزيز شبكة ‏الحماية الاجتماعية من الأسر الأولى بالرعاية، وكذلك رعاية ذوي الإعاقة وتوفير بطاقات الخدمات المتكاملة لهم، مع تكثيف برامج ‏التوعية والتوسع في فصول محو الأمية وإطلاق قوافل الاكتشاف المبكر للإعاقة بالنسبة للأطفال الأقل من سن 5 سنوات في مختلف ‏القرى المستهدفة.‏

وكذلك، استجاب الرئيس لحكم القضاء المصري بضم العلاوات الخمس المستحقة لأصحاب المعاشات بنسبة 80% من الأجر الأساسي وبذلك انتصر الرئيس لاصحاب المعاشات الذين تدوولت قضيتهم لسنوات دون استجابة.

تراجع معدلات الفقر

قبل أيام أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تراجع معدلات الفقر في مصر لـ29.7% خلال عام 2019/2020 مقارنةً بـ32.5% في بحث عام 2017 / 2018. وذلك بعد دخول مشروعات الحماية الاجتماعية التي أطلقها الرئيس السيسي خلال السنوات الخمس الماضية حيز التنفيذ، والتي كان على رأسها برنامج تكافل وكرامة والدعم ودعم المرأة المعيلة، التي أدت إلى ارتفاع متوسط الدخل السنوي للأسرة من 60 ألف جنيه سنويًا إلى أكثر من 69 ألف جنيه سنويًا.

وقد ساهم الدعم التمويني للأسرة والذي يستفيد منه نحو 70 مليون مواطن في تراجع معدلات الفقر بشكل كبير، والتي جاء من أهمها تسجيل متوسط الدعم التمويني للأسرة 1420 جنيها، كما كان لدعم البوتاجاز الأثر الأكبر في دعم الأسر المصرية في المناطق الريفية بدعم يقدر بـ1527 جنيهًا سنويًا للأسرة الواحدة، و1944 جنيهًا لدعم الكهرباء.

وأشار الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى نجاح برنامج تكافل وكرامة والذي يستفيد منه أكثر من 3 ملايين مواطن، والذي يعد ضمن أهم البرامج الحكومية التي أدت إلى انخفاض مستوى الفقر في مصر، إذ كشفت نتائج بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك، أن غالبية المستفيدين من البرنامج يمثلون 40% من أفقر السكان، وهو ما يعكس نجاح جهود الدولة في استهداف الأسر الأولى بالرعاية منذ بدء تطبيق البرنامج.

وأكد التقرير أن ما ينفقه المصريون في شراء الطعام والذي وصل لـ31.1% من إجمالي دخلهم السنوي يؤكد تراجع معدلات الفقر لمستوى لم يحدث منذ 20 عامًا، وربط ذلك بزيادة الأجور، وإتاحة فرص عمل في السوق المصري.

برامج الحماية الصحية

مع ظهور مشروع التأمين الصحي الشامل، بدأت الدولة في مد المظلة الصحية إلى كافة مواطنيها على حد سواء، وسبقه عدة مبادرات أطلقها الرئيس السيسي مثل مبادرة 100 مليون صحة وعلاج فيروس سي مجانًا وإنهاء قوائم الانتظار في المستشفيات، ثم التعامل بجدية مع جائحة كورونا وفق الإمكانيات المتاحة.

وفق هذه الرؤية يمكن أن نرصد تقدمًا كبيرًا استجابت فيه الدولة المصرية لمطالبات الشعب المصري بالعدالة الاجتماعية، وبدأت تطبيقها وفق مفهومها الحديث الذي أرسته الأمم المتحدة وحددته المعايير الحقوقية الدولية لجودة الحياة للمواطن.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى