
صحيفة روسية: أوكرانيا تدرج مزيدا من القوانين لتقييد توغل اللغة الروسية حفاظا على هويتها
عرض- داليا يسري
في إطار التجاذبات الأخيرة التي وقعت بين روسيا وأوكرانيا، المهتمة بالحفاظ على الهوية الأوكرانية من خلال حظر استيراد المزيد من الكتب الروسية. نشرت صحيفة “الحياة الدولية” الروسية، مقالا للرأي، تحت عنوان “اللغة الأوكرانية والعالم الروسي“، لكاتبه الصحفي “فلايسلاف جوليفيتش”.
وذكر الكاتب، في مستهل موضوعه، أن السلطات الأوكرانية تُخصص مبالغ كبيرة من ميزانيتها لدعم تطوير اللغة الأوكرانية، وإدراج المزيد من القوانين التي تُقيد توغل اللغة الروسية في أوكرانيا. وهو الأمر الذي يُعلق عليه الكاتب لافتًا إلى أن هذه التحركات تُشير، من وجهة نظره، إلى أن مواطني أوكرانيا ليسوا مستعدين بعد للتبديل بشكل طوعي ما بين اللغة الروسية والأوكرانية، كلغة للتواصل بينهم.
فضلا عن ذلك، يشير الكاتب إلى أن الأوكرانيين يفضلون المنتجات المطروحة باللغة الروسية بشكل يفوق نظيرتها من الأوكرانية، مما يثير تساؤلات جوهرية حول ما إذا كانت هناك بالفعل “أمة أوكرانية”، بالشكل الذي يجعل من “اللغة الأوكرانية”، إحدى العلامات المُميزة لهويتها؟!
يستطرد الكاتب قائلا إن من أهم السمات الواضحة للهوية الوطنية الأوكرانية، هو “عدم وضوحها” من الأساس، علاوة على عدم وجود معالم واضحة تفصلها عما تريد هي التملص منه والانفصال عنه في الهوية الروسية.
ويشرح الكاتب وجهة نظره، لافتًا إلى أنه من الصعب للغاية الوصول الى تفسير منطقي لحالة الشخص الأوكراني الجنسية، الذي يؤيد بشدة استقلالية أوكرانيا عن روسيا، ولكنه مع ذلك يظل معتمدًا على اللغة الروسية في حياته اليومية كلغة أساسية للتواصل!
لذا بات من الأيسر أن نقول، إن العلامة الواضحة الوحيدة التي يتم بها التمييز بين الشخص الأوكراني الهوية والغير أوكراني الهوية، هي فكرة دعمه لاستقلالية أوكرانيا عن روسيا. بغض النظر عن اللغة التي يظل هو متمسك بالحديث بها. ولكن يقول الكاتب، أن الآراء السياسية تُعد عنصرا غير مستقر وغير ثابت ولا يمكن الاكتفاء به كعنصر محدد لهوية سياسية معينة. بمعنى أن هؤلاء الأوكرانيين “المؤيدين لفكرة استقلال أوكرانيا”، قد يتوقفون فجأة عن إيمانهم بهذه الفكرة والعكس صحيح. كما أن أشهر سياسيو و أوكرانيا كانوا قد إما ولدوا أو حصلوا على تعليمهم في روسيا، لكنهم صنعوا حياتهم السياسية في أوكرانيا، وأصروا على انتمائهم لأوكرانيا. لكن السؤال هنا، تُرى كيف كانوا سوف يصبحون أوكرانيون إذا لم يولدوا في روسيا؟!
هناك أيضًا أمر غير واضح المعالم يقول عنه الكاتب، هذا الأمر يتخلص في سؤال حول ما الذي يُميز الأوكراني عن البيلاروسي؟ خاصة وأن سكان المناطق الغربية الأوكرانية المتاخمة لبيلاروسيا، يستخدمون الألقاب التي تحمل النهاية “إيتش”. وبناء عليه، تجد سُكان هذه المناطق من على الجانبين، يحملون نفس الألقاب، ولكن كلاً منهم يحمل جنسية البلد التى يتبع لها وفقًا للحدود السياسية. ولهذا السبب يؤكد الكاتب أن الثلاث الشعوب؛ “الروسية، والبيلاروسية، والأوكرانية”، جميعها شعوب تتحدر من أصل واحد، وأن ما يفصلهم عن بعضهم البعض ليست أكثر من مجرد اختلافات إقليمية فحسب، ولا يمكن أن يتم تصنيفها على أنها قوميات ثابتة ومستقلة.
ويدحض الكاتب في سبيل اثبات رأيه حول الهوية الروسية المنتشرة في شتى أنحاء بلدان الفضاء ما بعد السوفيتي، النظرية التي عادة ما يستشهد بها أرباب نظرية استقلال الدول الأوكرانية، واللذين يرون أن الأمر يشبه الوضع في أيرلندا. ويقول الكاتب، إن محاولة تشبيه الأوضاع مع ما يجري بين أيرلندا والمملكة المتحدة، هي محاولة في غير محلها. نظرًا لأن الأيرلدنيين لديهم أساطيرهم الخاصة، ولديهم كذلك قانون أيرلندي قديم، وخصائص ثقافية أخرى تفصلهم عن العالم الأنجلو ساكسوني. فيما يفتقر السُلاف الأوكرانيون إلى أي علامات مميزة قد تفصلهم عن السُلاف الروس والسُلاف البيلاروسيون.
ويؤكد الكاتب أنه لا يمكن أن توجد أمة أوكرانية منفصلة عن الشعب الروسي، بمعنى أن كلا الروس والأوكرانيون يتشاركون في الأساطير الشعبية والتاريخ واللغة كذلك، مما يجعل من اللغة الأوكرانية أمرًا أقرب الى اللهجة منه الى اللغة المنفصلة، وهذا شيء معروف بالنسبة لأي عالم لغوي. والدليل على ذلك، هو أن اللغات الروسية والأوكرانية تشترك في الكثير من العوامل، ليس فقط من حيث المفردات، ولكن من حيث العبارات والنحو كذلك. كما أن معظم التعبيرات العامية الأوكرانية التي ظهرت خلال الفترة الممتدة ما بين عشرون إلى ثلاثون عامًا ماضيًا في عبارة عن نسخ من تعبيرات تحذو حذو مثيلتها من الروسية. ولا تختلف اللغة الأوكرانية إلا من حيث الصوت، أو النطق، وهي اختلافات إقليمية فقط ولا تكفي لأن ترقى معها “الأوكرانية” إلى الحد الذي يمكن أن تطلق عليها فيه لفظة لغة منفصلة بشكل كامل.
وفي الختام، يعلق الكاتب على أن النظام الأوكراني يستخدم اللغة الأوكرانية ليس لتوحيد أطياف المجتمع، ولكن لأجل تقسيم السكان إلى معسكرات سياسية إما موالية له أو غير موالية للدولة بشكل تام.
ويهاجم الكاتب هذه السياسية، قائلاً إن اللغة الأوكرانية بات استخدامها في الآونة الأخيرة أقرب الى لفظة “عسكرة”، مما يضفي عليها طابعا أيديولوجي لم تكن اللغة تملكها من الأساس. بحيث تحولت اللغة في الآونة الأخيرة، إلى حرب ضد العالم الروسي. لكن أوكرانيا، التي أطلق عليها الكاتب في مقاله “روسيا الصغيرة”، هي جزء لا يتجزأ من العالم الروسي، مما يعني أن أي محاولات من جانبها لأجل قطع كل العلاقات مع روسيا لن تؤدي الى أي شيء آخر سوى انهيارها وليس تشكيل الدولة الأوكرانية، وهو الأمر الذي نشهده بالفعل في الوقت الحاضر.
باحث أول بالمرصد المصري