أفريقيا

تحدي الدور: تولي “الكونغو الديمقراطية” رئاسة الاتحاد الإفريقي 2021

خلال القمة القادمة للاتحاد الإفريقية؛ ستنتقل رئاسته الدورية من جنوب إفريقيا إلى الكونغو الديمقراطية. وهي المسؤولية التي تمثل تحديًا يضاف إلى جملة التحديات التي يشهدها ذلك البلد الذي يحتل مرتبة متقدمة في مؤشر الإرهاب العالمي 2020، في ضوء التحديات الأمنية وعدم الاستقرار السياسي، فضلًا عن التحديات الاقتصادية والصحية المتفاقمة. 

يفرض ذلك الوضع مزيدًا من الضغوط على الدور القاري المنوط بها تحمله؛ مع ضرورة متابعة أجندة قارية تعالج العديد من المسائل الجماعية؛ بما فيها التداعيات الاقتصادية لوباء كورونا، ومتابعة قضايا الاقتصاد والتجارة والدفع قدمًا باتفاقية التجارة الحرة القارية، ومتابعة مبادرة إسكات البنادق، لمواجهة التحديات الأمنية التي تعاني منها القارة. هذا فضلًا عن متابعة القضايا السياسية المطروحة على أجندة الاتحاد، بما فيها مفاوضات سد النهضة المتعثرة. تأتي تلك الأدوار في أعقاب فترة جمود نسبيًا، تسبب فيها  تفشي فيروس كورونا؛ بما قلل من فرص جنوب إفريقيا في متابعة القضايا التي انتقلت إليها مع تسيلم مصر رئاسة الاتحاد إليها. 

لذلك؛ يعد توليّ الكونغو الديمقراطية رئاسة الاتحاد فرصة مناسبة لاستكمال ما بدأته مصر من مساعٍ وجهود قارية أثناء توليها رئاسة الاتحاد عام 2019. وقد عبّر وزير الخارجية المصري، للوفد الكونغولي بمصر، الشهر الماضي، عن استعداد مصر لتقديم الدعم للكونغو الديمقراطية أثناء رئاستها للاتحاد. 

واقع صعب وتحدي الدور

تعاني تلك الدولة الواقعة على منابع النيل والغنية بمواردها الطبيعة، من تحديات اجتماعية وأمنية وسياسية؛ جعلت من عدم الاستقرار الأمني والسياسي السمة السائدة والمؤشر العام على حال البلاد. 

ففي منتصف العام الماضي، وتزامنًا مع تفشي فيروس كورونا، شهدت البلاد موجة جديدة من تفشي وباء إيبولا بجانب انتشار مرض الحصبة. تلك الأوضاع الصحية الصعبة، شهدت انتشارًا أوسع في المناطق الشرقية والشمالية من البلاد، التي تشهد اضطرابًا أمنيًا واتساع نطاق عمل الميليشيات بها؛ على نحوٍ جعل من النزاع المسلح معرقل إضافي لمواجهة الفيروس، بجانب العراقيل الاقتصادية واللوجستية، وضعف قدرة الدولة على مواجهة تلك الظروف الاستثنائية، المضافة إلى استثنائية وضعها بالأساس. 

أضف إلى تلك التحديات الصحية؛ التحديات السياسية التي تحدّ من قدرة حكومة الرئيس “فيليكس تشيسكيدي” من تمرير القوانين وتبني سياسات قادرة على معالجة التحديات التي تواجه البلاد؛ ذلك في ظلّ سيطرة أنصار سلفه، الرئيس السابق ” جوزيف كابيلا”، على الأغلبية البرلمانية، مما أضعف من قدرة تشيسكيدي على متابعة السياسات التي وعدّ بها في حملته الانتخابية، بعد عامين من انتخابه رئيسًا للبلاد. فلا زالت التحديات التي ورثها من سلفه، والسياق الأمني المعقد والسياسي المتشابك، يعصف بأية جهود سياسية أو أمنية للإصلاح.

وربما ذلك الأمر؛ دفع بقرار تشيسكيدي في 6 ديسمبر الماضي، بإنهاء التحالف البرلماني مع حزب كابلا، “حزب الجبهة المشتركة للكونغو” واتجاه حزبه “التوجُّه نحو التغيير” نحو تشكيل تحالف جديد يمكنه من تبني تشريعات وإصلاحات سياسية في البلاد، والقضاء على الفساد وإحكام السيطرة على الموارد الاقتصادية وتوظيفها لصالح جهود الأمن والتنمية، مع استمرار سيطرة كابلا على قطاعات المناجم والزراعة، والمواقع النافذة في السلطة. في ضوء ذلك، أعلن عزمة على استخدام صلاحياته لحلّ البرلمان، حال تعثرت جهود تكوين أغلبية برلمانية جديدة، بعيدًا عن حزب الرئيس السابق، الذي مثّلت مهادنة الرئيس الحالي له، في عرقلة جهود الإصلاح. 

في ضوء ذلك، يسعى تشيسكيدي إلى حشد جهود الشركاء الإقليميين والدوليين، بما فيهم صندوق النقد والبنك الدوليين، لدعم الاقتصاد المتضرر، والمتوقع تراجع نموه بمقدار 2%، وفقًا للبنك المركزي الكونغولي. 

ناهيك عن استمرار الأوضاع الامنية المضطربة بالبلاد، مع استمرار المواجهات بين الجامعات الزراعية ” الليندو” والجماعات الرعوية ” الهيما” في مقاطعة إيتوري، بجانب استمرار الاضطرابات في مقاطعة كيفو الشمالية، إضافة إلى استمرار تهديد تحالف القوات الديقمراطية الأوغندي، وغيرها من الجماعات، بما يفاقم من الأوضاع الإنسانية، في ظل أزمات اللجوء والنزوج، واستمرار العنف القبلي، المتخذ بعدًا إقليميًا. 

مع استمرار تلك الأوضاع، وفشل جهود الحوار، وجهود دمج الميليشيات، وفشل برامج نزع التسلح، مع نوايا بعثة الأمم المتحدة في الانسحاب؛ يظل العبء الأكبر على مؤسسات البلاد الأمنية. في حين أن افتقار السلطات الكونغولية إلى الالتزام السياسي وضعف قدرتها على حلّ المشاكل الكامنة وراء العنف، كان جزءًا من الأزمة المستمرة. فلم يكن هناك تخصيصًا للموارد لبرامج الإصلاح وإعادة البناء، كما أن بعض المسؤولين متورطين في دعمهم للميليشيات، مع استمرار عدم المساواة في الوصول إلى الموارد والأرض.

يفرض هذا الوضع على السلطات الكونغولية، تخصيص المزيد من الموارد والجهود لمواجهة تلك التحديات والعمل على بناء السلام. فالمؤسسات الأمنية التي أورثها جوزيف كابيلا ضعيفة، وتفتقر إلى المهنية وبحاجة للتدريب، ورفع قدراتها العملياتية، وتأمين مستلزماتها من أجل المواجهة، مع إيلاء الحكومة أولوية لمعالجة التحديات الأمنية الراهنة، على حساب مأسسة وإصلاح أجهزة الأمن على المدى البعيد. مما يفرض عبئًا على الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم الدعم المالي والفني للمساعدة في إرساء الأمن والاستقرار ومن ثمّ متابعة جهود التنمية. 

واقع العلاقات المصرية – الكونغولية

يكشف واقع تلك الدولة المهمة بالنسبة للسياسة المصرية، والواقعة على منابع النيل، عن فرصة وقيد في آنٍ واحد. فتتمثل الفرصة في تهيئة الظروف لمزيد من التقارب الثنائي وتوثيق العلاقات، التي شابها الفتور، في إطار التراجع العام الذي شهدته السياسة المصرية في القارة بشكل عام قبل إعادة تبني سياسة إفريقية نشطة عام 2014. فمصر والكونغو لديهما رؤية مشتركة للكثير من القضايا الإقليمية وقضايا التنمية والتعاون في إطار حوض النيل. 

تعززت تلك الرؤية وتأكدت، مع الرسالة التي بعث بها الرئيس الكونغولي، مع وفد برئاسة نائبه ” جين كابونجو” للرئيس السيسي، 19 سبتمبر 2020، أكدّ خلالها على دعمه للرؤية والموقف المصري من قضية سدّ النهضة. ذلك على الرغم من كون الكونغو الديمقراطية، إحدى دول منابع النيل الست، التي وقعت على إعلان “عنتيبي” 2010. يمثل ذلك الموقف، فرصة لإعادة بناء موقف مصري مواتٍ لتطلعاتها في إطار حوض النيل، مع كونها إحدى أهم دول منابع النيل الاستوائية. 

وفي ضوء ذلك، سعت مصر في مطلع العام الماضي، لبحث أفاق التعاون في مجالات التنمية والموارد المائية، من خلال عرض الوفد المصري برئاسة وزير الكهرباء، محمد شاكر، المشاركة في أعمال سد إنجا، وتفعيل مشاريع الربط الكهربائي. 

ولعل انخراط مصر في مشاريع التنمية والبنية التحتية الكونغولية، والتي هي بحاجة بالفعل لشركاء التنمية الإقليميين والدوليين لتقديم التعاون والدعم، يمثل نافذة للانفتاح على فرص وآفاق اقتصادية واعدة، كون هذا السدّ من شأنها أن يجعل الكونغو أكبر مصدر للطاقة الكهربائية في وسط إفريقيا، مما يقوي روابط التعاون بينها وبين جنوب إفريقيا ونيجيريا وأنجولا، وغيرهم. فضلًا عن كونها دولة غنية بمواردها المعدنية، وأكبر منتج للكوبالت ومصّر للنحاس. يوفر ذلك التعاون الاقتصادي والثنائي فرصة لمصر، ليس لتنمية العلاقات مع الكونغو فحسب، وإنما قد تكون نافذة لتدعيم أواصر الصلة مع شركاء إقليميين آخرين في محيط الكونغو، باعتبارها شريك وسيط. 

تظهر ملامح التقارب وفرص التعاون هذه، في ظل واقع علاقات ثنائية جيدة بالفعل، وواقع تعاون اقتصادي وتبادل تجاري متميز، وبحاجة للمزيد من الدعم، في كافة المجالات التنموية. ذلك، بجانب العلاقات السياسية المستقرة بين البلدين، والتي دفعت مصر للمشاركة في قوات حفظ السلام الدولية، لإرساء السلام بشرق الكونغو عام 2009، في إطار حرص مصر على دعم الاستقرار والتنمية في الكونجو. 

آفاق العلاقات المستقبلية

يعكس واقع العلاقات هذه، فرصًا واعدة للتقارب على المستوى الاقتصادي والتجاري وأيضًا على المستوى السياسي والدبلوماسي. 

فعلى المستوى الاقتصادي والتنموي، لا تزال الكونغو الديمقراطة بحاجة إلى الدعم المالي والفني للشركاء الثنائيين والدوليين، في دعم مجالات البنية التحتية وتقديم الخبرة الفنية واللوجستية، ذلك في إطار إعادة هيكلة قطاعات الاقتصاد، الذي يعاني من الفساد والتسييس. وهو ما عبر عنه الرئيس تشيسكيدي، بحاجة حكومته لمزيد من الدعم، لإعادة بناء الاقتصاد، وتحقيق العدالة التنموية والتوزيعية، وإنهاء سيطرة أنصار سلفه” جوزيف كابيلا” على القطاعات الرئيسية في البلاد. 

أضف إلى ذلك، كون الكونغو الديمقراطية، تقع في مرتبة متقدمة في مؤشر المخاطر العالمي، مما يجعلها وجهة غير جاذبة للاستثمار؛ مما يجعلها وجهة فقط للشركات العسكرية والدولية المدعومة من الحكومات، التي تعمل في بيئات عالية الخطورة، دون مراعاة المعايير الدولية أو تلبية الاحتياجات المحلية، لتحقيق مصالحها الذاتية. هذا الوضع، يتطلب مزيدًا من الدعم من الشركاء الثنائيين، بما فيهم مصر، التي يمكنها تقديم الدعم الفني واللوجستي، لإعادة هيكلة قطاعات الاقتصاد، ورفع القدرة المؤسسية للبلاد، وبالفعل تقدم هيئة الرقابة الإدارية، برامج لمكافحة الفساد ورفع القدرة التأهيلية للقطاعات الإدارية في الكونغو الديمقراطية. 

كما أن انخراط الشركات والقطاعات المصرية في تلك السوق عالية المخاطر، في ظلّ عدم إقبال الكثير على التنافس بها، يجعلها تحظى بموطئ قدم وتسبق غيرها من المتنافسين على الأسواق الإفريقية، خاصة مع حرفية الأيدي العاملة والقدرة على العمل في ظلّ ظروف عالية الخطورة، مع العمل على تحييد مخاطرها، ذلك كما علمت الشركات المصرية في بناء سد تنزانيا، في ظل ظروف صعبة. 

كما أن الانتباه إلى تقديم الدعم التنموي بجانب التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري، قد لا يقدم عليها شركاء التبادل التجاري الدوليين، الذين لا يسعون إلى تعزيز علاقات دبلوماسية وسياسية نشطة، بما يقلل من فرص انخراط الكثير في برامج إعادة الإعمار، باستثناء الحلفاء الاستراتيجيين وأصحاب المصلحة؛ بما فيهم الدول الإقليمية، التي يجب ألا تغيب عنهم الدولة المصرية. 

ويتصل بذلك الوضع، الجانب الأمني، للعمل على معالجة التحديات الأمنية، والمشاركة في إعادة هيكلة القطاعات الأمنية، فمصر لديها خبرة مؤسسية في القطاعات العسكرية والأمنية، يمكنها تقديم الدعم للكونغو في إطار خطط إعادة بناء المؤسسات، وإصلاح القطاعات الأمنية. 

وعلى الجانب السياسي، يمكن لمصر دعم الدبلوماسية الإقليمية النشطة للكونغو، سواء فيما يتعلق بالحوار الإقليمي في إطار منظمة البحيرات العظمى، لحسم القضايا الأمنية، مع تورط ميليشيات رواندية وأوغندية في شرق البلاد. فلمصر دور هام في إطار مؤتمر دول البحيرات العظمى، مما يمكنها من الاضطلاع بدورٍ فاعل في تعزيز الآليات الإقليمية لدول المنطقة، لمواجهة تحدياتها الأمنية، وبناء أطر إقليمية متعددة الأطراف، تكون مصر في إطارها.

هذا فضلًا عن حاجتها على الخبرة الفنية والسياسية، لرفع قدرة ممثليها لرئاسة الاتحاد لهذا العام، في إطار مع تمّ الاتفاق عليه بالفعل من عقد دورات تأهيلية في المراسم والبروتوكولات للعاملين في المؤسسات الكونغولية، وهو ما تأكدّ في تصريحات وزير الخارجية المصري، سامح شكري، باستعداد كافة مؤسسات ووزرات الدولة المصرية لتقديم الدعم الفني والموضوعي واللوجستي وتدريب الكوادر الكونغولية، ذلك على هامش لقائه في 16 ديسمبر الماضي، “بألفونس منتوبا”، منسق خلية العمل المعنية بالرئاسة الكونغولية المقبلة للاتحاد الأفريقي خلال عام 2021 . علاوة على تبني مصر لقضايا الأمن والسلام في الكونغو في المحافل الإقليمية والدولية، ومع رغبة القوات الأممية في تخفيض عددها، يمكن لمصر المناداة باستمرار تقديم الدعم الدولي للكونغو. 

أخيرًا، تعد الحاجة الكونغولية للأمن والتنمية، هي واقع الاحتياجات التي تحتاجها أغلب بلدان القارة الإفريقية، وهي القضايا التي تتبناها مصر وتحدد رؤيتها للسياسة الإفريقية. فتقديم مصر الدعم للكونغو الديمقراطية لتحقيق الأمن والتنمية، يعد جزءًا من رؤية أوسع لتحقيق السلم القاري والتنمية الإفريقية. 

كما أن افتقار الكونغو للأمن وضعف جهود التنمية، يقلل من دبلوماسيتها القارية، لمتابعة القضايا القارية المتعلقة “بإسكات البنادق” و”تعزيزالتجارة الحرة القارية”؛ مما يستدعي المزيد من الجهود الثنائية والإقليمية، لحشد الجهود الدبلوماسية القارية والدولية، لتحقيقهما على مستوى الكونغو بشكل خاص وعلى المستوى القاري بشكل عام. 

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

شيماء البكش

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى