سياسة الهوية: دعوة للكرامة بدون “قومية” الدولة
في عالم السياسية اليوم، يطالب الأفراد بالاعتراف بكرامتهم وهويتهم، وهذا هو محور كتاب Identity: the Demand for Dignity and the Politics of Resentment الهوية: طلب الكرامة وسياسة الاستياء، لكاتبه عالم السياسة وصاحب أطروحة نهاية التاريخ بعد انتهاء الحرب الباردة فرانسيس فوكوياما Francis Fukuyama الصادر في 2018.
يقول فوكوياما أن سياسات الهوية هي المفهوم الرئيسي الذي يفسر الكثير مما يجري في السياسة العالمية اليوم، وكل تطور سياسي عالمي كبير لا اليوم فقط ولكن على مدى القرنين الماضيين حسب فوكوياما. وفي إطار ذلك، فإن ما يريده الإسلاميون حقًا، على حد مفهوم فوكوياما، ليس خلافة على الأرض بل الاعتراف العلني بهويتهم الجماعية الخفية أو المكبوتة.
كذلك يشير الكاتب أن هوية الحوثيين هي في الجهاد، من خلال رمزية علمهم والمكتوب عليه “الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام. وعلى صعيد الداخل الأمريكي، يلاحظ فوكوياما أن المراهقين الأميركيين يجدون هويتهم في الموسيقى التي يستمعون إليها مع أصدقائهم.
الكرامة، فطرة أم اكتساب؟
يشير فوكوياما في كتابه بأن مطالب الكرامة نابعة من الذات الداخلية باعتبارها أساسًا للكرامة الإنسانية، بينما يرى بأن طبيعة هذه الكرامة متغيرة وقد تغيرت بمرور الوقت. وبالتالي، فهو يكتب كما لو أن الكرامة ليست فطرية أحياناً، ولكن ممنوحة من قِبل الآخرين. فهو يتحدث عن المجموعات المهانة والتي تسعى لاستعادة كرامتها مما يعني ضمناً أن تلك الكرامة يمكن أن تضيع. ولدعم تلك الفكرة في تحليله لجمهورية أفلاطون، كان المحاربون يطالبون بالكرامة، مما يعني أنهم لا يمتلكونها.
ومن هنا، يصل الكاتب إلى أن الكرامة تتمثل في الرغبة في اعتراف الآخرين بها.
ويستخدم فوكوياما مصطلحات “الهوية” و “الكرامة” بصورة متبادلة. حيث يعرّف سياسة الهوية على أنها صراع من أجل الاعتراف بكرامة الفرد وبهويتة أيضًا. ومن هنا يعتقد فوكوياما أن السياسة كلها هي سياسة هوية ومشيراً إلى تفسير ألكسندر كوجيف لهيجل من أن الكفاح من أجل الاعتراف هو الدافع النهائي للتاريخ البشري.
أشكال سياسات الهوية:
حلل فوكوياما شكل سياسات الهوية. فالأول والذي يؤيده الكاتب، يدعو إلى الاعتراف بكرامة الفرد ويجد تحقيقه الكامل في الديمقراطية الليبرالية في الداخل ودعم حقوق الإنسان في الخارج وأن مطالبته بالإعتراف على قدم المساواة لجميع المواطنين، هو النقيض لسياسات الهوية التي تتطلب معاملة تفضيلية لمجموعات الهوية المعترف بها.
أما الشكل الثاني لسياسة الهوية – والذي يقلق فوكوياما- فيتطلب الاعتراف بالهويات الجماعية التي تستند إلى القوميات أو الأديان أو الأعراق. ويطالب أتباعها بالاعتراف “ليس لجميع البشر، ولكن لأعضاء جماعتهم القومية أو الدينية الخاصة”. ويعود سبب القلق من هذا الشكل لأنها مبنية على فهم الهوية بناءً على خصائص ثابتة مثل العرق والدين.
وفي هذا السياق، يشير فوكوياما إلى أن ترامب أيقظ شكلاً “قبيحًا” من القومية الشعبوية التي ستعيد الفهم العرقي أو الديني للبلاد، وأنه على الرغم من أن الرئيس نفسه كان حريصًا على عدم التعبير عن وجهات النظر العنصرية العلنية، إلا أن خطابه يحتوي ضمناً ما يمكن وصفه بالدعوة إلي القومية البيضاء، ونتيجة لذلك، انتقل هذا الخطاب من حركة هامشية إلى شيء أكثر شيوعًا في السياسة الأمريكية.
يقول David Azerrad مدير مركز كينيث سيمون للمبادئ والسياسة في تحليله لكتاب فوكوياما إنه لا يقدم أي أدلة لإثبات أن دونالد ترامب هو قومي أبيض. ويرى أن فوكوياما يشوه صورة ترامب من أجل تأكيد تحيزه، متجاهلاً تأكيدات الرئيس العديدة بالوحدة المدنية.
ماذا بعد؟
إن ما يحاول فوكوياما القيام به هو مواجهة المد المتصاعد للهوية القبلية في تياري اليسار واليمين، فضلاً عن إحياء القومية “المدنية”Civic Nationalism ، وإعادة توجيه التوق للهوية صوب “هويات وطنية أكبر وأكثر تكاملاً تأخذ في الحسبان التنوع الفعلي للمجتمعات الديمقراطية الليبرالية القائمة”.
ويطرح إثر هذا الهدف سؤال عن ما مدى حجم التنوع الذي يمكن للدولة القومية أن تستوعبه قبل أن تفقد اتساقها الداخلي؟ وهذا بدوره يثير سؤالاً أكثر جوهرية: عما الذي يربط الدولة (القومية) ببعضها؟
وبالنسبة لفوكوياما، فهناك جوابان فقط. فعلى جانب، يوجد القوميون العرقيون الذين يحددون مفهوم القومية من خلال خطاب ديني وعرقي. ويرفض فوكوياما هذا النهج لأنه يُستخدم لتبرير العنف ضد الأقليات. ومع ذلك، يشير David Azerrad بأن فوكوياما لا يُظهر أي اهتمام بالنظر في ما إذا كانت القومية العرقية بالضرورة غير متسامحة وتؤدي إلى العنف.
على الجانب الأخر، يوجد القوميون الذين يعرفون القومية بخطاب شامل ومجرد وعالمي، وهو النهج الذي يؤيده فوكوياما؛ حيث يرى شرطية تعريف الهوية الوطنية أولاً وقبل كل شيء بالتزام مشترك بـالمساواة والقيم الديمقراطية وما يتفق عليه “الجميع”.
وهكذا، فإن دفاع فوكوياما عن الدولة القومية بلغ ذروته في دعوة الاتحاد الأوروبي إلى إنشاء جنسية واحدة تستند متطلباتها إلى الالتزام بالمبادئ الديمقراطية الليبرالية الأساسية، والتي من شأنها أن تحل محل قوانين الجنسية الوطنية.
Identity: The Demand for Dignity and the Politics of Resentment
Francis Fukuyama
Farrar, Straus & Giroux, 2018. Pp. 240